تقييم ضربات التحالف الدولي ضد "داعش"
28-8-2017

أحمد سيف عبدالمعز
* باحث في العلوم السياسية
 
مرت ثلاثة أعوام على بدء الحرب التي يقودها التحالف الدولي على تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وهو التحالف الذى جرى تكوينه في مؤتمر عُقد في مدينة جدة السعودية بمشاركة أطراف إقليمية ودولية، وتم استبعاد إيران منه. 
 
وبرغم أن هذه الحرب قد بدأت أخيرا فى تحقيق نجاحات في الموصل، بعد أن طردت القوات العراقية "داعش"، بدعم من التحالف الدولي، فضلا عن ترنح ذلك التنظيم في مدينة الرقة السورية، فإنه يبقى أن التنظيم لا يزال متماسكاً، ويقاوم في بعض مناطق سوريا والعراق، بينما يستمر التهديد الذي يشكله على المدنيين في هذين البلدين، والشرق الأوسط، والعالم.
 
 كان تنظيم "داعش" قد حقق، خلال أقل من شهرين في عام 2014، مكاسب سريعة، وسيطر على الموصل في العراق، والرقة فى سوريا. وبحسب إحصاءات مؤسسات بحثية غربية، فإن مسلحي "داعش" انتشروا بسرعة على نحو 104 آلاف كيلومتر مربع  من الأراضي، وسيطروا على نحو 50% من سوريا، و40% من مساحة العراق، بما فيها حقول نفط تنتج 80 ألف برميل يومياً، متخذاً من ذلك مصدراً مهماً لتمويل عملياته. 
 
وفي ظل تقدمه المصحوب بالانتهاكات، تأتي نقطة الفصل في المواجهة بعد قيام "داعش" بأسر رهائن أمريكيين، وقتلهم في سوريا والعراق، حيث أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بدء الضربات الجوية فورا ضد "داعش"، والتى جاءت تحت اسم " العزم الصلب"، وشارك فيها أكثر من 60 دولة تقدم معظمها الدعم  اللوجيستي .

[1]محمد السعيد إدريس، الحرب على طالبان العرب "داعش" وخرائط التحالفات المحتملة ،مجلة آفاق سياسية ،عدد 11 ،نوفمبر 2014 

وفي الثامن من أغسطس من عام 2014، انطلقت مقاتلتان أمريكيتان من حاملة الطائرات جورج دبليو بوش في الخليج لتلقي 500 رطل من القنابل الموجهة بالليزر على مسلحي "داعش" قرب أربيل شمالي العراق. وشكَّل هذا العمل العسكري تدشينا للحملات الجوية المكثفة التي تم تعزيزها لاحقاً لتدريب وتجهيز القوات المحلية لمحاربة مسلحي التنظيم في العراق وسوريا.
 
ورأى أوباما حينها أن ضرب "داعش" جاء لتجاوزه الخطوط الحمر، وهو التوجه نحو الشمال الكردي في العراق، حيث يحظى الأكراد بحماية أمريكية، بحسبان أن مناطقهم تشمل المصالح الأمريكية من قنصليات، ودبلوماسيين، وشركات البترول، بالإضافة إلى الوجود المخابراتي والأمني. 
ولكن تظل هناك مجموعة تساولات تبحث عن إجابة، فهل حقق التحالف الدولى نجاحات كبيرة بالمقارنة بعدد الدول المشاركة ؟ وهل حدثت هناك تجاوزات ضد المدنيين ؟ وما هي التحديات التي يواجهها التحالف في المعارك المتبقية؟.
 
أولاً- أبرز نجاحات التحالف الدولي :
 
فقد أعلنت واشنطن - بعد ثلاث سنوات من القتال- أن التحالف شن أكثر من 23 ألف غارة على العراق وسوريا بتكلفة تجاوزت 13 مليار دولار، حيث شملت 13 ألف غارة جوية منها في العراق، و10 آلاف غارة في سوريا، وكان من نتائج ذلك الإسهام في نجاح القوات العراقية في استعادة 75% من مناطق سيطرة "داعش" في العراق، أبرزها مدينة الموصل، وكذلك 58% من المناطق في سوريا مع استمرار القتال في الرقة. 
بالنسبة للحرب السيبرانية مع التنظيم، فقد أعلن لمتحدث الرسمي باسم التحالف الدولي عن تحجيم نشاط تنظيم الدولة الإسلامية على موقع التواصل الاجتماعي، خاصة "تويتر" بنسبة 92% ، الذى يعد من أبرز المنصات التى استغلها "داعش" لبث دعايته المرئية والمكتوبة لتجنيد المقاتلين من مختلف أنحاء العالم. 
 

[1]"داعش بعد 3 سنوات من بدء الحملة عليه" ، سكاي نيوز عربية ، 8 أغسطس 2017 على موقع https://www.skynewsarabia.com/web/home

[1]كمال حبيب ،العالم في مواجهة توحش داعش : قراءة في مواقف القوى الدولة والإقليمية ،مجلة  آفاق سياسية ، العدد العاشر ، أكتوبر 2014ثانياً- أبرز الانتقادات

ثانياً- أبرز الانتقادات ضد التحالف الدولي :

يواجه التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة انتقادات عدة، أهمها سقوط قتلى من المدنيين،. وقد أقر التحالف بمقتل 624 مدنياً منذ بدء الحملة وحتى بداية شهر أغسطس 2017. إلا أن خبراء يقولون إن العدد الحقيقي أكبر بكثير، فضلاً عن تشريد آلاف السكان، وعدم وجود خطط واضحة لإعادة الإعمار والإيواء، والمبالغة في تدمير المدن التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.

 ويفسر التحالف الدولي ضد "داعش" قتل المدنيين بالخطأ بسبب استخدام الأخير للمدنيين كدروع بشرية. وبالتالي، فمهما تكن التكنولوجيا متطورة لدى التحالف الدولي، فإنه سوف يكون من الصعب تجنب وقوع إصابات بين المدنيين. ولكن الخبراء يشككون في ذلك، حيث إن أعداد القتلى من المدنيين تجاوزت الآلاف، وأنه على الرغم من أن التحالف موجه لقتال "داعش"، فإنه في عدة مرات قام بغارات جوية على أهداف تابعة للنظام السوري .
 
 كما يواجه التحالف الدولي انتقادات بالكيل بمكيالين، حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن موقف الولايات المتحدة تجاه محاربة الإرهاب يعتمد على ازدواجية المعايير، لافتا الى أن تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي، الذي غير اسمه إلى "جبهة فتح الشام"، لم يكن عُرضة لضربات "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن. 

[1]"داعش بعد 3 سنوات من بدء الحملة عليه" ، سكاي نيوز عربية، مرجع سبق ذكره.

[1]موقع اليوم السابع بتاريخ 28 يوليو 2017 متاح على الرابط التالي :http://www.youm7.com/story/2017/7/28/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%89-%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B7-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D9%88%D9%8A%D8%AA%D8%B1-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%A8%D9%86%D8%B3%D8%A8%D8%A9-92/3343428

 
ثالثاً- القوى الرئيسية في حرب "داعش" :
 
لم يكن التحالف الدولي وحده هو من يقوم بتوجيه الضربات ضد "داعش"، وإنما أسهم التدخل الروسي في المعركة إلى جانب النظام السوري، تزامناً مع دعم إيران وحزب الله اللبناني، في قلب كفة موازين القوى لمصلحة بقاء الأسد، مقابل انحسار نطاق الأراضي التي كانت تحت سيطرة "داعش".  كما أن مشاركة قوات التحالف ضد "داعش" في سوريا كانت ضعيفة مقارنة بالعراق، حيث إن الدور الرئيسى في سوريا كان من نصيب القوات الروسية. كما شاركت قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران على الأرض بجانب القوات العراقية، ووصل الأمر إلى أن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، كان يشارك بنفسه على الأرض في العراق.
 
ولا يمكن إغفال تفوق إيران على قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بوجود قوات برية لها على الأرض، بعكس التحالف الذي يعتمد على الهجمات الجوية على مواقع يظن أنها تابعة للتنظيم في سوريا والعراق، الأمر الذي نتج عنه نتائج كارثية من ناحية إصابة المدنيين، وعدم تحقيق مكاسب تُذكر لبعض هذه الغارات. 
 وفي هذا الإطار، فإن الولايات المتحدة تقوم بدعم قوات سوريا الديمقراطية، والاعتماد عليها في دحر تنظيم "داعش"، وهذه القوات يؤلف عمودها الفقري قوات حماية الشعب الكردية، وقوات حماية المرأة الكردية، وتقوم الولايات المتحدة بتأمين الغطاء الجوي لها.

[1]الغارات الخاطئة للتحالف الدولي ضريبة الموت التي يدفعها المدنيون ،سكاي نيوز عربية ،، بتاريخ 1 من مايو،2017 ،متاح على الرابط التالي :https://www.youtube.com/watch?v=WTFgqc8uMwU

[1]متاح بتاريخ 12 ديسمبر 2016 على الرابط التالي :http://www.sana.sy/?p=478639

[1]نادية سعدالدين ،عبء الانكشاف:إدارة فشل الدولة السورية بين مراوغات الحسم والتسوية، ملحق تحولات استراتيجية، السياسة الدولية، العدد208، أبريل 2017 ،ص 20
 
رابعاً- تحديات رئيسية:
 
هناك تحديات عديدة يواجهها التحالف الدولي في معركة الرقة، أهمها تجنب ارتكاب الأخطاء السابقة نفسها من قتل المدنيين فى أثناء الغارات التي سينفذها في الرقة ودير الزور. لذا، فمن المتوقع أن المعركة مع "داعش" في الرقة السورية لن تنتهي بهذه السرعة، حيث إن "داعش" يستخدم المدنيين كدروع بشرية. لكن استكمال تحرير الرقة سيفتح الباب على  احتمالات  كثيرة لما ستئول إليه التوازنات في المرحلة المقبلة، لاسيما في ظل القلق التركي من تمدد الأكراد في المنطقة. 
 
أيضا، يمثل تجنب الاصطدام بالمصالح الروسية في سوريا،  ومنع تصاعد أي خلاف روسي- أمريكي تحديا أساسيا، بالإضافة إلى الحفاظ على المصالح الأساسية للدول المكونة للتحالف، والتي تتباين أهدافها من الانخراط في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية فيما بينها، هذا بالإضافة إلى غياب الرؤية الواضحة المعالم لدى هذا التحالف لمرحلة ما بعد "داعش". كما أن التغلغل الإيراني في الدولة العراقية يُعد من أهم التحديات التي تواجه الولايات المتحدة لتطمين حلفائها السُنة، خاصةً دول الخليج العربي.

[1]رانيا مكرم ،الاستراتيجية الإيرانية بشأن محاربة داعش ،  مجلة آفاق سياسية، عدد15 ،مارس 2015

[1]"معركة الرقة.. خطوات ما قبل الحسم"، سكاي نيوز عربية ،12 أغسطس 2017 ،متاح على الرابط التالي:https://www.youtube.com/watch?v=DhFDEXUKysw

خامساً-  مستقبل التحالف ضد "داعش":
 
يذكر بعض الخبراء أن التحالف الدولي يعاني خللا بنيويا، حيث إنه يرتكز على المقاربة العسكرية والأمنية، بالتركيز على إخراج "داعش" دون وجود خطط واضحة للمستقبل. ذلك أن التحالف يستند إلى عقد تحالفات غير منطقية في العراق وسوريا، حيث يعتمد في سوريا على قوات سوريا الديمقراطية(الكردية) التي لها صراعات مع المعارضة السورية وتركيا. وفي العراق، اعتمد على ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية المتهمة بارتكاب جرائم بحق سكان المدن السنية. خلق ذلك الأمر فجوة كبيرة، خاصة أن التحالف قد يتعرض مستقبلاً لزعزعة بسبب الخلافات مع إيران وروسيا، نتيجة العقوبات التي فرضتها واشنطن عليهما، والتي أدت إلى مزيد من التوترات بين الجانبين. 
 
ومن المحتمل أن يتم استمرار التحالف الدولي فى حشده لقواه لتتبع عناصر "داعش" في أماكن أخرى، مثل ليبيا، وأفغانستان، والفلبين، خصوصاً بعد أن زاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدد القوات الأمريكية في أفغانستان، وذلك في إطار استراتيجيته الجديدة في المنطقة. 

[1]رانيا مكرم ،الاستراتيجية الإيرانية بشأن محاربة داعش ،  مجلة آفاق سياسية، عدد15 ،مارس 2015

[1]"معركة الرقة.. خطوات ما قبل الحسم"، سكاي نيوز عربية ،12 أغسطس 2017 ،متاح على الرابط التالي:https://www.youtube.com/watch?v=DhFDEXUKysw

 

رابط دائم: