الأزمة الكردية تتمدد
14-9-2017

مفتاح شعيب
*
نقلاً عن جريدة الخليج 
 
تؤكد حيثيات تصويت البرلمان العراقي بالأغلبية على رفض استفتاء انفصال كردستان المقرر في الخامس والعشرين من هذا الشهر، أن أزمة جديدة ولدت كبيرة من يومها الأول، بينما لم يتعاف العراق بعد من حرب التخلص من تنظيم «داعش» الإرهابي ومخلفاته، ويحتاج إلى مزيد من الوقت لترتيب أوضاعه الداخلية بما يكفل حقوق جميع الطوائف والمكونات، ومن بينها الطائفة الكردية.
 
الحكومة المركزية في بغداد ممثلة في رئيس الوزراء حيدر العبادي كانت حاسمة بالقول إن هذا الاستفتاء «غير دستوري»، وحذرت من فتنة جديدة تضرب العراق. وبالمقابل تبدو القيادة الكردية ماضية في خطتها بتأكيدها أن الاستفتاء سيكون في موعده، وأن قرار البرلمان في بغداد «غير ملزم»، بما يعني رفضاً صريحاً لدعوة الحوار التي وجهها العبادي، وهو ما يستدعي الخشية من التطورات اللاحقة، فهذه الأزمة إذا انفجرت لن تكون شأناً كردياً وعراقياً داخلياً، بل ستضرب امتداداتها بعيداً خارج الحدود، وربما تكون هي المدخل الجديد لاستكمال مخططات التفتيت، بعد التغلب على الموجة الإرهابية المدمرة التي كادت تجر المنطقة إلى هوّة سحيقة من الفوضى والضياع، وهو ما يطرح مزيداً من التساؤلات عن مسلسل من الأزمات لا تنتهي حلقاته، ويعمل في كل مرة على تغيير «الأبطال» سعياً إلى صياغة مشهد جديد. وعلى الرغم من أن الفشل غالباً ما يكون هو المآل، فإن الخسائر فادحة جداً، وكأنها تهيئ الظروف لكوارث أعظم.
 
من المفارقة أنه في اليوم الذي أجمعت فيه الجامعة العربية على رفض الخطوات الكردية للانفصال عن العراق، أكد رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو أن كيانه يؤيد جهود الأكراد «المشروعة» لإقامة «دولة»، ولم يكن هذا الموقف فريداً أو مفاجئاً، بل يؤكد العلاقات التاريخية القائمة بين الطرفين. أما ما يهم في هذا التأييد فهو أن المواقف «الإسرائيلية» ليست مجانية أو اعتباطية، وإنما تعبر عن نهج وتوجه ساريين لدى كيان الاحتلال بالعمل على إضعاف المحيط وتفكيكه. فكل تقسيم لأي بلد عربي في المنطقة يثير حماس «إسرائيل»، ويدفعها إلى التأجيج ومدّ خيوط التفريق بين مكونات دول المنطقة. وإذا جرى التسليم بأن الأكراد من حقهم أن ينفصلوا وينشئوا كيانهم، فمنذ متى كانت «إسرائيل» تناصر «حركات التحرر» وتساند الشعوب «المظلومة»؟ وهذا السؤال يفترض إجابة وحيدة، وهي أن كيان الاحتلال هو آية الظلم والاضطهاد، ولا يمكن أبداً أن يساند طرفاً من الأطراف إن لم تكن في القضية مصلحة استراتيجية وهدف يخدمان النظرية الصهيونية القائمة على إضعاف المحيط والتمدد على أنقاضه.
 
دخول «إسرائيل» على خط الأزمة، ومجاهرتها بالتأييد، سيضاعفان المخاطر ويعددان المبررات الرافضة لهذا الاستفتاء. ومع أن ردود الفعل مازالت في بدايتها، فمن المؤكد أن أي مغامرة يقدم عليها الأكراد في مثل هذا الظرف وبهذه الملابسات، قد تكون عاقبتها سيئة للغاية، لأن الأطراف التي ستؤيد ستكون قليلة وغير فاعلة. ولن يكون العراق وحده في هذا الموقف، فمعه الجامعة العربية والدول الإقليمية الأخرى، مثل تركيا وإيران، التي لن تبقى متفرجة وستتحرك حتماً ضد ما يهدد مصالحها. ولذلك يترتب على الأكراد أن يراجعوا حساباتهم جيداً، قبل أن يخسروا كل شيء، بعد أن ظنوا أنهم امتلكوا أسباب الانفصال وتأصيل الكيان. 

رابط دائم: