كيف تم هدم الصناعات الدوائية؟
26-9-2017

محمد الألفي
* كاتب و صحفي مصري مقيم في فرنسا
نستكمل طريق التريليون الأول بالتطرق إلى قطاع الصناعات الدوائية. ونشير هنا إلى حدود اهتمامات الرئيس عبد الناصر بهذا القطاع، حيث أنشأ 11 مصنعا للأدوية في مصر، وتشكلت وقتها لجنة مسئولة عن تلك المصانع بالقرار رقم 463 لسنة 1963، والذي تنص مادة الرابعة على أن "مسئولية وزارة الصناعة تكمن في تحديد الاشتراطات، وأنه في حالة المخالفة أو نشوء خلاف، يرفع الأمر إلى وزير الصناعة لاتخاذ القرار المناسب طبقا للمادة 9 من القانون". وبناء على ما سبق، فإن كل ما يخص صناعة الأدوية، واشتراطاتها، وقوانينها، وقراراتها كان محصنا بالقانون لمجمل العملية الصناعية، ثم الإنتاجية، ثم لمصلحة المستهلك الأخير .
أما بداية التصدع لهذا القطاع، فكانت في عام 2007، نتيجة التحايل على القوانين، والقرارات السابقة على القرار رقم 539 لسنة 2007 بما يسمى تطبيق اشتراطات GMP، والتي هي طبقا لـ FDA الأمريكي، تعد محاولة إيجاد حلول فنية لصناعة الأدوية، وليست ملزمة لصناعة الدواء، وتختلف من منتج لآخر. وبالقرار أعلاه 539 لسنة 2007، تم إخفاء كل القوانين المؤسسة، والمنظمة للعمل لهذا القطاع الاستراتيجي الحيوي، وتم التلاعب الفعلي، واستصدار قرارات بسحب تراخيص وإغلاق مصانع الدواء الحكومية، والخاصة في حملة هدم ممنهجة لجزء مهم من اقتصاد مصر الوطني، وضرب السلم والأمن الاجتماعي. ويبقى السؤال الأهم هنا: هل تم إلغاء القوانين، والقرارات السابقة قبل هذا القرار المشبوه، على الرغم من أنه لا يلغى أي قانون أو قرار بقانون إلا بموافقة البرلمان؟.
بدءا من 2007، وبموجب القرار رقم 539 لسنة 2007 الصادر من وزارة الصحة، تم إسناد العمل، والتطبيق، والرقابة على الصناعات الدوائية إلى إدارة التفتيش الصيدلي، التابعة للإدارة المركزية للشئون الصيدلية، والكائنة في شارع عبد العزيز آل سعود بمنطقة المنيل بالقاهرة.
تم هدم قطاع الصناعات الدوائية، عندما أسندت إدارته إلى بعض رجال أعمال، بهدف السيطرة على الصناعات الدوائية، والاستحواذ على السوق المصري بالكامل. ويعد انهيار الشركة الجيلاتينية مثالا حيا على التدمير الشامل. فقد كانت هذه الشركة تقوم بعمل الكبسولات منذ عام 1957 إلى عام 2010، وتوردها لكل مصانع الأدوية.  
كان الهدف الخفي للتدمير هو إنشاء ال FDA المصرية (منظمة الأدوية والأغذية المصرية)، والتي ستنتهي بها الحال إلى سيطرة بعض رجال الأعمال غير  الوطنيين، الذين يهدفون من ورائها إلى أن يخرج التسعير الدوائي من نطاق القانون رقم 127 لسنة 1955، وأن تخرج مصانع الأدوية من نطاق القانون رقم 113 لسنة 1962، بالإضافة إلى أن تخرج الهيئة القومية للرقابة، والبحوث الدوائية من نطاق القانون رقم 382 لسنة 1976.
 كل هذا سيقودنا إلى طريق مظلم سوف ندفع ثمنه بأيدينا، حيث سترتفع أسعار الدواء، وقد لا تستطيع الدولة تغطية تكلفة علاج التأمين الصحي، وقد ترفض شركات التأمين تغطية الشق الخاص بالأدوية، أو ستطلب رفع قيمة التأمين بمقدار لا يستطيع المواطن تحمله. 
ومن السابق، نطرح سؤالا، ونعطي مثالا. فالسؤال هو: لماذا تراجع عدد مصانع الأدوية في مصر من 180 مصنعا تقريبا إلى  75 مصنعا؟ ومن كان وراء ذلك؟. أما المثال، فيشرح أزمة لبن الأطفال منذ عامين تقريبا، عندما حدثت مشكلة نقص ألبان الأطفال في مصر، واختفائها، وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، فجأة ودون سابق إنذار، أو مقدمات منطقية، والتي انتهت بتدخل المؤسسة العسكرية، التي كشفت أيضا عن قصة مصنع لبن الأطفال، الذي اكتشفه وزير الصحة بالمصادفة، حسب تصريحات المتحدث الإعلامي للوزارة.
المطلوب الآن وضع هذا الملف كاملا بين يدي السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، حفظه الله تعالى، ليكلف من يراه مناسبا، وتحت إشرافه مباشرة، للتصدي لمن يحاولون تدمير هذا القطاع. من الضروري إحياء عاجل لما تم تدميره لهذه  المصانع الدوائية الوطنية، وإضافة المزيد.  قدرة هذا القطاع على جلب تريليون دولار للاقتصاد تتطلب في الوقت الراهن النهوض به. ومتأكد من أن الرئيس السيسي، الذي ينهض بالدولة المصرية، سينهض بهذا القطاع، ويفتح ملفه ليعيد للدولة هيبتها، وحقوقها، وللمواطن كرامته، وعزته.
 

رابط دائم: