فيروس "الخلافة الإسلامية " كيف خدم السيطرة الغربية على العالم الإسلامي ؟
9-8-2017
عادل عبد الصادق

ان اشد المعارك ضراوة في حياة الانسانية هي تلك الحرب التي يتم شنها داخل العقل للسيطرة علية وتوجية وفق مصالح خارجية ، وذلك لان السيطرة على العقل تمكن من يقوم بتلك العملية من التحكم في الاتجاه والبوصلة وكذلك في توظيف تغيير الافكار في تحريك القوة واستخدام العنف . وقد حظي العقل على اهتمام العديد من اجهزة الاستخبارات الدولية على مدار التاريخ .

ولعل اهم عنصر من عناصر حرب الافكار هو القدرة على تشوية الادراك والسيطرة على العقل ، وهو الامر الذي يتمثل في حالة تطبيقة في العالم العربي والاسلامي في "تنفيذ الاستراتيجة الغربية في المنطقة العربية بايدي عربية وباموال عربية وعلى ارض عربية " وهو ما يمثل قمة السيطرة العقلية على مجموعات "اسلامية"تحت راية "تطبيق الشريعه وعودة الخلافة الاسلامية " ، ويتم ذلك من خلال بث افكار مسمومة تعمل على التدمير الذاتي للقوة العربية على مستوى الدولة والمجتمع من خلال تسويق افكار دخيلة على نسقها العقيدي بشكل يجعل مفعولها اقوى من خضوعة للاستعمار العسكري الغربي .

ويتم ذلك عبر السيطرة الغربية على ماكينة الاعلام الدولي وعلى السيطرة على القدرة في توجيه الراي العام العالمي ، ويشمل ذلك السيطرة على وكالات الانباء العالمية والقنوات الكبري في مجال نقل الاخبار او بالدخول في شراكات سرية وعلنية في تدشين قنوات ناطقة بالعربية او باللغات المحلية لاختراق الثقافة المحلية مع حالة الضعف الشديد في التعليم وفي الوعي الثقافي والديني وحالة الانفصال بين الاسلام النقي والاسلام الذي يتم تداولة في المسلسلات والافلام والكتب الدينية .

 وفي مجال الانترنت فقد قامت الاستخبارات الامريكية بتدشين مواقع الكترونية ناطقة باسم حركات اسلامية وهمية بهدف اختراق الحركات الاسلامية وتوفير منصة لجذب الاسلاميين وتعزيز القدرة على تشكيل توجهاتهم الدينية اولا ثم توظيفها سياسيا في خدمة بث الصراع داخل الاسلام ثم داخل المجتمعات الاسلامية ،

 وقد كانت فكرة الخلافة الاسلامية تداعب العديد من الساسة اما لتخدير شعوبهم او من من خلال ان يتم توظيف تلك الفكرة لخدمة اهداف خارجية .والتي سقطت رسميا مع سقوط الدولة العثمانية  1924 ، وما بين واقع مرير تمر به الدول الإسلامية وبين حلم العودة الى الماضي وبالتحديد في أوائل عمر الخلافة الإسلامية والتي شهدت ازدهار الحضارة والتقدم في جميع المجالات العلمية ، والتي مكنت الدولة الإسلامية من التوسع في خلال نصف قرن من المحيط الاطلنطي او بحر الظلمات كما كان يطلق علية الى بلاد السند وتركستان في الشرق وهو ما فاق التوسع الاستعماري للامبراطورية الرومانية والتي أخذت قرون للسيطرة والانتشار ،

وهو ما جعل النموذج الإسلامي هو الأجدر على الانتشار وبخاصة ان مظاهرها لم تقتصر على النواحي الدينية فقط بل تقدمت وبرعت في علوم الطب والفلك والرياضيات والهندسة ، وكان هناك امتزاج بين الإيمان الديني والقدرة على تعمير الأرض والتي من اهم مبادئ الدين الإسلامي ، وبرز ذلك في تمكن العلماء المسلمين في إقامة دوله الإنجازات والتقدم في بناء المساجد والقلاع والحصون وغيرها ، ومن اهم خصائص الحضارة الإسلامية أنها مزجت بين النواحي المادية والروحية ، ولكنها سقطت وتدهورت بعد ان سيطرت النواحي المادية وتدهورت قيمة الدين في المجتمع وهو ما جعلها فريسه سهلة لأعدائهم .

وبدأت حركة النهضة او التغريب داخل العالم الإسلامي تقوم على نقل النموذج الغربي في التنمية الى المجتمع وهو ما إدي الى انفصال أكثر بين المجتمع وقيمة الأصيلة الدينية اوالثقافية واصبح ما بين عجزة على اللحاق بركب التقدم الغربي وفشله في استخراج نموذج وطني للتنمية ، وهو ما ساعد على وجود حالات الاغتراب الديني والثقافي والتي فتحت الباب أمام التشويه الثقافي للمجتمع الإسلامي ، وانتشار أفكار دخيلة وفق اختراق نظم التعليم والإعلام والنشاط المحموم من الجمعيات الممولة من الغرب بل وجذب الكفاءات ودفعها الى الهجرة الى الغرب.ودفع هذا الوضع الى نشوء حركات احتجاج إسلامي تنوعت في ردود أفعالها بين المطالبه بالعودة الى الخلافة الإسلامية والتي كانت نقطة اتفاق بين اغلب تيارات الآسلام السياسي ولكنها اختلفت في كيفية تطبيق ذلك ، وظهرت محاولات تنفيذ ذلك في السودان .

ولما كانت الولايات المتحدة في حرب باردة مع الاتحاد السوفيتي فقد وجدت ضالتهما في استخدام حلم عودة الخلافة الإسلامية للسيطرة على عقول الحركات الإسلامية ومن ناحية أخري استغلالها كمخلب قط لإسقاط الاتحاد السوفيتي وتم تطبيق تلك الفكرة بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان ، وتم تدشين تنظيم القاعدة وتشجيع الدول الإسلامية لإرسال المقاتلين والأموال لمحاربة من اسمهم بالكفار ، وكان  السيد "زبيكنيو برجينسكي" هو مصمم مشروع "العرب الأفغان الجهاديين"، والأخير كمشروع ناجح قاد إلى النمو المتفاقم للبنى التحتية لأفاق الأصولية الإسلامية المتطرفة وتحركاتها، عبر حركة طالبان في مواجهة السوفيات في أفغانستان وقبل نهاية الحرب الباردة.

وهو ما تحقق حيث كان الاتحاد السوفيتي يفتقد الى البعد العقيدي في استمرار وجوده في أفغانستان وتلقى خسائر فادحة أجبرته على الانسحاب والتي كانت مقدمة للتدهور الاقتصادي والعسكري له والتي مهدت بسقوطه رسميا في عام 1992 ، ولولا المقاتلين الاسلامين ما سقط الاتحاد السوفيتي ، وجذبت أفغانستان العديد من التيارات الإسلامية وبخاصة ما أطلق عليه بالتكفير والهجرة والجماعات الاسلامية في شتى ارجاء العالم الاسلامي حيث رأت في أفغانستان ارض جديدة لإقامة الخلافة الإسلامية ، ثم البدء في مرحلة لاحقة -وفق وجهة نظرهم - في التوسع كما بدأت الدولة الإسلامية الأولى ، ولكن بعد نجاح الإسلاميين في هزيمة الاتحاد السوفيتي بعد الدعم الكبير بالمال  من جانب العربية السعودية وغيرها من دول الخليج ناهيك عن حملات التبرع بالاموال لدعم "الجهاد" في افغانستان،
وهو ما اسفر في النهاية الى ازاحة عدو استراتيجي وقوة مناوئة للولايات المتحدة وفتح المجال الى محاصرته في محيطة الحيوي ، وحينما استعدت الفصائل الاسلامية اعلان اقامة الدولة الاسلامية ما لبثت ان دب الخلاف والصراع بين امراء الحرب بدعم سري من الولايات المتحدة بعد الخوف الذي استشعرته من خطر قيام دولة اسلامية تكون مناوئة لها في المستقبل وهو ما جعلها تعمل على بث الفرقة والصراع بين أمراء الحرب السابقين ومن ثم إفشال فكرة إقامة دوله إسلامية وبخاصة مع الثورة الإسلامية في ايران 1979 ، والتي عملت الولايات المتحدة ايضا على إسقاطها عبر دعم صدام حسين في حربه مع ايران بالأسلحة ، ودفع انتهاء الحرب في أفغانستان الى عودة جزء كبير من المقاتلين الى بلدانهم وهو ما نقل الافكار الجهاديه الى داخل الدول الاسلاميه وفي محاولة لرؤيه أحداث تغيير آخر وإعادة إنتاج حلم الخلافة الإسلامية ، بعد الفشل الذي منيت به في افغانستان .

ومع حدوث تغييرات دولية تمثلت في صعود الدور الروسي والصيني في النظام الدولي كقوى عالميه تهدد الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط وهو ما دفع الولايات المتحدة من جديد الى استغلال أحداث 11 سبتمبر عام 2001 ، والتي اثارت الجدل داخل ادارة صنع القرار في الولايات المتحدة حول كيفية الرد او التصرف ففريق راي ان النظم العربية هي التي وفرت بسياستها "الاستبدادية " بيئة لنمو الجماعات الارهابية ومن ثم يجب العمل على تغييرها ، وفريق اخري رأي ان الشعوب العربية هي شعوب مقهورة ويجب العمل على دعمها سياسيا من خلال نشر قيم الديموقراطية وحقوق الانسان ، الا ان الجناج المتشدد داخل ادارة الرئيس الامريكي "جورج بوش" المتمثل في المحافظين الجدد ، رأوا ضرورة الرد عسكريا لرد اعتبار القوة الامريكية ليس فقط تجاه الدول التي اتهمتها برعاية الارهاب بل ايضا تجاه الدول الاخري وتم البدء في تنفيذ المشروع العسكري بالقيام بشن حرب عسكريه بحجة انها ذات طابع استباقي لمنع صعود دول تشكل تهديد لمصالح الولايات المتحدة ، وبدأت في ضرب السودان وفي غزو أفغانستان وفي غزو العراق عام 2003 كنظم مناوئة ومارقة للولايات المتحدة ،
وقامت بدعم الفرق الجهادية المطالبة باقامة الدولة الاسلامية وزعزعه استقرار العراق بعد حل الجيش العراقي الذي كان سيمثل ضمانه في الحفاظ على وحدة وامن العراقو هو ما جاء بتدخل عسكري مباشر من قبل الولايات المتحدة وهو ما مكنها من ترسيخ وجودها العسكري في منطقة الخليج ، ومع التضرر العالمي للسمعه الامريكية وصورتها الى جانب خسارتها العسكرية نتيجة التدخل العسكري المباشر ، بدأت في التفكير في استخدام اساليب القوة الناعمة في سقوط الانظمة العربية ، وبدأت الولايات المتحدة تحاول ان تطلق مبادرة الشرق الأوسط الكبير وفي الفترة الثانية من ولايه الرئيس الأمريكي الثانية جورج بوش تم إطلاق مشروع الفوضى الخلاقة عام 2006 ، وبدأت فكره المشروع في دعم المجتمع المدني وفي العمل على إسقاط نظم الحكم من الداخل او إطلاق الحرب داخل الشعب من اجل إسقاط النظام من الداخل وليس بتدخل خارجي وحدث ذلك في اغتيال رفيق الحريري وإجبار سوريا على الأنسحاب من لبنان ، ودعم إسقاط النظام الإيراني بعد انتخابات عام 2009

 واستباقا لحالة التغييرات السياسية التي تمر بها الدول العربية قامت الولايات المتحدة بدعم مشروع الشرق الأوسط الجديد منذ الولاية الثانية للرئيس الامريكي السابق جورج بوش وبشكل علني بدعم ما دعته بمنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني وبدأ البحث عن بديل استراتيجي تتحالف معه في حال تشكل الخريطة الجديدة واتجهت الى التيار الاسلامي السياسي لما له من وجود اجتماعي قوي ، وكانت بدايه مرحلة التغيير القسري للانظمة العربية  من تونس في بداية 2011 وهو الأضعف والأقدر على النجاح بها لاختراقها الأمني من قبل الاستخبارات الأمريكية وليتم التجهيز للخطة بداخل السفارة الامريكية في تونس ، وبذلك تم جعل نموذج يمكن ان ينتشر عبر الحدود .


وساعدها على ذلك استخدام قناة الجزيرة كذراع للمشروع على المستوى الاعلامي والديني وبدا بجذب الكفاءات في مجال الاعلام من داخل الدول العربية والعمل على اضعاف الاعلام المحلي الى جانب جذب رجال الدين لأضفاء المزيد من المشروعية لحالات التغيير من اجل حكم الشريعة الإسلامية من اجل جذب الإسلامين للمعركة وهم الأكثر تنظيما ، وتم استغلال عناصر ضعف داخلية في دعم التدخل الخارجي لإسقاط تلك النظم بدون ان تطلق الولايات المتحدة رصاصة واحده ، فأعقب تونس مصر ثم ليبيا واليمن وسوريا حيث تم تصوير المعركة على أنها حرب من آجل الإسلام ، وبعد استكمال إسقاط تونس ومصر بدأت عملية الأضعاف الداخلي

 وأصبحت سوريا وهي الجيش الثاني بعد مصر معرضة للتدمير الذاتي بإرسال دول الخليج النفطية المال والمقاتلين وهو ما جاء مع دعم تركي وأردني في مقابل دعم ايران وروسيا لسوريا من اجل الحفاظ على الدولة السورية موحدة ، وبعد ان حال الجيش المصري دون ان انهيار الدولة المصرية ومع إدراك القيادة في حينها خطورة المخطط ، أصيح يتم تشجيع بروز الحركات المسلحة في سيناء من اجل جر الجيش  الى حرب استنزاف ،

ومن ثم فقد أتاح الغرب والولايات المتحدة للجماعات المتطرفه فرص للقتال في سوريا من أجل إسقاطه وهو ما كان مخططا بعد الحرب على العراق في عام 2003 بعد وقوف النظام السوري مع نظيرة العراقي كامتداد لحكم حزب البعث ، وبذلك  تم تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية من اجل إنهاء التهديدات الأمنية لإسرائيل وإيجاد سيطرة غربيه على الشرق الأوسط بوجود دور لحلف الناتو
والذي سيدعم وجوده استكمال الولايات المتحدة من مشروعها بنشر الدرع الصاروخي على حدود روسيا وهو ما اتضح بعد قيام الولايات المتحدة بنشر 2500 جندي للمارينز في استراليا ناهيك عن الوجود العسكري في أفغانستان والتحالف مع باكستان والهند والخليج ، والجديد هو خدمة الأهداف الأمريكية بأموال عربيه ودماء عربية وعلى ارض عربيه تحت الزعم بإنشاء الخلافة الإسلامية ، بغض النظر عن إمكانية تحقيق ذلك على ارض للواقع ومدى سماح الغرب فعلا بذلك .وهذا التحالف الظاهري  بين الغرب و الاسلاميين مجرد تحالف وقتي لحين تنفيذ المهام التي يتم تنفيذها من خلالهم او باستغلالهم وهو تدمير الدول العربية المركزية ثم الدخول الى التدمير المجتمعي  عبر نشر الفتن المذهبية والدينية .
وبذلك كانت فكره نشر امكانية اقامة خلافة اسلامية وتطبيق الشريعية فيروس السيطره على عقول المتحمسين من الجماعات الاسلامية  فيما اطلق علية الربيع العربي بداية عام 2011 وتم باسم الدين شحن عمليات القتال المسلح ضد المسلمين واصبح الدين يستخدم لتبرير قتلهم للبعض ، وهو ما تم استخدامة لاضعاف الدول العربية ذات التهديد الفعلي للغرب او السيطرة الغربية على مقدرات الامة  وبخاصة انهاء التهديد العسكري عبر العمل على تدمير الجيوش العربية ،وبما يجعل التيارات الاسلامية مندفعه تحت غطاء الخلافة الاسلامية والتي لا تعترف بالحدود الوطنية ، بعد أكثر من تسعين عاماً من فقدها ـ عن خلافةٍ غير حقيقيّةٍ، فلا مقوّمات لها على الأرض، ولا عاصمةٌ معروفةٌ، ولا سلطانٌ ظاهرٌ، ولا وعيٌ من أصحابها على شريعةٍ ولا سياسةٍ..وانما يتم استخدامها  للعب بمشاعر المسلمين واثارة الصراع السني- الشيعي ما بين الخلافة والامارة ،يروح ضحيته مقدرات الامة وشبابها .وتحت سيطرة البحث عن عالم افضل لا يمت الى الواقع بصله ولا يرتبط كأي مشروع بتحقيق النهضة الذاتية للمجتمع الاسلامي في ظل مواجهة التحديات التي تمارسها الدول الكبري امام تحقيق المجتمع العربي والاسلامي لذلك والخروج من فلك التبعية للهيمنة الغربية  .


رابط دائم: