خسائر اقتصاد قطر جراء أزمة المقاطعة
6-6-2017

إبراهيم الغيطاني
* باحث اقتصادي.
يبدو أن الاقتصاد القطري مقبل على ضغوطات كبيرة بعد قيام ست دول عربية وخليجية، من بينها مصر، والسعودية، والإمارات بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، على خلفية دعم الأخيرة للإرهاب. فبالتوازي مع الإجراء السابق، اتخذت الدول الست يوم الاثنين 5 يونيو 2017 خطوات جادة نحو تقييد معاملاتها التجارية والاستثمارية مع قطر، حيث أغلقت جميع منافذها البرية والبحرية والجوية أمام قطر، بجانب حث مواطنيها على مغادرة الأراضي القطرية. فيما قامت شركات الطيران الخليجية والمصرية أيضاً بتعليق جميع رحلاتها إلى قطر.
 
ومن شأن هذه الخطوات أن تتسبب في ارتباك- قد يطول- المعاملات الاقتصادية والتجارية بالسوق القطري، حيث تعتمد قطر بشكل شبه كلي على البلدان الخليجية في توفير الإمدادات الغذائية ومواد البناء، إلى جانب أنها نقطة مرور رئيسية لوسائل النقل الجوية القطرية بها للأسواق الأوروبية والأمريكيتين، وهذا الاضطراب قد يقود في النهاية، بحسب بعض التقديرات، إلى تراجع الجدارة الائتمانية للبلاد وفقدان الثقة الدولية في السوق القطري. 
 
وكبوادر أولية لتداعيات القطيعة الدبلوماسية مع قطر، شهد سوق المال والديون القطري اضطراباً كبيراً، حيث تراجعت معظم  الأسهم القطرية، وانخفض العديد منها إلى الحدود القصوى، فيما أنهت البورصة تداولاتها في يوم صدور قرارات المقاطعة للدوحة، بتراجع نسبته 7.2%. بينما من ناحية أخرى، ارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية القطرية إلى أعلى مستوياتها في شهرين، حيث ارتفعت عقود مبادلة مخاطر الائتمان القطرية إلى خمس سنوات نقطتي أساس لتصل إلى 61 نقطة أساس، مسجلة أعلى مستوى لها منذ أوائل أبريل 2017. 
 
آثار ممتدة: 
 
وبخلاف الآثار الفورية السابقة، فمن دون شك أن استمرار القطيعة الدبلوماسية بين قطر ودول الجوار سيكبدها تكلفة اقتصادية وتجارية كبيرة، يمكن تناولها على النحو الآتي:
 
(*) ارتفاع الأسعار في السوق القطرية. فبالرغم أن حجم التبادل التجاري بين قطر والبلدان الخليجية لا يمثل سوى نسبة لا تتعدى 7.5% من حجم تجارتها مع العالم الخارجي، إلا أن قطر تعتمد على السعودية والإمارات بشكل رئيسي في توفير الإمدادات الغذائية. وقدمت الدولتان السابقتان 309 ملايين دولار من قيمة واردات المواد الغذائية الكلية بقيمة 1.05 مليار دولار في عام 2015. ومن ثم، سيتعين على قطر البحث عن أسواق بديلة لتوفير الغذاء قد تكون أكثر تكلفة بالنسبة لها، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع في المستويات العامة للأسعار في الفترة المقبلة.
 
(*) فقدان الجاذبية السياحية، فمن دون شك أن صعوبة وصول الخطوط الجوية القطرية -والتي تعتبر رافداً اقتصادياً أساسياً لقطر- للمجال الجوي الخليجي سيمثل تهديداً لأعمال الشركة، حيث ستضطر لتغيير مساراتها إلى بلدان أخرى (كالصومال وإيران حالياً)، وبما سيجعلها أقل جاذبية بكثير من الشركات الأخرى، حيث ستستغرق الرحلات إلى أوروبا، على سبيل المثال، ما بين 8-9 ساعات، بدلاً من ست حالياً. 
 
والقطاع السياحي القطري أيضاً هو أحد المتضررين الرئيسيين من هذه الأزمة، حيث سيفقد السوق السياحي القطري أحد أهم روافده وهو السائح الخليجي، والذي مثل 48.2% من إجمالي عدد السياح في قطر البالغين 2.9 مليون سائح في عام 2016، وبما يتسبب في أضرار كبيرة لمنشآت الفنادق وغيرها من المنشآت. 
 
(*) تقلص الفرص الاستثمارية، من المحتمل أن تفقد المؤسسات القطرية المملوكة للدولة الفرص التي أتيحت لها في الماضي للنفاذ إلى الأسواق الاستثمارية في الأسواق الخليجية. كما قد يكون من الصعب على الشركات القطرية الكبرى مثل بنك قطر الوطني أو الخطوط الجوية القطرية أن تنال مجدداً فرص التوسع التي منحتها إياها الحكومات الخليجية الأخرى في السنوات الماضية، بل قد ينهي فرصها تماماً بالأسواق الخليجية، حيث عقب الأزمة مباشرة ألغت أخيراً الهيئة العامة للطيران المدني السعودية رخصة الخطوط الجوية القطرية.
 
(*) زيادة تكلفة الاقتراض، حيث إن التوتر الحالي القائم بين  قطر ودول الجوار قد يزيد من حالة عدم اليقين بالاقتصاد القطري، وبما قد يرفع من كلفة الاقتراض، وذلك بالتزامن مع  ارتفاع الدين الخارجي لقطر لما ما يقرب من 150% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، مقارنة بما يقدر بنحو 111% خلال عام 2015، وهو أحد الأسباب التي دفعت وكالة التصنيف الائتمانية (موديز) في أواخر مايو الماضي لخفض تصنيف قطر السيادي من "Aa2" إلى "Aa3" ، وذلك إلى جانب عدم اليقين بشأن استدامة نموذج النمو الاقتصادي في البلاد. 
 
(*)الإضرار بإمدادات الغاز، على الأرجح أن الأزمة الحالية لن تؤدي إلى تعطيل إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى عملاء قطر الرئيسيين في آسيا أو غيرها من دول العالم. ومن حيث المبدأ، فلا تزال قطر قادرة على التصدير عبر مياهها الخاصة، إلا أنه من ناحية أخرى قد يؤدي تصعيد الأزمة الحالية إلى تجميد الإمدادات القطرية من الغاز المسال إلى عملائها في الشرق الأوسط والخليج، وبما قد يضر باقتصاد قطر كمورد موثوق للطاقة.
 
وختاماً، يمكن القول إن الاقتصاد القطري بات على عتبة مرحلة جديدة من الضغوط الاقتصادية، التي من المحتمل أن تتزايد في الفترة المقبلة، ما لم تتمكن من تسوية خلافاتها الإقليمية.

رابط دائم: