تاريخ العسكرية المصرية
22-8-2017

ل.د. مصطفى كامل محمد
* أستاذ العلوم السياسية، المستشار بأكاديمية ناصر
كرّم الله سبحانه وتعالى مصـر بذكرها فى جميع رسالاته السماوية، وكتبه المقـدسـة. واللافت للنظر أن الله ذكرها  فى قرآنه الكريم بعناصر الدولة القـومية الثلاثـة (الأرض، والشعب، ونظام الحكم)، فـذكرها كأرض فى آيات، وذكرها كشعـب فى آيـات أخـرى، ثم ذكرها كنظام حكم سياسى فى مواضع أخرى من الآيات، وهـى العناصر التى تتكون منها الدولة القومية، كمـا تحددها مفاهيـم أدبيات العلوم السياسيـة الحديثة. إذ يتم تعـريف الدولة القومية بأنها مساحة من الأرض، يقـطـنها مجموعـة من البشر، بينهم قـدر من الاعـتماد المتبادل، ونخبة تقوم بتنظيم وإدارة شئون الدولة، وتنسيق العلاقة بين عناصـر كتلتها الحيوية الثلاثة، وهي: مساحة الإقليم، والموارد الطبيعية، وحجم ونشاط السكان.
 
 وبذلك، تعد مصـر أول دولة قـوميـة عـرفتها الـبشرية، وقد شهد عام 5500 ق.م أول حكومة مركزيـة فى تاريخ البشريـة لإدارة شئون الدولة، حيث قامت بضبط تصرفات مياه النهر. وفى عام 4242 ق. م، قامت بتأسيس وتشييـد أول عاصمة فى تاريخ البشرية (مدينة أون)، لتتمركز فيها الحكومة المركزية، وتمارس منها نشاطها لإدارة شئون البلاد والعباد، واتخذت التقويم الشمسى لتنظيم شئون الزراعة (النشاط الرئيسى للإنسان المصرى آنذاك)، وقامت الحكومات المتعاقبة  ببناء حضارة لا يزال العالم يشهد على رقيها وعـظمتها حتى الآن .
 
  وكان من الطبيعي، منذ ذلك التاريخ السحيق، أن تقوم الحكومة المركزية ببناء جيش قوى يتولى الدفاع عن الدولة، ويحمى مكتسبات حضارتها، فقام بتوحيـد القطرين فى عام 3200 ق . م  بقيادة الملك مينا، وتأسيس الأسرة الفرعـونية الأولى، حيث أدرك رأس هذه الأسرة أن الاتحاد بين أبناء مصـر هو الطريق الوحيـد للحفاظ على مكتسبات الحضارات المتعاقبة. ومنـذ هذا الزمن السحيـق، سطر الجيش تاريخ مصر بأحرف من نور فى جميع العصور، وأصبح من العـسيـر- إن لم يكن من المستحـيـل- تناول تاريخ مصـر القديم، أو الوسيط، أو الحديث، أو حتى تاريخها المعاصر بمنأى أو بمعـزل عن تاريخها العـسكرى، والذى تجسد فى توحيـد القطرين، وتأديب المعـتديـن، وطرد الهكسوس، والتصدى للتتار، مرورا بالدفاع عن المقدسات الدينية المسيحية والإسلامية فى بيت المقـدس، إبان ما يُعـرف بالحروب الصليبية، وصولا إلى حماية ثوراتها، وغير ذلك من الأحداث الجسام التى مرت بها مصر. ولسنا هنا بصدد تسجيل تاريخ مصر فى عصرها القديم، وتاريخها الوسيط ، لكننا سنعرض فى إيجاز شديـد قـليلا مما سجله التاريخ الحديث والمعاصر .
فقد سجل التاريخ الحديث قيام محمد على باشا ببناء جيش مصرى خالص، واستقـدم له المعـلـمـيـن والمدربـيـن الـفـرنـسـيـيـن، وجهزه فأحسن جهازه، وأنشأ الترسانة البحرية، وبنى أسطولا بحريا قويا ، فتوسعـت فى عـهـده حدود مصـر، وضم فلسطين، والشـام، والحجاز شرقا. حتى إذا استولى على الحبشة جنوبا، تآمر عـليه قادة الدول الكبرى، فاجتمعـوا فى لندن، وانضمت إليهم الدولة العـثمانية، ووقـعـوا معـاهـدة لندن سنة 840 ،  التى قضت بعـودة مصـر إلى حـدودها ، على أن يبقى حكمها وراثيا لأسرة محمد عـلى باشا لترضيته. وتوفى محمد على عام  1849 بعـد أن شهدت مصر فى عـهده نهضة عـظيمة، استحق على أثرها أن يحفـر اسمه فى تاريخ مصر بأحرف من نـور .
 
وكان من بين من استقدمهم محمد على باشا من المدربين والمعـلمين الفرنسيين الكولونيل "جوزيف إنسليم سـيـف" المشهود له بالكفاءة العالية بين أقرانه من ضباط البحرية الفرنسية، وشارك نابليون بونابرت فى معـظم حروبه، وأحيل إلى التقاعـد عام 1815 ، فاستعان به محمد على باشا، ولعـب دورا كبيرا فى تاريخ العـسكرية الـمصريـة، فقام بهيكلة وتنظيم وإعادة تشكيل الجيش المصرى، والإشراف عـلى تعـليمه وتدريبه، حتى أصبح المعـلم الأول  ( كبير المعـلمين ) فى المدرسة الحربية التى قام بتأسيسها عام 1811. وأصبح هذا الكولونيل قـدوة لتلاميذه وجنوده، إذ تعـرض للاغـتيال ذات مرة على يـد أحد طلبته لجديته وحماسه وإخلاصه فى التدريب ، فوقف بينهم مخاطبا  " ما كان عهـدى بكم أن يكون فى صفـوفكم جبان أو خائن، فـهـذا سيفى فقاتلونى. فإن فـزتم عـلىّ، فـهـو مـا أرضاه لكم من شـرف الجندية المصرية. وإن فزت عـليكم ، فليس لى عـليكم إلاَ الطاعة والالتزام"، فالتف طلبته حوله معـتـذريـن، فأعـلن إسلامه وأطلق عـلى نفسه "سليمان أغـا".
 
ومن الطريف أن هذا الـقـائــد الفذ والـقـدوة قام بتلـقـين الجميع درسا فى نزاهة انتقاء طلبة المدرسة الحربية. فعنـدما رغب إبراهيـم-ـ الابن الأكبر لمحمد عـلى باشا- فى الانضمام إلى صفوف طلبة المدرسة الحربية، رفـضه فى أول الأمر ، ولكنه وافق بعد ذلك، عندما رأى منه إصرارا شديـدا، ورغـبة أكيـدة فى الانضمام إليها، فاشترط عـليه أن يكون قدوة لأقرانه، ومتساويا معهم فى الحقوق والواجبات، وألا تكون هناك تفرقة بينهم، وألا يكتسب مـيـزة واحدة من كونـه ابن والى مصر حتى لا يُسئ إلى شرف الجـنـديـة المصرية ، فانصاع إبراهـيـم لجميع شـروطه، والتزم بها حتى صار مثالا للطاعـة والجديـة، فاكـتسب حـب واحـتـرام الـجـمـيع، واسـتـحـق أن يكون الطالب الأول طوال مراحل دراسته، واستحق أيضا أن يكون قائـدا عـظيما سجل اسمه بأحرف من نور فى سماء العسكرية المصرية، لكنه توفى فى نفس عام ولايـتـه، حيث حكم مصـر فى حياة أبيه عام 1848، وقـام بتطـوير المدارس الحربية فى فترة ولايته القصيرة ، كما قام بتطوير الجيش المصرى، وذهب بجزء منه إلى المكسيك، وكان قاب قوسين أو أدنى من فتح القسطنطينية. ولولا مؤامرة القوى العظمى، لكانت تركيا إحدى ولايات مصر، وهو ما لم يدركه أردوغان سلطان العثمانيين الجديـد حتى الآن .
 
وكان الكولونيل سيف قد طلب انتقال المدرسة الحربية من أسوان إلى إسنا، حيث قام بتخريج أول فـوج من الضباط فيها، وتم توزيعهم على مراكز التدريب فى صعـيـد مصر، وطلب من محمد على باشا أن يتولى تدريبهم بنفسه، وقام بتشكيل 6 آلايات ( جمع آلاى ، والآلاى وحده أكبر قليلا من الكتيبة، وأقل قليلا من اللواء) برئاسة هـؤلاء الضباط، حيث أنعـم عليه محمد عـلى برتـبـة الأميـرالاى، وعـينه قائدا على الآلاى السادس الذى اشترك به فى حرب المورة، ثم فى الحربين السوريتين الأولى والثانية، وأبلى بلاء حسنا فى جميع هـذه الحروب، فأنعم عليه محمد على برتبة الباشوية ولقٌب بـ ( سليمان باشا الفرنساوى، وأصبح مصـريا خالصا، وتزوج من مصرية) , ثم أصبح بعـد ذلك مفـتـشا عاما على جميع المنشآت والوحدات العسكرية، وكان قـد أنشأ من قبل المدارس العـسكرية التخصصية، مثل مدرسة البحرية، ومدرسة البيـادة (المشاة)، ومدرسة الطوبـجـيـة (المدفعـية)، ومدرسة السوارى (الفرسان، ثم المدرعات الآن)، ومدرسة الهندسة، ومدرسة الموسيقى، ومدرسة أركان الحرب، فكان ما أنجزه هذا القائد العظيم، الذى انتمى إلى مصر ووالاها، هو النواة الحقيقية التى نجنى ثمارها الآن .
 
وبعـد وفاة أبيه إبراهيم، تولى إسماعـيل باشا حكم مصر، ولعـلى لا أتجاوز الحقيقة، أو أكون مغاليا فى القول، إن عـصره كان العـصر الذهـبى لمصر، إذ استطاع إحياء عـصـر النهضة ، فسار على نهج أبيه إبراهيم وجده محمد على باشا، بل وتفوق عليهما فى التخطيط العـمرانى والتنمية العمرانية، فاستقدم الخبراء والبعـثات الأجنبية، خاصة من إيطاليا وفرنسا، وبنى ما يعـرف بالقاهـرة الخديـويـة على النسقين المعـماريين الفرنسى والإيطالى، حتى غـدت القاهرة باريس الشرق، وأرسل البعـثات المصرية إلى الخارج ( فـرنسا وإيطاليا)، وبنى مدينتى الإسماعـيلية، وبورسعـيد على الطراز الفرنسى لمدينتى " كان" و" نيس". أما فى المجال العسكرى، فقد أعاد الروح للجيش المصرى الذى حزن على موت أبيه إبراهيم باشا ، وأعاد تجهيزه، وأحسن إعـداده، حتى وصل به إلى أعالى النيل وهضبة البحيرات، ورفع العلم المصرى، قائلا: هنا تقبع الحدود المصريـة. هكذا أدرك هذا القائد العظيم الذى تم تشويه صورته الذهنية أن صيانة جوهر الأمن القومى المصرى تكمن فى الحفاظ على الأمن المائى، واتسعـت حدود مصر فى عـهده ليحقق حلمه فى تأسيس الإمبراطورية الإفـريقـيـة، وأعاد إنشاء جميع المدارس الحربية وزاد عليها، فأعاد إنشاء مدرسة البيادة، وأنشأ مدرسة المبارزة ( الرماية الآن ) عام 1864. وفى 1865، أعاد إنشاء مدارس السوارى، والمدفعـية، وأركان الحرب. وفى سنة 1868، أنشأ مدرسة الطب البيطرى، وضمها إلى مدرسة السوارى بعـد ذلك. وفى عام 1874، أنشأ كلا من مدرسة الأسلحة والذخيرة، ومدرسة ضباط الصف، كما أنشأ مدرسة التلغـراف العسكرية، ومدرسة الإشارة فى 1879. فلما أدركت الدول الأوروبية آمال وطموحات إسماعـيل الذى أعاد لمصر مكانتها، وبنى إمبراطورية، تآمرت عليه مثلما تآمرت على جده، وقامت بعـزله .
وفى يناير 1892، تولى عـباس حلمى الثانى، المشهود له بالوطنية والكفاءة، وانتمائه وولائه لمصر، فاهتم بالثقافة والتعـليم، وظهرت فى عـهـده الصحف، وبرز أهل الفكر وقادة الرأى من أمثال محمد عـبده، وجمال الدين الأفغانى، وأنشئت جامعـة القاهـرة، واهتم بشئون العـسكرية المصرية، فأصل وأصدر القوانين، وحدد المسؤليات والاختصاصات، خاصة للمدرسة الحربية، فذاع صيـتـها، وكان من أبرز خريجيها فى عهده حافظ إبراهـيـم (شاعر النيل) ، وحيدر باشا (وزير الحربية فى عـهد الملك فاروق) ، ويوسف نجيب ( والد اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية المصرية) .
 
أما التاريخ المعاصر، فـقـد سجل نوعا آخر من الإسهامات التى شاركت بها العسكرية المصرية، حيث شهدت مقاومة وإجلاء قوات الاحتلال، وقيام الضباط الأحرار بحركة يوليو 1952 التى باركها ودعمها الشعب، وحولها إلى ثورة شعبية. وكان أحد الأهـداف الرئيسية لحركة الضباط الأحرار هو بناء جيش وطنى قوى،  وهـو ما أزعج الدول الأوروبية ( بريطانيا وفرنسا) فانتهزتا صدور قرار تأميم قناة السويس، وأوعـزتـا إلى إسرائيل أن تبدأ فعاليات عـدوانها الثلاثى على مصر فى 1956، وقامت بتدميـر مدن الـقـنـاة الثلاث، وانتهى هذا العـدوان بانسحاب القوات المعـتدية من جميع الأراضى المصرية بعـد
 
الإنذارين الأمريكى والسوفيتى، ثم قامت إسرائيل بعـد ذلك بشن حرب يونيو 1967 ضد مصر بدعم كامل من القوى الغربية، حيث تمكنت إسرائيل من احتلال سيناء، ووصلت إلى الضفة الشرقية للقناة. وهنا، حددت القيادة السياسية رؤيتها الاستراتيجية  لمرحلة الحرب القادمة "ما أخذ بالقوة يسترد بالقوة " ، وحددت رسالتها "لا صوت يعلو صوت المعركة". فكانت هذه الرؤية وتلك الرسالة إيذانا لإعـداد الدولة لحـرب لا ريب فيها، وقامت القيادة العسكرية بتحديـد الهدف الاستراتيجى "إعادة بناء القوات المسلحة وإعـدادها والتخطيط لاستخدامها وتحرير الأرض". وكان لابد من تغطية فـتـرة إعادة بناء وإعـداد وتجهـيـز القوات المسلحة بأعـمال قتال نشطة. فكانت حرب الاستنزاف، أو حرب المواجهة الحقيقية مع القوات الإسرائيلية. إذ لم يكن الجندى المصرى قـد واجه الجندى الإسرائيلى مواجهة حقيقية فى حربى 1956و1967،  فكانت حرب الاسـتـنـزاف هى المرحلة الافـتتاحية الحقـيقيـة لحرب استعادة الكرامة الـقـومـيـة، واندمال الجرح القومى، حرب أكـتـوبـر 73، أو الحرب التى تمكنت فيها القوات المسلحة المصرية من أن تثبت جدارتها فى التخطيط، والبناء، والتعبئة، والـحـشـد، والـفـتـح الـتعـبـوى والاستراتيجى،  الحرب التى أدت إلى دحض نـظـريـة الأمن الإسرائيلى المطلق القائـم على ضرورة تحـقـيـق الـتـفـوق عـلى الـدول العـربـيـة مجـتـمعــة، الحرب التى دُمر فـيـها خـط بارلـيـف الحصـيـن، وهُـزم فيها جـيـش إسرائيـل الذى لا يقهـر، الحرب التى غـيـرت مفاهـيـم، ورسخت مفاهـيـم ومبادئ وأسسا استراتيجية جـديدة، فأصبحت نتائجها جديرة بالدراسة فى جميع المعـاهـد ومراكز الدراسات الاستراتيجية فى العـالم.
 
كما وقفت القوات المسلحة بجوار شعبها تدعمه وتؤازره فى ثورة 25 ينايـر 2011 التى اختطفها التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية، وفى ثورته فى 30 يونيـو، ويسعى حثيثا إلى استعادة الاستقرار الأمنى والسياسى للدولة، واستعادة توازن المكانـة التى فـقـدتها مصر إبان عام الظلام الذى حكمت فيه الجماعة الإرهابية بعـد أن استولت على الحكم، وتعاونت مع القوى الإقليمية غـيـر العربية (تركيا، وإيران، وإسرائيل، وإثيوبيا) لكى تجنى مزيـدا من المكاسب لمصلحة مشروعها الأممى. والآن، يسعى جيش مصر إلى تجفيف منابع الإرهاب، مهما تعددت تضحيات شهدائه. وبالرغم من كل هذه التحديات، فقد ارتقت العسكرية المصرية مرتبة متقدمة فى قائمة ترتيب أقوى الجيوش العالمية فى تصنيف مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، حيث تبوأت المرتبة العاشرة عالميا فى تقييمات بعض هذه المراكز، والمرتبة الثانية عشرة فى تقييمات بعضها الآخر .
كان ذلك غيضا من فيض تاريخ العسكرية المصرية، تاريخ يتشرف به كل مصرى، تاريخ ضارب بجذوره فى أعماق تاريخ البشرية. إذ يمكن استخلاص بعـض الحقائق التى لا يخطئُها منصف، ولا ينكرها مجحف:
 إذ تشيـر الحقيقة الأولى  إلى أن بناء الجيش المصرى تم مع نشأة الدولة المصرية القديمة، أى منذ أكثر من 5200 سنة. وبالتالى، فإن العسكرية المصرية
 
تُعد هى الأقدم من حيث التشكيل والتنظيم، ومن حيث تراكم الخبرات المعرفية والقتالية، وهو ما يتسق مع تقييم مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية التى سبقت الإشارة إليها.
 وتشيـر الحقيقة الثانية إلى أن القوات المسلحة المصرية قد تم تشكيلها من أبناء الشعـب لتكون ملكا للشعب، لا تملك وصاية عليه، ولا تمن عليه، بل تتلقى منه، ولا تُملى عليه.
 
أما الحقيقة الثالثة، فتشير إلى أن العسكرية المصرية قد اكتسبت مبادئها، وقيمها، وعـقائدها منذ فجر التاريخ، وأن هذه المبادئ، والقيم، والعـقائد قـد ارتبطت ارتباطا وثيقا ومباشرا بقيم الانتماء، والولاء، والوفاء للوطن والشعـب، تلتزم بدورها نحوه، لا تتخطاه ولا تتعـداه .
 فجيش بمثل هذا العـمق الضارب بجذوره فى أعـماق التاريخ ، يعـتنق هذه المبادئ، وتلك القيم والمعـتقـدات، لا بـد أن ينأى بنفسه بعـيـدا عما يردده المرجفون، أو يلوكه المجحفون بأن تحرك القوات المسلحة يهدف إلى السيطرة العسكرية على البلاد بتدخله فى المعادلة السياسية لمصر. وأقول لهؤلاء وأولئك إن القوات المسلحة لا تتدخل فى المعادلة السياسية، ولا المعادلة الاستراتيجية بأسرها، بل تُعد وستظل عنصرا وطرفا أصيلا من مكونات المعادلتين بحكم مسئولياتها التاريخية، والأخلاقية، والوطنية، إذا ما تهدد أمن مصر القومى، ليس فقط عبر تاريخها الضارب بجذوره فى أعماق التاريخ،  بل إلى أن يشاء الله رب العالمين، ويرث الأرض ومن عليها. فكما كرم الله سبحانه وتعالى مصر وذكرها فى جميع رسالاته لهداية الأرض، فقد شرفها الله أيضا بأن كلف جيشها برفع راية الحق آخر الزمان. فمصـر وجيشها باقيان إلى يوم يُبعث هؤلاء المرجفون والمجحفون، وهو ما أنبأنا به من لا ينطق عن الهوى فى حديثه صلى الله عليه وسلم (سيفتح الله عليكم مصر فإذا فتحتموها فاتخذوا منها جندا كثيفا فهم خير أجناد الأرض قيل لماذا يا رسول الله؟ قال لأنهم فى ربـاط إلى يوم الدين) ولو كره هؤلاء المرجفون، وأولئك المجحفون. 
  ولله الأمر من قبل ومن بعـد، والله من وراء القصد، وهو يهدى السبيل.
 
 
 
 

رابط دائم: