أطفال الحروب والضمائر الميتة
8-3-2017

مفتاح شعيب
*
نتيجة مفزعة تلك التي استنتجتها منظمة «سيف ذا تشيلدرن»، وأكدت أن واحداً، من كل أربعة أطفال سوريين، معرض للإصابة باضطرابات عقلية بعد معايشة الحرب لست سنوات. ووضعت الدراسة نقاط استفهام كبيرة حول مصير الملايين من الأطفال بعد انتهاء الحرب، وما سيحملونه من آثار سلبية ستواكبهم مع الأجيال.
 
الأطفال السوريون، وإن كانوا هم الأكثر تضرراً، ليسوا وحدهم في هذه المحنة، بل ينضم إليهم أطفال العراق واليمن وليبيا والصومال وأفغانستان، ليصبح الحديث عن عشرات الملايين من الأطفال الضحايا في كل الأحوال، فمن ينجو من القتل في المعارك أو قصف الصواريخ والقنابل، تلحقه عاهة جسدية أو نفسية، وهو ما يجعل الحرب راسخةً في الوجدان، وتكبر مع الطفل حتى يصبح رجلاً.
 
وتقول الدراسة إن هذا الشعور الأليم لدى الأطفال يتحول مع الوقت «إلى إيذاء النفس وتعاطي المخدرات والكحول أو الانضمام إلى جماعات مسلحة»، بمعنى أن عدداً كبيراً من هؤلاء الأطفال سيُدفعون إلى الانحراف، ليكونوا وقوداً لحروب مقبلة في بلدانهم، ومدداً لا ينتهي لعصابات الجريمة وجماعات التطرف والإرهاب. أمّا من يقع تجنيدهم قسراً في ساحات القتال، فمصيرهم أسوأ وتهديدهم أخطر، فالطفل الذي يُجَند بالإكراه وينقاد إلى ساحات الحرب، ولا يؤخذ إلى المدارس لن يتعلم في عمره المبكر غير القتل واستخدام الذخائر الحية، بما سيصنع له مستقبله و«مهنته» إذا تأخرت عنه مبادرات الإحاطة والإنقاذ.
 
ويقع استنتاج هذا المصير من خلال التعاطي مع واقع الحال. وتكشف التحقيقات الاستقصائية أن أطفال الحروب ينجرفون في سنواتهم الأولى إلى رسم دبابات وجثث ومنازل مدمرة وأطفال مثلهم يُذبحون. ومن أقسى الشهادات تلك، المنقولة عن معلم من مضايا السورية المحاصرة، مفادها أن «الأطفال يتمنون الموت للذهاب إلى الجنة والشعور بالدفء، وتناول الطعام واللعب»، ودلالات هذه الشهادة ذات وجوه عديدة، لكنها تشترك في التعبير عن جيل ضائع ربما سيستعصي على الإصلاح والتدارك، طالما استمرت هذه الحروب بلا أخلاق أو ضوابط.
 
الشهر الماضي قدّر تقرير، أن نحو 250 ألف طفل يُجرى تجنيدهم في صراعات تعم 20 دولة، أغلبهم ضمن ميليشيات وجماعات متطرفة. وأكدت منظمة الأمم المتحدة أن ميليشيات الحوثي في اليمن أجبرت نحو 1500 طفل، على حمل السلاح والزج بهم في المعارك.
 
ومن العراق وسوريا أيضاً تتوالى القصص عن قيام الجماعات الإرهابية بحشر آلاف الأطفال في المعارك، وتجنيدهم في مهمات رديفة مثل الجوسسة ونقل الأسلحة والرسائل، وحتى تنفيذ التفجيرات الانتحارية، مثلما فعل إرهابي ذلك بطفلته التي دفعها إلى مركز شرطة بدمشق، وفجرها لتلقى حتفها شاهدةً على هذه القسوة التي لا حد لها.
 
ومع تعدد الروايات المفزعة، يظل المجهول سيد الموقف والأسئلة معلقة، فلا إجابات شافية عن انتهاء هذه الحروب والمآسي، ولا بوادر صحوات فعلية في الضمائر الميتة لحماية الأجيال المقبلة من مصائب هذا الجيل. فقد تستحق معالجة تأثيرات الحروب على الأطفال الأولوية على غيرها، ذلك أن وقف الحرب، اليوم، لن يمنع ثقافتها وسمومها من الانتقال والنمو مع الأطفال، حتى يصبحوا رجالاً، وأي رجال، ما يعني أن البلدان الموبوءة بالحروب لن تحقق سلامها الدائم أبداً، ما دام أطفالها ضحايا ومضطهدين، ولم يعرفوا في حياتهم غير الحرب ورائحة الموت والدم.
 
-----------------------
نقلا عن دار الخليج، 8-3-2017.

رابط دائم: