كيف تواجه الولايات المتحدة تمدد حزب الله بالإقليم؟
4-10-2017


*
ثمة نزاع منخفض الوتيرة يجرى على قدم وساق داخل أروقة الإدارة الأمريكية لتقويض أذرع حزب الله اللبناني، استنادا لخطاب الرئيس دونالد ترامب بالقمة الأمريكية – الإسلامية بالرياض في مايو الماضي، وحديثه عن محاربة الإرهاب بكل أشكاله، خاصة التنظيمات المسلحة، التى حددها بـ "حماس، وحزب الله، وداعش، والقاعدة".
ولعل التحركات الأمريكية بدأت تتخذ مسارا جدياً بإقرار لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي أخيرا مشروعي قانون يتعلقان بتشديد العقوبات المفروضة على حزب اللّه. الأول ينص على تعديل "قانون منع التمويل الدولي لحزب اللّه"، وجعله أكثر شمولا، حيث أضيفت إليه إجراءات جديدة أكثر تشددا. بينما ينصرف مشروع القانون الثاني والأخير إلى معاقبة حزب الله لاستخدامه غير الشرعي للمدنيين كدروع بشرية، وانتهاك حقوق الإنسان، ليضفى مزيدا من التساؤلات حول طبيعة تلك التحركات العقابية، وانعكاساتها على تفاعلات الإقليم.
صعود سياسى:  
ترتبط التحركات الأمريكية ضد حزب الله ببروز مؤشرات تصاعد قوته في التفاعلات الداخلية . بدا ذلك واضحا مع دعم الحزب لحليفه ميشال عون لرأس السلطة اللبنانية بالتوازى مع ما تتعرض له الكتلة السنية الرئيسية برئاسة رئيس الوزراء سعد الحريري من أزمات مالية وسياسية. 
بموازاة ذلك، حصد حزب الله عدة مكاسب إقليمية من مشاركته في الصراع الممتد في سوريا، بداية من التمدد خارج الخريطة اللبنانية، بالإضافة لتطويره منظومات التسلح التي تُضاهي ما تمتلكه الجيوش النظامية، والخبرات القتالية والميدانية، دون إغفال تحركات الحزب العابرة للحدود من خلال التفاوض وعقد صفقات مع قوى إقليمية ودولية، سواء أكانت مع دول أم فواعل مسلحة، كتلك التي عقدها في أغسطس 2017 مع تنظيم "داعش" و"جبهة فتح الشام" (النصرة سابقا)، مما انعكس على مقدرات الحزب السياسية والعسكرية بالداخل اللبناني، والتمدد في الإقليم الشرق أوسطى.  
تدابير المواجهة:  
بدأت تفاصيل المواجهة الأمريكية لحزب الله تتضح من خلال العديد من التدابير والمواقف التي تم اتخاذها لتقويض الحزب في الفترة الماضية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بداية من محاصرة تحركاته ميدانيا ودوليا، وتغليظ العقوبات الاقتصادية على شبكاته المالية، وصولا إلى منح الضوء الأخضر للاستهدافات العسكرية للحزب، فى ضوء سياسة الحرب بالوكالة. ويتضح ذلك من خلال ما يأتي:  
أولا- ترتيبات قانونية:  حيث أقر الكونجرس الأمريكي أواخر سبتمبر الماضي مشروعي قانون لتغليظ العقوبات على حزب الله، فالقانون الأول رقم H.R – 3329  تطرق إلى إيقاف التمويل الدولي لحزب الله، ومنع وصول أي إمدادات إليه، من أي جهة مالية دولية. ويشمل هذا المنع أيضا ليس فقط المؤسسات المالية والاقتصادية، بل كذلك الأشخاص الذين يدعمون الحزب ماليا. حيث يتضمن مشروع القانون إمكانية فرض جزاءات على دول أجنبية، حال قدمت دعما عسكريا أو ماليا ذا أهمية لحزب الله، أو أحد الكيانات المرتبطة به. 
كذلك يخول مشروع القانون للرئيس ترامب تحديد الكيانات و الأشخاص الذين ستفرض عليهم جزاءات لتعاونهم مع الحزب، بما قد يفضى إلى مزيد من التوتر مع إيران (الداعم المالى الأول لحزب الله)، والتي تصاعدت حدتها مع التجربة الباليستية الأخيرة لصاروخ "خرمشهر"، والتجاذبات الثنائية حول ملف الاتفاق النووى الإيران. 
بينما جاء نطاق القانون الثاني والأخير رقم 3342 – H.R  أكثر شمولاً للموضوعات الأمنية والعسكرية، وما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان المُصدق عليها دوليا، والتطرق إلى القرار رقم 1701 الصادر عام 2006، واتفاق الطائف عام 1989، فضلا عن معادوة الحديث لعدّ المناطق التي يسيطر عليها حزب الله مناطق "مشبوهة لغسل الأموال"، بموجب المادة 311 من قانون "باتريوت" الأمريكي.
ومن شأن هذه التحركات القانونية أن تعزز فرص التطويق الاقتصادي، في ضوء وجود قانون سابق بحظر التمويل الدولي لحزب الله في 16 ديسمبر 2015 لمنعه من الاستفادة من الأنظمة المالية الدولية. كما أن استهداف العقوبات الأمريكية للمصرف اللبناني الكندي أضعف إحدى أهم أذرع حزب الله الاقتصادية، والتي تعانى بالأساس أزمات مالية، وهو ما دفع أمين عام الحزب حسن نصر الله إلى إطلاق حملات إعلانية لجمع التبرعات في لبنان لتجهيز محاربيه. 
ثانيا- ترتيبات عسكرية: حيث اعتمدت الولايات المتحدة استراتيجيات الإنهاك وسياسات الحرب بالوكالة كترتيبات مناوئة لتمدد حزب الله بالإقليم. فقد قامت بتوجيه ضربة جوية في 6 يونيو 2017 ضد مقاتلين تدعمهم إيران في سوريا. وقد أشارت بعض المصادر إلى مقتل عناصر من حزب الله، جراء تلك الضربة، فضلا عن تأكيد الجنرال جوزف فوتل - قائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)- التزام شراكة حكومة الولايات المتحدة مع لبنان في مواجهة التهديد الإرهابي، ودعم الجيش اللبناني في دوره كمدافع "وحيد" عن هذا البلد.
بالإضافة لذلك، منحت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لإسرائيل لشن ضربات جوية ضد أهداف وتحركات حزب الله في الداخل السوري، منها ضرب مستودع أسلحة لميليشيات الحزب في مطار دمشق الدولي في 26 أبريل 2017، بدعوى أن إيران تستغل المطار كجسر جوي لإمداد حلفائها بالسلاح، فضلا عن تنظيم تل أبيب لمناورات عسكرية في سبتمبر 2017 هي الأضخم منذ سنوات، تمت خلالها محاكاة عمليات "إجلاء المدن"، وصد عمليات التسلل عند الحدود من قبل حزب الله اللبناني كنوع من "الاستنزاف النفسى" مع حزب الله.
تناقضات السلوك:  
على الرغم من تمسك الولايات المتحدة  وحزب الله بتحركاتهما المُعلنة بالإقليم، فإن هناك تناقضات بمضمون السلوكيات الدولية الأخيرة تظهر فى:  
بالنسبة لحزب الله، حيث يتخوف نصر الله من تنامي العلاقة الطردية ما بين إقرار العقوبات المفروضة من إدارة ترامب، و إحداث شرخ بين الحزب وبيئته الشعبية، وكشف هوية الممولين الشيعة المرتبطين به عضوياً أو مالياً، خاصة الموجودين في الخارج، فضلا عن "الارتدادات السياسية للعقوبات"، أي أن تؤثر سلبا فى محيط حلفاء حزب الله بالداخل، وفي مقدمتهم التيار العوني (التيار الوطني الحر)، ونبيه بري (رئيس البرلمان اللبناني). 
بالنسبة للولايات المتحدة: فعلى الرغم من تمسك إدارة ترامب بإقرار العقوبات بالكونجرس الأمريكي، استنادا إلى هدفين، الأول: يتمثل في حلحلة البيئة الاقتصادية الداعمة لتمدد حزب الله بالإقليم، والثانى يتعلق بتوجيه ضربات "غير مباشرة" لإيران الداعم السياسى والعسكري لـ"نصر الله"، فإنه بالمقابل، هنالك توجه أمريكي نحو عدم الإضرار بالدولة اللبنانية، يتضح في  النمط التدريجي للعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الإدارة الأمريكية على حزب الله، تحسبا للإضرار بالقطاع المصرفي اللبناني على وجه التحديد، نظرا لتغلغل الحزب في المؤسسات الدستورية والعامة للدولة.
وبالتالي، فإن تغليظ العقوبات بشكل فجائي سيُلقي بتبعاته السلبية على المشهد السياسي والاقتصادي والأمني للدولة. كما أن الولايات المتحدة لا تستهدف فتح جبهة جديدة لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. ولذا، فإن العقوبات المنتظرة لا تزال في دائرة صنع القرار، وتخضع لمزيد من البحث قبل البت فيها، خاصة أن التصعيد الأمريكي بورقة العقوبات ضد حزب الله يأتى فى إطار تطبيق مفهوم "العقوبات الذكية"، الذى اسُتخدم أول مرة فى المسألة العراقية من جانب كوفى أنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، حيث تميز تلك العقوبات بين السلطة والمجتمع في فرض العقوبات، وضرورة استهداف النظام الحاكم، والتخفيف عن المواطنين العاديين.
مما سبق، يتبين أن حالة الصعود البراجماتى لحزب الله أوجدت حالة من التأهب الإقليمي، ويدلل على ذلك تصاعد تحذيرات إسرائيل من تمدد دور الحزب في سوريا، وربط ذلك بتعاظم النفوذ الإيراني، والتمهيد لوجود طويل الأمد لإيران في سوريا، من خلال وكلائها الإقليميين. 
أضف لذلك منافسة حزب الله للمؤسسات العسكرية والأمنية بالدولة اللبنانية، كما ظهر فى معركة "جرود عرسال" ليعكس تخوفات نصر الله من تصاعد القدرات العسكرية للجيش اللبناني، واحتمالات تجدد الجدل حول تسليم سلاح الحزب، ودمج قواته بالجيش اللبناني، وإنهاء مشاركته في الحرب السورية، وهو ما تطمح إليه أجندة الرئيس دونالد ترامب، وعبر عنه صراحة بتحركات الإدارة الأمريكية الأخيرة، فى إطار ما يعرف بـ "العقوبات الذكية".

رابط دائم: