التأثيرات المحتملة لأزمة المقاطعة في اقتصاد قطر
22-8-2017

د.إسلام شاهين
* أستاذ الاقتصاد والمالية العامة المساعد، المستشار الاقتصادي لمجلس علماء مصر

 تطرح أزمة مقاطعة دول خليجية وعربية (السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين) للنظام القطري منذ الخامس من يونيو الماضي تأثيرات متعددة في اقتصاد الدوحة، لاسيما في ضوء تشابك قطاعات الأخير مع كل من الاقتصادين السعودي والإماراتي. وعلى الرغم من أن الوقت لا يزال مبكراً لتحديد الآثار الاقتصادية الكاملة لقطع العلاقات مع قطر، فإن هنالك بعض الآثار المحتملة التي يمكن طرحها على النحو الآتي:

أولاً- احتياطي الصندوق السيادي لقطر: حيث إن هناك آثارا محتملة لأزمة مقاطعة قطر على احتياطي الصندوق السيادي للدوحة، والبالغ حالياً 333 مليار دولار لعام 2017م، بعد أن كان 256 مليار دولار عام 2015 ، محتلاً بذلك المركز التاسع دولياً، في حين احتلت الإمارات والسعودية المركزين الثاني والرابع على الترتيب.

شكل (1) يبين أكبر عشرة صناديق سيادية في العالم عام 2015م .


كما أن هناك أيضاً إعادة ترتيب لتأثيرات تدخل الدول لتغطية نقص الصندوق السيادي، والتي تمتلك ثلثي الصندوق السيادي القطري. ومن أهم هذه الدول ألمانيا بحصة لشركتي فولكس فاجن وسيمنز، وهذا يفسر وقوف هذا البلد الأوروبي كمعارض للمقاطعة، حيث إن المصالح الاقتصادية تفوق في أغلب الأحيان المصالح السياسية.

 

شكل (2) حصص الدول في الصندوق السيادي القطري لعام 2017م


ثانياً- مورد الغاز والنفط القطري، حيث يعد الغاز أحد أهم مصادر الدخل لدولة قطر، وأول من سيتأثر سلبيًّا بأزمة المقاطعة، إذ من المتوقع ارتفاع تكلفة تصدير المنتجات القطرية، حيث إن هناك اعتمادًا كليًا على شحن الغاز إلى دول أوروبا وإفريقيا، مرورًا بالبحر الأحمر وقناة السويس .وتملك قطر ثالث أكبر مصدر للغاز في العالم باحتياطيات تلامس الـ 15% من إجمالي الاحتياطيات العالمية المؤكدة من الغاز الطبيعي، بما يعادل أكثر من 900 تريليون قدم مكعبة. 

كما تعد قطر عضوًا في «أوبك»، إذ تبلغ الطاقة الإنتاجية لها نحو 600 ألف برميل يوميًّا. وبالرغم من أن إنتاجها يعد من أصغر معدلات الإنتاج بالمنظمة، فإن التوتر في المنظمة قد يؤدي إلى اتفاق خفض الإمدادات الذي يهدف لتعزيز الأسعار، وذلك في وقت تتزايد فيه الشكوك من أن الجهود الرامية لخفض الإنتاج إلى 1.8 مليون برميل يوميًّا ستكبح الصادرات الفعلية كثيرًا، مما سيضغط على دخل الصادرات النفطية القطرية، إذا ما شاركت في التخفيض. وإذا كان الإنتاج القطري من أصغر المعدلات في "أوبك" ، فإن دخل الفرد هو الأعلى منذ عام 2013، مقارنة بباقي الدول في منظمة "الأوبك"، مما قد يتأثر نصيب الفرد تأثيراً كبيراً بالمقاطعة والأزمة الحالية

 شكل (3) نصيب الفرد في منظمة الأوبك عام 2013،2014م


ثالثاً- الميزان التجاري للتجارة الخارجية: هناك العديد من الشركات الخليجية العاملة في قطر، من بينها تلك العاملة في قطاع التجزئة. كل هذه المتاجر ستغلق أبوابها ونشاطها، وهو ما يفرض ضغوط على الأمن الغذائي القطري، بالنظر إلى أن الطريق البري الوحيد لدخول الأغذية إليها هو الحدود البرية مع السعودية، إضافة إلى أن الدول الصحراوية تواجه بطبيعتها مصاعب في زراعة الأغذية.

ونظراً لاعتماد قطر على الواردات من السعودية والإمارات، سواء أكانت تلك الواردات من صناعة الدولتين، أم معادا تصديرها، عبر المنافذ البرية، والتي هي كلها على الأراضي السعودية، فإن ذلك الأمر يضع نظام الدوحة في موقف اقتصادي صعب.

شكل (4) يوضح الميزان التجاري (للسعودية والإمارات والبحرين) مع قطر 2017م


وعلى سبيل المثال، تشير الإحصاءات المتاحة إلى أن حجم تجارة المواشي المصدرة لقطر من السعودية والإمارات في 2015م تجاوز 416 مليون دولار، في حين سجلت الصادرات الغذائية منهما إلى قطر 310 ملايين دولار، كما بلغت الصادرات من الخضراوات والفاكهة 178 مليون دولار سنوياً. وسيكون لوقف الرحلات الجوية، وخفض حركة الزيارة، والتنقل بين البلدين، وقصرها على المعتمرين والحجاج، أثر كبير في تراجع معدلات التبادل التجاري والتعاون بين مختلف قطاعات الأعمال.

شكل (5) حجم التجارة البينية (للسعودية والإمارات والبحرين) مع قطر 2017م


رابعاً- النمو والتضخم في اقتصاد قطر(1):

فعلى الرغم من أن الاقتصاد القطرى يبلغ 170 مليار دولار، وأن معدل النمو البالغ 3.4 % يماثله معدل تضخم 3.4%، ورغم أن هذا المعدل مقبول من الناحية الاقتصادية، فإن هذا الأمر قد يتأثر سلباً نتيجة المقاطعة الحالية، فضلاً عن الإجراءات التصعيدية التي يمكن اتخاذها على المستوى الاقتصادي، نتيجة رفض الدوحة مطالب دول المقاطعة، الأمر الذي قد يكون له تأثير بالغ الخطورة فى الاقتصاد القطري.

ومن المتوقع أن تؤدي أزمة المقاطعة إلى زيادة العجز المالي إلى 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، ويمكن أن يصل العجز في الحساب الجاري الخارجي إلى نحو2% من الناتج المحلي الإجمالي، نظرًا للانخفاض الحاد في إيرادات الخدمات المتعلقة بالسفر والنقل بسبب الحظر المُطوّل المفروض على السفر من الدول المجاورة، وإغلاق المجال الجوي . كان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في قطر قد شهد انخفاضًا ​​إلى 1.2% في عام 2016 و2 % في عام 2017، ويرجع ذلك بالأساس إلى انخفاض النمو غير الهيدروكربوني الذي تأثر بتزايد الشكوك حول مستقبل الاستثمار والبيئة المالية المحاصرة.

شكل (6) حجم الاقتصاد والنمو والتضخم لدولة قطر 2017م


خامساً- وقف التعاون الدولي:

حيث إن التهديد والتصعيد من جانب دول المقاطعة لوقف التعاون مع الدول التي تتعاون مع قطر قد يؤثر فى اقتصاد الأخيرة. ولأن مصالح الدول الآسيوية والأوروبية مع السعودية، والإمارات، ومصر تفوق بكثير دولة قطر، فإن مصير العلاقات القطرية - الدولية ربما يكون محفوفا بكثير من المخاطر والآثار السلبية على قطر، نظاما وشعباً . ومن المحتمل أن تقدم العديد من حكومات الدول في العالم على وقف التعاون والتواصل التجاري مع قطر، مما سيجعلها تخسر الكثير من الاتفاقيات التي كانت تسهل عملية التجارة الخارجية، ورفع مستوى الإيرادات والصادرات.

 

سادساً- قطاع الإنشاءات القطري:

فمن أهم الإنشاءات القائمة حاليا، والتي تسعى الحكومة القطرية لإنجازها، بناء ميناء جديد، ومنطقة طبية، ومشروع لمترو الأنفاق، والتمهيد لإقامة كأس العالم 2022م. ويعد إغلاق المنافذ البرية، والجوية، والبحرية من الدول الخليجية لقطر تهديدا لإقامة كأس العالم في قطر نسخة 2022، حيث إن هناك ثمانية ملاعب يتم تجهيزها استعدادا لهذه البطولة. وهذا ما يعد جزءا فقط من مشاريع إنشائية ضخمة تشهدها قطر حاليا، بما قد يكبد الدوحة خسائر اقتصادية فادحة، بسبب البنية التحتية، التي استثمرت فيها من أجل استضافة هذه المناسبة. ويشكل نقص مواد البناء، خاصة الخرسانة والصلب، بفعل المقاطعة، تهديدا لقطاع الإنشاءات القطري، لاسيما أنها تأتي أساسا عن طريق الحدود البرية مع السعودية.

 

سابعاً- العملة القطرية:

حيث إن منع تداول الريال القطري من الدول التي تقود المقاطعة، خاصة السعودية، والإمارات، والبحرين، يؤثر بشكل كبير فى قيمته على المديين القريب والبعيد، لاسيما أن هناك عددا من الدول التي تصدر العمالة لها قد اتخذت قراراً بعدم تداول الريال القطري، كبعض البنوك العاملة ببريطانيا، وعلى رأسها بنك باركليز، وبنوك دولية أخرى في سيريلانكا والفلبين، التي أعلنت أخيرا عن إيقافها لتصدير العمالة لقطر.

ومنذ بداية الأزمة بين قطر ودول الخليج، شهد سعر صرف العملة القطرية انخفاضاً غير مسبوق منذ 2008م . فقد ارتفعت قيمة الدولار مقابل الريال القطري من 3.6436 ريال لكل دولار إلى 3.6526 في يونيو 2017م. ثم ارتفع خلال أسبوع واحد إلى 3.6703 ريال لكل دولار في أول يوليو 2017م ، مما يعني تراجع قيمة العملة القطرية إلى أدنى مستوياتها منذ أكتوبر من عام 2008، وذلك وسط مؤشرات حول نزوح رءوس أموال أجنبية ضخمة تابعة لصناديق استثمارية.

ومن المحتمل أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تدهورا متزايداً للريال القطري مقابل الدولار، إلى جانب رفض محلات الصرافة تداوله بشكل أوسع عالمياً مما كان عليه، حيث بدأت بعض دول شرق آسيا وأوروبا ذلك. إلا أنه من المتوقع أن يشمل رفض العملة دولا كأمريكا، وأوروبا، واستراليا، مما سيضاعف من خفض قيمة الريال، ويكبد الحكومة القطرية خسائر مضاعفة.

شكل (7 ) يوضح بعض الآثار الاقتصادية حسب صندوق النقد الدولي 2017م


وعلى أثر ذلك، طالب المصرف المركزي القطري البنوك التجارية بتقديم تفاصيل عن ودائع العملاء من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومصر، ودول أخرى على أساس أسبوعي. كما طالب المصرف البنوك بتقديم معلومات تفصيلية ومنتظمة بشأن تداولات النقد الأجنبي لديها، وكذلك بشأن السحب على الودائع، والسيولة، والتحويلات. وهذه المعلومات كانت تُطلب في السابق بشكل شهري في الظروف الطبيعية، وهو ما يعكس حالة القلق التي تنتاب حالياً المؤسسات المسئولة عن السياسة النقدية في قطر بسبب الأزمة الراهنة.

وقد دفعت هذه المعطيات المصرف المركزي القطري إلى ضخ كميات كبيرة من الدولارات في السوق الفورية للعملات لإبقاء أسعار الصرف تحت السيطرة. لكن يبقى التساؤل: إلى متى يمكن للمصرف المركزي القطري الاستمرار في تنفيذ ذلك؟

 

ثامناً- صعوبات تحرك الأفراد:

حيث يتضمن قرار قطع العلاقات حظر سفر مواطني السعودية، والإمارات، والبحرين إلى قطر، أو العيش فيها، أو المرور عبرها. كما تضمن القرار مغادرة جميع العاملين التابعين لدولة قطر، سواءً كانوا دبلوماسيين، أو موظفين، أو عاملين لشركات طيران، أو استثمارية تابعة للدوحة، مما شأنه أن يُسبب مشكلة اقتصادية للشركات المحلية والدولية العاملة في قطر.

وبرغم سماح السلطات السعودية للقطريين بالحج، فإنها اشترطت استخدام خطوط جوية غير شركات طيران قطرية، بشرط موافقة هيئة الطيران المدنى السعودية على الشركات التي تختارها قطر، مما قد يؤثر فى الاقتصاد القطري في مجالي حركة الأشخاص والنقل الجوي.

 

تاسعاً- قطاع النقل الجوي:

حيث يتأثر هذا القطاع الجوي في قطر بخسائر اقتصادية فادحة على المدى البعيد، بعد قرار السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر منع جميع الشركات الجوية القطرية من الهبوط في مطاراتها، أو استخدام أجوائها . ومن ضمن هذه الخسائر زيادة تكلفة النقل عليها، نتيجة قلة الطرق المتاحة لها جويا، واستخدامها أجواء دول أخرى. وقد تدفع هذه الخسائر، وزيادة تكلفة النقل الحكومة القطرية للتدخل للحد من آثارها، الأمر الذي سيرفع من الدين العام القطري.

عاشرا- ارتفاع تكلفة التأمين على الديون:

فعقب تفاقم أزمة المقاطعة لقطر في الخامس من يونيو الماضي، كان هناك ارتفاع ملحوظ في تكلفة التأمين على الديون السيادية القطرية ضد مخاطر التخلف عن السداد، بعد خفض التصنيف الائتماني للبلاد، بسبب الأزمة الراهنة مع دول الخليج. فقد زادت من 4 نقاط إلى 115 نقطة، وقد تزيد عقب رفض قطر المطالب للدول المقاطعة. وقد وضعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تصنيف احتمالات تخلف قطر عن سداد الديون البالغ (AA) قيد المراجعة، استعداداً لخفض محتمل خلال الفترة القصيرة المقبلة. ورجَّحت الوكالة أن تستمر أزمة قطر لفترة طويلة، وأن تؤثر سلباً في اقتصادها.

شكل (8 ) ارتفاع تكلفة التأمين على الديون 2017م


حادي عشر- ارتفاع الدين الخارجي:

حيث ارتفع الدين الخارجي على نطاق المنظومة في قطر بشكل حاد على مدى السنوات القليلة الماضية، ليصل إلى 454.3 مليار ريال قطري (نحو 125 مليار دولار أمريكي) في نهاية أبريل 2017، مع أن جزءا كبيرا من هذا الدين يأتي من أوروبا وآسيا.

وفي الوقت نفسه، تقدّر قيمة الديون الخارجية الصافية بمبلغ 182 مليار ريال قطري (نحو 50 مليار دولار)، وهو ما يمثل 23.5 في المئة من القروض المحلية، مقابل 13.2 في المئة في نهاية عام 2015.

 

ثاني عشر- مشاكل السيولة القطرية:

حيث إن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، إلى جانب تأثير قطع العلاقات مع الجيران، يمكن أن يزيدا من مشاكل السيولة لدى البنوك القطرية. ومع ارتفاع سعر الفائدة على الودائع، رفع البنك المركزي القطري سعر الفائدة على الودائع بواقع 25 نقطة ليصل إلى 1.5 في المئة، بعد رفع سعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. ويزيد من عمق الأزمة أن البورصة القطرية شهدت تأثرا حادا بأزمة المقاطعة. فخلال الجلسة الأولى التالية لقرار المقاطعة، فَقَدَ المؤشر العام للبورصة نحو 701 نقطة. وخلال الجلسة الثانية، فَقَدَ 238 نقطة إضافية، فتراجع إلى 8965 نقطة، مقارنة بمستوى بلغ 9923.6 نقطة في اليوم السابق لقرار قطع العلاقات.

وقد شهدت الأسهم القطرية تراجعاً حادّاً  لأكثر من 10% بعد إعلان الدول المقاطعة، فيما أقفل عدد من الشركات بالنسب الدنيا القصوى، كما شهدت عمليات بيوع كبيره تتابعت، كاسرة بذلك حاجز العشرة آلاف نقطه لسوق الأسهم، وصولا لمستويات التسعة آلاف (2) .

ثالث عشر- السندات السيادية والتصنيف الائتماني :

حيث إن قطع العلاقات حتماً سيؤثر في التصنيف الائتماني للدوحة، إذ  تعطل كل من التجارة، وتدفقات رءوس الأموال الاستثمارية إلى قطر، في ظل إغلاق (الطرق) البرية، والجوية، والبحرية، مما يظهر تصعيداً سلبياً على الناحية الائتمانية.

كانت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية العالمية قد خفضت أخيرا تصنيفها لديون قطر السيادية طويلة الأجل درجة واحدة إلى (AA-) بدلاً من (AA)، ووضعتها على قائمة المراقبة الائتمانية ذات التداعيات السلبية، وهو ما يعني أن ثمة احتمالاً كبيراً لخفض جديد في التصنيف الائتماني القطري خلال الفترة المقبلة.

وأخيراً، وليس آخراً، فإن النظام القطري يعول على دول وحسابات لن تكون في مصلحته، نظاماً وشعباً، لأن مصالح تلك الدول الاقتصادية مع السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين أكبر بكثير من العلاقات مع قطر. كما أن التصعيد السياسي للنظام في الدوحة سيكون له بالغ الأثر على الجانب الاقتصادي في الآماد القصيرة، والمتوسطة، والبعيدة.


رابط دائم: