لماذا يصعب القضاء على جماعة بوكو حرام؟
29-5-2017

علي بكر
* نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة
أثارت المقايضة، التي أجرتها جماعة "بوكو حرام" النيجيرية في مايو الجاري(2017 ) بإطلاق سراح 82 من إجمالي 276 فتاة كانت قد اختطفتهن قبل ثلاث سنوات، مقابل الإفراج عن عدد من مقاتليها، تساؤلات حول عوامل القوة والضعف لهذه الجماعة، وما يمكنها من البقاء في هذا البلد. 
 
فبينما تدلل تلك المقايضة على أن الحكومة النيجيرية لم تستطع القضاء على "بوكو حرام"، الأمر الذي دفعها للتفاوض معها، ففي المقابل، أعطى ذلك الأمر مؤشرا– لدى بعض المراقبين- على تراجع نسبي لتلك الجماعة التي تعاني انقسامات داخلية، وإن ظلت مستفيدة في بقائها من نقاط ضعف تعانيها الدولة النيجيرية ومؤسساتها.
 
عوامل القوة:
 
ثمة عوامل قوة مكنت "بوكو حرام"من البقاء، وتكريس نفوذها في نيجيريا، بما يصعب من القضاء عليها، ومنها:
 
 (*) المعاقل الحصينة: تمكنت "بوكو حرام" من استغلال الطبيعة الجغرافية في نيجيريا، مثل انتشار المستنقعات، والغابات في بناء معاقل حصينة، يصعب الوصول إليها من قبل الجيش، نظرا لصعوبة استخدام العربات والمركبات في تلك المناطق، إضافة إلى قيام مقاتلي "الجماعة" بزراعة الألغام والمتفجرات حول تلك المعاقل.
 
وتعد غابة "سامبيسا"، التي تقع شمال شرقي نيجيريا، من أشهر المناطق التي تتخذها الجماعة، كمعقل رئيسي ومكان آمن للاحتفاظ بالمختطفين من الفتيات والأطفال.
 
(*) الاعتماد على مجموعات صغيرة، حيث تقوم غالبية أنشطة "بوكو حرام" الإرهابية على المجموعات الصغيرة، ذات الأسلحة الخفيفة، مثل بنادق الكلاشينكوف، والقذائف الصاروخية وبعض أنواع القنابل، والتي يسهل التنقل بها، مما يمنحها خفة الحركة، وسرعة العودة إلى معاقلها، لاسيما أن مقاتليها يجيدون التحرك داخل المستنقعات، فضلا عن قدرتهم على العيش في ظروف صعبة، إضافة إلى امتلاكهم خبرات تنظيمية في مجال العمليات الإرهابية.
 
(*) تنوع الموارد البشرية: حيث أن أعضاء "بوكو حرام" يتراوح عددهم ما بين أربعة وستة آلاف مقاتل- بحسب بعض التقديرات- وهو عدد كبير مقارنة بالتنظيمات الأخرى. إلا أن أهم ما يميز هذا العدد هو التنوع القائم بداخله، حيث يوجد في صفوف الجماعة مقاتلون من النيجر وتشاد، كما تضم أعدادا من الأطفال والنساء، ويتم استخدام بعضهم في العمليات المسلحة، مثل الهجوم الانتحاري على جامعة "ميدوجوري" بولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا، في منتصف يناير 2017، والذي نفذته فتاتان انتحاريتان، لم يتعد عمراهما اثني عشر عامًا.
 
(*) مبايعة "داعش": فبرغم أن "بوكو حرام" تملك خطابا دينيا متشددا يلقى إقبالا من بعض الشباب للانخراط في صفوفها، فإن مبايعتها لتنظيم "داعش" أسهم في جذب أعداد أكبر لها، بما وسع من انتشارها في نيجيريا، سواء بسبب دعم التنظيم الأم في العراق وسوريا، أو تزايد أعداد مقاتليها، نظراً لأنها أصبحت قبلة الشباب المؤمنين بالفكر "الداعشي" الإرهابي في غرب إفريقيا، وليس في نيجيريا فقط، ولا يستطيع الالتحاق بـ"داعش الأم". وأسهم ذلك في نقل أنشطتها داخل دول الجوار النيجيري. 
 
(*) تعدد مصادر السلاح: فمن أهم عوامل قوة "بوكو حرام" تعدد مصادر السلاح بالنسبة لها. فإلى جانب تصنيع الجماعة لبعض الأسلحة، مثل المصانع الذي تم الكشف عنها، في نوفمبر 2015، لتصنيع الصواريخ شمال شرقي نيجيريا، فإن الجماعة تقوم بشراء الأسلحة من دول الجوار، عبر وسطاء يعملون لمصلحة بعض الجنرالات في جيوش هذه الدول. أضف لذلك شراء الجماعة للسلاح من داخل الجيش النيجيري، حيث كشف أحد قادة المؤسسة العسكرية، خلال مؤتمر صحفي في سبتمبر 2016، أن بعض الجنود يبيعون الأسلحة إلى "بوكو حرام". كما أن هجمات الجماعة على بعض معسكرات الجيش تمكنها من الاستيلاء على كميات من الأسلحة، كما حدث في هجومها على معسكر "جوزا" بولاية "بورنو" في فبراير 2014.
 
  (*) شبكة العلاقات الخارجية: برغم حالة الانقسام التي ضربت بوكو حرام، إثر الإطاحة بقائدها السابق "عبد الله شيكاو"، وانقسامها لفريقين، فإن كلا منهما يملك علاقات جيدة مع بعض التنظيمات الإرهابية الخارجية. فمجموعة "أبى مصعب البرناوي" لها علاقات مع المجموعات الداعشية في منطقة الساحل والصحراء، مثل مجموعة "أبى الوليد الصحراوي"، وكذلك المجموعات التابعة للتنظيم في ليبيا. 
  
  أما مجموعة "عبد الله شيكاو"، فتتمتع بعلاقات جيدة مع المجموعات "القاعدية" في غرب إفريقيا، والتي اتحدت أخيرا مع بعض المجموعات القريبة منها فكريا، تحت مسمى جماعة "أنصار الإسلام والمسلمين"، والتي أعلن عنها  في مارس 2017، وهو ما منح الجماعة بشقيها قدرا من الدعم الجهادي الخارجي، يمكنها من الاستمرار لفترة طويلة.
  
عوامل الضعف:
 
برغم عوامل القوة التي تتمتع بها "بوكو حرام"، فإنها تعاني عوامل ضعف ربما دفعتها إلى التفاوض مع الحكومة النيجيرية في المقايضة السالف ذكرها، ومنها مثلا:
 
(*) الانقسام الداخلي: حيث تعاني "بوكو حرام"، منذ أغسطس 2016، حالة انشقاق داخلي، عقب إعلان تنظيم "داعش" الأم في العراق وسوريا تعيين "أبى مصعب البرناوي" قائدا جديدا للجماعة، بديلا عن "عبد الله شيكاو"، الذي رفض ذلك الأمر، وأعلن انشقاقه مع مجموعة مقاتلين. وأضعف ذلك الجماعة نسبيا، خاصة أن هذا الانقسام قد يتحول مستقبليا إلى صراع بين الطرفين من أجل السيطرة على الجماعة.
 
(*) سياسة الحكومة النيجيرية: فبرغم أن الجيش النيجيري يشن العديد من الهجمات على "بوكو حرام"، خاصة في غابة"سامبيسا"، وكان آخرها في 28 ابريل 2017، وأسفر عن مقتل 15 من مقاتلي الجماعة، فإن الرئيس محمد بخارى اختار نهجا جديدا في التعامل مع الجماعة، إلى جانب العمليات العسكرية، إذ يرفض بشدة دفع فدية مالية للجماعة، وإنما يعتمد على المفاوضات والصفقات، والتي يرى أنها إحدى وسائل درء خطر "بوكو حرام".
 
(*) ضربات دول الجوار النيجيري: كثفت دول الجوار ضرباتها ضد "بوكو حرام، مما أثر في تماسك بعض مقاتليها، حيث أعلنت السلطات التشادية في نوفمبر 2016 عن استسلام المئات من مقاتلي الجماعة، في منطقة بحيرة تشاد، مرجعة ذلك إلى قوة نيران عملياتها العسكرية ضد "بوكو حرام". كما أعلنت الكاميرون في يناير 2017 عن مقتل ما يقرب من مئة عنصر من الجماعة.
 
معضلة الدولة:
 
ما بين عوامل قوة وضعف "بوكو حرام"، يرجع عدم القدرة على القضاء على هذه الجماعة إلى نقاط ضعف خاصة بالدولة النيجيرية تحديدا، ومنها: 
 
(*) أزمات المؤسسة العسكرية: حيث تستمد "بوكو حرام" جزءا كبيرا من قوتها من أزمات الجيش النيجيري، مثل عدم التسليح المناسب لمواجهة هذه الجماعة. ولعل ذلك هو ما دفع الرئيس "بخاري"، في يوليو 2015، إلى التصريح "بأن إصرار الولايات المتحدة على عدم تسليح الجيش النيجيري أشبه ما يكون بتقديم مساعدة لقوات "بوكو حرام" بشكل غير مقصود".
 
يضاف إلى ذلك انخفاض الروح المعنوية للجنود، مما أدى إلى انتشار ظاهرة فرارهم، وعدم الحفاظ على الأسلحة والمعدات، وتركها غنيمة للجماعة. كما أن الانتهاكات التي يقوم بها الجيش غالباً ما تصب في مصلحة "بوكو حرام"، لأنها تخلق حالة من الكراهية ضده من قبل العديد من المواطنين، الأمر الذي يدفعهم إلى عدم مساعدة الجيش، حتى وإن كانوا لا يدعمون تلك الجماعة. 
 
(*) الهشاشة الحدودية: حيث يلاحظ اعتماد "بوكو حرام" في أنشطتها داخل دول الجوار النيجيري على عدم قدرة تلك الدول على ضبط حدودها، نظرا لطولها، وصعوبة تضاريسها، وضعف إمكانيات جيوش المنطقة، مما يسمح لمقاتلي الجماعة بالتسلل إلى داخل الدول للقيام بعمليات إرهابية. ومن أمثله ذلك استهداف "بوكو حرام" دورية مشتركة من الجنود النيجريين والتشاديين في منطقة بحيرة تشاد جنوب شرقي النيجر، في 31 مارس 2017، والتي أسفرت عن مقتل جندي وإصابة 11 آخرين بجروح.
 
(*) الصراع الطائفي: حيث تلعب الصراعات الطائفية دورا مهما في تنامي أنشطة "بوكو حرام"، لاسيما في ظل العنف المتبادل بين المسلمين والمسيحيين في العديد من القرى النيجيرية، حيث تستغل الجماعة تلك الصراعات في طرح نفسها كمدافع عن الإسلام، مما خلق نوعا من التعاطف معها من بسطاء وفقراء المسلمين في المنطقة. ويترجم ذلك إلى تقديم أنواع متعددة من الدعم والمساعدة للجماعة، فضلا عن انخراط بعضهم في صفوفها، بما يوفر لها حاضنة شعبية مناسبة، تساعدها على الاستمرار.
 
أخيرا، يبدو أن فشل الحكومة النيجيرية في القضاء على "بوكو حرام"- برغم وجود بعض نقاط الضعف لديها- يعود بشكل أكبر إلى معضلة الدولة ومشكلاتها في هذا البلد. وبالتالي، سيتوقف القضاء عليها على مدى قدرة الحكومة على التغلب على نقاط ضعفها بالأساس، إضافة إلى حدود تعاونها مع القوى الدولية والإقليمية لمحاصرة الجماعة، وتجفيف مواردها الخارجية، لاسيما أن خطرها أصبح يهدد منطقة غرب إفريقيا بأكملها، لا نيجيريا وحدها.

رابط دائم: