الجائزة الكبرى..المعونة الأمريكية
28-8-2017

محمد الألفي
* كاتب و صحفي مصري مقيم في فرنسا
المشهد الضبابي بين الأمس واليوم يزداد صعوبة للكثيرين، مع أنه أصبح أكثر وضوحا، وأصبحت جميع أوراق اللعب أعلى الطاولة، وأمام جميع اللاعبين الدوليين لدرجة أن المتابعين للأحداث يرون مشاهد متكررة مع تغير في التفاصيل، والأحداث، والأسماء، إلا أن الجميع أصبحوا يدركون أن الهدف القديم هو الهدف الجديد للقوى الدولية تجاه مصر، وهو الفوز بالجائزة الكبرى، كما صرح بذلك سابقا جورج بوش الابن، دون خجل.
 
حقا، نحن أمام محطات متعددة، نبدأ في تناولها بالأسبق. ففيما يخص المعونة الأمريكية، التي تقدر بـ 1,3 مليار دولار منذ اتفاقية كامب ديفيد، التي كانت لها ظروفها الخاصة، كما كان للمعونة توقيتها منذ ذلك الحين، لم تتورع الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن وضع مصر تحت ضغط متكرر، ولأسباب متعددة تتعلق بطلبات أمريكية تتعارض مع قيمنا ومصالحنا، وأمننا القومي.
 
تعلم الدولة المصرية جيدا أن أمريكا بها مؤسسات متعددة، تشارك في صنع واتخاذ القرار الذي يمثل، من وجهة نظر هذه المؤسسات، المصلحة الأمريكية فقط، لكن أمام العالم تتبادل المؤسسات الأمريكية الأدوار بين مؤيد تارة، ومعارض تارة أخرى لضمان استمرار اللعب مع الأطراف الدولية الأخرى، واستمرار دورانها في الفلك الأمريكى، وعدم خروجها منه نهائيا.
 
تعلم الدولة المصرية أيضا أن نظام الحكم في أمريكا نظام رئاسي، وأن أي قرار يصدر تتوافق عليه المؤسسات السيادية الأمريكية مع الرئاسة الأمريكية بما يتوافق مع مصالح اللوبيات الحاكمة، ومصالح الضغط، التي تمثل في النهاية الوجه الأمريكي أمام العالم، والتي تعد صاحبة قرار من يجلس على عرش الولايات المتحدة الأمريكية.
 
أما الاتصال الهاتفي من جانب الرئيس دونالد ترامب للرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي عبر عن حرص الولايات المتحدة الأمريكية على الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وتقوية روابطها، والبعد عما يضعفها، فيمكن وصف هذا الاتصال بالتقليدي، الذي كان يهدف للتهدئة، واستمرار الأمور، كما تم إقرارها داخل الإدارة الأمريكية.
 
تزامن مع هذا الاتصال تصريحات ممنهجة داخل الولايات المتحدة الأمريكية من مجموعة جون ماكين، منها أن سبب تخفيض المعونة يرجع إلى العلاقات بين مصر وكوريا الشمالية، وآخر لعدم فهم بعد العلاقات الغامضة بين روسيا ومصر، ثم ختم جون ماكين، الذي عبر عن سعادته بهذا القرار بسبب عدم التقدم في ملف حقوق الإنسان، على الرغم من أن جون ماكين لا يحق له التحدث عن حقوق الإنسان، وإعطاء الدول دروسا في الديمقراطية.
 
هنا، يجب أن ندرك أن الإدارة الأمريكية كل ما تغير فيها هو الأسماء فقط، لكن الأجندة واحدة، سواء لإدارة أوباما، أو إدارة ترامب. كما أن الكونجرس الأمريكي لا يزال على حال العداء لمصر. كما أن الكشف عن أن هناك أعضاء من الكونجرس الأمريكي متورطين في تقاضى رشاوى من دول نفطية لممارسة العداء العلني لمصر لم يعد أمرا مستغربا، حيث لم نكن في حاجة لنشره عبر ويكيليكس، لأنه معروف منذ عقود طويلة. مما سبق، يمكن القول إن الهدف واحد، والأساليب مختلفة، وما فشل في تحقيقه أوباما مع مصر بالضغط المباشر يحاول ترامب تحقيقه بالاحتواء المرحلي المباشر، على غرار القبلة القاتلة.
 
شهدت الـ 72 ساعة الماضية حجم تسريبات فى مختلف دول العالم، ومن قنوات ومواقع متعددة، على سبيل المثال لا الحصر، من أهمها: موقع إنتيليجنس، المقرب من المخابرات الفرنسية، وموقع صحيفة الجارديان البريطانية، وموقع صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وموقع ويكيليكس.
 
الكل يتحدث عن خروقات كبيرة جدا، ورشاوى بالمليارات لأعضاء في الكونجرس الأمريكي، ومحطات تليفزيونية وإعلاميين، وتورط بعثات دبلوماسية، وملحقين عسكريين لدول متعددة، وتمويل ودعم لوجيستى للإرهابيين، وخلق فرق إرهابية لإسقاط أنظمة، وإحراق دول فيما أطلق عليه حروب بالوكالة .
 
المشهد به أن أمريكا، وقطر، وإسرائيل، وتركيا، وإيران، وحزب الله، وحماس، وأجهزة استخبارات غربية متعددة تساند، وتخدم وتقدم العون، والدعم اللوجيستي لمشروع هو الشرق الأوسط الكبير، وجائزته الكبرى مصر. هذا الحشد الدولي لا يتحرك من تلقاء نفسه، بل يحركه منتدى مجلس حكماء العالم، الذي يملك مفاتيح تشغيل جميع الدول، ويتحكم بها، وبمن يجلس على عرشها.
 
للإيضاح، يجب أن يعلم الجميع أن بعض الأسماء التي ورد ذكرها، مثل وضاح خنفر، الذي كان مديرا لقناة الجزيرة، والذي ذكر أنه عميل للمخابرات، كان معروفا أمره في مصر قبل عام 2007، و أيضا حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، كانت معروفة كل اتصالاته، ومن يقوم بتشغيله داخل الموساد، وداخل السى آى ايه، وداخل المخابرات البريطانية.
 
 لكن للأسف الشديد، لم تكن الدول العربية تصدق حجم المؤامرة التي تتعرض لها، وكانت هناك دول بدأت القول إن الإدارة المصرية تبالغ في تخوفاتها إلى أن وقعت الواقعة في المنطقة، وارتعد الجميع، ومنهم من دفع الجزية، ومنهم من ذهب مباشرة لتمويل الإرهاب تحت مسمى تحقيق الديمقراطية، وإسقاط الديكتاتوريات. وهذه التوجهات ناتجة عن هلع وخوف غير مسبوق في وقت كانت الدولة المصرية فيه تضرب في العمق وبقسوة، إلا أنها لم و لن تستسلم.
ويمكن رصد ما تعرضت له مصر، خلال سنوات سابقة، في نقاط محددة، حتى لا ينساها الجميع، وهي:
 
- الضغط على الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عام 2006 عبر وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس بتعليمات من جورج بوش الابن، وكان حاضرا وشاهد عيان السيد أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية الأسبق، والأمين العام الحالي للجامعة العربية. وكانت الصورة الكاملة لدى السيد عمر سليمان، مدير المخابرات المصرية.
 
- الضغط على الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، عام 2009، والضغط عليه أيضا عام 2011،  قبل تخليه عن السلطة، للموافقة على أن تنشئ أمريكا قواعد عسكرية لها غرب القاهرة .
 
- الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، وكانت المرة الأولى فى أثناء فترة تخلى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عن السلطة. وكانت المرة الثانية بعد تخليه عن السلطة. أما المرة الثالثة، فكانت عقب ثورة  30 يونيو. وفى كل المرات السابقة، حاولت حصار مصر عسكريا من شمال المتوسط و جنوب قناة السويس بالأسطولين الخامس و السادس.
 
- الضغط الشرس، وهو وضع مصر فى حالة استنزاف، ترهق خزانتها، وتسقط اقتصادها، وتحرك الجماهير في الداخل. وبالطبع كان المشهد في سيناء شمال شرق البلاد غنيا عن الشرح و التعريف، كذلك فى الشمال الغربي، وجنوب وسط وجنوب غرب مصر، من خلال إنشاء حروب متعددة بالوكالة لهدم الدولة المصرية. مما سبق، يتضح أن الحرب مستمرة، والتعليمات واضحة من قبل مجلس حكماء العالم، حتى إن اجتماع العام الماضي في ألمانيا، والذي حضره 150عضوا دوليا بارزا، ناقش على جدول أعماله موضوع خروج بريطانيا، والأوضاع في مصر .
 
كما لم يعد خافيا على أحد الدور المؤسسي، الذي تقوم به مؤسسة بيلدربيرج في سويسرا، ومكاتبها في الخارج، لإسقاط الدول، و إشعال الحروب في مناطق متعددة من العالم طبقا لأجنده مجلس حكماء العالم في السيطرة على مصادر الطاقة المتعددة، ومنابع المياه، وتشغيل مصانع الأدوية، والأسلحة، إضافة إلى السيطرة على الثروات الطبيعية الأخرى.
 
من كل ما سبق، قصدت التوضيح المباشر والربط بين التحركات والأهداف التي تتمثل في الفوز بالجائزة الكبرى، مصر. هذا يعنى بهدوء تام أن الحرب بكل أنواعها وأشكالها مستمرة، دون توقف، وإن كان يعتقد البعض أنها هدأت. بالطبع، ستكون تلك القراءة خاطئة، وهنا يجب علينا أن نعمل ونحن في أقصى درجات الاستعداد والاستنفار لسنوات متعددة دون الارتكان، أو الارتكاز، أو الاعتماد على قوى دولية محددة، وإلا فستكون قد حددنا لهم ما يصبون إليه.
 
نعود لبداية المقال، والتي خصصت للمعونة الأمريكية، والتلاعب بها من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة بهدف وضع الإدارة المصرية تحت ضغط متكرر دائم لتصل إلى استرضاء الإدارة الأمريكية، وتحقيق مطالبها، بالطبع هذا لن يحدث نهائيا .
 
يجب علينا أن ندرك أن المشهد في المنطقة العربية والشرق الأوسط غير مطمئن، وأنه تلوح في الأفق القريب، وليس البعيد، نذر مواجهات شرسة في المنطقة. ولهذا، يجب علينا جميعا الاستعداد جيدا بنهج واحد، وهو يد تبنى ويد تحمل السلاح، أو كما  قال السيد الرئيس المقاتل عبد الفتاح السيسي إن " مصر تخوض حرب وجود فعلية"، وكان هذا تعبيرا دقيقا وواضحا للحالة المصرية دون إفراط أو تفريط.
 

رابط دائم: