هجوم برشلونة يفرض ترتيب التعاون الأمني داخل جغرافيات المتوسط
21-8-2017

محمد بن امحمد العلوي
* كاتب مغربي
نقلاً عن صحيفة العرب 
2017/08/20

عودة الأمن والاستقرار للمتوسط تكون متزامنة مع محاربة داعش ووضع حد لأسباب وجوده وحواضنه وامتداداته الفكرية والأيديولوجية على طول الطريق من الشرق الأوسط حتى شمال أفريقيا مرورا بمنطقة الساحل والصحراء.

 
تأتي العملية الإرهابية ببرشلونة تزامنا مع الحرب الدولية على تنظيم داعش بكل من سوريا والعراق وليبيا ما جعله ينقل عملياته عبر جغرافيات متباعدة نسبيا خصوصا في دول حوض البحر المتوسط، وذلك لإرباك عمليات التضييق عليه دوليا بخلق أكبر موجة من الرعب وعدم الاطمئنان داخل أوروبا بالخصوص.
 
فضغوط التحالف الدولي ضد الإرهاب جعلت تنظيم الدولة يعتبر “منفذي هجوم برشلونة من جنود الدولة الإسلامية ونفذوا العملية استجابة لنداءات استهداف دول التحالف”.
 
إن عملية دهس شاحنة لحشود في شارع لاس رامبلاس السياحي تمت بنفس الأسلوب الذي اعتمدته ذئاب داعش المنفردة في كل من بريطانيا وألمانيا والسويد وفرنسا والنمسا، الشيء الذي يؤكد سرعة تمدد جغرافية العنف الإرهابي الداعشي خدمة لمشروع الجهادية العالمية، والذي لم يبق حبيس منطقة بعينها ولم يعد معتمدا على أسلوب تقليدي في الاستقطاب والهجوم أو على جيل عادي من المنفذين.
 
تهديد تنظيم الدولة جعل رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، يقول في مؤتمر صحافي ببرشلونة إن الحرب على الإرهاب هي اليوم الأولوية الأولى للمجتمعات الحرة والمنفتحة مثل مجتمعاتنا. إنه تهديد عالمي والرد يجب أن يكون عالميا”.
 
وهذا التصريح للمسؤول الإسباني يصبّ في إطار ما يقدمه المغرب كجار جنوبي لمدريد وكنموذج يُحتذَى في مناهضة الإرهاب من خلال مجموعة من الآليات المتكاملة داخليا، تنمويا واجتماعيا وحقوقيا وروحيا وأمنيا وسياسيا. وما حدث ببرشلونة سبب كاف لزيادة تكثيف التنسيق أمنيا واستخباراتيا بين البلدين كوسيلة فعالة لمكافحة أيّ تهديد إرهابي.
 
فعلا تم إحباط العديد من مشاريع العمليات الإرهابية الخطيرة في كل من المغرب ودول أوروبية منها إسبانيا، لكن هذا لا يلغي أن الأسباب الذاتية والموضوعية لانتشار الظاهرة لازالت قائمة ويجب تطوير آليات التعامل معها.
 
صحيح أن كل الدول مستنفرة خصوصا مع الحوادث الإرهابية بأوروبا ودول أخرى كثيرة بالشرق الأوسط، وإذا عدنا إلى دينامية التعامل المغربي مع الحدث الإرهابي محليا وإقليميا ودوليا يتبين أن الرباط نهجت التعاون كأسلوب فعال لمراقبة وتفكيك الخلايا الإرهابية على عدة مستويات من داخل الفضاء الأورومتوسطي خدمة للأمن الجماعي والاستقرار والحد من الهجمات المحتملة.
 
لهذا تعمل التنظيمات الإرهابية على الاستفادة القصوى والبراغماتية من التوظيف المتمايز للأطراف الدولية للحرب على الإرهاب ما يخلق واقعا جديدا يكرس نفس الوضعية وإن بعناوين وأشكال مبتكرة، ليبقى التحدي الأكبر هو إدراك التوظيفات المتعددة والمتداخلة لأهداف تلك الحرب والتعاطي معها بشكل غير انتقائي ولا مجالي. ولا بديل من التعاطي الدولي الجاد والفعال مع تمدد داعش، فتبادل الأدوار بين المركز والأطراف داخل التنظيم الإرهابي هو التوصيف الدقيق لإعادة التموقع الجغرافي الجديد الذي تحاول المنظمات الجهادية تكريسه خصوصا تنظيم داعش، والذي يبدو أنه نقل خططه وحمولته الأيديولوجية كاملة من الرقة والموصل إلى ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء بعدما بايعته أكبر المنظمات المتطرفة هناك. فالمؤشرات الآتية مؤخرا من
العراق وسوريا تؤكد أن التنظيم يعيد تشكيل بنياته وأساليبه.
 
بعد ثلاث سنوات من بروز داعش بالشرق الأوسط نتوقع انتقال التنظيم من المركز بالشام والعراق والمواجهة المباشرة والتقليدية مع واشنطن وموسكو إلى الأطراف في برمجة مواجهة جديدة على خطوط التماس البرّي والبحري مع الأوروبيين عبر المتوسط، وعملية برشلونة الأخيرة تؤكد هذا التوجه.
 
خطوة داعش تؤكدها العمليات الإرهابية المتعددة والنوعية وغير المتوقعة على تراب الدول الأوروبية ومنها بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، وتحرك الرئيس إمانويل ماكرون في مايو الماضي بعيد انتخابه رئيسا نحو قاعدة جنوده العسكرية بمالي يعزز ما يمكن تسميته بمحاصرة الحركة الانسيابية لمشروع الجهادية العالمية وفرز هيكلياته التنظيمية العنقودية.
 
انتقال داعش من الشرق إلى الغرب جاء بعدما استفاد من الحملة الدولية ضده في سوريا والعراق واغتنام الفجوة التي خلفتها الحرب الأهلية في ليبيا وبعض دول الساحل والصحراء مثل مالي، هذا الانتقال دام لأكثر من عامين ليظهر بوجوه إرهابية تتقدمها الذئاب المنفردة بأساليب آخر ابتكاراتها الدهس بالسيارات.
 
لقد استفاد تنظيم الدولة من الفضاء الإلكتروني فساهم في عولمة فكره المتطرف وتنويع أساليبه الاستقطابية وأدواته الإرهابية، الشيء الذي جعل أليكس يونغر، رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية (M16)، يعترف أن هياكل التخطيط الهجومية الخارجية المنظّمة للغاية داخل تنظيم الدولة تخطط لأساليب جديدة للعنف ضد المملكة المتحدة وحلفائها دون الحاجة إلى مغادرة سوريا حتى في الوقت الذي يواجه فيه التنظيم ضغوطات عسكرية.
 
ونعتقد أن هجوم برشلونة يأتي كمحاولة من داعش لخلخلة تقاليد التعايش بين المسلمين وخصوصا المغاربيين والإسبان، وذلك لخلق بيئة حاضنة لمخططي التفجيرات الإرهابية من داخل مجتمع مسلمي هذا البلد الإيبيري.
 
نرى أن داعش يحاول تغيير جلده والتكيف مع الواقع الجديد بعد ثلاثة أعوام من وجوده، في المقابل تعمل القوى الدولية والإقليمية على خنق موارده وكشف خلاياه وتضييق خياراته. وهذا ما أكده جيسون باك، مؤسس “عين على داعش في ليبيا” عندما تحدث على مرونة داعش، مشيرا إلى أن ما أسماه بـ”عبقرية” التنظيم تكمن في “تحوّره المستمر”، فمن السهل للغاية الانتقال من مجموعة إلى أخرى، إلى حد أن العديد من الأتباع غير متأكدين من تفاصيل كل منظمة.
 
لهذا فالحرب على داعش في سوريا والعراق تجري بموازاة مع التحركات الأممية والإقليمية لمحاصرة أتباعه في ليبيا، وليس هناك أدنى شك أن تغيير المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا، الألماني مارتن كوبلر، باللبناني غسان سلامة يأتي متزامنا مع كل هذه المتغيرات الجيوسياسية الجديدة بالمنطقة، ويعتبر الملف الأمني ومحاربة الإرهاب من بين أهم معالم خارطة طريق الحل في ليبيا عند المبعوث الأممي الجديد.
 
فهجوم داعش المتكرر من داخل أوروبا يمثل حسب كريستوفر شيفيس، المدير المساعد لمركز السياسات الأمنية والدفاع الدولي في مؤسسة راند، أحد أعراض مشكلة ليبيا، وأن استعادة موطئ قدم له في المنطقة سببه افتقار الدولة إلى الحكم والمؤسسة والأمن.
 
وبرزت مساهمة المغرب إلى جانب فرقاء سياسيين ليبيين ودوليين في بلورة اتفاق الصخيرات كخارطة طريق نحو حل سياسي في ليبيا، يبقى من اللبنات الأساسية لبناء أيّ تفاهمات سياسية مستقبلية والقضاء على أيّ تواجد لداعش بالفضاء المتوسطي.
 
وبالنتيجة نؤكد أن عودة الأمن والاستقرار لحوض المتوسط تكون متزامنة مع محاربة داعش ووضع حد لأسباب وجوده وحواضنه وامتداداته الفكرية والأيديولوجية على طول الطريق من الشرق الأوسط حتى شمال أفريقيا مرورا بمنطقة الساحل والصحراء، كمطلب استراتيجي ملح لتأمين المنطقة ككل من أيّ تفكك محتمل تكون فاتورته ثقيلة أمنيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.

رابط دائم: