نريد قمة «ما العمل؟».. علّها تعيد الأمل
8-3-2017

ناصيف حتى
* كاتب سياسي لبناني
فى نهاية هذا الشهر، تنعقد القمة العربية فى عمان فى دورتها العادية. والقمة التى اتخذت طابعا مؤسسيا سنويا تحولت، وللأسف، إلى موعد موسمى مراسمى. مشاريع قرارات يحضرها وزراء الخارجية فى صياغات توفيقية، عادة ما تتسم بالمناشدات والمطالبات والدعوات والإدانات وتأكيد المواقف. ثم تتكرر بعد ذلك فى القمة فى خطابات قلما تخللها حوار، ليصدر بعدها بيان شامل عمومى حامل لجملة من المبادئ والثوابت المتكررة والمواقف التى تعكس مسايرات اللحظة طالما أن التنفيذ لا يلزم إلا من يريد أن يلتزم به، حتى لو أيّد القرار المعنى على الورق.
 
القمة اليوم تنعقد أمام مشهد عربى مخيف وبائس وخطير: حروب بالجملة تحاصرنا بأشكال مختلفة وبعناوين متعددة. نشهد انهيار دول، فيما أخرى فى الطريق إلى الانهيار، دول تعيش حروبا أهلية وانقسامات حادة تهدد وحدتها الترابية. نشهد تفكك مجتمعات فى ظل تنامى وزن ودور الهويات والعصبيات المتصارعة، من دينية ومذهبية وإثنية. كل ذلك يؤشر على فشل ذريع فى بناء الدولة الوطنية أو على خلل فاضح فى عملية البناء هذه. نشهد انتشار التطرف الذى يحمل خطاب القطيعة والانغلاق والخوف والتخويف من الآخر الشريك فى الوطن. التطرف الذى يشكل بيئة حاضنة ومشجعة ومولدة للإرهاب. 
 
مجتمعات تعيش مخاطر التفكك. حروب مذهبية مستعرة بمسببات وعناوين مختلفة حسب كل إطار وطنى تنخر فى جسم الوطن. حروب ضمن المجتمع الواحد وتدخل فاضح باسم استراتيجيات كبرى أو هويات أهلية متضامنة عبر الحدود تخدم مصالح الكبار. من خليج عدن إلى خليج سرت، يشهد النظام الإقليمى العربى كل يوم مزيدا من الانهيار، تتقاتل على مساحاته الواسعة القوى الكبرى والقوى الإقليمية الجارة، محاولة الاستفادة من حروبه وتسعيرها هنا وهناك خدمة لمصالحها. 
إيران وتركيا تتفاهمان خارج ساحات العالم العربى، وتتنافسان وتتقاتلان وتلتقيان هنا وهناك على مساحاته النزاعية، فيما قدرة الفاعل العربى ضعيفة أو مغيبة بسبب هشاشة التحالفات العربية والخلافات المستعرة التى لم تعد تغطيها بيانات الأخوة والتضامن. المثال الساطع على تغييب العرب الذى سببه أساسا غياب العرب لغياب القدرة العربية الوازنة، المثال الساطع على ذلك اجتماع الأستانة حول سوريا والمسار الذى أطلقه هذا الاجتماع أيا كانت نتائجه. فلم يكن هنالك أى وجود عربى مشارك بالفعل. 
 
نتمنى عشية قمة عمان، وعسى ألا نبقى فى طور الأمانى، رغم غياب أى مؤشرات حول ما نتمناه، نتمنى أن تكون قمة اللاقرار الرسمى التقليدى وأن تكون قمة القرار الفعلى بضرورة الحوار الشامل وفى العمق بين القادة العرب. نتمنى قرارا واحدا، وهو أن يجتمع أصحاب القرار ومن هم على رأس هرم السلطة فى دولنا العربية ليتداولوا بعقل مفتوح ونقدى فى الحالة التى وصل إليها العالم العربى، وهو ما زال فى الطريق نحو مزيد من التفكّك والانهيار. فإذا غرق المركب العربى سيطيح بالجميع ولو فى فترات مختلفة. هذه القناعة ضرورية لبلورة قرار بعقد جلسة مصارحة مفتوحة بين القادة العرب. جلسة مصارحة تنطلق من بعض المسلمات الواقعية:
 
أولا: أن التطابق الكلى والكامل فى وجهات النظر حالة نادرة جدا فى العلاقات بين الدول وفى السياسات الدولية وحتى فى أكبر الأحلاف القائمة. فالاختلاف فى بعض القضايا لا يعنى الخلاف حول الكل.
 
ثانيا: أن البناء على المشترك عبر تفاهمات واضحة يمكن بلورتها بالحوار على أعلى المستويات أمر ممكن، والأمثلة على ذلك كثيرة فى العلاقات بين الدول. إن محاصرة الخلاف يصبح أمرا أكثر من ضرورى وذلك خدمة للمصالح المشتركة لكل الأطراف المعنية.
 
ثالثا: فى كل نظام إقليمى فى العالم، أيا كانت درجة نموه وتطور الحاضنة المؤسسية له، هنالك دائما قوى تقوم بدور قاطرة النظام؛ قوى لها ثقل رئيسى ودور ناشط يعطيها هذه القدرة بأن تحدد أجندة النظام بشكل أساسى وتحدد أولوياته وكيفية التعامل مع هذه الأولويات. هذه القوى تلقى بثقلها وتوفر رؤيتها وتوظف قدراتها للعب دور المبادر والمحرك والجامع والمحفز للأطراف الأخرى لبناء أجندة مشتركة للنظام الإقليمى المعنى.
 
وعليه، أن القوتين العربيتين اللتين عليهما المبادرة للعب دور قاطرة النظام الإقليمى العربى ومنعه من الانهيار الكلى هما مصر والسعودية. وبالتالى فإن المطلوب أولا قمة ثنائية بين هاتين القوتين ووضع جميع الأوراق على الطاولة بغية التوصل إلى تفاهم شامل وفى العمق بينهما لبلورة أجندة أولويات النظام وكيفية التعامل معها وتحفيز القوى العربية الأخرى للانضمام إليهما. 
 
إن التعامل مع الصديق كما مع الخصم من جهة، ومواجهة العدو من جهة أخرى، كما مواجهة التحديات الداخلية المختلفة، تستدعى بلورة هذا التفاهم العربى الواسع للتعامل مع أجندة مثقلة بالتحديات التى يمثل أكثرها تحدٍّ وجودى بالنسبة للعديد من دولنا العربية. تحديات تزداد عددا وتزداد صعوبة وتعقيدا مع مرور الوقت، وتستدعى بالتالى عملا عربيا مشتركا وليس الاكتفاء بخطاب رسمى جماعى موحد. فهل تكون قمة عمان قمة هذا اللقاء الحوار، أم نستمر فى سياسة التفكك والفراق؟
 
-----------------------
نقلا عن الشروق المصرية، 7-3-2017.

رابط دائم: