السيناريوهات المحتملة لأزمة قطر بعد خطاب الأمير "تميم"
6-8-2017

د. منى سليمان
* باحثة فى العلوم السياسية.
جدد أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، موقف بلاده الرافض لتنفيذ المطالب الثلاثة عشر للدول المقاطعة لرفع العقوبات عن الدوحة، مما ينذر بإطالة أمد الأزمة، حال استمرار التعنت القطري، وذلك في خطابه الأول الذي ألقاه يوم 21 يوليو 2017، أى بعد شهر ونصف شهر من اندلاع الأزمة التي بدأت بقرار ثلاث دول خليجية، هي (المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين)، وجمهورية مصر العربية قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر، وغلق المجالات الجوية، والبرية، والبحرية معها لإتهامها بدعم الجماعات الإرهابية، والتدخل في الشأن الداخلي للدول الخليجية والعربية.
 
مضامين الخطاب
 
العرفان للوالد: بدأ الأمير تميم خطابه بالشكر والثناء والعرفان لوالده الأمير حمد آل ثاني، مما يؤكد أن الأخير لا يزال مسيطرًا على عملية صنع القرار بالدوحة، ولم يعتزل العمل السياسي بعد تنحيه عن الحكم لولي عهده تميم في عام 2013، وليس هو فقط بل أيضا رئيس وزرائه السابق حمد بن جاسم الذي ينسب له بأنه الحاكم الفعلي لقطر. 
 
الارتباك والتناقض: بدا الأمير تميم خلال الخطاب مرتبكًا ومتناقضًا، وذلك من خلال تحليل "لغة الجسد" في كلماته، مما يدل على عظم الأزمة، وعدم استقرار الوضع الداخلي بالإمارة الخليجية الصغيرة، لاسيما بعد توارد الأنباء عن حدوث أعمال شغب من قبل العمالة الوافدة لتأخر صرف مستحقاتهم المالية، فضلاً عن تصاعد الخلافات بين قادة القوات التركية بالدوحة، والجنود القطريين الرافضين لأن يأتمروا بأوامرهم.
 
رسائل للداخل والخارج: حمل الخطاب رسالتين، الأولي للداخل القطري، وتهدف إلى تأكيد استقرار الوضع الأمني والاقتصادي، وشكر المسئولين الحكوميين الذين استطاعوا تلبية احتياجات مواطنيهم بعد غلق المجالات البحرية، والجوية، والبرية لقطر، وهم في ذلك معتمدون على القوة الاقتصادية، والفائض المالي التي استطاعت أن تحققه الدوحة خلال السنوات الماضية، عبر تكوين صندوق سيادي يقدر بنحو (300) مليار دولار، مما يمكنها من تحمل الأعباء الاقتصادية للأزمة، حتى وإن طال أمدها. 
 
أما الرسالة الثانية والأخيرة للخارج، فهي الهدف الحقيقي من الخطاب، وموجه للدول المقاطعة لتجديد وتأكيد الموقف القطري الرافض للحوار، أو المصالحة، أو الاستجابة لتنفيذ المطالب الثلاثة عشر، التي تبدأ بوقف دعم الجماعات الإرهابية، وقطع العلاقات مع إيران، مرورًا بوقف التدخل في الشأن الخليجي والعربي الداخلي. 
 
ملامح السياسة القطرية الجديدة: حمل الخطاب في ثناياه ملامح جديدة للسياسة القطرية الاقتصادية والخارجية، فقد دعا الأمير تميم لبناء اقتصاد ذاتي وقاعدة صناعية تلبي جميع احتياجات المواطنين لتقليل الاعتماد على استيراد جميع السلع الغذائية والمصنعة من الخارج، كما دعا لتنويع مصادر الدخل. وفيما يخص السياسة الخارجية، ألمح إلى أن الدوحة ستعمل على تعزيز جميع العلاقات الثنائية مع كل دول العالم الراغبة في ذلك، بغية كسر العزلة الخليجية والعربية المفروضة عليه.
 
خطأ تفسير الموقف الدولي: أساء صانعو القرار بقطر قراءة الموقف الدولي من الأزمة، وفسروه على منحى خاطئ، فهناك إجماع دولي، سواء على دعم الدوحة للإرهاب، وإدانة ذلك السلوك، والمطالبة بوقفه ومواجهته، أو على احتواء الأزمة وعدم تفاقمها. ولذا، تدعو كل من (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية) لبدء الحوار المباشر بين أطراف الأزمة للتوصل لحل نهائي لها، وهو ما طالب به وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، في ختام جولته بالمنطقة. ولا يمكن تفسير هذا الموقف الدولي على أنه دعم للدوحة، كما ادعى الأمير تميم بكلمته.
 
سيناريوهات الأزمة:
 
منذ اندلاع الأزمة، وهي في تصاعد مستمر، مما يرجح جميع الاحتمالات، لاسيما وأن أطرافها لم يظهروا أي نية للتراجع عن مواقفهم قيد أنملة، خاصة أن قرار عودة العلاقات مع قطر سيتم اتخاذه بشكل جماعي، ولن تكون عودة العلاقات بشكل فردي، وهذا يطرح العديد من السيناريوهات المستقبلية للأزمة، ومنها:
 
السيناريو الأول- نجاح الوساطة الكويتية والضغوط الأمريكية: 
 
برغم الرفض القطري المعلن لتنفيذ أي من مطالب الدول المقاطعة، فإنها عدلت قانون الإرهاب القطري بما يتوافق مع تلك المطالب. كما أن واشنطن ألمحت إلى إمكانية غلق القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر "العديد" للضغط على الدوحة من أجل إصلاح مسار سياساتها الداخلية، ووقف دعمها للتنظيمات الإرهابية، وهو أبرز مطالب الدول المقاطعة. وفي حال استمرت الضغوط الأمريكية علي الدوحة، والوساطة الكويتية بين أطراف الأزمة، ربما تقبل قطر بتنفيذ مطالب الدول المقاطعة بما ينهي الأزمة. وهذا أحد السيناريوهات المرجحة للحل، لاسيما وأن الدوحة دأبت على رفض المطالب علنا، ثم تلجأ للتفاوض عليها سرًا للحفاظ على سمعتها كدولة لا ترضخ للضغوط الدولية والإقليمية. 
 
بيد أن هذا التفاوض، حال تم، لن ينتهي قبل عدة أشهر، كما فعلت الدوحة قبل توقيع اتفاق الرياض الذي أنهي أزمة مماثلة مع دول مجلس التعاون الخليجي عام 2014.
 
السيناريو الثاني- إقصاء الأسرة الحاكمة في قطر:
 
تعرف قطر بأنها دولة الانقلابات، فقد حدث في تاريخ الإمارة الخليجية الصغيرة عدة انقلابات سياسية داخل الأسرة الحاكمة، وربما يكون هذا السيناريو الأقرب للتنفيذ، إذا استمر الرفض القطري لجهود المصالحة. تنفيذ هذا السيناريو مرهون بتفاقم الاستياء داخل الأسرة القطرية الحاكمة، وهي أسرة "آل ثاني"، وبين الشعب القطري المتضرر من الانعكاسات الاقتصادية والتجارية الناجمة عن المقاطعة.
 
السيناريو الثالث- استمرار المقاطعة وتغير التحالفات بالمنطقة: 
 
وهو أحد السيناريوهات المرجحة بقوة، حال إصرار كل طرف على موقفه، فلن تقدم قطر أى تنازلات، وكذلك الدول المقاطعة. وهنا، سيتم تبدل التحالفات بالمنطقة بظهور محورين، الأول يضم تركيا، وقطر، وإيران وحلفاءها بالمنطقة، وهم (الحكومة العراقية، والحكومة السورية، وميليشيات حزب الله اللبناني). وهذا المحور ذو توجهات توسعية بامتياز، يسعي للعبث بالأمن القومي للدول الخليجية والعربية، وسيرتبط بعلاقات قوية مع الجماعات المتطرفة والإرهابية بالمنطقة، وسيحظى هذا المحور بمعاداة دولية مباشرة له. 
 
وفي المقابل، فإن المحور الآخر، ويضم جميع الدول الخليجية والعربية، بقيادة مصر والسعودية، يحارب الإرهاب، ويحترم سيادة الدول، وعدم التدخل في شأنها الداخلي، وسيعمل على إرساء الاستقرار بدول الثورات العربية. وسيحظى هذا المحور بدعم دولي لمحاربة الإرهاب. 
 
ختاما، يجب أن يدرك صانعو القرار بالدوحة أن الدور الإقليمي القطري ونفوذ الدوحة قد انتهيا فعليًا في منطقة الشرق الأوسط بنهاية فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لأن الدوحة كانت "عراب" الجماعات الإرهابية والإسلامية في الشرق الأوسط، خاصة "الإخوان المسلمين"، وكانت تحركاتها مؤيدة من واشنطن التي كانت تسعى لتثبيت حكم جماعات "الإسلام المعتدل" بقيادة قطر وتركيا في المنطقة ، حتى تتحكم ، وتنشر الديمقراطية، وتقضي على الجماعات الإرهابية المتشددة والفكر المتطرف، ولكن هذا الحلم انتهي في 30 يونيو 2013 بإٍسقاط حكم "الإخوان المسلمين" في مصر. ولعل أزمة مقاطعة قطر الآن قد انتقلت للمرحلة الثانية، وهي مرحلة إدارة الأزمة، ولا تزال تداعياتها وانعكاساتها تتشكل، بيد أنها بكل تأكيد قد أنهت زمن العبث القطري بالشأن الخليجي والعربي.

رابط دائم: