هامش السلاح الكيميائي في قمة مجموعة العشرين
9-7-2017

حامد الكيلاني
*
استخدام السلاح الكيميائي في سوريا لم يعد مرتبطا فقط بأغراض الحسم العسكري أو الانتقام، إنما هو نتاج أزمنة مضطربة تعددت فيها ألوان ازدراء حق الشعوب في الحياة. 
 
تخيُّل الأمور يجعل حدوثها ممكناً، مقولة مثل هذه ربما تكون ذات فائدة في تناول موضوع الأسلحة الكيميائية ومنها غاز السارين الذي أقرت جهات دولية عديدة متخصصة باستخدامه في خان شيخون أبريل الماضي، وما تسببت به من مجزرة مروعة دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى استهداف مطار الشعيرات بصواريخ التوماهوك. ردود فعل دولية اجتمعت على إدانة المأساة والسلاح الكيميائي خاصة غاز السارين الذي يصفه الخبراء بالسلاح القذر، النظام الحاكم في سوريا أيضاً أدان استخدامه، لكن الاختلاف والتباين في المواقف يتضح في إدانة الطرف الذي نفذ الضربة الكيميائية.
 
لأن الإبادات متكررة فإن شبح حدوثها احتمال وارد جداً وضربة غاز السارين في الغوطة الدمشقية صيف العام 2013 ورغم كل التأكيدات والوثائق التي أكدت مسؤولية النظام الحاكم عنها، ومن دلائلها التدخل الروسي لإنقاذ النظام من الاستهداف الأميركي في عهد الإدارة السابقة وذلك لتجاوزه الخطوط الحمراء التي قيّد بها الرئيس باراك أوباما نفسه لإنزال العقاب الشديد بالنظام في حال الإقدام على جريمة كانت متوقعة ومجرّبة في عدة بلدات سورية، لكن يبدو أن شدة العقاب لم تكن كافية لردع النظام عن ارتكاب مجازر أخرى، حتى إن السلاح الكيميائي أصبح لعبة ومكيدة وسلاح ترهيب بيد الجماعات المسلحة المتطرفة وأجهزة المخابرات الدولية، وأيضاً في اختبار صبر القادة والدول وقراءة سياساتهم في جديتها من عدمها في المداخلات على الأرض السورية أو في المناورة لتحقيق مكاسب في قضايا أخرى.
 
الضربة الأميركية لمطار الشعيرات والتي أشارت إليها المعلومات وصور الأقمار الاصطناعية كنقطة انطلاق لطائرات مقاتلة نفذت الهجوم الكيميائي على خان شيخون، الضربة هي الأخرى كما أثبتت الأيام لم تكن عقاباً رادعاً للنظام وحلفائه الذين وضعوا الإدارة الأميركية في مختبر تجربتهم وخرجوا منها بحقائق عن عودة الدور الأميركي إلى المنطقة وإلى الملف السوري، مع تبويب لتراتبية الاهتمامات الأميركية في محاربة التنظيمات الإرهابية أولاً، ومخاطر النظام الإيراني وتمدد مشروعه التوسعي ثانياً وكما وصفته بالدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم.
 
النظام الحاكم في سوريا يقبع في ذيل الإرادات الدولية الفاعلة على الأرض السورية، لكنه يحقق مكاسب الإبقاء على سلطته بالرغبة الروسية في الدفاعات متعددة الأوجه سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ببناء القواعد واستقدام القوات الإضافية واستعراض الأسلحة المتطورة وزيادة أعداد الطائرات المقاتلة مع حشد كبير للتبريرات والتفنيدات والتصريحات التي فقدت كل مقومات الثقة أمام المجتمع الدولي، لكنها واقعاً أسست مدرسة تعلم منها العالم أن الهيمنة وفرض الأمر الواقع بالقوة هو سيد السياسة الدولية، وأن التواطؤ مع المصالح تحول لقوة غاشمة ضد شعب تم اختزاله بالحاكم، يتبعه دور إيراني يوفر للنظام الميليشيات متعددة الجنسيات تحت مظلة هوس طائفي مقابل وجهه الآخر الذي يمثله إرهاب داعش والتنظيمات المتشددة.
 
في هكذا واقع كيف تهضم المعارضة السورية ووفدها المفاوض في أستانة روسيا وإيران كطرفين ضامنين لحل المعضلة السورية؟ نتفهم الأسباب بالبحث عن مسار سياسي موازٍ للمعارضة المسلحة، لكنها تحت كل الظروف خيوط مبهمة تُحرِك القرارات والمقترحات والمشاريع في الظل ودون جدوى ما عدا تأهيل النظام، وتأثيث نزوات التفرد الروسي على الأرض السورية، وفرض كارثة التمزق المذهبي والحروب الطائفية الإيرانية في المنطقة.
 
الولايات المتحدة حذرت قبل فترة قصيرة من إعادة استخدام السلاح الكيميائي ضد الشعب السوري بعد تحركات رُصِدَت في مطار الشعيرات وغيره تماثل أجواء التهيئة قبل ضربة خان شيخون. التحذيرات كانت جادة وتوعدت النظام بدفع ثمن باهظ إذا تجرأ في اختبار رد الفعل الأميركي هذه المرة. فرنسا أعلنت سابقاً إنها ستشارك منفردة في الرد إذا حدث انتهاك للخط الأحمر الذي وضعه الرئيس إيمانويل ماكرون، وبعد الرد الأميركي أعلنت أنها ستنسق عسكرياً مع الجانب الأميركي وتبعتهما بريطانيا في موقف موحد في حال تنفيذ الضربة الكيميائية.
 
أميركا بعد تحذيرها بأيام أعلنت أن الحاكم السوري وصلته الرسالة وأذعن لها، في إشارة إلى سحب استعداداته العسكرية أو تخفيضها. رافقت تلك التحضيرات تهديد صريح إلى روسيا وإيران، والجانب الروسي وصف تلك التهديدات بمحاولة لتقويض مسار المباحثات في أستانة واستهداف النظام “الشرعي” في سوريا. أما إيران فقد واصلت تصعيد تحركات فصائلها الميليشياوية التابعة للحرس الثوري ومنها الحشد الشعبي في العراق الذي بدأت عليه علامات المواجهة المباشرة مع القوات الأميركية إن في العراق أو في سوريا استعدادا لمرحلة ما بعد داعش في الموصل أو الرقة، أو على مقتربات الحدود الدولية بين سوريا والعراق.
 
هل يقدم النظام الحاكم في سوريا على القيام بضربة كيميائية متحدياً إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة الرئيس الفرنسي ماكرون ومعهما بريطانيا؟ هل معقول أن النظام السوري يتحكم في قرارات خطيرة تستفز العالم كاستخدام السلاح الكيميائي دون استشارة الحليف الروسي والإيراني؟ الأسئلة تعيدنا إلى ضربة خان شيخون والمداخلة السياسية وغاياتها لروسيا.
 
قرار إزالة الأسلحة الكيميائية السورية بعد ضربة الغوطة في 2013 يتعكز عليها النظام السوري في براءته من أي هجوم كيميائي تال لتاريخ نقل وتدمير السلاح الكيميائي، لكن معظم التقارير تؤكد احتفاظ النظام بأطنان من الأسلحة المحرمة في مواقع لم تخضع للتفتيش، وهنا يمكن القول إن ذلك وحده كفيل بمعاقبة النظام دوليا لتحايله في إخفاء معلومات ومواقع عن اللجنة الدولية المكلفة بإزالة تلك الأسلحة.
 
كيف يمكن للمجتمع الدولي الثقة بالنظام الإيراني وهو الذي وضع العراق، أرضا وجوا، معبرا لكل صنوف القوات والميليشيات والمرتزقة والأسلحة والأدوات؟ هل من الصعب والمستحيل أن تجهز إيران سوريا بالسلاح الكيميائي رغم كل ما يقال عن عدم امتلاكها لهذا النوع من الأسلحة، في وقت تتكشف فيه الخفايا وترفع الأغطية عن تلك الفترة من الحرب بينها وبين العراق في ثمانينات القرن الماضي، ومنها امتلاك وتجريب السلاح الكيميائي الإيراني في العديد من جولات ومعارك تلك الحرب.
 
التحليلات المنطقية تنفي قدرة النظام السوري على ارتكاب حماقة ضربة كيميائية مجدداً على الأقل في المنظور القريب؛ لكن هل ممكن أن يحدث ذلك مستقبلاً؟ الإجابة نعم لأنه لا يوجد منطق في السياسة الدولية خاصة منها ما يتعلق بالملف السوري ولأن سوق العرض للسلاح الكيميائي يشهد إقبالا لأغراض السياسة، كما هو واقع الأيام والأسابيع الماضية قبل اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين المنعقد في مدينة هامبورغ الألمانية.
 
فكما تابعنا كان السلاح الكيميائي حاضراً في تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون وما ورد من رد لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وما جاء في كلمة الرئيس دونالد ترامب أثناء زيارته إلى وارسو، وكذلك مجريات جلسة مجلس الأمن التي حضرتها اللجنة الدولية المختصة بحظر الأسلحة الكيميائية بشخص رئيسها الذي أكد في مؤتمره الصحافي تدخل أكثر من جهة واحدة وأقل من العشرين جهة في محاولة فرض رؤاها وأمزجتها وميولها ومواقفها من ضربة خان شيخون، ومنهم روسيا التي صرّحت مسبقاً بتشكيكها بعمل اللجنة مهما كانت النتائج.
 
إن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا لم يعد مرتبطاً فقط بأغراض الحسم العسكري أو الانتقام، إنما هو نتاج أزمنة مضطربة تعددت فيها ألوان ازدراء حق الشعوب في الحياة وامتزجت مع ألوان القوانين والقرارات وتفسيرها؛ هناك توافق في منحنيات السياسة يعقب الترهيب لكنه بالمجمل يأتي على حساب الشعوب.
 
-----------------------
* نقلا عن العرب اللندنية، 8-7-2017.

رابط دائم: