هل تتوتر العلاقة بين" النهضة " و"السبسي " بعد دعوته للمساواة في الميراث؟
16-8-2017

د.أبوالفضل الإسناوي
* مدير تحرير مجلة السياسة الدولية
أثارت دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، والسماح للمرأة التونسية أيضا بالزواج من غير المسلم، وذلك فى أثناء الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة في الثالث عشر من أغسطس 2017 ، جدلا واسعا في الداخل التونسي، حيث عدّتها بعض القوى الإسلامية مخالفة لأحكام الإسلام، وتوعد بعض نوابها في البرلمان بعدم تمريرها فى أثناء مناقشتها في مجلس نواب الشعب التونسي. 
 
ويطرح إصدار ديوان الإفتاء في تونس لبيان ساند فيه هذه الدعوة، مع تحفظ المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة، عماد الخميري، في الرد على تساؤلات الإعلاميين بشأنها، وتأكيده أن حزبهم لم يتخذ موقفا محددا بشأن ما طرحه الرئيس السبسي- عدة تساؤلات، من أهمها: هل تشهد الفترة القادمة صداما بين حركة النهضة والرئيس السبسي، خاصة أن زعيمها راشد الغنوشي لم يحضر تلك الاحتفالية، أم ستحاول الحركة تجاوز تلك الأزمة خوفا من أن توظف انتخابيا في غير مصلحتها؟
 
- اتجاهات الموقف:
 
أخذت القوى السياسية في تونس اتجاهين متباينين من دعوة  السبسي بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، والسماح للتونسيات من الزواج بغير المسلم. فهناك تيار مؤيد يتشكل من الأحزاب المتحالفة مع الرئيس، وبعض جمعيات الحركات النسوية، وهناك تيار رافض تتزعمه بعض الأحزاب الإسلامية، ونواب من حركة النهضة، عبروا عن رفضهم بصورة غير رسمية، وغير معبرة عن اتجاه عام في داخل الحركة، ويمكن توضيح ذلك كالآتى:
 
المؤيدون:  انطلق موقفهم من أن الدعوة تهدف إلى إلغاء أشكال التمييز ضد المرأة التونسية، وطالب أصحاب هذا الاتجاه الحكومة بسرعة إعداد مشروع قانون يلتزم بما تضمنه خطاب السبسي، حتى لا يجهض المقترح، ويتحول إلى مجرد نيات مؤجلة التنفيذ. ويمثل هذا الاتجاه أحزاب اليمين، وبعض أحزاب اليسار، ومن أهمها: حركة نداء تونس، وحزب القطب، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، والاتحاد الوطني الحر، والتيار الديمقراطي، بالإضافة إلى بعض الجمعيات النسوية في تونس، والحركة النسوية التونسية.
 
الرافضون:  ظهر أصحاب هذا الاتجاه أكثر نشاطا على صفحات التواصل الاجتماعي، ويتكون من تجمع القوى الإسلامية، وهي: الجبهة التونسية للجمعيات الإسلامية، وحزب جبهة الإصلاح، والرابطة الوطنية لحماية الثورة، وحزب الفضيلة، وحزب الأصالة، وحزب العدالة والتنمية، وجمعية الخطابة والعلوم الشرعية، بالإضافة إلى مجموعة من نواب حركة النهضة أعلنوا عن موقفهم بصورة فردية، فضلا عن بعض الأحزاب المدنية، كان أهمها حزب تيار المحبة الذي أصدر بيان يطالب فيه بعزل  السبسي، وحزب قوى 14 يناير، الذي عبر في بيان له أيضا عن رفضه القاطع لدعوة المساواة. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن مقترحات الرئيس بشأن المرأة تعد مخالفة للأحكام الإسلامية، معتبرة أن الدستور التونسي حسم هذا الموضوع من منطلق أنه يتضمن نصا واضحا في عدم مخالفة النص القانوني لما جاء في النص الديني.
 
- احتمالات الصدام:
 
قد يأخذ الموقف العام لحركة النهضة من دعوة السبسي احتمالين لا ثالث لهما، هما:
 
i. صدام مؤجل، تحكم مساراته حسابات انتخابية. وقد ظهرت بوادر هذا الاتجاه في حملة الرفض التي شنها أعضاء ونواب الحركة على تلك القرارات، منوهين إلى عدم تمريرها في البرلمان. وما يدعم أيضا هذا المسار هو غياب راشد الغنوشي عن الحضور وسط الجماهير التونسية فى أثناء إلقاء  الباجي لخطابه، وهو ما قد يعبر عن رفض مبكر وغير معلن لتلك القرارات، حيث إن حضور  الغنوشي كان سيعطى إشارة واضحة عن موافقة الحركة. 
 
ii. سيطرة براجماتية النهضة المتكررة، والتي تعني تحول النهضة من إسلام منغلق إلى ليبرالية تطيح بالثوابت. وفي هذه الحالة، قد يتوافق الحزب مع قرارات السبسي، حتى لا يصبح حزبا رجعيا في نظر السيدات اللاتي يمثلن كتلة انتخابية حاسمة في تونس. وما يدعم هذا الاتجاه التصريحات الرسمية من الحركة، التي تضمنت تأجيل موقفها إلى حين اقتراحها في المؤسسات الرسمية للدول. كما أن الصفحة الرسمية للحركة نشرت بيانا في العيد القومي للمرأة التونسية، تهنئ فيه نساء تونس، وتدعو إلى توسيع مشاركة المرأة التونسية في مختلف مواقع القرار، لكنه لم يشر إلى أي شيء يتعلق بالمساواة بين المرأة والرجل في الميراث، وزواجها بغير المسلم، وهو ما يؤكد أن الحركة قد تتكيف مع دعوة السبسي مراعاة للظروف الانتخابية، حيث إنها تستعد انتخابيا لمعركة الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في ديسمبر المقبل.
 
 في النهاية ، يمكن القول إنه على الرغم من أن هناك العديد من الجمعيات والمنتديات النسوية التونسية تدافع عن هذه القضية، والتي يرى العديد من مناصريها أنها "حق أساسي من حقوق المرأة" في أن تتساوى مع الرجل في الميراث، فإنه في الوجه المقابل ستجد جمعيات نسوية تونسية أخرى، وسيدات تونسيات أكثر تشددا، يعارضن بشدة دعوة السبسي بالمساواة على أساس أن "المرأة التونسية تتمتع بكل حقوقها التي يجب أن تتمتع بها في ظل القوانين الحالية". فالمجتمع النسوي التونسي هو الأكثر تشددا في المنطقة، والأكثر تصديرا لـ "داعش" وأخواتها، وبالتالي قد تتصدر النساء التونسيات المشهد خلال الفترة المقبلة لمناهضة هذا المشروع. 
 
 

رابط دائم: