التحركات المغربية تجاه إفريقيا.. الأهداف والقيود
8-3-2017

باحث في شئون الشمال المغربي- مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
* باحث في شئون المغرب العربي - مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
جاءت عودة المغرب إلى "الاتحاد الإفريقي" في يناير الماضي لتشكل دفعا لسياسة هذا البلد إزاء القارة السمراء، خاصة في ظل تحركات وجولات ملكية استهدفت دعم النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي، وتعزيز العلاقات مع دول القارة، خاصة جنوب الصحراء. 
 
كما سعت المملكة إلى مضاعفة أعداد الممثلين الدبلوماسيين في القارة، وتعزيز دور الدبلوماسية الدينية في الغرب والشرق الإفريقي، أضف لذلك مطالبتها بالانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).
 
وتطرح هذه التحركات المغربية تجاه إفريقيا تساؤلات حول أشكالها ودوافعها، ومدى قدرتها على تحقيق أهداف سياستها الخارجية، في ضوء إعادة تنشيط منافستها الجزائر في منطقة المغرب العربي لدورها في القارة أيضا.
 
تحركات متعددة:
 
أخذت التحركات المغربية نحو القارة الإفريقية عدة أشكال، جمعت بين ما هو اقتصادي ودبلوماسي، سواء على مستوى الدول، أو المنظمات الإقليمية الفاعلة في القارة، وذلك على النحو الآتي:
 
 أولا- تحركات على مستوى الدول: وتضمنت مجموعة من الأبعاد الأساسية، من أبرزها:
 
 - تنشيط دبلوماسي: حيث تنوعت هذه التحركات المغربية بين تنشيط دبلوماسي على مستوى القمة، وآخر لزيادة التمثيل الدبلوماسي المغربي في قارة إفريقيا. فعلى سبيل المثال، زار الملك محمد السادس عدة دول في غرب إفريقيا، كان آخرها كوت ديفوار في فبراير الماضي لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
 
 وركزت تلك الجولات خلال عامي 2016 و2017 على الدول الداعمة لجبهة البوليساريو. فقد قام الملك محمد السادس بجولة شملت خمس دول إفريقية، هي السنغال، ومالي، وكوت ديفوار، وغينيا، والجابون". ثم اتسعت جولاته باتجاه شرق إفريقيا، خاصة إثيوبيا، وتنزانيا، ورواندا، وذلك بهدف توظيف المصالح الاقتصادية لتقوية موقف المملكة من ملف الصحراء. بموازاة ذلك، أجرى ملك المغرب أكبر حركة تغيير دبلوماسية في أكتوبر الماضي عبر تعيين سبعين سفيرا جديدا، من بينهم 18 في دول إفريقية.
 
- تحركات اقتصادية: فقد وقع المغرب مع دول إفريقيا جنوب الصحراء  104 اتفاقيات تعاون في المجالات التجارية والاستثمار، بمشاركة القطاع الخاص المغربي، خلال الفترة من مارس 2013 حتى فبراير 2017 . انقسمت الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها المغرب مع تلك الدول إلى مستويين، الأول اتفاقيات دخلت حيز التنفيذ، ومن أهمها اتفاقيات تعزيز وحماية الاستثمارات المتبادلة المبرمة مع الجابون، وموريتانيا، والسودان، واتفاقية بشأن تجنب الازدواج الضريبي وقعت مع السنغال.
 
 أما المستوى الثاني، فيتعلق باتفاقيات في حيز التنفيذ، وتم توقيع العدد الأكبر منها مع دول غرب إفريقيا في قطاعات الصحة، والتعليم، والزراعة، والثروة الحيوانية، ومصائد الأسماك، والسكن الاجتماعي. وكان نصيب كوت ديفوار منها 6 اتفاقيات، وغينيا 21 ، والجابون 24، بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات في الكهرباء، والطاقة، والغاز، وصناعة الأسمدة في كل من مالي، والسنغال، وإثيوبيا.
 
- توسيع الدور الديني، حيث حرصت المملكة خلال الأعوام الأخيرة على الاستفادة من مرتكزاتها الدينية والصوفية في دعم دورها الإفريقي، من خلال إعادة صياغة علاقات جديدة مع الزاوية القادرية في منطقة غرب إفريقيا، وإطلاق منتدى الطريقة التيجانية بمدينة فاس في مايو 2014. 
 
كما قامت بتدريب وإعداد ما يقرب من 1200 إمام من دول غرب إفريقيا منذ تدشين الملك لمعهد محمد السادس لتدريب الأئمة في مارس 2015، بالإضافة إلى إصلاح وتحديث العديد من المدارس القرآنية في الغرب الإفريقي، كان آخرها تعليمات الملك لوزارة الأوقاف المغربية بتقديم دعم مالي لإصلاح المدارس القرآنية في ساحل العاج في أثناء زيارته الأخيرة لها في نهاية فبراير الماضي. 
 
ثانيا- تحركات على مستوى المنظمات الإقليمية: 
 
ومن أبرز هذه التحركات المغربية، في هذا الخصوص، العودة إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017، بعد انسحابه منه في العام 1984 ( إبان تسميتها منظمة الوحدة الإفريقية) احتجاجا آنذاك على انضمام "الجمهورية الصحراوية. وشكلت هذه العودة داعما رئيسيا في إعادة تنشيط الدور المغربي وتحالفاته داخل هياكل الاتحاد الإفريقي، إذ صوتت 39 دولة من أصل 53 لمصلحة عودة المغرب للاتحاد خلال الدورة الثامنة والعشرين للمنظمة الإفريقية التي عقدت بأديس أبابا في يناير 2017.
 
كما انضم المغرب إلى اتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة في إفريقيا في مارس 2014، حيث حصل على عضوية كاملة في هذا الاتحاد، بما قد يساعده بعد عودته للاتحاد الإفريقي على تحقيق تقارب مع الدول الإفريقية لتشكيل هوية اقتصادية واجتماعية منسجمة.
 
 أضف لذلك مطالبة المملكة في فبراير الماضي بالانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا( إيكواس ) كعضو عامل، على أساس أن ذلك يعد مفتاحا للإقلاع الاقتصادي في تلك المنطقة بعد العودة للاتحاد الإفريقي، حيث أبلغ المغرب إيلين جنسون سيرليف، الرئيسة الحالية  للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) في نهاية فبراير الماضي، برغبته في الانضمام.
 
أهداف متنوعة:
 
استهدف المغرب من تحركاته الدبلوماسية والاقتصادية إزاء أفريقيا عدة أهداف تسعى المملكة إلى تحقيقها، يمكن تحديد أهمها فيما يأتي:
 
 أولا- تفكيك الجبهة المؤيدة لجبهة البوليساريو، وتحويل مسار قضية الصحراء لمصلحته، ذلك من خلال حشد دعم سياسي من دول القارة لموقف الرباط من القضية. وسعت المملكة لتحقيق هذا الهدف على مرحلتين، الأولى تغيير موقف بعض الدول الإفريقية عبر تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثمارات. إذ تراجع عدد كبير من الدول الإفريقية عن الاعتراف بجمهورية البوليساريو، وكان منها زامبيا التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية، إضافة إلى أن 28 دولة إفريقية قامت بتقديم طلب لرئاسة الاتحاد الإفريقي بشأن تعليق عضوية البوليساريو لحين تسوية وضعها. 
 
أما المرحلة الثانية، فتتمثل في سعي المغرب لطرد جبهة البوليساريو، أو تجميد عضويتها من الاتحاد الإفريقي. إذ يعمل على محاصرة الجبهة، والوقوف ضد الانفصال من خلال إعادة تشكيل التحالفات والتوازنات داخل الاتحاد الإفريقي بما يؤدي إلى تغيير ميثاق الاتحاد الإفريقي، حيث إن تغيير الميثاق لا يتطلب سوى 36 دولة. 
 
ثانيا- تغيير ميزان القوى في القارة الإفريقية من خلال الوجود المغربي في مناطق جديدة للتأثير في نفوذ الجزائر، المنافس له في القارة، حيث سعت المملكة لتحقيق هذا الهدف عبر تعزيز نفوذها في المحاور الرئيسية في القارة، وأهمها منطقة غرب إفريقيا، عن طريق "غانا"، التي تعد دولة محورية في إفريقيا، وسوقا واعدا، وهو ما حرصت عليه جولات الملك في مختلف المناطق.  
 
كذلك، اتجه المغرب إلى تعظيم مكانته في دول القارة عبر بث رسالة بأنه قادر على حل مشكلات الأفارقة. كما حرص على حماية ظهيره الجنوبي من الإرهاب القادم من منطقة الساحل والصحراء. وهو ما يؤكده الدور المتزايد للدبلوماسية الدينية والروحية التي يقوم بها المغرب في دول غرب إفريقيا وشرقها للسعي نحو مكافحة التطرف الأيديولوجي، وتعزيز التسامح الديني.
 
ثالثا- زيادة التبادل التجاري مع القارة الإفريقية، خاصة في مناطقها الغربية مع غانا، ونيجيريا كأسواق واعدة، أو في الشرق الإفريقي التي تضم كلاً من تنزانيا، وكينيا، ورواندا، وإثيوبيا، وأوغندا، وبوروندي، والتي تعد بمنزلة سوق استهلاكي يتكون من 231 مليون نسمة.
 
 قيود ضاغطة:
 
ثمة عوامل قد تحد من تحقيق الأهداف المغربية إزاء إفريقيا، ويتمثل أهمها فيما يأتي:
 
  أولا- التحركات الإقليمية المنافسة للمغرب في إفريقيا، حيث أوفدت الجزائر بعثات حكومية إلى مختلف دول القارة، بعضها برئاسة عبد المالك سلال، الوزير الأول، والبعض الآخر برئاسة وزراء ورجال أعمال. كما اتجهت أيضا إلى استغلال علاقاتها الواسعة مع مختلف دول القارة، وحضورها الدبلوماسي في مختلف مؤسسات الاتحاد الإفريقي لبناء تحالفات استراتيجية مع الدول المؤثرة لتفويت الفرصة على المغرب من العمل على إعادة ترتيبات داخل الاتحاد الإفريقي، خاصة أن الجزائر لها وجود في مختلف مفاصل القرار الإفريقي. 
 
ثانيا- تحالفات الجزائر وجنوب إفريقيا، حيث حرصت الدولتان بعد انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي على تقوية الروابط فيما بينهما. فقد فتحت جنوب إفريقيا فصلا جديدا من المواجهة الدبلوماسية، حيث استقبل الرئيس الجنوبي إفريقي جاكوب زوما زعيم جبهة البوليساريو، وأكد دعمه للجبهة في يناير 2017، وقال" من غير المعقول استمرار استعمار المغرب للصحراء الغربية"، وذلك في رسالة مناهضة للتحركات المغربية في إفريقيا. وبالتالي، يبقى هذا التحالف الجزائري– الجنوب إفريقي تحديا للهدف المغربي من طرد أو تجميد عضوية جبهة البوليساريو، حيث يخلق حشدا موازيا للحشد المغربي بين دول القارة.
 
ثالثا- تجدد التصعيد بين البوليساريو والمغرب في منطقة الكركرات المتنازع عليها في الصحراء الغربية، خاصة أن الرباط نفذت انسحابا أحادي الجانب من المنطقة في الـ 27 من فبراير الماضي. ويفترض أن ينعكس تجدد التصعيد العسكري بين الطرفين في تلك المنطقة بالسلب على الدور الذي يسعى المغرب إلى تحقيقه في القارة، وداخل الاتحاد الأفريقي، لأن التوتر قد يجعل الأمانة العامة للاتحاد تميل نحو البوليساريو. 
 
أضف لذلك أن الوضع الراهن في الكركرات قد يعيد ملف الصحراء مرة ثانية إلى مجلس الأمن، خاصة إذا تطور الموقف إلى تبادل لإطلاق نار، وهو ما تستهدفه جبهة البوليساريو بعدما طالبت الأمم المتحدة بعدم تغيير الوضع القائم منذ 1991.
 
 رابعا- تهديدات أمنية للدور المغربي، حيث من المحتمل أن يواجه المغرب تحديا في العودة إلى المشاركة في المبادرات الإقليمية الأمنية المتعلقة بمكافحة الإرهاب. ذلك أن المملكة ليست عضوا في " هيئة الأركان المشتركة" التي تتخذ من الجزائر مقرا لها، والمعنية بتنسيق عمليات مكافحة الإرهاب بين الجزائر ودول غرب إفريقيا.
 
في النهاية، يمكن القول إن التحركات المغربية في دول إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة بعد العودة إلى الاتحاد الإفريقي، ستظل رهينة بعدة عوامل، تتعلق بكيفية بناء نفوذ مواز للقوى الإقليمية الموازية التي تتنافس هي الأخرى على القارة الإفريقية.

رابط دائم: