تأثيرات اتفاق التجارة بين مصر والاتحاد الاقتصادي الأوراسي
6-8-2017

عائشة غنيمي
* خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية
شهد عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي تنشيطا كبيرا للسياسة الخارجية المصرية، حيث التوجه شرقاً، وتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي مع المنطقة الأوروبية –الآسيوية، لاسيما أن الخريطة السياسية الدولية باتت تنذر بعالم متعدد الأقطاب، وليس أحاديا قطبيا.
 
ولأن القوة الاقتصادية تشكل أحد العناصر الرئيسية في خلق جبهات موحدة سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً على المستوىين الدولي والإقليمي، فإن التعاون الاقتصادي يعد نواة كل التكتلات الجديدة التي طرأت أخيرا على الساحة الدولية. 
 
ومن بين تلك التكتلات، يبرز الاتحاد الاقتصادي للمنطقة الأوروبية- الآسيوية، أو كما يطلق عليه "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"، حيث تم تفعيل المعاهدة المنشئة للاتحاد في يناير 2015، والذي يهدف إلى توفر حرية حركة السلع والخدمات، ورءوس الأموال، والعمل بين الدول الخمس الأعضاء، وهى: بيلاروسيا، وكازاخستان، وروسيا، وأرمينيا، وقيرغيزستان. 
 
ويسعى هذا الاتحاد إلى تهيئة بيئة من أجل تنمية مستقرة لاقتصادات الدول الأعضاء لرفع مستويات معيشة سكانها، فضلا عن تحسين مستوى القدرة التنافسية، والتعاون بين الاقتصادات الوطنية بصورة شاملة، استنادا إلى تطبيق مبادئ اقتصاد السوق والمنافسة العادلة. 
 
وفي ديسمبر 2016، بدأت مفاوضات إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والتي يتوقع أن تحدث طفرة في العلاقات التجارية لتقفز من 3,5 مليار دولار حالياً إلى 15,7 مليار دولار، بعد إبرام الاتفاق. وتعد هذه الاتفاقية ذات أهمية استراتيجية، لاسيما وأنها تسهم في تنسيق الجهود في التعاون الصناعي والاستثمار بين مصر ودول الاتحاد، علماً بأن مصر لم توقع اتفاقيات مماثلة سوى مع عدد قليل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وإفريقيا.
 
سوق واسعة للصادرات 
 
يشكل الاتحاد الأوراسي سوقاً واسعة للصادرات المصرية، حيث تقدر مساحة دول الاتحاد بما يقرب من 20 مليون كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانه نحو 183 مليون نسمة، كما يصل الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد إلى 4 تريليونات دولار. ومن المتوقع أن تحقق مصر عائدات مثمرة من اتفاق التجارة مع الاتحاد الأوراسي، خاصة أن برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تتبعه الحكومة المصرية، أدى إلى نقلة نوعية في الاقتصاد القومي، تضمنت ارتفاع معدلات النمو إلى 4,3% خلال العام المالي الماضي، وكذا زيادة الاستثمارات لتصل إلى نحو 392 مليار جنيه، أسهم فيها القطاع الخاص بمعدل 58%، فضلًا عن ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي ليتخطى حاجز الـ30 مليار دولار.
 
 بالإضافة إلى ذلك، تأتى الاستراتيجية القومية للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030"، التي تهدف إلى تعزيز التنمية الصناعية والتجارة الخارجية بحلول عام 2020، وذلك في إطار استراتيجية تعزيز الصناعة التي تتبعها وزارة التجارة والصناعة، وترتكز على خمسة محاور أساسية، تتضمن رفع إسهام القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 21% بمعدل نمو 8%، وتحسين القدرة التنافسية للصناعة المصرية، ومن ثم زيادة حجم الصادرات بمعدل سنوي 10%، وتعزيز قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يزيد من فرص نفاذ الصادرات المصرية في الأسواق التنافسية.
 
في الوقت نفسه، تسعى الحكومة المصرية إلى  تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في القطاع الصناعي، بحسبانه محركا للنمو الاقتصادي، حيث قامت بتخصيص 11 مليون متر مربع من الأراضي للأغراض الصناعية في عام 2016، وتستهدف زيادته إلى 15 مليون متر مربع في نهاية عام 2017، ليبلغ إجمالي ما يستهدف طرحه حتى عام 2020 نحو 60 مليون متر مربع ، بالإضافة إلى إنشاء 21 مجمعًا صناعيًا في مختلف القطاعات خلال السنوات الخمس المقبلة، خاصةً في مجال صناعة الجلود، والأثاث، والمنسوجات، إلى جانب إصدار قانون الاستثمار الجديد، ووضع آلية لفض المنازعات، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فضلاً عن  إصدار قانون جديد للتراخيص الصناعية.
 
 وانعكست تلك الإصلاحات الاقتصادية بصورة إيجابية على تقييم المجتمع الدولي والمُنظمات الاقتصادية الدولية للمناخ الاستثماري في مصر، حيث تقدمت مصر بنحو 9 مراكز لتحتل المركز الـ122 من إجمالي 190 دولة في أداء الأعمال، وفقًا لمؤشر أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي عام 2017. 
 
مقومات اقتصادية 
 
ما سبق يشير إلى أن مصر تمتلك مقومات اقتصادية هائلة تؤهلها لإبرام اتفاق التجارة الحرة مع  الاتحاد الأوراسي، أو أي تكتل اقتصادي إقليمي أو دولي، حيث تعد مصر بيئة خصبة للاستثمارات الأجنبية، نظراً لموقعها كمحور استراتيجي ولوجيستي للوصول إلى الأسواق العربية والإفريقية، والاستفادة من المميزات التجارية والاستثمارية للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في دعم وتسهيل حركة التجارة الدولية، والربط التجاري بين قارتى آسيا وأوروبا، وكذا الاستفادة من شبكة الاتفاقات الحرة التي تربط مصر بالاتحاد الأوروبي، والدول العربية، والإفريقية، والعديد من الدول والتكتلات الاقتصادية.
 
ومن شأن إبرام الاتفاق  تذليل جميع العقبات التي تعوق حركة التبادل التجاري، وكذا تبادل الاستثمارات المشتركة بين مصر ودول الاتحاد الأوراسي، مما يؤدي إلى زيادة حجم التجارة البينية، والاستثمارات بينهما، فضلا عن قدرة الصادرات المصرية على النفاذ إلى أسواق دول الاتحاد دون رسوم جمركية، بما يمكن من زيادة الصادرات المصرية، وزيادة الاحتياطي من العملات الأجنبية، علاوة على فع استثمارات دول الاتحاد في مصر، فور توقيع الاتفاقية، وتوطيد العلاقات التجارية والصناعية بين مصر والدول الخمس، خاصة أن روسيا ستقوم بعمل منطقة صناعية شرق بورسعيد.

رابط دائم: