المبادرات السياسية في اليمن بين السلام والفوضى
27-3-2017
كادت التسوية السياسية في الجمهورية اليمنية تكون نموذجا يحتذي به في الانتقال شبه السلمي للسلطة بين الدول التي اجتاحها ما يسمي ثورات الربيع العربي، بعد أن اتفقت الأطراف والقوي المتصارعة على المبادرة الخليجية، وآليتها التنفيذية في نوفمبر 2011، والتي رسمت أنضج خريطة طريق لتجاوز حالة الصراع العدمي الذي لم يتمكن أي من الأطراف حسمه لمصلحته.
 
وباتت المبادرة الخليجية طوق النجاة، حيث أنقذت نظام صالح، ومنحته الحصانة، ووفرت له الوقت ليعيد ترتيب صفوفه، وتحالفاته السياسية، والقبلية، والعسكرية، في الوقت الذي خاضت فيه القوي السياسية، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مارثونا شاقا للانتقال من خطوة لأخرى لتنفيذ أجندة هذه المبادرة وآليتها التنفيذية، بدءا بتشكيل الحكومة، وانتخاب رئيس توافقي، مرورا باللجان الفنية للإعداد لمؤتمر الحوار، والصعوبات الجمة التي واجهتها، وصولا إلي اتفاق مختلف القوي، والأطراف، والمكونات السياسية والاجتماعية على وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي مر بصعوبات وعراقيل كادت تفجر الأوضاع السياسية.
 
وقد شكلت هذه الوثيقة الحد الأدنى من التوافقات السياسية التي أقرت شكل الدولة الاتحادية، القائمة على النظام الفيدرالي المكون من ستة أقاليم. وبغض النظر عن مدي رجاحة هذا التوجه لشكل الدول، أو الاختلافات على عدد الأقاليم، أو تقسيماتها الجغرافية، فإن حقيقة التقدم في المسار السياسي كان محل دعم وإعجاب المجتمع الدولي، خصوصا عقب تشكيل لجنة الدستور، والانتهاء من مسودته، والتي كانت قاب قوسين أو أدني من الاستفتاء عليها. 
 
إلا أن حسابات المصالح دفعت الرئيس اليمني السابق صالح لاستغلال تأثيره في معظم وحدات الجيش القائمة على الولاء الشخصي، والمناطقي، والقبلي، مستفيدا من تقاطع المصالح مع الحركة الحوثية في تصعيد المشهد السياسي، وتأزيمه بالخلافات للانتقام من الخصوم، والمزايدة على الأوضاع الاقتصادية لإفشال التسوية السياسية، وإعاقة المرحلة الانتقالية، من خلال السيطرة على المحافظات والمعسكرات بالقوة المسلحة، وصولا إلي إسقاط العاصمة، ومؤسساتها السيادية.
 
دفع هذا المشهد إلي تأزيم التحول السياسي في اليمن، وعدم استكمال المرحلة الانتقالية، قبل الاستفتاء على الدستور، والإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية، نتيجة سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء في 21 سبتمبر2014، وفرضهم لشروطهم فيما عرف بـ"اتفاق السلم والشراكة"، الذي جاء بناء على اتفاق المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر مع الحوثيين، وانصاعت له القوي السياسية، والرئيس هادي، دون إبداء الرأي، أو الرفض، أو الامتناع. وحرص الحوثيون - بعد توقيع الاتفاق - على سيطرة لجانهم الثورية على جميع وزارات ومؤسسات الدولة، ومن ثم السيطرة على باقي المحافظات.
 
دخل اليمن مرحلة جديدة من التسويات القائمة على اتفاق الأمر الواقع، والتي أوصلته إلي صدام مباشر بين المجموعات المسلحة لجماعة الحوثي، والدولة، واستهداف الرئيس اليمني هادي في يناير 2015، في ظل توسع عسكري على الأرض، الأمر الذي أدي إلي بدء عمليات عسكرية، عبر تحالف عسكري عربي "عاصفة الحزم"، تقوده المملكة العربية السعودية، بعد أن أصبح أمنها القومي وحدودها الجنوبية مهددين بشكل مباشر.
 
فقد دفعت هذه التطورات الرئيس اليمني إلي طلب التدخل العسكري الإقليمي والدولي، وطالب مجلس الأمن الدولي، في 24 مارس 2015، بالتدخل العسكري السريع لفرض منطقة حظر طيران في المواقع والمطارات التي يسيطر عليها الحوثيون. كما دعا دول مجلس التعاون الخليجي لوقف التمدد الحوثي، المسنود من إيران، وحماية المصالح الحيوية. وجاء الرد الخليجي سريعا ومتناغما مع الطلب اليمني بالتدخل العسكري.
 
الحدود السياسية:
 
أصدر المجلس القرار (2216)  في أبريل 2015، بإجماع أربعة عشر عضوا، وامتناع روسيا عن التصويت. وتضمن فرض عقوبات، وتجميد أرصدة، وحظر سفر إلي الخارج على زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، وأحمد على عبدالله صالح، نجل الرئيس السابق، المتهمين بـتقويض السلام، والأمن، والاستقرار، وحظر توريد الأسلحة، والعتاد، ووسائل النقل العسكرية إلي عدد من الشخصيات المتورطة في الانقلاب على الشرعية، في إشارة إلي أنصار حركة الحوثيين، والقوات الموالية لصالح.
 
ورسم القرار الإطار الرئيسي لإعادة المسار السياسي، واستكمال المرحلة الانتقالية، من خلال مطالبته للحوثيين بوقف القتال، وسحب قواتهم من المناطق التي فرضوا سيطرتهم عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والكف عن استخدام العنف، وتسليم جميع الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية، والامتناع عن الإتيان بأي استفزازات، أو تهديدات للدول المجاورة.
 
كما نص القرار على دعوة جميع الأطراف اليمنية إلي الالتزام بالمبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن، وتسريع المفاوضات للتوصل إلي حل توافقي، والتنفيذ الكامل للاتفاقات المبرمة. وهذا ما أكد أن المرجعيات الأساسية، المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار، والقرار الأممي 2216- ظلت المنطلق الحقيقي لإحلال السلام في اليمن.
 
وفي خضم تلك المبادرات، لا يمكننا أن نغفل الأهداف السياسية التي حاول التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، تحقيقها على المستويين العسكري والسياسي، ويأتي في مقدمتها، استعادة الشرعية اليمنية، واستكمال العملية السياسية. بيد أن الأهداف التي عمل على تحقيقها التحالف، بقيادة السعودية، سعت إلي حماية الأمن القومي الخليجي من تمدد النفوذ الإيراني، وتشكيل نواة لتحالف عسكري ضد هذا النفوذ.
 
ومنذ الأيام الأولي للعمليات العسكرية في مارس2015، لم تتوقف المساعي والمبادرات السياسية من جانب السعودية، والأمم المتحدة، وسلطنة عمان، والتي نستعرضها على النحو الآتي:
 
1- مؤتمر الرياض مايو 2015: عقد مؤتمر الرياض بناء على طلب الرئيس اليمني نقل الحوار بين القوي السياسية إلي الرياض ليكون تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وإشراف الأمم المتحدة. وكان ذلك أول المساعي للعودة إلي المسار السياسي، بعد رفض الحوثيين والموالين للرئيس السابق حضور المؤتمر. ووافقت الرياض على تنظيمه في إطار التمسك بالشرعية، ورفض الانقلاب، وشارك فيه أكثر من (400) شخصية من مختلف القوي، والمناطق، والمحافظات اليمنية.
 
وكان عقد المؤتمر ضرورة بالنسبة إلي الرياض، لكي تؤكد شرعية عملياتها العسكرية التي تنطلق من إجماع وطلب سياسي وشعبي، وليكون رسالة سياسية للإقليم والدول الكبري باتفاق كثير من السياسيين اليمنيين على موقف واحد تجاه العمليات العسكرية. وسار المؤتمر نحو تشكيل جبهة واسعة لمواجهة الانقلاب، ودعم الشرعية، واستعادة الدولة ومؤسساتها. في المحصلة، لم تأت "وثيقة الرياض" بجديد، وإنما أكدت المرجعيات الرئيسية لحل الأزمة.
 
2-  مؤتمر جنيف يونيو 2015:  جاء مؤتمر جنيف عقب مؤتمر الرياض بشهر واحد، وبعد تأجيله لعدة مرات بسبب تمسك الحكومة بضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن رقم (2216)، وإصرار الحوثيين على وقف الحرب أولا. بينما أكدت الأمم المتحدة أن المشاركة في مؤتمر جنيف تأتي دون شروط مسبقة من أي طرف، حرصا منها على إعادة إطلاق عملية سلمية انتقالية شاملة على أساس القرارات الصادرة من مجلس الأمن الدولي. وبعد ثلاثة أيام من المفاوضات غير المباشرة، أعلن وزير الخارجية اليمني انتهاء مؤتمر جنيف دون التوصل إلي أي اتفاق. وكانت دلالات هذا الإخفاق واضحة في أن العمليات العسكرية ضد الحوثيين لم تكن كافية لإحداث تغيير في سلوكهم.
 
3-  جولات مسقط التفاوضية 2015- 2016: لعبت سلطنة عمان، ولا تزال منذ اليوم الأول للأزمة، دورا على محاور مختلفة، على المستوي السياسي تحديدا، واستقبلت قيادات جماعتي الحوثي وصالح لعقد لقاءات مع مختلف الوسطاء والمسؤولين الدوليين. وهذا ما منح عمان القدرة على إدارة جهود التهدئة، والإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة مع كل الأطراف، والتي من شأنها الإسهام في تسوية الأزمات. وقد حققت لقاءات مسقط بعض التقدم في مسار إقناع الحوثيين بالمشاركة في جولات تفاوضية وتشاورية مع وفد الحكومة الشرعية.
 
4-  مؤتمر بيل ديسمبر 2015: بدأت جولة المشاورات في مدينة بيل السويسرية التي خاضها الوفد الحكومي، ووفد الحوثيين والموالين للرئيس السابق صالح، في 15ديسمبر .2015 وكانت هذه الجولة نسبيا أكثر تنظيما من سابقتها، إلا أن نتائجها كانت مخيبة للآمال. تجلي ذلك في رفع أعمال الاجتماع دون التوصل إلي أي حلول، أو مؤشرات لبناء الثقة بين الطرفين، وهذا ما دفع المبعوث الأممي لدي اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، إلي التصريح بأن جولة هذه المشاورات لفّها التسرع، ونتج عنها بعض الأخطاء، ولابد من تفاديها في الجولات المقبلة.
 
وقد سبقت هذه الجولة مشاورات غير مباشرة بين الوفد الحكومي، ووفد الحوثيين وصالح مع المبعوث الدولي، استمرت قرابة شهر ونصف شهر، لتحديد الأسس التي تنطلق منها. وتوصل الأطراف، بعد خلاف كبير، إلي الاتفاق على جدول الأعمال، وعلى اللائحة التنظيمية لتشكيل الوفود، من خلال تحديد ثمانية عشر مندوبا، مقسمين كمفاوضين، ومستشارين، وفنيين. وتم تحديد أربع نقاط تدور بشأنها المباحثات، وهي: تنفيذ قرار مجلس الأمن (2216)، واستكمال تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، ويسبق ذلك خطوات بناء الثقة عن طريق الإفراج عن المعتقلين والانسحاب من المدن، وتيسير تقديم الإغاثة الإنسانية للمناطق المتضررة. وقد سبق المفاوضات سريان وقف إطلاق النار.
 
5-  حوار سعودي-حوثي مارس- أبريل 2016: سعت المملكة العربية السعودية إلي التقدم خطوة باتجاه التفاهمات السياسية المباشرة مع جماعة الحوثي. حيث أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في  مارس 2016، أن مشاورات متواصلة تجري مع الوفد الممثل لجماعة الحوثي في السعودية. وقد نتج عنها تبادل الأسري، وتهدئة المواجهات على المناطق الحدودية، ونزع الحوثيين للألغام في المناطق الحدودية. وسبق ذلك، بحسب المصادر، تحضيرات ولقاءات سرية تمت عبر وسطاء قبليين يمنيين.
 
وفسر هذا التحول في الحوار المباشر بين السعودية والحوثيين بأنه ضغط دولي باتجاه إيقاف الحرب، اضطر السعودية إلي اتخاذ خطوات ومواقف مختلفة باتجاه تحقيق مصالحها، وإيجاد نافذة للتواصل مع مختلف القوي والأطراف اليمنية. في حين يري بعض الخبراء أن الحوثيين أدركوا أن استنزاف الجبهة الحدودية للأفراد والعتاد كان ذا أثمان عالية أثرت في مجريات المواجهات في الداخل اليمني، مما دفعهم إلي تحييد الجبهة الحدودية للتفرغ على ما يبدو للجبهات الداخلية، وكان لذلك تأثير سلبي في قواعد الحوثيين.
 
6- مشاورات الكويت للسلام أبريل 2016: مهد الحوار السعودي-الحوثي الأجواء لمشاورات الكويت التي عقدت في 18 أبريل 2016 بشكل إيجابي. وبالرغم من الجهود الشاقة التي بذلها المبعوث الأممي على مدي أشهر طويلة، منذ آخر لقاء بين وفدي الحكومة الشرعية وجماعتي الحوثي وصالح في ديسمبر 2015، فإن الأجواء التي سبقت مشاورات الكويت كادت تفشل عقد اللقاءات، بعدما تأخر وفد الحوثيين والموالين للرئيس السابق عن حضور افتتاح المشاورات لثلاثة أيام، معللين ذلك بضرورة تثبيت وقف إطلاق النار.
 
وبالرغم من كل التحضيرات التي سبقت جولة الكويت، فإن الخلاف كان سيد الموقف، وفشل طرفا التشاور منذ البداية في الاتفاق على جدول الأعمال، وكان لذلك أثره المباشر على كل مسارات المشاورات على مختلف المستويات السياسية، والعسكرية، والإنسانية، خصوصا فيما يتصل بأولويات وترتيب مناقشة جدول الأعمال، بين الانسحاب من المدن، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة الذي كان الوفد الحكومي يصر عليه، والبدء بالمسار السياسي الذي كان يحاول وفد جماعتي الحوثي وصالح جعله أولوية. حيث كان يسعي لتشكيل حكومة جديدة تمثل جميع الأطراف، تشرف هي على نزع السلاح، وتستكمل باقي إجراءات بناء الثقة، والترتيبات الأمنية، والإفراج عن المعتقلين.
 
وبعد مفاوضات استمرت أكثر من ثلاثة أشهر، لم يتوصل كل من طرفي الحكومة الشرعية، وجماعتي الحوثي وصالح  إلي اتفاق، وتبادلا الاتهامات، في حين كان وفد الحكومة اليمنية قد أبدي استعداده، بل ووقع الوثيقة التي صاغها المبعوث الأممي، والقاضية بتزامن المسارين السياسي والعسكري على الأرض، بينما رفض وفد جماعتي الحوثي وصالح، وأكد -على لسان محمد عبدالسلام، رئيس الوفد المشترك لجماعتي الحوثي وصالح- "أنهم لن يقبلوا حلا سياسيا يتضمن وجود الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي". وبهذه النتيجة، أسدل الستار على أهم جولات التشاور السياسي بين طرفي الصراع في اليمن، لتفضي إلي استمرار الفوضي، وتفاقم الوضع الإنساني الصعب.
 
واكتفي المبعوث الأممي ببعض العبارات السياسية على تعليقه على فشل مشاورات الكويت بحسبانها أسست لأرضية صلبة لاتفاق مستقبلي من أجل إنهاء النزاع باليمن، ومعالجة مختلف القضايا الشائكة السياسية، والأمنية، والعسكرية، وأن جلوس الأطراف المتصارعة حول طاولة حوار واحدة يعد إنجازا في حد ذاته لم تعرفه دول أخري تشهد نزاعات مشابهة.
 
ورغم اقتناعات الوسطاء الدوليين بالمرجعيات الرئيسية القائمة على استكمال المباردة الخليجية، وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن رقم (2216) كإطار لإحلال السلام في اليمن، فإن المؤشرات أخذت تتجه نحو ضغوط يمارسها المجتمع الدولي على الحكومة اليمنية الشرعية، لتقديم تنازلات في مسألة المرجعيات الثلاث، في قراءة فُسرت بوجود توجه دولي لمنح جماعة الحوثي دورا سياسيا، وحضورا على الأرض، يفوق الوجود النسبي والجغرافي لهذه الجماعة.
 
مشهد معقد ومبادرات متعثرة:
 
بالرغم من الوضع الإنساني الصعب والمعقد في اليمن، والانهيار الكبير في كل مناحي الحياة الاقتصادية، وإفلاس البنك المركزي اليمني، بعد استنزافه من قبل سلطة الأمر الواقع لجماعتي الحوثي وصالح، فإن المبادرات السياسية لم تتوقف. والمراقب لبعض هذه المبادرات يراها تتحرك نحو شرعنة انقلاب الحوثي وصالح بشكل ما. فالانتقال السياسي من المرجعيات الأساسية، التي أقرتها قرارات مجلس الأمن إلي دائرة أضيق في إطار لجنة رباعية (سعودية-إماراتية-أمريكية-بريطانية)، وتحرك عماني ممنهج ومتماه مع التوجه الأمريكي للحفاظ على الحضور السياسي والعسكري لجماعة الحوثي، يوحي بأن طريقا لما هو أبعد من الصوملة يراد لليمن.
 
ورغم أهمية مشاركة جماعة الحوثي في مستقبل أي تسوية لإحلال السلام في اليمن، بالنظر الي حضورها النسبي والجغرافي، فإن استمرارها بالاستحواذ على عتاد وترسانة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للجمهورية اليمنية، والتي أسهم الرئيس السابق صالح في تسليمها لهم، يضع علامة استفهام كبيرة بشأن التسويات المحتملة.
 
وقد يمثل قصور إدارة الرئيس عبدربه منصور هادي أو حكومته، قبل سقوط العاصمة في يد جماعة الحوثي، سببا لسخط شعبي، أو يقدم فشل إدارة الشرعية لكثير من ملفاتها السياسية، والعسكرية، والخدمية في المناطق المحررة تفسيرا للأطراف الدولية والإقليمية للتفكير بالتخلي عنها. ولكن هذا الاتجاه لن يسهم في حل الأزمة.
 
ولذلك، لا يفيد السعي إلي تسوية، لا تمييز فيها، بين طرف انقلب، وسيطر بالقوة على مساحات كبيرة من الدولة اليمنية، وزج بها في صراع طويل، وأصبح أمرا واقعا، وطرف حاول ويسعي للعمل في إطار دولة هشة.
 
أما آخر المبادرات، التي طرحت عند إعداد هذا التقرير، فهي خطة السلام، التي رسم توجهاتها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في أواخر نوفمبر 2016، وتبني تسويقها المبعوث الأممي إلي اليمن بحماس كبير، بعد إعلان مصادر دبلوماسية يمنية أن وزراء خارجية اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات) أسهموا في صياغتها، والتي تقترح حلا من ثلاثة بنود رئيسية، هي على التوالي: حكومة وحدة وطنية، وانسحاب المسلحين من المدن والمؤسسات، وتسليم السلاح الثقيل لطرف ثالث.
 
وضعت هذه الخطة الحكومة اليمنية أمام خيارات صعبة ومصيرية، بين ما تحمله هذه المبادرة من آمال وفرص محتملة لإنهاء صراع اليمن، وبما تنطوي عليه من مكافأة للحوثيين، المدعومين من قبل إيران، وبين انتظار ما ستأتي به إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب من توجهات لإدارة صراعات المنطقة المشتعلة.
 
وقد انتقد مقربون من الرئيس اليمني هذه الخطة من زاوية أن غرضها الأساسي ليس وضع أسس حقيقية ومتينة لحل شامل سياسيا، وعسكريا، وأمنيا، بل تهدف فقط إلي نزع سقف الشرعية، وبالتالي وضع كل الأطراف المعنية على قاعدة الانفلات، والفوضى، واللادولة.
 
ولكن الواقع يفيد بأن صراع اليمن لم يعد بأيدي اليمنيين وحدهم، ولكنه بات كذلك بيد دول التحالف، الذي تقوده السعودية من جهة، وإيران، الظهير السياسي الاستراتيجي للحوثيين، من جهة أخري. ولذلك، فإن فرص نجاح أي مبادرة تتوقف على الإرادة السياسية للأطراف الخارجية للتوصل إلي حل.

رابط دائم: