قراءة في خطاب السيسي أمام الأمم المتحدة
20-9-2017

د. منى سليمان
* باحثة فى العلوم السياسية.
أعطى الرئيس عبد الفتاح السيسي، فى أثناء كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة، في 19 سبتمبر 2019، توصيفًا واقعيا لمشكلات المنطقة العربية، وطرح آليات لمعالجتها. وتعد كلمة الرئيس في هذه الدورة بمنزلة وثيقة تاريخية، تؤكد أسس السياسة الخارجية المصرية، التي تعتمد على مبدأ دعم الدولة الوطنية القومية الموحدة لمواجهة موجات التفكك، والتشرذم، والإرهاب التي تجتاح بعض الدول العربية.
لم يقتصر نشاط  الرئيس في نيويورك على إلقاء كلمته، بل عقد عشرات اللقاءات مع عدد كبير من مسئولي دول العالم، الذين حضروا فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
رسائل جديدة:
اشتملت كلمة السيسي على عدة رسائل ذات أبعاد قومية، وإقليمية، ودولية، تمثل أهمها فيما يأتي:    
- سرعة حل أزمة سد النهضة: فقد ركز السيسي على قضية الأمن القومي المائي المصري، داعيا كلا من إثيوبيا والسودان لحل أزمة السد، وفق مبادرة دول حوض النيل عام 1999، ومبادئ القانون الدولي. وأوضح أن سعي مصر للتوصل للاتفاق الثلاثي يبين مصر، والسودان، وإثيوبيا كان من منظور تعاوني ينشئ إطارا قانونيا واضحا لمعالجة ذلك الملف.
- تسوية القضية الفلسطينية: دعا السيسي لحل القضية القضية الفلسطينية بناء على تسوية عادلة تقوم على الأسس، والمرجعيات الدولية، وتنشئ الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 67، وعاصمتها القدس الشرقية، مما سيحقق الاستقرار والتنمية بالمنطقة العربية. ووجه السيسي دعوة مباشرة للفلسطينيين والإسرائيليين بضرورة استئناف مفاوضات السلام، وقبول كل طرف منهم التعايش مع الآخر، وخص الجانب الفلسطيني بضرورة الوحدة، وإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية، لأنها الخطوة الأولى في تحقيق السلام. وكذلك، وجه نداء لكل الدول المحبة للسلام لمساندة جهود التسوية النهائية للقضية الفلسطينية.  
- التمسك بالدولة الوطنية: قدم السيسي حلا وحيدًا للخروج من أزمات المنطقة العربية، وهو التمسك بإصرار بمشروع الدولة الوطنية الحديثة، التي تعلى القانون والدستور، وتطبق مبادئ المواطنة، وهذا المبدأ هو جوهر سياسة مصر الخارجية، والأساس الذي تبني عليه مواقفها. وهذا يجدد موقف القاهرة الرافض لكل دعوات الانفصال، والتقسيم التي تطالب بها بعض الأقاليم . وأكد أن مصر لن تسمح باستمرار محاولات العبث بوحدة وسلامة الدولة الليبية، والعراق، واليمن. كما حدد أسسا لحل الأزمة السورية عبر التوافق السياسى بين جميع السوريين للحفاظ على وحدة الدولة السورية، وصيانة مؤسساتها،  وتوسيع قاعدتها الاجتماعية والسياسية لتشمل كل أطياف المجتمع السورى، ومواجهة الإرهاب بحسم حتى القضاء عليه عبر مفاوضات تقودها الأمم المتحدة.
- انتقاد استغلال القوى الإقليمية لأوضاع المنطقة: حملت الكلمة انتقادات حادة لبعض الدول الإقليمية التى استغلت تردي الأوضاع الأمنية والفوضى السياسية بدول ما سمى "الربيع العربي" لبناء مواطئ نفوذ سياسية إقليمية ودولية لها في تلك الدول، خاصة سوريا. وهذه الدول هي (إيران، وتركيا، وقطر، وإسرائيل). فالدول الأربع عبثت بالأمن القومي العربي لتحقيق مناطق نفوذ لها، مستغلة في ذلك تراجع الدور المصري خلال السنوات الخمس الماضية. 
- الدعوة لمحاربة الفقر بإفريقيا: أكد السيسي أن قضايا القارة السمراء تقع في قلب السياسة الخارجية لمصر، وحذر من أن إفريقيا باتت عرضة للأخطار الأمنية نفسها التى تتعرض لها المنطقة العربية من مخاطر التقسيم، والتفكك، وانتشار الإرهاب. ودعا النظام العالمي لتحمل مسئوليته في محاربة الفقر الذى تكرس في دول القارة، إثر تراكم وتفاقم الأزمات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية بها.
- مكافحة الإرهاب: انتقد السيسي استمرار العجز العالمي في التصدي للنزاعات المسلحة ، ومواجهة خطر الإرهاب، خاصة في المنطقة العربية التي تشهد حروباً أهلية عدة،  وهي الأكثر تعرضاً لخطر الإرهاب. ومكافحة الإرهاب هي إحدى أولويات السياسة الخارجية المصرية. 
- الدعوة لإصلاح النظام العالمي: دعا السيسي لإصلاح النظام العالمي لمواجهة المخاطر الآنية المتعددة، ومنها خطر الإرهاب، ونزع السلاح النووى، ومعالجة مكامن الخلل الكبرى فى النظام الاقتصادى العالمى، التى أفضت إلى زيادة بين العالمين المتقدم والنامى. وأصبح النظام العالمى عاجزا عن الوفاء بالمقاصد والغايات التى قامت من أجلها الأمم المتحدة.
دلالات مهمة:
 عدة دلالات يشير إليها إصرار الرئيس عبدالفتاح السيسي على المشاركة في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي:
تعزيز الحضور المصري دوليًا: مشاركة السيسي في فعاليات الدورة الـ (72) للجمعية العامة للأمم المتحدة هي المشاركة الرابعة لرئيس مصري على التوالي، وهذا يحدث للمرة الأولى، منذ نشأة الأمم المتحدة، وهذا سلوك محمود يرسخ الوجود الدبلوماسي المصري على الساحة الدولية، وفي أكبر محافلها. وقد نجحت مشاركات السيسي، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، في كسر العزلة الدولية التي فرضت على مصر، عقب ثورة 30 يونيو 2013، من خلال كثافة اللقاءات الدولية التي عقدها، وبلغت نحو 82 لقاء عقدها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد خلالها مبادئ السياسة الخارجية المصرية التي تحترم إدارة الشعوب، ولا تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى. 
استعادة مصر دورها الإقليمي: كلمة السيسي في الدورة الـ(72)، وما طرحته من حلول ناجعة للمشكلات الجذرية التي تعانيها المنطقة العربية، هي مؤشر مهم على استعادة مصر لدورها الإقليمي الفاعل، والمؤثر، والقائد للمنطقة. فالقاهرة اليوم تقوم بدورها التاريخي كقائد للمنطقة العربية، حيث تقود ملف المصالحة الفلسطينية، وتضطلع بدور مهم في مفاوضات تثبيت مناطق خفض التوتر بسوريا بين المعارضة السورية والنظام السوري، برعاية روسية. كما تدير الملف الليبي باقتدار، واستطاعت تحقيق نجاحات ملموسة فيه لمكافحة الإرهاب، وتأمين حدودها الغربية التي تتعرض لتهديد مباشر ناتج عن الأزمة الليبية. كما تدعم جهود إعادة بناء الدولة في العراق واليمن. وهي في ذلك لا تنسي عمقها الإفريقي، بل تدعو دوما للتركيز على معالجة قضايا القارة السمراء. 
تنوع دوائر الدبلوماسية المصرية: حرص الرئيس السيسي على عقد عشرات اللقاءات، منذ وصوله إلى نيويورك في 17 سبتمبر 2017، حيث التقى متخذي القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وعددا من المستثمرين، ووزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، وسكرتير عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، وكذلك السفير السعودي بواشنطن خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس الفلسطيني محمودعباس، والرئيس البرازيلي ميشال تامر، والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، والرئيس الروماني كلاوس يوهانس، والصربي ألكسندر فوسيتش، وملك الأردن عبدالله بن الحسين. وهذه اللقاءات تدل على تنوع دوائر اهتمام الدبلوماسية المصرية، وحرصها على التوجه لتعزيز العلاقات الثنائية مع دول مختلفة في حوض البحر المتوسط، وقارة أمريكا الجنوبية التي أُهملت خلال السنوات الماضية. كما حضر السيسي جلسة مجلس الأعمال للتفاهم الدولى كأول رئيس مصري يحضره، وأكد خلاله توجه الحكومة المصرية لجذب الاستثمارات، وتحقيق نقلة نوعية فى الاقتصاد المصرى .وسيشارك فى قمة مجلس الأمن حول إصلاح عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، لاسيما أن مصر هي الدولة السابعة على مستوى العالم في المشاركة بقوات لحفظ السلام.
دعم المنظمة الأممية: يؤكد إصرار القيادة السياسية المصرية على حضور فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة دعمها للمنظمة وأهدافها وميثاقها، لاسيما أن مصر كانت من مؤسسي الأمم المتحدة عام 1945، وتم انتخابها عضوا بمجلس الأمن ست مرات. وتتيح كثافة الحضور الدولي في فعاليات الجمعية العامة كل عام الفرص لعقد لقاءات بين مختلف الرؤساء والقادة التنفيذيين بجميع دول العالم لتأكيد محورية دور الأمم المتحدة كمنظمة يمكنها إدارة نظام عالمي متعدد الأقطاب، يحقق الاستقرار والأمن لمختلف دول العالم. 
وختامًا، فإن مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي فى فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة تؤكد وجود دولة عربية رائدة تعي مشكلات المنطقة العربية، وتطرح حلولا ناجعة لحلها بما يحافظ على وحدة الدول العربية، ويحقق استقرار المنطقة، الأمر الذي سينهي مرحلة التدخلات الإقليمية في الأزمات العربية التي نعانيها منذ 2011.

رابط دائم: