التداعيات المحتملة لهزيمة "داعش" في الموصل
27-7-2017

علي بكر
* نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة
مثَّل إعلان رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي"، في العاشر من شهر يوليو الجاري، عن تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم "داعش" حدثا فارقا في الحرب الدولية على التنظيم، ليس لأنه أدى إلى هزيمته وإخراجه من واحدة من أهم المدن بالنسبة له فحسب، وإنما للتداعيات التي ستفرضها تلك الهزيمة عليه.
 
 إذ جاءت هزيمة "داعش" في وقت تتصاعد فيه أزمات "التنظيم" بشكل ملحوظ، نتيجة تراجعه على كل المستويات، مما أصبح يهدد تماسكه التنظيمي، الأمر الذي صار يطرح تساؤلا مهماً، حول أهم ملامح هذه التداعيات وتأثيرها على التنظيم.
 
ضربة مؤثرة:
 
يعد سقوط مدينة الموصل ضربة مؤلمة للغاية لتنظيم "داعش"، ليس فقط لأنه خسر موقعها الاستراتيجي، حيث إنها تتحكم بطرق التجارة في الشمال، وبشكل خاص الطريق السريع الرئيسي باتجاه سوريا، وإنما أيضا للرمزية التي تمثلها تلك المدينة. 
 
فمن جهة، أعلن "أبو بكر البغدادي زعيم "داعش"، عن خلافته المزعومة من على منبر جامع "النوري الكبير" في قلب المدينة، عقب السيطرة عليها في يونيو 2014، كما قام بعدها بتغيير اسم "التنظيم" من "الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، إلى "الدولة الإسلامية" فقط، مما جعلها تتمتع بقيمة ورمزية كبيرة لدى عناصره. 
 
من جهة أخرى، فإن سقوط الموصل سيعد بمنزلة انهيار للوجود "الداعشى" في العراق، حيث سيمهد الطريق للقضاء على ما تبقى من مجموعاته وعناصره، وسيدفع آخرين منهم للذهاب إلى سوريا من أجل البحث عن ملاذ آمن، كما أنه سيشكك في قدرة القيادة الحالية للتنظيم في الحفاظ على ما تبقى من المناطق التي يسيطر عليها.
 
تداعيات محتملة:
 
نظرا لأهمية مدينة الموصل ورمزيتها بالنسبة لـ"داعش"، فإن سقوطها وهزيمته بهذا الشكل، سيكون لها عدد من التداعيات الخطيرة، التي تهدد مستقبل "التنظيم" بشكل مباشر، يمكن تحديد أهمها في الآتي:
 
الاهتزاز الفكري: منذ أعلن تنظيم "داعش" عن قيام "دولته" المزعومة، وهو يرفع شعار "باقية وتتمدد"، وهو ما دفع العديد من المجموعات والأفراد من مناطق مختلفة إلى مبايعته والانضمام إليه. ساعد ذلك التنظيم على توسيع نشاطه الخارجي، عبر إنشاء عدد من الفروع الخارجية، وبالتالي فإن سقوط "الموصل"، بكل ما تتمتع به من ثقل وأهمية، سيمثل ضربة قاصمة لهذا الشعار، الذي أصبح أقرب إلى المسلمات الفكرية الداعشية، وهو ما قد يتسبب في هزة فكرية عميقة لدى أتباع "التنظيم"، يمكن أن تدفع العديد منهم إلى إعادة النظر في المسلمات الفكرية الأخرى.
 
الاهتزاز التنظيمي: حيث يمكن أن يؤدى انكسار "داعش" في "الموصل" إلى تشجيع العديد من المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا على الهرب والعودة إلى بلادهم، أو الانتقال إلى مكان آخر، لاسيما أنهم يدركون أن سقوط الموصل هو بداية سقوط المعاقل الأخرى، مما يعنى أن وجودهم أصبح مهددا، الأمر الذي قد يؤدى إلى تناقص أعداد المقاتلين. إذ إن العديد منهم من ذوي الخبرة القتالية التنظيمية، فضلا عن قدرتهم على القيام بعمليات إرهابية غير تقليدية، مثل العمليات الانتحارية والانغماسية.  لذا، فإن التنظيم صار يعتمد عليهم بشكل كبير في مثل هذه النوعية من العمليات، خلال الفترة الأخيرة، الأمر قد يحدث خللا واهتزاز تنظيميا خلال المرحلة القادمة، نتيجة ذلك الهروب.
 
تهديد الوجود في سوريا: من المحتمل أن يؤدى خروج "داعش" من الموصل العراقية إلى تهديد حقيقي لوجوده في سوريا، نظرا لأنه سيشجع القوى المعادية له على تحقيق انتصارات مشابهة لما حققه الجيش العراقي، لاسيما أن معاقله الرئيسية في سوريا أصبحت مهددة بشكل حقيقي، بعد دخول قوات سوريا الديمقراطية إلى عدد من قرى مدينة الرقة، عاصمة التنظيم العسكرية والإدارية، مطلع يوليو الجاري، وذلك بعد انسحابه من مدينة حلب فى نهاية يونيو 2017، الأمر الذى سيجعل الهيكل التنظيمي لـ"داعش" في سوريا، يواجه خطرا حقيقيا يهدد بقاءه وتماسكه، خاصة أن التحالف الدولي سيوجه جهوده، خلال المرحلة القادمة، لإنهاء وجود "داعش" في سوريا.
 
تهديد الفروع : يبدو أن سقوط التنظيم في الموصل ستتعدى تداعياته حدود العراق وسوريا إلى فروعه الخارجية، خاصة أنها تأتى في سياق مجموعة من الانكسارات المتتالية، مما قد يؤثر على تماسك تلك الفروع وولائها لقيادة التنظيم، لاسيما أنها بايعته بسبب قوته المتصاعدة، وقدرته على الانتشار والتمدد. كما أن هذا السقوط قد يضعف مقاومتها للاستقطاب "القاعدي"، الذي يسعى بكل قوة لجذبها لصفوفه، خاصة أن العديد منها كان قد انشق عن "القاعدة" قبل مبايعته لـ "داعش"، في منطقة شمال وغرب إفريقيا، بالإضافة إلى أن هزيمة داعش في الموصل قد تؤدى إلى انهيار المجموعات "الداعشية" الضعيفة، بسبب عدم وجود "مناعة فكرية" قوية لديها.
 
انهيار المعنويات: تعد هزيمة تنظيم "داعش" في الموصل حلقة مؤلمة في سلسلة الانكسارات التى لحقت بالتنظيم أخيراً، الأمر الذي سيؤثر سلبا على معنويات عناصره، ليس في سوريا والعراق فحسب، بل في كل المناطق الموجودين بها، مما سيضعف قدرتهم على البقاء والصمود خلال المرحلة القادمة، فضلا عن احتمالية انشقاق بعضهم. كما أن انهيار معنويات عناصره يمكن أن تحد من قدرتهم على تجنيد عناصر جديدة، مما سيؤدى إلى أزمة حادة في الموارد البشرية لـ "التنظيم"، في وقت هو في أمس الحاجة إلى ذلك.
 
العمليات غير المحسوبة: من المحتمل أن تؤدى هزيمة "داعش" في "الموصل" إلى موجة من العمليات الإرهابية غير المحسوبة أو العشوائية، سواء عن قبل فروع التنظيم، أو من قبل عناصره التى تعمل بشكل منفرد، والتى يطلق عليها الذئاب المنفردة، من باب مناصرة التنظيم من ناحية، وكرد فعل سريع على سقوط الموصل من ناحية أخرى، وذلك لتدارك تلك الهزيمة على وجه السرعة، والتخفيف من حدتها على التنظيم وفروعه ومناصريه، وأيضا للحفاظ على هيبته ووجوده على الساحة، وهو ما قد يؤدى إلى سقوط العديد من الأفراد والمجموعات، بسبب عدم التخطيط الجيد.
 
أخيرا، فبرغم ما قد يمثله سقوط الموصل من تداعيات سلبية على تنظيم "داعش"، فإن ذلك لا يعنى نهاية التنظيم أو القضاء عليه بشكل كامل، لاسيما أنه استطاع أن يرسخ أفكاره في عقول العديد من الشباب، وهذا ما سيفرض الدخول في معركة فكرية ضد التنظيم، عقب انتهاء المعركة العسكرية، وستكون تلك المعركة هي الأكثر صعوبة وتعقيدا، الأمر الذي بات يفرض وضع رؤية محددة لمواجهة أفكار التنظيم في مرحلة ما بعد "داعش"، حتى يتم القضاء عليه بشكل كامل.

رابط دائم: