هوايا مصري "محاولة للفهم: ماذا حدث ويحدث في مصر؟
30-8-2017

أحمد ناجي قمحة
* رئيس تحرير مجلتى السياسة الدولية والديمقراطية
منذ خمس سنوات، اندلعت ثورات ما يعرف بالربيع العربي. ومن اللحظة الأولى، لم أستطع أن أبعد عن عقلى تصورًا، حاولت في حينه نشره في مقال بما توافر لي من معلومات لتحليل ما يحدث حولنا من أحداث جسام .غير أنني لم أتمكن، فلم يكن لأحد أن يصدقني آنذاك،
فلجأت لنشره في موقع الحوار المتمدن في الأول من أبريل 
 
 
هذا التصور يعتمد على مخطط أمريكي يستهدف تفكيك المنطقة وتقسيمها، وإعادة تركيبها كوحدات مكعبات صغيرة، وفقًا لحسابات عديدة، أهمها:
 
1. الحفاظ على أمن إسرائيل، وضمان بقائها، من خلال تقسيم الدول العربية الكبرى ذات المساحات الكبيرة، وتحويلها لدويلات قزمية فاشلة.
 
2. الحفاظ على المصالح الأمريكية، وضمان السيطرة على مناطق تصدير النفط، ومخزوناته الكبيرة في الأراضي العربية.
 
3. إدخال المنطقة في حالة من الصراعات البينية الداخلية، تضمن تخلي الدول العربية الكبرى عن القضية العربية القومية الأولى "فلسطين"، وتحويل انتباهها لمجابهة تحديات وتهديدات تفكيكها، وانهيارها، وانتقالها لمرحلة "الدولة الفاشلة"، وفقًا لمخططات وأسس "الفوضى الخلاقة"، وبالتالي تحويل معظمها إلى دول قزمية قائمة على أولويات الإثنية، والعرقية، أو الطائفية، أو القبلية، أو الانتماء الديني، أو بتغيير شكل النظام السياسي، كل دولة حسب طبيعتها وما يتوافر بداخلها من آليات تساعد على تمكين هذا التحلل والتفكك، ثم الانهيار والفشل.
 
4. وكل ما سبق لن يتم أو يتحقق إلا من خلال التخلص من الجيوش الوطنية القومية، التي رفض قادتها ورؤساء دولها آنذاك أن تتحول إلى جيوش صغيرة ذكية، وفقًا للمخططات الأمريكية، وبرعاية كاملة من الحلفاء في الغرب، تكون جل مهمتها "مكافحة الإرهاب"، العدو الذي خلقته ورعته أجهزة مخابرات لدول عظمى على مر التاريخ.
 
- في قصة الفوضى الخلاقة
 
ما سبق تضمنته كتب ونظريات طرحت في التسعينيات من القرن الماضي، استقبلها المجتمع العلمي السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي العربي بالكثير من التهليل والتكبير إلا من رحم ربي، أولئك الذين التفتوا إلى خطورة ما تتضمنه هذه النظريات من مخططات شيطانية.
 
 ومع تكشف ما طرحه مهندس تقسيم المنطقة العربية، برنارد لويس، في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي في الاجتماع السري للجنة الأمن القومي في الكونجرس الأمريكي، وربط كل ذلك مع ما بدأت كوندوليزا رايس التبشير به في منتصف العقد الأول من الألفية الثانية حول "الفوضى الخلاقة"، يتأكد لنا بقدر كبير أن الأمور لم تكن اعتباطية، أو حدثت بحسن النية. وهنا، لا يمكن لعاقل أن ينكر أن البيئة في الأنظمة الحاكمة العربية كانت من العوامل المساعدة التي مكنت من تحقيق نجاحات مبدئية تصوروها نهائية في مخططاتهم. 
 
1. التأخر في خطط الإصلاح الاقتصادي الجذرية لتحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع عوائد عملية التنمية وحصة الفرد من الناتج والدخل القومي. 
 
2. تجاهل عملية التثقيف السياسي، وعدم الاهتمام بالتنمية البشرية للقاعدة الشعبية. 
 
3. الإصرار على تجاهل تحذيرات الأجهزة الأمنية، وعدم العمل بالخطط التي تم وضعها بسيناريوهات مختلفة للتعامل مع تطورات الأحداث. 
 
4. المضي قدمًا في تكريس مصلحة النخبة السياسية والاقتصادية، ومشروعات توريث الحكم. 
كلها كانت عوامل حاضنة وناجحة لتهيئة التربة لتقبل الانفجار، وتقبل ما خطط له نظريًا برنارد لويس، وفرانسيس فوكوياما، وصامويل هنتنجتون، وعمليًا كوندوليزا رايس، وجاريد كوهين.  
 
تعتمد نظرية (الفوضى الخلاقة) في الأساس على ما سماه صامويل هنتنجتون فجوة الاستقرار، وهي الفجوة التي يشعر بها المواطن بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، فتنعكس بضيقها أو اتساعها على الاستقرار بشكل أو بآخر. فاتساعها يولد إحباطاً ونقمة في أوساط المجتمع، مما يعمل على زعزعة الاستقرار السياسي. ذلك أن مشاعر الاحتقان قد تتحول في أية لحظة إلى مطالب غير متوقعة يعبر عنها حراك لمواطنين في الشارع - وهذه هي الغاية الكبرى- مما يقود إلى المزيد من الفوضى التي يرى هنتنجتون أنها ستقود في نهاية الأمر إلى استبدال قواعد اللعبة واللاعبين.
 
ويرى البعض أن (الفوضى الخلاقة) ترتكز على أيديولوجيا أمريكية نابعة من مدرستين رئيسيتين، الأولى صاغها فرانسيس فوكوياما بعنوان "نهاية التاريخ"، ويقسم فيها العالم ما بين عالم تاريخي غارق في الاضطرابات والحروب، وهو العالم الذي لم يلتحق بالنموذج الديمقراطي الأمريكي. وعالم آخر ما بعد التاريخي، وهو الديمقراطي الليبرالي، وفق الطريقة الأمريكية. ويرى أن عوامل القومية، والدين، والبنية الاجتماعية أهم معوقات الديمقراطية. 
 
أما المدرسة الثانية، فصاغها هنتنجتون بعنوان (صراع الحضارات)، معتبراً أن النزاعات والانقسامات في العالم سيكون مصدرها حضاريا وثقافيا، ذاهبًا إلى أن الخطوط الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المعارك في المستقبل. 
 
الدين حاضر لدى هنتنجتون، وفوكوياما، وهما ليسا بمتضادين، هما يكملان بعضهما. فالدين هو أفيونة شعوب هذه المنطقة، وهو الأمر الذي يمكن استغلاله لخلق عدو بديل للمعسكر الغربي، بعد انهيار كتلة المعسكر الاشتراكي. والدين، من جهة أخرى، يمكن استغلاله لخلق كيانات أو استغلال كيانات قائمة تعمل باسم الدين على محو شكل الدولة الوطنية القومية من خريطة دول الوطن العربي، وتكون في الوقت ذاته العدو البديل بتطرفها الفكري المتوقع. وهي في سعيها من أجل أن تتمكن من الحكم بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، لا مانع لديها من التخلص من كل أشكال القومية العربية، والبنى الاجتماعية، والموروثات الثقافية والقيمية التي تميز منطقتها من أجل أحلام الخلافة والإمامة، والتي تصل في النهاية بهذه الدول، بعد التخلص من شكلها التقليدي، إلى تحقيق النظريات المتعلقة بصدام الحضارات، ونهاية التاريخ، وتحقيق السيادة الأمريكية بكل الاعتبارات السابق الإشارة إليها.
 
- ماذا حدث؟
في هذا الإطار، واستفادة من تجربة التدخل المباشر لتغيير الأنظمة في المنطقة العربية– العراق نموذجا - شرعت الولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي في دعم برامج التنمية السياسية، وبرامج حقوقية وقانونية للناشطين العرب من المحيط إلى الخليج، بهدف إعادة بناء وخلق أجيال جديدة متمردة ثقافيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وسياسيا على الأوضاع القائمة في بلدانهم، في إطار من الولاء لمن وفر لهم هذه البرامج. وكل هذا من أجل تأجيج مشاعر جيل بالكامل، وشحنه ضد ثوابته الوطنية والقومية، وتأجيجه ضد كل السياسات المستقرة، وتحويل إيمانه نحو الرفض الدائم والمستمر لكل ما هو وطني في إطار المقولة الشهيرة "الثورة مستمرة". 
 
وفي هذا السياق، تم الصرف على العديد من المنح والبعثات الدراسية لباحثين من المجتمع الأكاديمي العربي، صاروا رءوس الحربة الموجهة لقلوب أوطانهم، بدلا من أن يكونوا حائط الصد الصلب للدفاع عنها. أسهم هؤلاء في تأسيس العديد من البرامج التدريبية والمبادرات التي تدعم كل التوجهات السابقة، وشارك بعضهم في العديد من الأبحاث والمؤتمرات والمنتديات العلمية، لكي يقدموا رؤية الولايات المتحدة وأجهزة أمنها القومي بلسان عربي، متحدثين عن تجارب دولهم، والتحولات الجارية بها، بما يخدم مجمل المشروع الأمريكي. فرأينا تدريبات فريدم هاوس، وأوتوبور، وكانفاس، وبدأنا نشهد تأسيس مبادرات لدعم التحول الديمقراطي، ومنها مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI). 
 
ولكيلا يشكك أحد، فقد عقدت مؤسسة راند (RAND)، إحدى أهم مؤسسات البحث الأمريكية ذات الصلة بدوائر الأمن القومي الأمريكي مؤتمرًا في عام 2005، عرضت فيه لنتائج دراسة حول جدوى بناء شبكة تفاعلية، يمكن من خلالها تقديم الإسلام الليبرالي الجديد المعتدل، بما يساعد قادة هذه التوجهات على السيطرة على مقاليد الحكم- وتحقيق المصالح والاعتبارات السابق الإشارة إليها– في صورة أكثر اقترابا من النموذج الذي يتقبله عقل المواطن الغربي، وكما لو كان الأمر حراكًا شعبيًا، لا بد أن تتوافر له كل الآليات والأدوات لدعمه.
هل نتصور من كان اللاعب المصري الرئيسي في هذا المؤتمر؟ إنه د. عمرو حمزاوي، الذي قال نصًا في مطلع الصفحة 75 من الكتاب الذي عرض لهذه الدراسة-
 
"في بلدان مثل مصر، حدث بها التقارب بين الليبراليين الذين لهم أفكار يسارية، والإسلاميين المعتدلين على قواعد الديمقراطية، والحكم الرشيد، ومكافحة الفساد".
 
حمزاوي يذكر أنه منذ عام 1990، يقوم الإخوان المسلمون في مصر بعملية مراجعة وإعادة النظر في مفاهيمهم المبدئية عن السياسة والمجتمع. ويشمل ذلك التطور التراجع عن هدف إقامة دولة إسلامية، والتغير الكامل من وجهتهم المحافظة إلى تصورات أقل محافظة تجاه المجتمع. على سبيل المثال، الحديث بنظرة أكثر حداثة عن حقوق المرأة.
 
 ثم يعود حمزاوي ليعترف بأن الفروق الأكثر تحفظًا لا تزال موجودة داخل جماعة الإخوان المسلمين. ووفقًا له، "فلا يزال الإخوان المسلمون معتدلين، وليسوا ليبراليين. ومع ذلك، يعتقد أن الفرصة سانحة للولايات المتحدة للوصول إلى الإسلاميين المعتدلين، وأنه من خلال تمكينهم من الحكم، فإن الولايات المتحدة سوف تكون قادرة على التأثير فيهم وتوجيههم".
 
ما سبق لكي نفهم أن وصول التنظيم الإرهابي للحكم لم يكن وليد المصادفة، وأنه قد تم التخطيط له عبر سنوات عديدة مضت. ولكن على أرض الواقع، كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟ تجربة العراق، ومناورات النجم الساطع تعطيان دلالات على أن تكلفة المواجهة المباشرة مع الجيش المصري باهظة الثمن. ولم يكن هناك من حل سوى التطبيق بعيد المدى لحروب الجيل الرابع– الذي بدأ البعض منا يدركها، والبعض الآخر يتهم من أدركها بأنه من عبيد نظرية المؤامرة - تلك الحروب التي بدأ جني ثمارها مع بدء ثورات الربيع العربي.
 
وانطلاقا من الدراسة الجيدة للتاريخ، فقد طبق الأمريكان ببراعة شديدة مقولة نابليون، أحد أعظم القادة العسكريين في التاريخ :"إن النصر في المعركة يتوقف ثلاثة أرباعه على العناصر المعنوية، وربعه على العوامل الأخرى". من هنا، أدخلونا في معارك الجيل الرابع، تلك التي لا تتبين فيها عدوك، ولا تستطيع تصور أنك في معركة، وهو يصدر لك عدوا وهميا يكون هو محركه، ويظهر هو كالحمل الوديع.
 
مخطط كاد ينجح ويستقر، ويحتفل أوباما بتحقيق النصر، قبل أن يترك الحكم. فها هي البلدان العربية تعج في فوضى عارمة، ومعظم الدول التي شهدت ثورات ربيع عربي تحولت إلى دول فاشلة (ليبيا، وسوريا، واليمن)، والتي شهدت التدخل الأمريكي المباشر لنشر الديمقراطية أصبحت دولة فاشلة (العراق). والدول التي لم تشهد ثورات، هناك محاولات مستمرة لتهديدها، عبر إدخالها دوامة من التهديدات الحدودية، أو اصطناع الأزمات الداخلية (السعودية، والبحرين، والكويت، والجزائر، والمغرب، ولبنان)، ولم تعد هناك (فلسطين)، بل أصبحت هناك (غزة)، والفرق كبير، وتبقى (قطر)
صاحبة توكيل أكبر قاعدة عسكرية لقيادة قوات المنطقة المركزية الأمريكية في السيلية، وإسرائيل (الكيان الصهيوني) أكثر الدول أمانًا واستقرارًا. 
 
 ماذا تبقى من دول ثورات الربيع العربي المستهدفة؟ تونس ومصر. نجت تونس وهي لا تزال تبحث عن طريق يعيد لها هويتها، ويخلصها من تهديدات جماعة الغنوشي. أما مصر، فقد تخلصت من هذا الكابوس، وحطمت هذا المخطط في 30 يونيو 2013، ووجه الشعب المصري الضربة القاصمة للمخطط الصهيو-أمريكي باختيار الرئيس عبد الفتاح السيسي كرئيس للدولة، ورمز لها في مواجهة ما يحاك لنا بليل.
 
- إعادة توجيه الحرب
 
وهنا، كان على العدو إعادة تدوير ماكيناته، واستخدام كل الوسائل التكنولوجية الخاصة بحروب الجيل الرابع، التي يحتكرها، وتأسيس القنوات المعادية للنظام، ومن ثم الدولة، ونشر المقالات المعادية المحبطة، واستجلاب الوجوه الإعلامية التقليدية التي دعمت مشروعه في 25 يناير، اعتمادا على رصيدها لدى القطاع الذي ربوه على الفكرة الشيطانية (الثورة مستمرة)، ورفض كل ما هو وطني، ومعاداة أية محاولات للاستقرار، من خلال إعطائها قبلة الحياة، وعودة الظهور بأموال سخية في قنوات محلية أو دولية.. كل هذا من أجل إعادة توجيه الاستهداف بكثافة نحو القطاع المدني في الدولة، نحوي ونحوك، نحن المستهدفون مباشرة بهذه المرحلة من حروب الجيل الرابع، وهي المرحلة الأشد والأكثر ضراوة الموجهة لنا، وذلك للأمور الآتية:
 
1. انتهاء فترة حكم أوباما– أكبر رئيس خدعة في التاريخ الأمريكي قولا وعملا– وعدم تمكنه من تحقيق ما كان يخطط له ومجلس أمنه القومي بمستشاريه، ومنهم للأسف مصريون، والذين يحاولون بشتى الطرق تعويق التقارب المصري- الأمريكي الأخير، بعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحكم، وهو التقارب الذي لم يتم إلا على أساس التفاهم على سياسات موحدة تجاه أهم الأخطار التي تواجه العالم والإقليم، والمتمثلة في الإرهاب، وتحديات التنمية المستدامة الأهم للإقليم، إضافة إلى حتمية الحفاظ على الهوية الوطنية للدول العربية ومؤسساتها، وهي كلها الأمور التي تتعارض مع سياسات المتبقين من إدارة أوباما، الذين يحاولون تفكيك الإدارة الأمريكية الجديدة من الداخل، وإفساد علاقاتها مع دوائر استراتيجية قامت سياستهم بإفسادها على مدى العقد الأخير.
 
2. الاستمرار في تسليح الجيش، وتنويع مصادر السلاح، والتطوير المستمر للعنصر البشري وللآليات التقليدية المتوافرة في الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة المصرية، واستقدام أحدث الأسلحة في مختلف أفرع القوات، والقدرة البشرية المصرية على تطويع مهاراتها من أجل التعامل مع أحدث الأسلحة تكنولوجيًا في جميع الأفرع، كالميسترال والرافال، والرسالة التي وصلت للجميع من خلال قدرات الطيار المصري على تنفيذ مهام طيران وقذف للأهداف ليلًا داخل مصر (سيناء)، وخارج مصر (ليبيا)، وهي قدرات تدخل تحت الردع المباشر لنيات العدو، وهدم لمعنوياته.
 
3. مشروع قناة السويس الجديدة، والإصرار الواضح على إعمار وتنمية سيناء بما يقضي على حلم التوطين، وتوسيع قطاع غزة على حساب أرضنا في سيناء الحبيبة. والقدرة على حصار الإرهاب في أقل مساحة ممكنة من أراضي سيناء الطاهرة، وعدم السماح له بالتمدد داخلها، أو الانتشار منها لباقي المحافظات المصرية، في الوقت الذي لم تتوقف فيه مشروعات التنمية المخصصة لها، في تطبيق عملي لمقولة يد تبني ويد تحمل السلاح.
 
4. الإصرار على المضي قدمًا في المشروعات القومية الكبرى، أو ما يعرف بمشروعات التنمية المستدامة، وعلى رأسها مشروع المليون ونصف المليون فدان المزروعة قمحًا، في محاولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي منه، وإعادة مصر مرة أخرى لتطرح نفسها كسلة القمح الرئيسية في المنطقة.
 
5. استمرار الكشف عن الثروات المعدنية، والغاز، والبترول، والمحاولات المستمرة التي تبذل لتقنين وشرعنة ملكية مصر لها لتفادي الدخول في نزاعات مع الأطراف الإقليمية، أو الشركات الدولية العابرة للقوميات التي قد تتنازع معنا عليها. ومن بشائر ذلك قرب انطلاق الإنتاج من حقل الغاز الطبيعي "ظهر" أوائل العام القادم، وما يحمله ذلك من دعم لمقومات الاقتصاد القومي.
 
6. نجاح القيادة السياسية منقطع النظير في إعادة ربط مصر بدوائر علاقاتها الخارجية الاستراتيجية، وإعادة مصر كلاعب دولي وإقليمي رئيسي ذي ثقل في التأثير فى توازن القرار السياسي تجاه قضايا الإقليم، سواء الوطن العربي، أو في علاقة الوطن العربي مع الدول الإقليمية كتركيا، وإيران، وإسرائيل، وهو الأمر الذي يتجلى في المواقع التي تولتها مصر داخل المنظمات الإقليمية والدولية، والدعوات التي توجه للسيد الرئيس لزيارة الدول الإقليمية والدولية، وحضور المؤتمرات العالمية، وآخرها دعوة حضور مؤتمر الدول العشرين الكبرى في الصين.
 
7. عودة مصر كلاعب رئيسي لتحريك الركود في القضية الفلسطينية، وإطلاق الدعوة من السيد الرئيس للأطراف المباشرة والشرعية من أجل العودة لطاولة المفاوضات، وهو ما تلاقى مع الجهود الفرنسية، وما يسبب إحراجًا لقوى كانت تهدف إلى أن تنسينا قضيتنا الأم.
 
- الحرب المعنوية
 
من أجل كل ما سبق، كان لابد لهم أن يصلوا بنا إلى هذه المرحلة من الحرب المعنوية، تلك المرحلة التي يستهدفون خلالها: 
 
1. كسر العلاقة الارتباطية الوثيقة بين الشعب والنظام، واستغلال أي حدث لتشويه صورة النظام في نظر شعبه (شائعات طائرات الرئاسة، وفساد الحكومة، وعدم الثقة في مجلس النواب). 
 
2. كسر العزيمة والإرادة الوطنية، وإشاعة روح اليأس والإحباط، من خلال أكبر عملية لبث الشائعات والتشكيك في كل إنجاز، والتسفيه والتقليل من شأنه، كخطوة أولى لهزيمة المكون الشعبي، حائط الصد الأقوى على مدى التاريخ، لمحاولات هدم واحتلال مصر، والانطلاق منه لهزيمة المكون العسكري الذي سيكون في أضعف أوقاته، في ظل اختفاء الظهير الشعبي للمقاتل، وبذلك تتحطم القدرة الدفاعية للدولة في الحفاظ على أمنها القومي، وإفشال تجربتها النهضوية.
 
3. ربط كل ذلك بمنظومة من محاولات خلق أدوات لكسر الإرادة الوطنية المستقلة لصانع القرار الذي نجح في أن يجعلها قاعدة للتعامل مع القوى الصهيو-أمريكية، وعودته مرة أخرى للانبطاح السياسي، والاقتصادي، والعسكري للدولة العظمى الوحيدة في العالم. 
 
4. فرض حصار اقتصادي غير معلن على الدولة المصرية (السياحة، تحويلات المصريين في الخارج، ضرب المحاصيل التصديرية كالفراولة والبطاطس، تعميق أزمة سعر الصرف، محاولة عرقلة اتفاقات مصر مع المؤسسات الاقتصادية الداعمة، إفشال علاقة مصر مع الدول المساندة التي دعمتها بعد ثورة 30 يونيو).
 
5. يرتبط بكل ذلك عودة التواصل مع رموز وقوى، يعرف عنها المعارضة السياسية والقوى الاحتجاجية، لاستغلال كل ما سبق، وإعادة تأجيج مشاعر المواطنين، في محاولة أخيرة لجر المواطنين للنزول للشارع، وإعادة إنتاج مشاهد الفوضى، وعدم الاستقرار مرة أخرى في الداخل المصري، مستغلين في ذلك غياب ذراع إعلامية للدولة، يمكنها أن تعرض الحقائق، بعد أن نجحوا، وفقًا لخطة ممنهجة، في التشكيك في الإعلام الوطني، بل وللأسف يتمكنون من الوصول إلى الناس، من خلال أصوات تمثلهم  في القنوات الرسمية تحت الدعاوى الزائفة لحرية الرأي والرأي الآخر.  
 
وتبقى رسالة مهمة، بعد أن حاولت توضيح جوانب مختلفة لما نمر به، هي أن تركيع مصر لن يحدث، ما دامت الإرادة الوطنية قوية، وقادرة على تحمل تبعات الحرب الاقتصادية غير المعلنة التي تتعرض لها الدولة المصرية. تركيع مصر لن يحدث، ما دام الشعب فطنا إلى مسئولياته الحقيقية في عملية التنمية الاقتصادية، وحريصا على اتباع ما يمكنه من سياسات ترشيدية على الأصعدة كافة، وإعادة توجيه قدراته وإمكانياته لمصلحة إنجاح تجربته- فالنمو الاقتصادي يعتمد على تضافر جهود الشعب والحكومة، وليس الحكومة فقط- تركيع مصر لن يحدث، ما دام هناك جيش قوي، وقيادة سياسية تعي دور هذا الجيش، وتطوره، وتحافظ عليه، رغبة منها فى أن يكون لهذه الدولة الذراع اللازمة التى تؤمّن تجربتها الوطنية في النهضة.
 
تركيع مصر لن يحدث، ما دام الوعي الوطني حاضرًا، وما دامت هناك الرغبة الشعبية في أن يكون الشعب هو في مقدمة أدوات الدولة للدفاع عن بقائها. مصر لن تركع، بل ستحيا، وتحيا، وتحيا، رغمًا عن أنوف أهل الشر في الداخل والخارج.
 
 

رابط دائم: