هل يؤدي إطلاق كوريا الشمالية لصواريخ باليستية إلى حرب نووية عالمية؟
30-8-2017

د. منى سليمان
* باحثة فى العلوم السياسية.
في خطوة استفزازية تؤكد استمرار سياسة التحدي والتهديد، التي يتبعها رئيس كوريا الشمالية، كيم جونج أون، أطلقت بلاده أمس، 28 أغسطس 2017، صاروخًا باليستيًا قطع 2700 كم  بارتفاع بلغ نحو 550 كم، محلقا للمرة الأولى منذ عام 2009 فوق شمال اليابان لمُدّة دقيقتين فقط، ثم َسقط في البحر، مما أثار انتقادات دولية حادة ضد بيونج يانج، ودفع واشنطن وطوكيو لدعوة مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة لبحث سبل الرد على كوريا الشمالية التي أصبحت تمثل تهديدًا للأمن في جنوب شرق آسيا، هذا في ظل مخاوف من اندلاع حرب نووية عالمية، حال استمرت بيونج يانج في استفزاز واشنطن على هذا النحو.    
 
- ردود الفعل:
- كوريا الشمالية: لم يتغير موقف بيونج يانج من انتقاد المجتمع الدولي لاستمرار تجاربها النووية والصاروخية، حيث أكد سفير كوريا الشمالية بالأمم المتحدة، هان تاي-سونج، أن لبلاده الحق في الدفاع عن النفس لمواجهة "النيات العدوانية"، التي تبديها باستمرار واشنطن ضدها.
وقد تمثلت هذه النيات، التي أكدها السفير، في فرض عُقوبات اقتصاديّة جديدة على بيونج يانج بقرار من مجلس الأمن الدّولي، صدر مطلع أغسطس 2017، وبتحريض أمريكي. وسوف تبلغ خسائر بيونج يانج بعد تطبيق هذه العقوبات نحو مليار دولار ستمثل عائقا على دولة صغيرة تعاني اقتصاديا، وتوجه جميع مواردها لتطوير البرامج العسكرية والصاروخية. 
 
كما تجري حاليا مناورات عسكرية مشتركة بين واشنطن وسول على أرض كوريا الجنوبية، وذلك رغم احتجاج الجارة الشمالية عليها، حيث وصفتها بأنها "عمل مفرط يصب الزيت على النار" بشبه الجزيرة الكورية، وتعهدت بالرد عليها، وكان ردها بإطلاق الصاروخ الباليستي فوق اليابان.
 
- اليابان: هي الدولة المعنية الأولى بالقضية، والتي شهدت ساعات من الفزع والرعب، لم تشهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد دعت مواطنيها للاحتماء بالمخابئ فور الإعلان عن إطلاق الصاروخ، وقدرت خسائرها الاقتصادية، فور عملية الإطلاق، بعشرات الملايين في بورصات اليابان ودول شرق آسيا، وأمريكا، وأوروبا. كما سجل مؤشر نيكى للأسهم اليابانية أدنى مستوياته في نحو 4 أشهر.
ولن تتمكن طوكيو من اتخاذ أي رد فعل عسكري ضد بيونج يانج، نظرًا لمحدودية قدراتها العسكرية، وارتباطها باتفاقيات دفاع مشترك مع واشنطن، ولذا سيكون رد الفعل الياباني متسقا مع نظيره الأمريكي.
 
- روسيا: احتفظت موسكو بموقفها الدبلوماسي، حيث إنها أدانت إطلاق كوريا الشمالية للصاروخ الباليستي، واتهمتها بإثارة القلق والتوتر بشرق آسيا، بيد أنها جددت رفضها لأي عمل عسكري ضد كويا الشمالية. وانتقدت موسكو كذلك إصرار واشنطن على إجراء التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، لأنها كانت الدافع لحمل بيونج يانج على إطلاق صاروخ باليستي جديد.
 
- الصين: دعت بكين جميع أطراف الأزمة لضبط النفس، واستئناف محادثات السلام بين بيونج يانج وواشنطن، برعاية الأمم المتحدة، بحسبان العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية لن تجدي في حل الأزمة بشكل جوهري.
 
- فرنسا: فقد اختلف رد فعل باريس عن مواقفها السابقة، فلم تكتف بالتنديد بالحادث، بل كشف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن أن بلاده تستعد لإعداد مبادرات جديدة لتجنب التصعيد، ولإعادة كوريا الشمالية مرة أخرى لمائدة المفاوضات. وربما تكون الوساطة الفرنسية الجديدة في هذا الملف هي الأمل في نزع فتيل التوتر في شبه الجزيرة الكورية.
 
- الولايات المتحدة الأمريكية: فقد اقتصر رد فعلها على تصريحات تتضمن في مجملها التلويح باستخدام جميع الخيارات، بما فيها العسكرية، ضد كوريا الشمالية، حتى تتوقف عن تنفيذ التجارب الصاروخية الباليستية. وقد اتضح ذلك في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ودعوته لعقد جلسة لمجلس الأمن لبحث تلك القضية. وهذا يعد دليلا واضحا على رفض واشنطن استخدام الحل العسكري ضد بيونج يانج. حيث أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية أن الصاروخ، الذي مر فوق اليابان، لم يشكل تهديدا لأمريكا الشمالية، وذلك رغم تهديده مباشرة أحد حلفاء واشنطن الاستراتيجيين، وهي اليابان، التي ترتبط معها باتفاقيات دفاع مشترك.
 
 فإذا كان ترامب يريد إعلان الحرب على بيونج يانج، فلن يجد وقتا مناسبا أكثر من اليوم. بيد أنه لم يلجأ للحل العسكري، ولجأ للحل الدبلوماسي، عبر دعوة مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة ينتظر منها أن تعلن عن تشديد العقوبات على كوريا الشمالية. 
 
- عوائق اندلاع حرب نووية:
من المستبعد أن تلجأ واشنطن للحل العسكري ضد بيونج يانج لوجود العديد من القيود التي ستمنع ذلك، ويعد من أهمها: 
 
الرفض الدولي للحرب النووية: حال اندلاع حرب بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، لن تقتصر على الأسلحة التقليدية، بل سيتم استخدام الصواريخ الباليستية والأسلحة النووية بشكل موسع، مما يمثل تهديدا مباشرا لحياة أكثر من ملياري شخص بشرق آسيا، فضلا عن الانبعاثات النووية، والتداعيات المختلفة لتلك الحرب، ولذلك يرغب المجتمع الدولي في تجنب اندلاع المزيد من الحروب، والاعتماد على الدبلوماسية كسبيل لحل الأزمات. 
 
وواشنطن تعلم بذلك، وتأخذه في الحسبان، حتى لا تضاعف الغضب الدولي ضدها، لأن الأزمة الكورية تقوم على رد فعل بيونج يانج على تهديدات واشنطن المباشرة لأمنها القومي. وقد أعلنت الدولة الأولي من قبل عن استعدادها لوقف تجاربها الباليستية، مقابل ضمانات أمنية، وتعويضات اقتصادية، حيث طالبت في عام 2000، خلال مفاوضات حل الأزمة برعاية الأمم المتحدة، بتعويضها مليار جنيه عن الخسائر التي تكبدتها، جراء العقوبات الأمريكية التي فرضت عليها.    
 
الموقف الروسي والصيني: يقوم موقف الدولتين الكبيرتين على رفض أي حل عسكري ضد حليفتهما، كوريا الشمالية، بل إن مساندة بكين وموسكو لبيونج يانج يعد أحد أسباب استمرار تجاربها الصاروخية والنووية.
وتهدف موسكو وبكين من هذا الموقف إلى سعى كل منهما، منفردة، للضغط على واشنطن للحصول على تنازلات أمريكية في ملفات أخرى ذات اهتمام مشترك بين بكين وواشنطن، ومنها ملفات التبادل التجاري، والنزاع مع تايوان، أو بين موسكو وواشنطن، ومنها الملف السوري، والتصعيد العسكري بدول البلطيق، وملف أوكرانيا. 
 
التهديد المباشر للمصالح الأمريكية: حيث يؤدي اندلاع حرب نووية، أو حرب تقليدية، على أقل تقدير في شبه الجزيرة الكورية، إلى تعرض أكثر من ربع مليون جندي أمريكي موجودين في القواعد العسكرية باليابان وكوريا الجنوبية للتهديد، حيث سيتم قصف تلك القواعد من قبل كوريا الشمالية، التي تبعتد مرمى حجر عنها، فضلا عن الخسائر الاقتصادية الأمريكية، الناتجة عن دخول دول شرق آسيا، التي تمثل حلفاء واشنطن الاقتصاديين (اليابان، وكوريا الجنوبية) في أتون حرب لا نعلم متى ستنتهي، وكيف.
 
إشكاليات الداخل الأمريكي: قد لا يؤهل الوضع الداخلي للرئيس ترامب لإعلان حرب في ظل التهديدات الداخلية المستمرة بعزله، عقب تكرار استقالات المسئولين من إدارته بفعل الخلافات البينية، وسوء إدارة البيت الأبيض، وشبهات تدخل روسي في سير الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، التي أسفرت عن فوز ترامب، بخلاف تردي الوضع الاقتصادي الأمريكي، والذي قد لا يسمح في الوقت الراهن بتحمل التكلفة المادية اللازمة لخوض غمار حرب كبرى حاليًا.
 
ولذا، فإن هذه القيود ستمنع واشنطن من إعلان حرب على بيونج يانج، رغم إصرار الأخيرة على تحدي وإحراج واشنطن أمام المجتمع الدولي. وستكتفي واشنطن كعادتها في إدارة ملف كوريا الشمالية بتشديد العقوبات عليها، ومطالبة بكين، وموسكو بالضغط على بيونج يانج لوقف تهديداتها المستمرة للحلفاء الأمريكيين في شرق آسيا.
 
 
 
 
 
 

رابط دائم: