قراءة في السياق الإقليمي لقطع العلاقات مع قطر
5-6-2017

سامح راشد
* باحث بمؤسسة الأهرام، مدير تحرير مجلة السياسة الدولية
برغم ما يحمله تاريخ العلاقات السعودية- القطرية من تباينات ومحطات مهمة على المستوي الثنائي، فإن للسياق الإقليمي دوراً جوهرياً في تسيير دفة العلاقة خلال السنوات الأخيرة. سواء لجهة دوافع ومحركات تطور العلاقات، أو التداعيات الإقليمية المترتبة على ما تشهده العلاقات من توتر أو انفراج. 
 
وجاء قرار خمس دول عربية قطع العلاقات مع قطر يوم الإثنين 5 يونيو 2017، ليؤكد محورية ذلك السياق الإقليمي.  إذ لم يصدر القرار بشكل منفرد من جانب السعودية أو الإمارات، وإنما اشتركت فيه ثلاث دول خليجية بشكل متزامن (السعودية، والإمارات، والبحرين)، ودولتان عربيتان (مصر، ثم اليمن)
 
دوافع متشابكة:
 
بقراءة البيانات الصادرة عن الدول الخمس التي قطعت علاقاتها مع قطر، يمكن ملاحظة أن ثمة قواسم مشتركة بينها وراء الإقدام على هذه الخطوة. وتشمل:
 
- التدخل في الشئون الداخلية، بما يضر بأمن واستقرار الدول الخمس. 
 
- إتباع سياسات وتحركات على المستوى الإقليمي معاكسة للمصالح المباشرة لتلك الدول، وللمصالح العربية بشكل عام، خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقات بين قطر وإيران. وكذلك بالنسبة للملفات والقضايا العربية، ودول النزاعات المتفجرة في المنطقة، مثل ليبيا وسوريا واليمن.
 
- تصنيف سياسات قطر بأنها مخالفة لما اتفق عليه في قمة الرياض التي انعقدت في 21 مايو الماضي. بشأن التنسيق والتعاون الخليجي-الإسلامي- الأمريكي لمكافحة الإرهاب.
 
- عدم التزام قطر ببنود التفاهمات السابقة مع دول الخليج، بعد أزمة سحب السفراء من الدوحة. 
 
والواضح أن ثمة توافقاً حول الأسباب الموجبة لرد الفعل المُتخذ تجاه قطر. لذا، عكس القرار ذلك التوافق، بتزامن توقيت اتخاذه بين أربع دول (مصر، السعودية، الإمارات، البحرين) قبل أن تنضم إليهم اليمن بعد ساعات. كما تجسد ذلك التوافق في وصول تلك الدول إلى ذات الاقتناع بضرورة اتخاذ إجراءات عملية قوية تجاه السياسات القطرية. 
 
تداعيات متدرجة:
 
كما كان للسياق الإقليمي حضوره في أسباب قطع علاقات الدول الخمس مع قطر، فسيكون أيضاً الأكثر تجسيداً لتداعيات ونتائج تلك الخطوة. ويمكن النظر إلى تلك النتائج على مستويين: أولهما، الإقليمي الفرعي وهو النطاق الخليجي. والثاني هو الإقليمي الرئيسي الذي يشمل دول المنطقة العربية إضافة إلى دول الجوار.
 
* النطاق الخليجي:
 
لأي تطور داخلي أو بيني على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي تداعيات ونتائج تمس مباشرة وضع مستقبل دول المجلس كل على حدا، وكذلك المجلس ككيان إقليمي. 
 
من شأن حالة الانقسام الخليجي- الخليجي، أن تنتقص من فعالية مجلس التعاون كتنظيم إقليمي يفترض أنه يؤطر مصالح وأهداف أعضائه. حيث إن سلبيات خروج أي دولة عن هذا الإطار العام، تنعكس بالضرورة على المجلس ككل، بدءاً بالدولة أو الدول التي تكسر هذا الإجماع. 
 
المعنى، أن قطر ستكون أكثر الدول تأثراً بردود الفعل الخليجية على سياساتها. كما أن استمرارها في ذلك  النمط من التحركات المنفردة سيؤدي في المدى المتوسط إلى تأثر كيان مجلس التعاون تحت القطيعة الخليجية.
 
 *  النطاق العربي:
 
رغم ما قد يبدو من طابع مفاجئ للإجراءات المتخذة بحق قطر، فإن سياقها الإقليمي يكشف أنها مرتبطة بسلسلة من التحركات والمواقف القطرية المتراكمة خلال السنوات القليلة الماضية. وبوصول ردود الفعل الخليجية والعربية إلى حد قطع العلاقات، فإن المتوقع أن يدفع ذلك الدوحة إلى تعديل طريقة إدارة بعض الملفات الإقليمية، في اتجاه أكثر استجابة للمطالب والتفاهمات العربية.
 
  ويسري هذا على الملفات المتأزمة في المنطقة، خصوصاً ليبيا واليمن وسوريا، خاصة ما يتعلق بتحركات تعزيز النفوذ وبناء شبكات مصالح وقوى داخلية في تلك البؤر الثلاث. أما بالنسبة للتعاون القطري الإيراني، فربما تكون النتائج مختلفة. حيث يمكن بسهولة توقع أن تبادر طهران إلى مساندة الدوحة وربما تحريضها على مزيد من الابتعاد عن الإطار العربي والخليجي. 
 
غير أن فعالية وتأثير القطيعة الخليجية والعربية لقطر، بما تعنيه من عزلة إقليمية وخسائر اقتصادية، ربما تدفع الدوحة إلى مراجعة حساباتها، وإعادة النظر في سياساتها الإقليمية لتصبح أكثر اتساقاً مع المصالح الخليجية والعربية.

رابط دائم: