توظيفات "الصورة" في تهويل أحداث بورما
12-9-2017

راندا موسي
* باحثة في الأقتصاد السياسي و العلاقات الدولية
انتشرت في الفترة الأخيرة العديد من الصور والأخبار التي تم ترويجها عن أحداث اضطهاد المسلمين في بورما ، ومعها بدأ تداول الكثير من الأخبار والصور عن العنف الذي يمارس بحق المسلمين، فباتت المواقع الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي تمتلئ بالصور المروعة. 
 
ومع كل صورة، لم يخل الأمر من طلب لنشرها وتعميمها، فضلاً عن المناداة بالثأر للضحايا من المسلمين في بورما، ووقف أعمال التطهير العرقي، وإدانة حكومة بورما وشعبها البوذي، ولكن كل هذا يطرح العديد من التساؤلات حول حقيقة ما يجري في بورما، بل وحقيقة تلك الصور التي أصبحت الأكثر انتشارا.
 
إن ما يحدث في بورما (ميانمار) قد يندرج تحت العديد من المسميات من أحداث شغب، أو أعمال عدوانية ذات طابع عرقي أو طائفي، أو صراع على السلطة، أو مطالب شعبية تمت مجابهتها من خلال القمع والتنكيل بأصحابها. لكن هذه الصورة تحدث كل يوم، وفي أي مكان بالعالم، بل وتحظي أيضا بتغطية إعلامية لنقل تلك الصورة، لكن ما يحدث في بورما الترويج لمذابح وإبادات جماعية للمسلمين، والمبالغة في نقل تلك الصورة يستدعي البحث عن حقيقة ما يجري ولمصلحة من تروج هذه الأكاذيب؟.
 
من الملاحظ أن غالبية المعلومات والصور التي تم تداولها مصدرها من شبكات الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، ولا يوجد من تلك الصور ما يدُرج فيه اسم مصور، أو وكالة أنباء معروفة.
 
صورة مضللة
 
 بل إن غالبية تلك الصور- إن لم يكن جميعها- مجتزأة، وغير مكتملة أو واضحة، والأكثر من ذلك أنها ترجع إلى أحداث أخرى لا تمت بأي صلة لما يجري في بورما. ومن تلك الصور ما يرجع إلى زلزال هاييتي، أو لكوارث حصلت في الصين وغيرها، أو في بورما ولكنها ليست لإبادات جماعية بحق المسلمين. ولتوضيح ذلك، هذه بعض الصور الأصلية التي نُشرت، بالأخبار الحقيقية. 
 
واحدة من تلك الصور في الخبر التالي: شاحنة نقل وقود انفجرت في " سانج" في الكونغو الديمقراطية، وذلك بتاريخ 9 يوليو من عام 2010 ( 1).
 

 
 

 
صورة أخرى ولكنها بعد الزلزال الذي ضرب هاييتي عام 2010( 2  ).
 

 
 
 

 
هناك صورة رابعة  لنفس للإعصار نفسه المشار له سابقا (4 ) نُشرت في جريدة Time  .
 

 
الصورة هنا لرهبان بوذيين يحرقون ضحايا الزلزال الذي ضرب التبت في الصين عام 2010 بحسب دينهم ومعتقدهم في التعامل مع قتلاهم ( 5).
 

 
الصورة من بورما أيضاً، ولكنها ليس كما روج لها تنظيم الإخوان الإرهابي بأنها دماء طاهرة تسيل في شوارع بورما، والحقيقة هي أن الرهبان البوذيين تظاهروا في بورما عام 2007، فأطلقت الشرطة عليهم النار وأسقطتهم بين قتيل وجريح
(6 )، وأيضاً كما هو موضح في تفاصيل الخبر (7 ).
 
 

 
أيضا، هنالك صورة أخري زعمت فيها العديد من المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي أنهم يحرقون المسلمين أحياء في الشوارع، ويتسلى البوذيون بالتقاط الصور لهم تنكيلاً بالمسلمين. ولكن الحقيقة أن الصورة  نشرت في صحيفة التليجراف البريطانية مرفقة بخبر "متظاهرون يحرقون النار في أنفسهم في مظاهرة" بتاريخ 31 مايو 2012 (8 ).
 

 
حقيقة الصراع
 
لكن حقيقة ما يحدث في بورما هو صراع عرقي يرتكز في ولاية اسمها "راكين"، بين مسلمين من أصول بنغالية يطلق عليهم "الروهينجا" يتمركزون في الشمال، وبين البوذيين.  فالروهينجا هي الأقلية الناطقة باللغة البنغالية ومعظمهم من المسلمين في بورما، ولا تعترف الحكومة بهم وتعترض على هذا المسمى لهم، حيث تشير إلى أنهم بنغاليون دخلوا بورما خلال فترة الإمبراطورية البريطانية أو في وقت لاحق كمهاجرين غير شرعيين بعد حرب بنغلاديش من أجل الاستقلال في عام 1971.
 
ويقدر "الروهينجا" بأكثر من مليون نسمة يعيشون في البلاد، معظمهم في الجزء الشمالي من ولاية راكين على طول الحدود مع بنجلاديش والهند، وتقريبا يعيش كثيرون منهم خارجها. وعلى الرغم من أن كلمة " الروهينجا" لم تستخدم إلا على نطاق واسع منذ عام 1990، فإن النزاع على هوية " الروهينجا" تسبب في العديد من العواقب الوخيمة في بورما. وتعد "الروهينجا" أقلية من بين 135 مجموعة عرقية غير معترف بها رسميا في البلد.
 
 
وعلى الرغم من أعداد الروهينجا الكبيرة وجذورهم المحلية في بورما، فلا يتم عدّهم مواطنين، بل ويحرمون من الوصول إلى الخدمات الحكومية، وبالتالي فهم محرومون من حقوق المواطنة، ومضطهدون وممنوعون من السفر، وتتعامل الحكومة معهم كلاجئين، وهم يحاولون الهجرة إلى بنجلاديش منذ زمن.
 
 لكن الحكومة البنغالية ترفض استقبالهم خلافا لبقية مسلمي بورما الذين يزيد عددهم على الستة ملايين، ويتمتعون بحقوق كاملة، ويتعايشون بسلام مع بقية الطوائف، لكنهم يواجهون تدهورا في أحوالهم، منذ أن بدأ الجيش البورمي التخلي عن السلطة في عام 2011، وبذلك فإن الصراع عرقي وليس دينيا.
 
وقد أدت النزعة القومية البوذية المتزايدة في بورما، حيث يدين 90 % من السكان بالبوذية، إلى عدد من القوانين المتعلقة بالدين، بما في ذلك القيود المفروضة على الزواج بين الأديان، مما أسهم في زيادة العنف العرقي في راكين، خصوصاً في عام 2012، عندما أدت أعمال الشغب الطائفية بعد اغتصاب امرأة  إلى نزوح المسلمين على نطاق واسع، حيث انتقل الكثيرون إلى مخيمات النازحين المشردين.
 
وفر الروهينجا عبر الحدود إلى بنجلاديش على مدى عقود، ولكن تلك الفترة هي الأكثر ارتفاعاً في عدد الهاربين من بورما، حيث ذكرت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر الجاري أن عدد اللاجئين بلغ 123 ألف شخص فروا من بورما الغربية منذ 25 أغسطس الماضي  وهو ما تسبب في تلك الموجة المفاجئة من العنف التي مارسها المتمردون. وكانت أولى علاماتها قد ظهرت في أكتوبر 2016، عندما قتل تسعة من رجال الشرطة على يد مسلحين قيل إنهم مسلمون، توالى بعدها مقتل العشرات، وتشريد الآلاف.
 
 وازدادت الأمور سوءا في 25 أغسطس الماضي، بعد أن شنت جماعة مسلحة تدعى جيش "أراكان الروهينجا" للإنقاذ هجمات منسقة غير عادية على قوات الأمن في شمال راكين. وقال الجيش البورمي، ردا على ذلك، إنه قتل 370 مقاتلا مقيدين بالمجموعة، كما وقعت هجمات كبيرة على الممتلكات في مناطق الروهينجا في شمال راكين.
 
وبالتالي، فإن حال الروهينجا لا يختلف كثيراً عن العديد من الفئات الاجتماعية الإثنية المنتشرة في العالم العربي، أو الدول الإفريقية، وباقي العالم، وهو ما يجب التركيز عليه بحسبانه من النزاعات العرقية والإثنية، وليست الدينية، وهو ما استغلته الجماعات للترويج والمتاجرة باسم الدين الإسلامي والمسلمين من أجل الدعوة لمحاربة الإرهاب،
 
والدعم من أجل مواجهته، ونصرة الدين، والدعم والتمويل من أجل ذلك، وهو ما تتنافس المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي في توسيع انتشاره وتصديقه بعيداً عن الحقيقة، وهو ما قد يسوغ تضخيم الأحداث، وأن هناك من يسعى دوما لخلق حروب افتراضية، وتفريغها من مضمونها الحقيقي لصرف الأنظار إلى قضايا أخرى، وتشتيت الجهود، والتعتيم على ملفات وقضايا أخرى، واستغلال جموع المسلمين في دعم وتمويل ما هو ليس حقيقيا، فضلاً عن تشتيت الحكومات بوضعها أمام المسئولية الإنسانية لما يحدث، في ظل ما تعانيه المنطقة من أزمات، وموجات من عدم الاستقرار.
 

رابط دائم: