دوافع الصراع المؤسسي داخل الإدارة الأمريكية حول أزمة قطر
14-7-2017

عمرو عبد العاطي
* باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية
يكشف موقف الإدارة الأمريكية من أزمة مقاطعة أربع دول عربية (السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين) لعلاقاتها مع قطر في الخامس من يونيو الماضي، عن ملامح الانقسام والصراع داخل الإدارة الأمريكية، منذ اليوم الأول لحلف دونالد ترامب اليمين الدستورية في العشرين من يناير 2017، حيث شهد الموقف الأمريكي من الأزمة تناقضات حادة بين رؤية الرئيس الأمريكي لإدارة تلك الأزمة من جهة، ووزيري الخارجية ريكس تيلرسون، والدفاع جيمس ماتيس، من جهة أخرى.
 
مظاهر الانقسام 
 
تجلى الانقسام داخل الإدارة الأمريكية في التعاطي مع الأزمة القطرية في تأييد ترامب الخطوات التي اتخذتها الدول الأربع ضد نظام الدوحة في تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". فقد عُد القرار إحدى ثمار زيارته للمملكة العربية السعودية في العشرين من مايو الماضي. وتذهب تحليلات غربية إلى أن موقف الرئيس الأمريكي قد  دعم قرار دول المقاطعة في مواجهة قطر.
 
وعلى الرغم من تواصل ترامب مع أطراف الأزمة، والاتصال بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وتأكيد حرصه على رأب الصدع الخليجي، فإنه أكد ما جاء في قمة الرياض بضرورة وقف تمويل الإرهاب، ومواجهة الأيديولوجية المتطرفة التي تدعمها الدوحة. 
 
وفي الوقت الذي دعم فيه الرئيس الأمريكي صراحة موقف الدول العربية لمقاطعة قطر، فإن وزيري الخارجية والدفاع عارضا تصعيد الأزمة صراحة، خلال الاجتماعات المغلقة، انطلاقا من أن استمرارها سيُؤثر فى المصالح الأمريكية في الدوحة، والجهود الأمريكية لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، والانتشار العسكري الأمريكي ليس في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، ولكن في المحيط الهندي.
 
فبعد ستة أيام من إعلان الرئيس الأمريكي دعمه لمقاطعة الدول العربية لقطر، وقع ماتيس مع وزير الدولة لشئون الدفاع القطري، خالد العطية، صفقة أسلحة بقيمة 21 مليار دولار لبيع 36 مقاتلة "اف-15"، فضلا عن استمرار تأكيده دور الدوحة في مكافحة الإرهاب، وأن الطائرات الأمريكية التي تستهدف مقاتلي التنظيمات الإرهابية في سوريا، والعراق، وأفغانستان، واليمن، تنطلق من قاعدة العُديد في قطر التي تضم 11 ألف جندي. كما أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة، جوزيف دانفورد، أن التواصل والتنسيق على الصعيد العسكري مع تلك الدولة الخليجية لا يزال مستمرا.
 
من جانبها، انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية المطالب العربية لقطر، ورأت أنها غير مقبولة"، و"غير قابلة لتحقيق"، حيث أعربت الوزارة، على لسان الناطقة باسمها هيذر ناورت، أن الولايات المتحدة تندهش من إخفاق دول المقاطعة في تقديم تفاصيل مسوغات الحصار المفروض على قطر، وشككت فيما إذا كانت الإجراءات الخليجية بناء على مخاوف بشأن دعم الدوحة للإرهاب، وذلك قبل أن تقدم الدول الأربع مطالبها الثلاثة عشر للدوحة، والتي رفضتها بعد انقضاء الأيام العشرة، التي حددتها الدول الأربع لتلقي الرد القطري. 
 
دوافع الانقسام
 
يرجع هذا الانقسام داخل الإدارة الأمريكية حول الأزمة القطرية إلى عدة أسباب، تتمثل في:
 
أولا- رفض ترامب للمؤسسات الأمريكية: حيث يرى الرئيس ترامب أن المؤسسات الأمريكية (السياسية والاقتصادية) هى السبب في كثير من الأزمات السياسية والاقتصادية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال العقد الماضي. ولهذا، أعطي دورا متزايدا لمستشاريه والمقربين منه في عملية صنع القرار الداخلي والخارجي على حد سواء، مقابل تهميش دور التنفيذيين والخبراء داخل المؤسسات المنوط بها صياغة السياسات الأمريكية. 
 
ثانيا- تصريحات شخصية: ارتباطا بما سبق، يُعبر الرئيس ترامب عن مواقفه الشخصية تجاه التطورات الدولية بدون التنسيق بين المؤسسات والوكالات الأمريكية المنوط بها تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية.
 
ثالثا- تراجع دور وزارة الخارجية الأمريكية: حيث لا يؤمن ترامب بأهمية دور وزير الخارجية الأمريكي في إدارة الأزمات الدولية، وقد تجلى ذلك في عدم حضوره كثيرا من الاجتماعات مع الوفود الأجنبية التي تزور البيت الأبيض، مقابل الحضور المكثف والمستمر لمستشاري الرئيس والمقربين منه، بالإضافة إلى معارضة الرئيس كثيرا من تسميات تيلرسون لمناصب عدة شاغرة بوزارة الخارجية،ة علاوة على اقتراح ترامب في موازنة العام المالي 2018 بخفض المخصصات المالية للوزارة، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بنسبة 28%. كل ذلك من شأنه الحد من تأثير الوزارة في الأزمات الدولية.
 
رابعا- الدور الموازن: في الوقت الذي يتراجع فيه دور وزير الخارجية الأمريكي، يتزايد دور وزير الدفاع، ومستشار الأمن القومي، هربرت ريموند ماكماستر، اللذين يلعبان دورا موازنا لتأثير مستشاري الرئيس ترامب، الذين ليس لديهم دراية بالشئون الخارجية، وقضايا الأمن القومي، ويدفعون الرئيس لاتخاذ قرارات يكون لها تأثير سلبي فى المصالح، والأمن القومي الأمريكي. 
 
خامسا- ارتباط وزير الخارجية الأمريكي بعلاقات مع قطر: حيث يرجع بعض التحليلات الأمريكية تعاطف تيلرسون مع الدوحة إلى أنه قبل توليه منصبه بالإدارة الأمريكية، كان الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل التي لديها مصالح كبيرة، وتعاملات متعددة مع النظام القطري في مشاريع الغاز الطبيعي والنفط. 
 
سادسا- طبيعة العلاقات الشخصية: حيث تتحدث تقارير صحفية أمريكية عن أن العلاقات القوية والشخصية بين يوسف عتيبة، السفير الإماراتي بالولايات المتحدة، وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، وكبير مستشاريه، هي أحد أسباب الانقسام داخل الإدارة الأمريكية حيال الأزمة القطرية، لتمكن الإمارات العربية المتحدة من التأثير في القرار الأمريكي من خلال كوشنر، الذي يلعب دورا فاعلا ومؤثرا في صناعة القرار الأمريكي، يفوق دور وزير الخارجية الأمريكي. 

رابط دائم: