حدود تأثير تحالفات إسلاميي الجزائر في الانتخابات البرلمانية المقبلة
21-2-2017

باحث في شئون الشمال المغربي- مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
* باحث في شئون المغرب العربي - مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
تحريرا في: 20-2-2017
 
بعد أكثر من 16 عاما من الانقسامات في صفوف أحزاب وحركات الإسلام السياسي في الجزائر، عاد بعضها إلى الحركتين الأم، وهما: مجتمع السلم "حمس"، و"النهضة" في منتصف يناير2017، وذلك لتشكيل تحالفات لمواجهة أحزاب السلطة، وقوى المعارضة التقليدية في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في الرابع من مايو المقبل.
 
 وبرغم استمرار اقتراب بعض مواقف هذه الأحزاب من السلطة، وإصرار البعض الآخر على خوض الانتخابات المقبلة دون تحالفات، فإن المساعي الأخيرة للتحالف والاندماج بين الأحزاب الإسلامية تثير تساؤلات حول مدى قدرتها على الصمود، وما إذا كانت تستطيع الحصول على أغلبية كبيرة في البرلمان، أم لا؟.
 
إرث انشقاقي 
 
بلغ عدد الأحزاب الإسلامية المنشقة عن حركتي" النهضة " و"حمس"، بعد التعديلات الدستورية للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل عام 2011، ستة أحزاب، من أهمها: حزب "جبهة التغيير"، برئاسة عبد المجيد مناصرة، وحزب "جبهة العدالة والتنمية" بقيادة عبدالله جاب الله، والمُنبثق عن حركتي "النهضة" و"الإصلاح"، وحزب "تجمع أمل الجزائر" القريب من السلطة بقيادة عمار غول، وحزب "البناء الوطني"، بقيادة مصطفي بلمهدي، بالإضافة إلى حزب الحرية والعدالة، الذي يعد من الأحزاب الإسلامية من غير الأصول الإخوانية. 
 
ويمكن تحديد طبيعة تلك الانشقاقات في صفوف الأحزاب والحركات الإسلامية الجزائرية في مسارين أساسيين، هما: 
 
(*) المسار الأول، ويتعلق بالمنشقين عن حزب "النهضة" منذ عام 1998. وقد كان الانشقاق الأول عنها لحزب"الإصلاح الوطني"، برئاسة عبدالله جاب الله وأتباعه بسبب دعم القيادات الرئيسية في "النهضة" للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، خلال فترة رئاسته الأولى. فيما جاء الانشقاق الثاني من رحم "النهضة"، حين تمت إقالة "عبدالله جاب الله " للمرة الثانية من حزب" الإصلاح الوطني"، ليؤسس لاحقا "جبهة العدالة والتنمية" في منتصف مارس 2012.
 
 (*) المسار الثاني، وينصرف  للانشقاقات عن "حمس" بعد الثورات العربية في عام 2011. وكان أول المنشقين "عبدالمجيد مناصرة "، وزير الصناعة الأسبق ليؤسس حزب "جبهة التغيير" في 21 مارس 2012، نتاجا لصراع بين تيارين، أحدهما يدعم التقارب مع السلطة بقيادة "أبو جرة سلطاني"، رئيس الحركة الأم في ذلك الوقت، والآخر يرفض التقارب مطالبا بوضع مسافة فاصلة عن السلطة.
 
 أما الانشقاق الثاني عن "حمس"، فكان بزعامة " عمار غول " وزير النقل الحالي في حكومة عبد الملك سلال، والذي أسس حزب "تجمع أمل الجزائر" في منتصف مايو 2012. ولهذا الحزب عدد من الحقائب الوزارية في الحكومة. أما الانشقاق الثالث في جسد "حمس"، فجاء بقيادة " مصطفى بلمهدي"، الذي أسس بدوره "حركة البناء الوطني" في أغسطس 2014، بسبب خلافات داخلية بين قيادات حركة "جبهة التغيير".
 
تحالفات جديدة:
 
 لقد أضعفت الانشقاقات المتتالية في صفوف الأحزاب الإسلامية في الجزائر من قدرتها على البروز كقوة سياسية مؤثرة، سواء في الشارع أو البرلمان. وعلى ذلك، بدا أن هنالك مصلحة انتخابية في بناء تحالفات الجديدة قبل الانتخابات البرلمانية في مايو 2017، إذ قال عبدالمجيد المناصرة، رئيس حزب جبهة التغيير، إن" حظوظ الإسلاميين في هذه الانتخابات لن تقل عن 40% من الأصوات". 
 
بخلاف ذلك، فإن الإسلاميين يدركون أن ثمة تغييرات في المشهد الجزائري قد يستثمرونها لمصلحتهم، منها، عزل محمد بومدين، رئيس جهاز الاستخبارات، والمتعصب في مواقفه من القوى الإسلامية، بالإضافة إلى تعديلات الدستور في 2016 التي منحت المعارضة ضمانات أكبر، وتشكيل هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات.
 
وعلى ذلك، كانت عودة بعض الأحزاب الإسلامية أخيرا إلى الحركتين الأم (حمس، والنهضة) إما في شكل اندماجات حزبية، أو تحالفات انتخابية، وبدت ملامحها على النحو الآتى:
 
 (*) ائتلاف "الاتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء"، ويعبر عن تحالف انتخابي لأحزاب سياسية إسلامية فضلت العودة إلى حركة النهضة، بقيادة فاتح ربيعي. ويضم، بالإضافة إلى الأخيرة، كلا من حزبى العدالة والتنمية، والبناء الوطني. 
 
ويتسم الائتلاف بأمرين، الأول أنه يجمع بين أحزاب انشقت في الأصل عن حركتي "النهضة"، و"حمس". أما الأمر الثاني، فيتعلق بافتقاده ضلعا رئيسيا من حركة "النهضة "، هو حزب" الإصلاح الوطني" الذي فضل خوض الانتخابات المقبلة دون تحالفات، رغم أنه كان جزءا رئيسيا من تحالف "الجزائر الخضراء"، الذي خاض الانتخابات البرلمانية عام 2012 ، وضم ثلاثة أحزاب ( حمس، والنهضة، والإصلاح الوطني).
 
(*) اندماج حزبي قيد التشكيل لبعض المنشقين عن حركة "حمس"، وهو تحالف يسعى إلى تشكيل "وحدة اندماجية"، تتمثل أحزابها في الحركة الأم "حمس"، التي يقودها حاليا عبد الرازق مقري، وحزب جبهة التغيير. ويشكل الحزبان امتدادا طبيعيا لحركة "حمس" في نشأتها الأولى، بقيادة الشيخ "محفوظ نحناح "، حيث يرى التقارب مع السلطة خطرا مهدّا لبقاء واستقرار الحركة الإسلامية الجزائرية.
 
(*) تحالف انتخابي محتمل بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية المقبلة، وقد يجمع الأحزاب الإسلامية التي ستحظى بمقاعد في البرلمان، باستثناء حزب " تجمع أمل الجزائر". ويستهدف هذا التحالف المشاركة في الحكومة، وتجهيز مرشح رئاسي واحد، استعدادا للانتخابات الرئاسية في عام 2019. 
 
ومما يشير إلى احتمال نشوء هذا التحالف ما صرح به رئيس حركة "حمس" عبد الرازق مقري، إذ قال إن "هناك محاولات لتوحيد القطبين الإسلاميين، حتى يصبح الأمر واضحا أن الإسلاميين قد يخوضون الانتخابات الجزائرية عام 2019 بمرشح واحد". 
 
فرص ممكنة:
 
تتوقف فاعلية التحالفات والاندماجات الإسلامية في تحقيق أهدافها في الانتخابات البرلمانية المقبلة على عدة عوامل، بعضها يرتبط بالأحزاب الإسلامية نفسها، والبعض الآخر يتعلق بالسلطة. ويمكن تفصيلهما على النحو الآتي:
 
(*) عوامل تتعلق بطبيعة الأحزاب الإسلامية الجزائرية، أولها: تجاوز الأحزاب الإسلامية لخلافاتها البينية، خاصة بين عبدالله جاب الله، رئيس حركة العدالة والتنمية، وعبدالرازق مقري، رئيس "حمس"، ثانيها: استرجاع حركة "الإصلاح الوطني" إلى الحركة الأم "النهضة" قبل بدء الحملة الانتخابية، لأنها كانت تمثل ضلعا رئيسيا في تحالف "الجزائر الخضراء" في الانتخابات البرلمانية والبلدية عام 2012. 
 
أما العامل الثالث، فيتعلق بصياغة برامج ورؤى انتخابية واقعية، تحظى بدعم شريحة كبيرة من الجزائريين، خاصة بعد انكماش الوعاء الانتخابي للقوى الإسلامية، وانحسار امتداده الشعبي منذ انسحاب "حمس" من التحالف الرئاسي، وخسارتها في انتخابات 2012، وتحقيق الإسلاميين لأسوأ نتائج في الانتخابات البلدية، حيث حصلوا على أغلبية في 10 بلديات من إجمالي 1451 بلدية.
 
العامل الرابع والأخير ينصرف إلى اختراق مناطق القبائل (تيزي وزو"، و"بجاية") في شرق العاصمة "انتخابيا"، إذ تعد هذه المناطق مرتكزات انتخابية لأحزاب اليسار(حزب القوى الاشتراكية، وحزب العمال برئاسة لويزة حنون). ولم يكن للأحزاب الإسلامية دور واضح في تبني قضايا سكان هذه المناطق خلال الفترة الأخيرة، وكان من أهمها قضية وقف تنفيذ مشروع الغاز الصخري، التي صاحبتها تظاهرات واحتجاجات استمرت لفترة طويلة. 
 
(*) عوامل مرتبطة بالسلطة الجزائرية، وهي تتعلق بطبيعة رؤيتها السياسية لمشاركة الأحزاب الإسلامية في الحكومة بالقدر الذي لا يسمح لها بتشكيل خطر عليها. 
 
ولعل تعيين الإسلامي "عبد الوهاب دربال" رئيسا للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، إضافة إلى ما قاله عبدالمجيد مناصرة، القيادي الإسلامي من أن " أطرافا في النظام نصحتهم بالوحدة" ربما يشير إلى وجود رغبة من السلطة في مشاركة الإسلاميين في الحكومة المقبلة، لكن بنسبة لا تتجاوز عدد الحقائب الوزارية التي كانوا يشغلوها قبل 2011".
 
مكاسب متباينة 
 
بشكل عام، يمكن القول إن تحدي الإسلاميين المعلن لأحزاب السلطة، في الانتخابات البرلمانية القادمة في الجزائر، واستمرار الانفصال الكامل بينهم وبينها قد يفقدانهم مقاعد أكثر مما يكسبهم، وهو ما تدلل عليه نتائج الانتخابات البرلمانية التي خاضتها الأحزاب الإسلامية، منفردة أو متحالفة، منذ تولى "بوتفليقة" السلطة، وحتى عام 2011.
 
إذ كانت مكاسب الأحزاب الإسلامية، في ظل التحالف مع أحزاب السلطة، أكبر كثيرا، مقارنة بتحالفاتها المستقلة. إذ حققت تلك الأحزاب في انتخابات 2012 التشريعية، التي تنافست فيها بقائمة إسلامية واحدة، نتائج هي الأقل، حال مقارنتها بما سبقها من انتخابات، برغم أن الظروف الإقليمية كانت في مصلحتها، خلال تلك الفترة، إثر الصعود الإسلامي بعد الثورات.
 
بينما حصلت الأحزاب الإسلامية مجتمعة في الانتخابات التشريعية في عام 2002، التي تحالفت فيها حركتا "حمس" و"النهضة " مع السلطة، على 82 مقعدا. وفي تلك الفترة، سمح لها النظام بشغل 5 حقائق وزارية في حكومة أحمد بن بيتور. وحصلت تلك الأحزاب في انتخابات 2007 التشريعية، التي تحالفت أيضا فيها مع السلطة، على 60 مقعدا، وسمح لها النظام خلال الفترة من 2003 حتى 2012 بتولي 4 حقائب وزارية.

رابط دائم: