هل تتحول ميانمار لبؤرة إرهاب بعد أزمة "الروهينجا"؟
28-9-2017

علي بكر
* نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة
مع تصاعد أزمة مسلمي الروهينجا، فى ظل أعمال القمع والتهجير، التي ترتكبها حكومة ميانمار بحقهم، وتحريض تنظيمات الإرهاب على شن هجمات ضد الحكومة بذريعة الدفاع عن المسلمين، تبرز احتمالية وجود بؤرة إرهابية جديدة في هذا البلد قد تجذب المتطرفين من حول العالم، خاصة أن التنظيمات الإرهابية غالبا ما تستغل مثل هذه الأزمات لإنشاء فروع أو مجموعات موالية في مثل هذه المناطق.
يثير ذلك الأمر تساؤلات مهمة، حول مدى احتمالية نشوء بؤرة إرهابية في منطقة جنوب آسيا، التي يوجد بها العديد من التنظيمات المسلحة التي ترفع شعارات متطرفة، وتطرح نفسها كمدافع عن الإسلام والمسلمين.
إرهاصات إرهابية:
يطرح "جيش إنقاذ روهينجا أراكان"، نفسه كمدافع عن حقوق الروهينجا، لوقف الظلم والاضطهاد ضدهم، من خلال شن بعض الهجمات المسلحة ضد حكومة ميانمار، والتي كان من أشهرها الهجوم على عدد من مراكز الشرطة في الخامس والعشرين من أغسطس الماضي. 
وقد أعلن هذا الجيش في وقت سابق أنه ليس له أي توجهات دينية، وليس لديه أي علاقات مع تنظيم القاعدة، أو داعش، أو أي مجموعة إرهابية أخرى، وأنه لا يرغب في تدخل تلك التنظيمات المتطرفة في نزاع أراكان.
 بيد أن ذلك النفي لا يمكن أن يمنع احتمالية تحول بعض من أعضاء جيش إنقاذ روهينجا أراكان للانخراط في صفوف التنظيمات الإرهابية، أو حتى منع ظهور تلك التنظيمات، لاسيما في ظل وجود إرهاصات تشير إلى احتمالية وجود مجموعات جهادية بها خلال الفترة القادمة، سواء كانت محلية، أو تابعة لتنظيمات دولية وإقليمية. ويمكن تحديد أهم هذه الإرهاصات في الآتي:
ظهور مجموعات مسلحة محلية: شهدت الفترة الأخيرة ظهور بعض المجموعات المتطرفة في ميانمار ترفع شعار الكفاح المسلح، تحت مسمى "الجهاد". ففي أكتوبر 2016، دعت مجموعة مسلحة أطلقت على نفسها "الجماعة البنغالية الإسلامية"، بشكل صريح، إلى الجهاد دفاعا عن مسلمي ميانمار، الذين دعتهم للانضمام إليها من أجل القتال والجهاد، حتى يدفعوا الظلم عن أنفسهم.
كما ظهرت مجموعة "حركة الإيمان"، التي قامت بعدد من الهجمات، كان من بينها الهجوم على بعض المراكز الحدودية في أكتوبر 2016، مما أسفر عن مقتل تسعة من ضباط الشرطة، إضافة إلى اغتيالها ضابطاً كبيراً في الجيش البورمي في 12 نوفمبر 2016. 
ومن الجدير بالذكر أن بعضاً من أعضاء هذه الحركة كانوا قد تلقوا تدريبات من قبل في أفغانستان، فضلا عن أن هذه الحركة كانت قد أصدرت مقطع فيديو، في 17 أكتوبر 2016، تعلن فيه نيتها للانتفاضة بسبب تجاهل العالم لأقلية الروهينجا.
تحريض تنظيم القاعدة: سعى تنظيم القاعدة لاستغلال أزمة مسلمي ميانمار، من خلال البيان الذي أصدره في 12 سبتمبر 2017، والذي حملَ عنوان "أراكان تناديكم"، والذي دعا فيه مقاتلوه وأنصاره إلى دعم مسلمي الروهينجا ماليًا وعسكريًا. 
إذ جاء في نص البيان، "نحن ندعو جميع الإخوة المجاهدين في بنجلاديش، والهند، وباكستان، والفلبين بالنفير إلى ميانمار لنصرة إخوانهم المسلمين هناك، وتهيئة ما يلزمهم من إعداد وتدريب لمقاومة هذا الظلم الواقع عليهم، ونيل حقوقهم التي لا تسترد إلا انتزاعًا". كما أضاف أنه "سيتولى تدريب وتنظيم المقاتلين هناك ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم"، عاداً أن القتال هناك صار فرض عين.
ومما يزيد من خطورة الأمر، أن تنظيم القاعدة كان قد أنشأ فرعاً له في شبه القارة الهندية، في أغسطس 2014، من أجل ترسيخ وجوده في منطقة وسط وجنوب شرق آسيا. وعلى الرغم من انحسار ذلك الفرع عملياتيا، فإن له شبكة علاقات فرعية مع بعض المجموعات في بنجلاديش وباكستان.
وبالتالي ليس من الصعب عليها تكوين مجموعات صغيرة موالية للقاعدة بين مسلمي الروهينجا، الأمر الذي يشير إلى أن ميانمار دخلت في اهتمام القاعدة التنظيمى والعملياتى بقوة، مما يعنى أنها أصبحت في مرمى نيرانها، لاسيما وأن الأمر لم يعد مقتصراً على القاعدة الأم، بل تعداها إلى فروعه. 
فإلي جانب البيان الذي أصدره تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي يدعو فيه إلى إعلان الجهاد من أجل مناصرة مسلمي ميانمار، أصدرت حركة شباب المجاهدين الصومالية، في مطلع سبتمبر الجاري، بيانا حمل عنوان "أراكان تستغيث فهل من مجيب؟". ويشير ذلك إلى رغبة تنظيم القاعدة في إيجاد موطئ قدم له في ميانمار، لخلق معقل جديد له ، وإيجاد معقل لتنظيم جنوب آسيا ينافس به المعقل الداعشى في الفلبين، خاصة أنه يعتبر تلك المنطقة مجالاً حيوياً له، نظراً لانتشار الفكر القاعدي فيها، بسبب التحالفات القديمة للتنظيم في هذه المنطقة.
دعم التنظيمات الإقليمية: خلفت أزمة أقلية مسلمي الروهينجا تداعيات وتفاعلات مشابهة في محيط دول جنوب وجنوب شرق آسيا، من خلال مساعي بعض قيادات التنظيمات المتطرفة إلى استغلال الأزمة لتدعيم وجودها ونفوذها، لتحرض على العنف، وشن العمليات الإرهابية ضد ميانمار، والتي كان من أشهرها، توعد "أبو إبراهيم الحنيف" أحد القيادات الداعشية في هذه المنطقة، بالبدء في تنفيذ عمليات داخل ميانمار. 
كما دعا "مسعود أزهر"، وهو مقاتل باكستاني (كشميري) مدرج على لائحة الخزانة الأمريكية للإرهاب، إلى نصرة مسلمي الروهينجا، الأمر الذي سيؤدى إلى تحريض وتعبئة للجهاديين المتطوعين من دول المنطقة، ضد حكومة ميانمار، تحت شعار إعلان الجهاد من أجل الدفاع عن الروهينجا، مما سيزيد من احتمالية دخول المقاتلين الأجانب إلى البلاد الذي يمكن أن ينتج عنه ظهور بؤرة إرهابية جديدة في جنوب شرق آسيا.
الضغوط الداخلية: من المحتمل أن تؤدى الضغوط المستمرة على مسلمي الروهينجا، من قبل حكومة ميانمار، دون أن يكون هناك بارقة أمل لحل الأزمة، سواء من قبل الحكومة، أو من قبل المجتمع الدولي، الى جعل كل الخيارات متاحة أمام مسلمي الروهينجا، بما فيها خيار الكفاح المسلح تحت راية جهادية، في ظل تصاعد السيولة الجهادية حول العالم، وتصاعد ظهور المجموعات المسلحة التي ترفع شعارات جهادية.
  وقد يؤدي ذلك إلى احتمالية تحول بعض المجموعات في ميانمار، بفعل الضغوط التي يتعرضون لها من قبل الحكومة، إلى العمل الإرهابي، وأيضاً في ظل الاضطهاد الذي يتعرضون له، وكذلك التحريض على ممارسة العنف من قبل التنظيمات الإرهابية ، لاسيما أنهم يشعرون بأن ليس لديهم ما يخسرونه، اذا لم يتم وقف الاعتداءات ضدهم.
أخيرا، يمكن القول إن عدم تمكن التنظيمات الإرهابية من التسلل إلى داخل ميانمار حتى الآن، أو عدم تكوين مجموعات موالية لها، يعنى أنها بعيدة عن نيران تلك التنظيمات، وأنها سوف تتركها دون أن تستفيد من الأزمة، بأن تجد لها موطئ قدم لها في ميانمار.
ذلك أن الخبرة التاريخية تشير إلى أن هذه التنظيمات تقتات على مثل هذه الأزمات، من خلال طرح نفسها كمدافع عن "المسلمين المستضعفين"، مما يساعدها في تجنيد عناصر جديدة، الأمر الذي يعنى احتمالية أن تصبح في ميانمار بؤرة إرهابية محتملة خلال المرحلة القادمة، إذا لم يتدارك العالم مخاطر هذه الأزمة، ويسارع في إيجاد حل عادل لها يحفظ لمسلمي الروهينجا حقوقهم الإنسانية والدينية والاجتماعية. 

رابط دائم: