استخدامات أمريكا لملف حقوق الإنسان
28-8-2017

إبراهيم الجارحي
* كاتب و صحفي
لم يسجل التاريخ حالة واحدة قدمت فيها الإدارة الأمريكية دولارا واحدا لأي دولة في العالم دون مقابل، حتى لو كان هذا الدولار الواحد مقدما لعلّة إنسانية واضحة، كالإغاثة أو المساعدة في مواجهة أزمة، أو كارثة طبيعية. فكل دولار تدفعه الدولة الأمريكية من أموال دافعي الضرائب يصب في النهاية في مصلحة استراتيجية، أو سياسية، أو اقتصادية، أو في الثلاث معا.
 
ولم يسجل التاريخ - ولو مرة واحدة - أن تذكرت الولايات المتحدة ملف حقوق الإنسان مع نظام سياسي يحقق لها أهدافها الاستراتيجية. وتشهد ملفات الحرب الباردة على عصر أسقطت فيه واشنطن أنظمة وصلت للحكم بالانتخابات لمصلحة أنظمة وحشية مستبدة، تغاضت عن إهدارها لإنسانية شعوب بأكملها، مقابل ما حققته لها هذه الأنظمة في حربها ضد المد الشيوعي.
 
تناست واشنطن ملف حقوق الإنسان لحكومة محمد سياد بري في الصومال، عندما كانت تحتاج إلى استخدام قاعدة بحرية، وأخرى برية في بربرة. ولم تتذكر هذا الملف إلا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وانتهاء حاجتها لإقامة قواعد عسكرية في منطقة البحر الأحمر لمواجهة الوجود السوفيتي في اليمن الجنوبي، وإثيوبيا، وإريتريا.
 
وحاربت واشنطن نظام جاكوبو آربينز، المنتخب، في جواتيمالا، وجندت جيشا من أعدائه الذين دربتهم ومولتهم، حتى تمكنوا من غزو بلادهم، وإسقاط الحكم فيها، وأحلت محله سفاحا، هو كاستييو آرماس، ودعمت بعده سلسلة من الطغاة الذين أدخلوا جواتيمالا في حرب أهلية استمرت أكثر من ثلاثين عاما.
وشهدت هذه الحرب إبادة عرقية واسعة لشعب ”المايا“، إضافة إلى عشرات الجرائم ضد الإنسانية.
 
لكن حقوق الإنسان في جواتيمالا لم تلفت انتباه الأمريكان الذين كانوا أكثر قلقا على شركة يونايتد فروت كومباني- بوسطن، التي كانت تحتكر زراعة الموز في البلاد.
وأسقطت واشنطن أقدم ديمقراطية في النصف الغربي من الكوكب، في أوروجواي، وأحلت محلها أنظمة ديكتاتورية سجنت الآلاف من أبناء الشعب الأوروجوياني، حتى بلغت نسبة المعتقلين إلى عدد السكان أعلى معدل في العالم.
 
وأسقطت نظام سلفادور ألليندي المنتخب في تشيلي لتحل محله نظام أوجستو بينوشيه، الذي كان يجمع معارضيه في ملاعب الكرة بالآلاف، ليختفي بعضهم لسنوات، أو للأبد.
 
وأشرفت المخابرات المركزية الأمريكية على ما يعرف اليوم باسم "العملية كوندور"، وهي التنظيم الأمني الذي جمع الأجهزة الأمنية للديكتاتوريات العسكرية المستبدة في المثلث الجنوبي لقارة أمريكا الجنوبية، وكانت هذه الأجهزة الأمنية تعمل من خلاله على تعقب وقتل المعارضين لهذه الأنظمة في الداخل والخارج.
 
ولم تمانع واشنطن في تقديم المعونات العسكرية لنظام منجيستو هيلا مريام في إثيوبيا في بدايته، على الرغم من أنه كان يعدم المئات من فلول نظام الإمبراطور هيلا سيلاسي دون محاكمة، ورغم الأعمال القمعية التي سُيّر من أجلها الفلاحون من شمال ووسط إثيوبيا في مسيرات بمئات الآلاف من أجل ذبح الشعب الإريتري، الذي كان يسعى للانفصال عن إثيوبيا.
 
 هذه القصص، التي استغرقت شعوب هذه الدول وغيرها في أرجاء العالم، وشهدت أعمال قتل، وترويع، وإبادة أحيانا، وتضمنت اعتداءات لا توصف على حقوق الإنسان، هي جزء بسيط من الجرائم التي أشرفت عليها الولايات المتحدة، أو التي شاركت فيها بشكل مباشر بالتمويل، والتدريب، والدعم السياسي.
 

رابط دائم: