الدويلات الصغيرة والمتاجرة بالمسميات الكبرى
7-6-2017

عزمي عاشور
*
ليس من شك في أن دولة قطر بسلوكها، والزخم الذي تطرحه في الساحتين الإقليمية والعالمية يثير علامات استفهام تبحث عن إجابات. وبعيدا عن اتخاذ موقف من هذا الزخم الذي ساعد على وجوده رأس المال والاستثمار فيما هو غير مألوف، وإتاحة الفرصة لأن تلعب الدوحة أدوارا بالنيابة عن دول كبرى، بما فتح لها الشهية لتبحث لنفسها عن وجود، فإن السؤال المطروح هنا، ما هو السر وراء هذا الظهور القطري؟.
 
فعندما ظهرت قناة الجزيرة عقب حرب الخليج الثانية، استطاعت أن تبنى ما يعرف بالصيت أو القوة الناعمة في مجال الإعلام بقدرتها وبإمكانياتها البشرية ولظروف الواقع، بما جعلها قناة عالمية في فترة وجيزة. إلا أن هذا لا يحجب أنها أصبحت قناة توظف لتخدم أهداف أخرى بعيدا عن الموضوعية.  
 
وبالمثل، فإذا كانت القواعد الأمريكية الموجودة في هذه الدويلة جاءت بعد الانقلاب على الشيخ خليفة آل ثاني من قبل ابنه حمد نتيجة لرفضه الوجود الأجنبي على أرضه، فإن ما تعيشه قطر الآن ليس ببعيد عن هذه القواعد ومن يقف وراءها.
 
 انطلاقا من هذا الواقع، استطاعت الدوحة أن تتاجر بأموالها في كل شئ بداية بالدين وتكوين ما يسمى بالاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، مروراً بالكرة واحتكارها بث وإذاعة مباريات كأس العالم، ثم فوزها بتنظيمه في سنة 2022.. في منطق لا يمكن أن تصدقه، علاوة على قدرتها على محاولة الاستثمار في الفضاء الخارجي، وبناء أسطول طيران يملك أحدث الطائرات، بغية أن تتحول إلى بلد ترانزيت ينافس غيرها من دول المنطقة. وعلى الرغم من المشروعية الاقتصادية فيما تقبل عليه قطر، فإنه من غير المشروع أن تحاول توظيف هذه الإمكانيات في خلق المشكلات والمتاجرة بها .
 
كان مسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منذ فترة طويلة يثير التساؤل: من الذي جعله يمثل كل علماء المسلمين؟، وهل هو بالفعل كذلك؟ وهل يمثل الاتحاد كل دولة مسلمة من علمائها؟ ، على غرار التنظيمات الدولية والإقليمية أم أنها مسميات بغية التجارة بها. بالتأكيد الإجابة تميل إلى الثانية.
 
فقضية المسميات هذه مهضومة في ثقافتنا الشعبية المصرية، فقد تدخل إحدى الحارات المصرية لتجد بروزا إعلانيا يحمل صيدلية مصر أو كافيه المحروسة أو مسجد أبو ذر الغفارى.. وهنا يحضرني احد الأصدقاء من دولة المغرب الشقيقة، عندما مر بأحد المقاهي الشعبية بالقاهرة، فوجد مكتوبا على بابه "مقهى 25 يناير".. وكانت المفاجأة بعد سنتين من آخر لقاء به أن أتلقى منه اتصالا، وهو يسألني عن حال ذلك المقهى الذي ليس له علاقة بثورة 25 يناير، وما هو إلا مسمى للشهرة وجذب الزبائن، وغيره من المسميات التى تطلق ولا تعكس مضمونها. 
 
ويبدو أن الشيخ  يوسف القرضاوى، عندما أقام في قطر اقتبس هذه الثقافة والسلوك للمتاجرة به، وإذا كان في الحالة الأولى (المقهى) يعبر عن خفة دم المصريين ويتسق مع سلوك ثقافتهم، فإنه في الحالة الثانية، وبالأخص في قضية متعلقة بالدين يصبح طريقا للنصب والاحتيال.. فنحن لدينا المنظمات التى تعكس التجمعات للدول الإسلامية مثل، منظمة المؤتمر الإسلامي التى تمثل كل الدول الاسلامية. وبرغم تمثيلها الجامع لكل الدول الاسلامية، فإنها لم تجرؤ على ما فعلته قطر والشيخ القرضاوي وتطلق هذا المسمى الكبير "الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين".. ثم تظهر حقيقة ذلك الاتحاد أخيرا عقب اجتماعه في اسطنبول، فما هو إلا تجميع للقيادات الإخوانية في الأقطار العربية والمسلمة ..والتى هي بالأساس تنظيم مفرخ لكل جماعات الإرهاب التى أضرت وشوهت الدين الإسلامي السمح.
 
المهم أن هذا الاتحاد كان بالمقاس على نفس نهج وسلوك سياسة قطر في إدمانها للمسميات الكبرى والمتاجرة بها، بإمكانياتها المادية التى لا تتناسب مع عدد السكان، وإصرارها على أن تناطح في كل القضايا ليكون لها وجود، حتى لو تطلب الأمر مساندة الانفصاليين، وتفكيك الدول فى سلوك مريض يعكس عقدة الذنب عند أوديب من كونها دويلة صغيرة.
 
 من هنا نندهش أن نجد كل هذا الزخم القطري، حتى لو كان فيه جانب ايجابي مثل، استثماراتها الاقتصادية في شركات الطيران والترانزيت.. الآن نفهم السبب.. فعن طريق إمكانياتها المادية تقول قطر إنها تستطيع شراء أي شئ، وكل شئ، وتستطيع أيضا أن تكون لها وجود وتأثير على الساحة الدولية على طريقة مقولة الشخص الذي يدفع مقابل خدمة وفي حالة خروجه عن النص يعترض، ويقول "بفلوسه".. الأمر ذاته مع دولة قطر مع خطورتها، إذ استطاعت أن تستفيد من التغيرات الفضائية والالكترونية وأن تكون سند وملجأ لكل ما هو مخالف.
 
فكون قطر وجدت في سياسة "خالف تعرف" تجارة مربحة، فقد باتت تبحث عن عملاء أو شركاء لها، كحركات انفصالية أو جماعات دينية أو حتى دول تدعمها في مقابل دول أخرى.. وهي نفسها لا تدرى كونها في الأخير دويلة، ومكانا استراتيجيا للقواعد الأمريكية، بل وأداة تستخدم من قبل الكبار.
 
ويبدو أن هذا الإدمان للمسميات الكبرى هو بداية النهاية لها.. فقط فعلها معمر القذافي من قبل وإن كانت محدودية تفكيره لم تجعله يجنى ما جنته قطر الآن، إلا أن هذا لا يمنع من أنها تسير على النهج ذاته، فالقذافي كان صريحا ليعلن نفسه ملك ملوك إفريقيا، وغيره من المسميات الأخرى. فدولة قطر تفعل ذلك، ولكن بشكل أكثر واقعية على الأرض.. فهل تكون النهاية بالمثل أم ستتعداها، كونها فعلا مباشرا تلعب دور الوكيل لأطراف دولية، بما يجعلها تستمر لوقت أكبر قبل أن تحسم الكثير من القضايا الإقليمية في المنطقة.
(مقال خاص بموقع مجلة السياسة الدولية)
 

رابط دائم: