أى تأثير لعودة علاقات مصر وإيطاليا فى ليبيا؟
23-8-2017

أحمد إمام
* إعلامي
مما لا شك فيه أن تراجع العلاقات، أو خفض التمثيل الدبلوماسي، أو تجميد التعاون الاقتصادي، وغيره من المجالات، ما بين الدول وبعضها بعضا ليس في مصلحة أى من الأطراف، في ظل ما يشهده العالم في السنوات الأخيرة من أحداث هي الأقوى و الأعنف منذ عشرات السنوات. فسياسة تكوين التحالفات ما بين الدول وبعضها كانت وستظل هي الملاذ الآمن للجميع في طريق السعي إلى مستقبل أفضل ذى نتائج  ملموسة على صعيد بناء دول تثمن المفهوم "الواقعي والمنطقي" لمعنى الديمقراطية.
 
تأتى تلك السياسة، التي من مستلزماتها وأدوات تنفيذها ضرورة وحتمية التواصل بين الشعوب وبعضها بعضا على المستويين الرسمي والشعبي، في ظل ما يشهده العالم من ثورة معلوماتية في مجال التواصل، وفيما لا يتعارض مع مصالح تلك الدول وشعوبها، وأمنها القومي.
 
 ومما لا يخفى على أحد ما شاب العلاقات المصرية- الإيطالية من توتر في الآونة الأخيرة بسبب ما عرف إعلامياً بقضية "مقتل ريجينى". ودون الخوض في تفاصيل ما حدث أو ما تم التوصل إليه من نتائج فيما يخص تلك القضية، فإن مما لا شك فيه أن قرار عودة السفير الإيطالي إلى مصر من جانب روما نفسها هو بمنزلة انتصار للدبلوماسية المصرية وأمنها المعلوماتى واللوجيستى في تخطى تلك المرحلة، في محاولة من الجانب الإيطالي لإعادة بناء جسور الثقة والتواصل بينه وبين دولة كمصر.
 
في هذا الصدد، وليس بمعزل عما نتحدث عنه هنا، تفرض الأزمة الليبية والأوضاع هناك نفسها كقاسم مشترك يجب على أي من الأطراف عدم تجاهله أو إهماله، أو حتى العمل عليه بشكل منفرد دون التنسيق مع بعض الأطراف الأخرى، خاصة لو كانت تلك الأطراف ذات صلة محورية، وجزءا لا يتجزأ من صناعة القرار فيما يخص تلك الأزمة.
 
فدخول بعض الدول على خريطة الساعين إلى إيجاد حلول بين الفرقاء الليبيين بعقد الاجتماعات والمباحثات، أو التصريح بتقديم أي من أنواع الدعم التسليحي لأحد الأطراف هناك، يعد من أهم الدواعى الحيوية التي تستوجب مراجعة بعض الدول، كإيطاليا، لمواقفها تجاه دول أخرى بالجوار(مصر)، خاصة لو كانت لتلك الدول حدود ومصالح تربطها بطبيعة الحال مع الجغرافية الليبية.
 
تطورات أساسية
 
لكي يتضح المشهد بشكل أوضح، فالأمر يستوجب شيئا من المتابعة لتسلسل بعض الأحداث والمجريات منذ البداية:
 
(*)  اتفاق الصخيرات 17 ديسمبر 2015، وهو اتفاق سلام برعاية الأمم المتحدة   تم توقيعه بين الأطراف الليبية من أعضاء  البرلمان الليبي، والمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، وشخصيات ليبية أخرى، وذلك في مدينة الصخيرات المغربية. وقد بدأ العمل بالاتفاق من 6 أبريل 2016 بالفعل. ونص على تشكيل حكومة وحدة يترأسها فايز السراج، وتقود مرحلة انتقالية من عامين تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية.
 
 وكان أهم ما تضمنه الاتفاق منح صلاحيات رئيس الحكومة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني الذي يترأسه رئيس الحكومة نفسه، وعلى رأسها قيادة الجيش والقوات المسلحة، وبدء مرحلة انتقال جديدة تستمر 18 شهرا.
 
وفي حال عدم انتهاء الحكومة من مهامها، قد يتم تمديد المدة 6 أشهر إضافية. ونص الاتفاق أيضاً على تشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء المؤتمر الوطني العام الجديد، والإبقاء على مجلس النواب الليبي المنتخب في يونيو 2014. أعقب هذا الاتفاق العديد من الصدامات والخلافات بين كل من فايز السراج، والمشير خليفة حفتر بحسبان كل منهما ممثلاً لتكتل واقعي ومؤثر على أرض الواقع.
 
 إثر ذلك، تم عقد العديد من الاجتماعات والمشاورات الخاصة بالشأن الليبي، شاركت فيها مصر، والإمارات، والجزائر، وتونس، والمغرب، وإيطاليا في محاولة من الجميع للوصول لاتفاق يلتزم به الفرقاء الليبيون.
 
(*) حفتر يرفض لقاء السراج في القاهرة 14 فبراير 2017، وكان يفترض أن يلتقي السراج وحفتر في القاهرة منتصف فبراير بمبادرة مصرية للتفاوض بشأن تعديلات على الاتفاق السياسي المبرم في ديسمبر 2015، والمعروف باسم "اتفاق الصخيرات"، والذي تم بموجبه تشكيل المجلس الرئاسي لـ حكومة الوفاق.
 
ولم ينص الاتفاق المبدئي والممهد للقاء على أي دور لـحفتر الذي تسيطر قواته على القسم الأكبر من شرق ليبيا، مما كان سبباً كفيلاً من طرف حفتر لرفض لقاء السراج، خاصة بعد سيطرته على الموانئ النفطية الرئيسية في البلاد. وكان قد وصل كل من حفتر والسراج إلى القاهرة يوم الإثنين 13 فبراير 2017 للقاء مسئولين مصريين، في إطار جهود الجانب المصري لحل الأزمة الليبية. ووفقاً لبعض المصادر الإعلامية الداعمة لحفتر، فقد رفض المشير خليفة حفتر حينها الاجتماع بالسراج، طارحاً شروطا تتعلق بتعديلات واسعة في الاتفاق السياسي.
 
(*) حفتر في زيارة إلى لإمارات ويلتقي محمد بن زايد أبريل 2017: وقد صرح وقتها عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب المنعقد في طبرق، لأول مرة وبشكل علني بالدعم العسكري الذي قدمته الإمارات إلى قوات حفتر. وقال نصاً: "كان فيه دعم كبير للجيش. الجيش بدأ من 300 سيارة، وكل سيارة كان ثمنها 47 ألف دولار".
 
(*) اجتماع حفتر و السراج في دولة الإمارات 2 مايو 2017: وكان هذا اللقاء الثاني بين الرجلين بعد اجتماع في يناير 2016 ، إثر تعيين السراج رئيسا للمجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دولياً.
 
وأهم ما امتازت به تلك المشاورات هو تزامن وجود الرئيس عبد الفتاح السيسى في دولة الإمارات حينها، واجتماعه بطرفي الخلاف، حفتر والسراج، في محاولة للتوصل إلى تسوية فيما يخص الأزمة الليبية، والتنسيق فيما بين البلدين فيما يخص العديد من القضايا، لاسيما فيما يخص القضايا الاسترتيجية المتعلقة بأمن المنطقة بحكم الجوار الجغرافي. كما وجد في دولة الإمارات في التوقيت نفسه رئيس أركان الدفاع الإيطالي، الفريق أول "كلاوديو جراتزيانو" بشأن الأمر نفسه.
 
وقد أعلن حينها أن اجتماعات أبوظبي قد خرجت بخريطة طريق جديدة تتجاوز النقاط المختلف عليها، والتي تتضمن الاتفاق السياسي. فقد اتفق الجانبان على إعادة هيكلة المجلس الرئاسي، وتشكيل حكومة ليبية موحدة، وإلغاء المادة الثامنة من الاتفاق السياسي، والمتعلقة بالترتيبات الأمنية بما يضمن نزح سلاح الميليشيات. كما اتفق الطرفان على تشكيل جيش ليبي موحد يعمل تحت السلطة المدنية المتمثلة في المجلس الرئاسي للدولة، وتأكيد التعجيل بالاستفتاء على الدستور، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في موعد أقصاه فبراير أو مارس 2017. وكان من المتوقع حينها أن تستضيف القاهرة الاجتماع الثاني لحفتر والسراج منتصف مايو السابق.
 
(*) حفتر في القاهرة و السراج يعتذر عن الزيارة 11 مايو 2017: وكان المشير حفتر قد وصل إلى القاهرة منذ  الأربعاء 10 مايو، والتقى الفريق محمود حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، قبل أن يلتقي الرئيس السيسي. وأضاف أن السراج أبلغ المسئولين في مصر عن تعذر قيامه بهذه الزيارة التي كان من المفترض أن يلتقي خلالها  المشير حفتر، ثم لقاء ثلاثي يجمعهم بالرئيس السيسي.
 
(*) اتفاق باريس بين السراج و حفتر 25 يوليو 2017 : حضر الاجتماع قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إضافة إلى حضور المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا غسان سلامة. وقد تعهد المجتمعون في باريس بالعمل على تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في أقرب وقت ممكن بدعم وإشراف الأمم المتحدة، والتنسيق مع المؤسسات المعنية، وغير ذلك من الأمور التي لم تكن بالجديدة عن اتفاقات ومبادرات سابقة كما تمت الإشارة سلفاً.
 
ورغم تنبؤ البعض وإشارتهم إلى نجاح اتفاق باريس، وأنه سيحقق أهدافه المرجوة، فإن ذلك يأتي منافياً لما صرح به المشير حفتر من موسكو منذ أيام قليلة قائلاً: "على الرغم من الاتفاق مع السراج على الكثير من المبادئ، فإنه أخل بها"، مؤكدا أن قواته "تعتزم مواصلة القتال حتى السيطرة على كافة الأراضي الليبية، والقضاء على الإرهاب".
 
بات أمراً يسيراً لأي متابع جيد لسياق وترتيب الأحداث في السنوات الأخيرة  حقيقة عدم التوافق التام بين كل من فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق، والمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، لا في الماضي، ولن يحدث أبداً في المستقبل.
 
 وفي حقيقة الأمر، هكذا هي السياسة، فقد لا يستوجب ترتيب اللقاءات وحدوثها أن تكون جميع الأطراف متفقة عن اقتناع تام بما تم الاتفاق عليه، بل كل ما كان مطلوبا في هذه التوقيتات المذكورة هو التوافق كنوع من مجاراة الأمور من حول الجميع، كي لا يتم فقدان ما تم حصاده من مكاسب لأي من الأطراف على أرض الواقع منذ البدء في الجلوس على مائدة مفاوضات واحدة.
 
ويتبع ذلك أمل البعض وسعيهم في تخطى حاجز زمني معين قد يجدّ من بعده جديد، خاصة مع اكتساب أي من تلك الأطراف للمزيد من الدعم والتأييد، سواء من الداخل أو الخارج.
 
فالبقاء في المشهد لأطول فترة ممكنة دائماً ما يعضد فكرة القدرة على الاستمرارية، والقدرة على مواصلة ما تم البدء فيه مسبقاً. وأعتقد أن المشير خليفة حفتر قد نجح في تحقيق تلك الجزئية بشكل كبير، فلا يكاد يفصلنا عن 2018 الكثير، حيث ستنتهي ولاية السراج وحكومته، ومن ثم ستكون السيطرة لحفتر ومن يدعمه من دول الجوار، ما لم تجدّ على الساحة مزيد من المعوقات التي قد تعرقل تقدم حفتر وقواته، وتمكينهم من السيطرة الكاملة على الأراضي الليبية.
 
وفي ظل ما يدور بين الحكومات والكيانات غير المتفقة في ليبيا، لا يمكننا أن نتجاهل أو ننكر دور بعض الدول الساعية لإيجاد حلول سريعة وفعالة لتلك الأزمة. بل إن الأمر- من وجهة نظر أخرى- قد يتخطى مجرد الدور التنسيقى لبعض الدول التى تسعى في حل الأزمة، ليشمل دوراً أكثر فعالية في إبداء الرأي والمشورة والمشاركة في صناعة القرارات النهائية لأحد قطبى المعادلة، والتي قد تحدد مدى نجاح أو حتى فشل تلك المفاوضات والاتفاقيات مع الطرف الآخر.
 
أعتقد أن زيارة المشير خليفة حفتر، خلال الأيام الأخيرة، لروسيا قد آتت بعض ثمارها، ولو على المدى القريب، كنوع من التحرك السريع، أو الرد على التدخل العسكري الإيطالي (دخول بوارج إيطالية للمياه الإقليمية الليبية) في ليبيا تحت مظلة ومباركة حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج.
فروسيا قد تمد حفتر ببعض الأسلحة الخفيفة والمدرعات و المروحيات والطائرات بدون طيار (أي جميع ما يلزم لمكافحة المجموعات المسلحة) حسب تصريح إيجور كوروتشينكو، رئيس مركز تحليل التجارة العالمية للسلاح بالأمس ( بمباركة بعض دول المنطقة).
 
ويأتي هذا ضمن تصريحات نفي فيها السراج طلبه من إيطاليا إرسال سفن للمياه الإقليمية الليبية لمكافحة تهريب المهاجرين. لكن وزارة الخارجية الليبية أعلنت في بيان توضيحي فيما بعد، أن "ما طلبه المجلس الرئاسي من الحكومة الإيطالية لا يتعدى الدعم اللوجيستي، والفني، والتقني لجهاز خفر السواحل الليبي من أجل المساعدة في منع تدفق المهاجرين، والاتجار بهم، وإنقاذ أرواحهم"، مضيفا أن "هذا الإجراء قد يتطلب وجود بعض القطع البحرية الإيطالية للعمل من ميناء طرابلس البحري لهذا الغرض فقط، إذا لزم الأمر".
مكاسب على الأرض
 
ومن خلال مثل تلك التحركات وما يرافقها من تصريحات، نستخلص أن جميع الأطراف تتحرك حسب ما يتوافر لديها من مراكز للقوى وقدرتها على فتح قنوات اتصال مع أي من الجهات في الداخل أو الخارج، مما قد يفيدها في خطواتها المستقبلية في محاولة لجنى بعض المكاسب على أرض الواقع، كل حسب شرعيته ومشروعيته، وإن كنا لا نختلف أبداً على أن هناك من تتسم تحركاتهم بالوطنية ومن وازع المصلحة العامة، وغيرهم ممن تحركهم أهواؤهم وأجنداتهم التي لا تكاد تخفى على أحد.
 
وكان من ضمن تلك القرارات، التي لفتت نظري، صدور قرار منذ أيام من قبل الحكومة المؤقتة الليبية يحذر من فتح وتمديد فروع الشركات الإيطالية في ليبيا، لحين إشعار آخر(تحرك دبلوماسي اقتصادي كورقة ضغط). كما لا يخفى على أحد، فإن ما تم الإعلان عنه أخيرا وما نحن بصدده من عودة العلاقات، والتمثيل الدبلوماسي المصري- الإيطالي، فضلا عن زيارة الرئيس السيسي لبعض دول وسط وغرب إفريقيا في الوقت الحالي، قد يكون له من مردود
إيجابي في محاصرة بعض البؤر الإرهابية المتمركزة والعابرة لحدود، وبالتالي منع الإمدادات والدخول، أو الخروج من وإلى ليبيا كما هو الحال مسبقاً.
 
من هنا، تأتى أهمية وضرورة التواصل بين الدول وبعضها بعضا، خاصة لو كانت تربطها مصالح مشتركة فرضتها عليها المعالم الجغرافية، كما أشرنا
مسبقاً في البداية. فبالطبع، لن تكتفي إيطاليا بلعب دور المتفرج على المحاولة الفرنسية في لعب دور محوري في حل الأزمة الليبية، كونها ترى أنها أحق بهذا الدور من منطلق شفعة جيرتها ومصالحها مع ليبيا، بالإضافة لما أضفاه الجانب الفرنسي بمكانته الدولية من شرعية واعترافه بحفتر كطرف أصيل في المعادلة الليبية.
 
لذا، فالحكمة تستوجب من الجانب الإيطالي أن يحسن علاقته وتواصله مع الجانب المصري في المستقبل عما كانت عليه في الفترة الأخيرة، رغم ما لا يخفي على أحد من الدعم المقدم لحكومة الوفاق برئاسة السراج من جانب إيطاليا، وعدم توافقه كلياً مع الرؤية المصرية المتمثلة في دعمها للمشير خليفة حفتر.
 
ويجوز لنا أن نتساءل: ألم يأن الأوان لمتخذي القرار في الجانب الإيطالي أن يدركوا أن عودة العلاقات المصرية- الإيطالية، في الوقت الحالي، تستوجب من الجانب الإيطالي الإنصات جيداً، ومشاركة القيادة المصرية رؤية مستقبلية تستوجب حل الأزمة الليبية، بما يضمن عودة و استقرار ليبيا؟
فمصر، ودون أدنى شك أو مبالغة، كانت ولا تزال الطرف الأكثر تأثيراً في الكثير من المعادلات والقضايا التي يصعب حلها دون الرجوع إليها، ومشاركتها كطرف فاعل وأصيل، لا يمكن أبداً تهميشه، أو تخطيه، ليس فقط على المستوى الإقليمي، بل على المستوى الدولي ككل.
 

رابط دائم: