الرسائل الأربع لزيارة رئيس وزراء الهند إلى إسرائيل
27-7-2017

د. حنان أبوسكين
* أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بين الهند وإسرائيل، زار رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى تل أبيب في 4 يوليو الجارى، وهى الزيارة الأولى من نوعها منذ 69 عاماً. استغرقت زيارة "مودى" ثلاثة أيام، قام فيها بزيارة مركز الابتكار الزراعى، والنصب التذكارى لضحايا المحارق النازية، كما التقى الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، ورئيس المعارضة إسحاق هرتسوغ، وسياسيين بارزين. 
 
عقد "مودى" أيضا جلسة عمل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى المشاركة في منتدى حضره قرابة 30 من كبار أصحاب الأعمال، وزيارة مقابر الجنود الهنود الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى، ودفنوا في حيفا، وحضور حفل نظمته الجالية الهندية في إسرائيل. 
 
يلفت النظر في تلك الزيارة الاهتمام الإسرائيلى غير المسبوق بها، وحفاوة الترحيب الذى انعكس في استقباله في المطار تقريباً من 40 إلى 50 مسئولاً إسرائيلياً رفيع المستوى، كان نتنياهو في مقدمتهم، كما أقام مودى في الفندق ذاته الذى سبق أن استضاف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. وتبعث تلك الزيارة بمجموعة من الرسائل، لعل أبرزها: 
 
الرسالة الأولى- تدشين مرحلة جديدة من الشراكة بين الهند وإسرائيل:
 
صرح نتنياهوبأن "هذه الزيارة ستعمق التعاون في نطاق واسع من المجالات، منها الأمن، والزراعة، والمياه، والطاقة، وتقريبًا في جميع المجالات التى تعمل فيها إسرائيل". جدير بالذكر أن الهند أصبحت أكبر سوق للسلاح الإسرائيلى، وتشترى ما قيمته مليار دولار سنويًا لمجابهة منافسيها، مثل باكستان والصين. وقد قامت إسرائيل والهند بإنشاء صندوق ابتكار للبحث والتطوير بقيمة 40 مليون دولار، ووقعت شركات فردية من البلدين اتفاقيات بملايين الدولارات. كما تم توقيع سبع اتفاقيات ثنائية تغطى مجالات التكنولوجيا، والزراعة، والمياه، وحتى بحوث الفضاء. 
 
وأعلنت شركة "إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء" الحكومية توقيع اتفاقيتين خلال زيارة "مودى"، الأولى مع مجموعة "كالياني" الهندية لبناء مركز صيانة في الهند لأنظمة الدفاع الجوى. والأخرى مع مجموعة "وايبرو إنتربرايز" لإنشاء وحدة إنتاج هياكل طائرات في الهند، بالإضافة إلى إجراء محادثات حول تحسين التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب. ووجه "مودى" دعوة رسمية إلى نتنياهو لزيارة الهند، وهو ما حلم به رئيس الوزراء الإسرائيلي لسنوات، لاسيما وأن تل أبيب تبحث باستمرار عن حلفاء للتصويت لمصلحتها في محافل الأمم المتحدة.
 
الرسالة الثانية- تراجع أولوية القضية الفلسطينية في العلاقات الهندية- الإسرائيلية: احتلت القضية الفلسطينية مكانة مهمة في السياسة الهندية، منذ انطلاق حركة الاستقلال، وكان المهاتما غاندى قد أعرب عن دعمه للقضية الفلسطينية، وعارضت  الهند في عام 1947 خطة التقسيم في الأمم المتحدة. وبعد قيام إسرائيل، وخلال كافة الحروب العربية – الإسرائيلية، عبرت الهند عن موقف داعم للدول العربية.
 
لكن في مقابل انعدام دعم الدول العربية للهند، خلال حربها، سواء مع باكستان عام 1965، أو بنجلاديش في 1971، منحت إسرائيل دعمها الكامل للهند بواسطة تزويدها بعتاد مدفعى. وقامت الهند رسمياً بإقامة علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل في 29 يناير 1992. وتوطدت أواصر الروابط بين البلدين بسبب الاهتمامات الاستراتيجية المشتركة، والتهديدات الأمنية. ولم يمنع ذلك إدانات الهند القوية المتكررة للأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد فلسطين. وربما يفسر ذلك برغبة الحزب الحاكم  بالهند في الحصول على أصوات المسلمين في الانتخابات، الذين يشكلون تكتلا انتخابيا كبيرا. وأبرم الجانبان عددًا من الاتفاقيات الدفاعية منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى الحكم عام 2014 الذى اتخذ تقليدياً موقفاً أقرب إلى إسرائيل.
 
لقد أنهى ناريندرا مودى تقليداً دأب عليه القادة الهنود، بعد أن قرر قصر زيارته على إسرائيل دون فلسطين. ولم يلتق خلال الزيارة أى مسئولين فلسطينيين، فغابت القضية الفلسطينية تمامًا عن الزيارة. وكانت نية الزعيم الهندى، بفصل صداقة بلاده مع إسرائيل، عن دعمها للفلسطينيين واضحة، حيث لم يذكر رئيس وزراء الهند تأييده لإقامة دولة فلسطينية، ولو لمرة واحدة، خلال الزيارته. وفي البيان الصحفي المشترك الصادر في نهاية الزيارة، جاءت فقرة واحدة عن" مناقشة عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية". 
 
الرسالة الثالثة- إعجاب رئيس وزراء الهند بالنموذج الإسرائيلى في التكنولوجيا: يعد الاقتصاد الهندى من أكثر الاقتصادات نموًا في العالم، وهو ما جعل "مودى" يأمل في تعزيزه عبر جلب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتنفيذ مشاريع بأحجام هائلة، ويعول كثيراً على إسرائيل في هذا الإطار. وكانت الزيارة مليئة بالإعجاب بالتكنولوجيا، والتقدم الإسرائيلى. وتحدث الزعيم الهندى عن الابتكار الإسرائيلى، والإنجازات التكنولوجية العالية، والنجاح الاقتصادى ضد كل الصعاب في مواجهة الموارد الطبيعية القليلة، وعقود من العزلة القريبة. وقام مركز زراعة زهور إسرائيلى بتسمية زهرة باسمه، قبل أن يقوم بجولة مع نتنياهو على الشاطئ.
 
الرسالة الرابعة والأخيرة- إسرائيل تعوض الانتقادات الأوروبية لها بالتقارب مع الهند: فقدت إسرائيل قدراً كبيراً من نفوذها السياسى داخل بعض دول أوروبا التى تنتقد سياساتها، وتنادى بمقاطعة بضائع المستوطنات، وتفرض عقوبات سياسية ضدها في إطار العديد من المحافل الدولية. ومن هنا، سعت إسرائيل لتوسيع نطاق جهودها للتقرب إلى عدد من الدول التي كانت علاقاتها بها فاترة من قبل، مثل الصين والهند.
 
إجمالاً، يمكن القول إن هناك حسابات تجعل التقارب الهندى - الإسرائيلى حذرا، ويتم بمراعاة الكثير من التوازن، مثل الأخذ في الحسبان العدد الكبير للمسلمين في الهند، والتعاطف مع الفلسطينين، واعتماد الهند على النفط من البلدان العربية، وإيران التى تناصبها إسرائيل العداء.

رابط دائم: