الإصلاح‮ .. ‬كيف تنجو الأمم وتزدهر في عالم يتداعي؟
9-2-2017

جوناثان تيبرمان
*
عرض: محمد محمود السيد - باحث متخصص في الشئون العربية
 
Jonathan Tepperman,The Fix:How Nations Survive and Thrive in a World in Decline, (New York: Tim Duggan Books, 2016)
 
يحاول الكاتب الأمريكي، والمحرر في مجلة الشئون الخارجية،‮ ‬جوناثان تيبرمان،‮ ‬في مؤلفه تحليل وضع المجتمع الدولي في وقت يعاني فيه عالم الأفكار فجوة كبيرة، نتجت عن حالة عدم اليقين التي تصدرت المشهد الأيديولوجي حول العالم،‮ ‬مع وضع خريطة لإصلاح سياسات واقتصادات الدول المأزومة‮. ‬فيقدم المؤلف رؤية متفائلة تجاه عملية إصلاح العالم، وذلك بعدما يقوم بتوصيف طبيعة الأزمة، التي تمثلت بالنسبة له في عدم المساواة، والهجرة، والتطرف الإسلامي، والحرب الأهلية، والفساد، ولعنة الموارد، والطاقة، وصعوبة انتقال الدول من مرحلة النجاح التنموي إلى مصاف الدول الغنية‮.‬
 
الاقتصاد محور أزمات العالم‮:‬
 
دراسة وتحليل الأوضاع الاقتصادية كانا محور الكتاب، الذي حاول إثبات أن معظم أزمات عالمنا المعاصر كان الاقتصاد محورها، وقد تطرق بشيء من التفصيل إلى منطقة الشرق الأوسط، وموجات الربيع العربي، والصراعات المسلحة الدائرة حاليا في المنطقة،‮ ‬لاسيما مع تدهور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وتطور ثورات الربيع العربي في اتجاه سلبي معاكس أقرب إلى الانهيار الحضاري‮. ‬ويري تيبرمان أن فشل عدد كبير من حكومات العالم في إدارة اقتصادات بلادها، وما يترتب على ذلك من تردي الأوضاع بشكل عام،‮ ‬خاصة في بلدان الربيع العربي،‮ ‬يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية، تتمثل في‮:‬
 
أولا‮- ‬مطالبات الشعوب للحكومات بتحسين الوضع الاقتصادي،‮ ‬وظروف المعيشة،‮ ‬خلال فترة زمنية محدودة، لا تتناسب مع الخطط متوسطة وطويلة المدى التي تضعها الحكومات‮.‬
 
ثانيا‮- ‬ضعف مؤسسات الدولة التي تقوم على تنفيذ عملية التحول والانتقال إلى الوضع الجديد على المستويين السياسي والاقتصادي‮.‬
 
ثالثا‮- ‬محدودية الموارد المالية المتوافرة لتمويل مرحلة التحول الحرجة،‮ ‬سياسيا واقتصاديا، وهو ما يتفاقم مع ارتفاع معدلات الفساد المالي والإداري، وزيادة حجم الديون الخارجية والمحلية، التي تمثل فقدا من مقدرات المواطنين والأجيال القادمة‮.‬
 

أما في بلدان الربيع العربي تحديدا، فقد رأي الكاتب أن جزءا كبيرا من أزماتها الاقتصادية يعود إلى اعتمادها على قطاع السياحة، وهو القطاع الذي تراجع أخيرا كثيرا، وحقق خسائر كبيرة لم تشمل فقط البلدان التي هزتها رياح التغيير، بل طالت تلك التي ظلت بعيدة عن تغيير الأنظمة، وشملت الخسائر مصر،‮ ‬وتونس،‮ ‬واليمن،‮ ‬وسوريا تحديدا، إضافة إلى دول أخري لم تستطع أن تنأي بنفسها عن التأثر بما يجري في محيطها الإقليمي، مثل‮: ‬لبنان،‮ ‬والمغرب،‮ ‬والأردن، وهي دول تشكل السياحة العربية والأجنبية إليها مصدرا رئيسيا للدخل القومي، فضلا عن استيعابها لجزء كبير من القوي العاملة‮.‬
 
لذا، أكد المؤلف أن دول الربيع العربي لن تنجح في تخطي المرحلة الانتقالية إلا بتحسين أوضاعها الاقتصادية‮.‬ فدول الشرق الأوسط الآن تعيش مرحلة اقتصادية تقوم على استعادة الاستثمار، ووضع حلول سريعة للمشكلات التي قامت من أجلها الثورات، خاصة ما يرتبط بالفرد، الذي هو العنصر الأساسي في عمليات النمو والتنمية الاقتصادية‮.‬
 
تجربة البرازيل التنموية‮:‬
 
يعطي الكتاب نظرة متفائلة حول مستقبل اقتصاد العالم، ويكشف عن قصص نجاح عدة، كثيرا ما يغفل عنها الرأي العام‮.‬ ومن هذه القصص جانب من تجربة البرازيل التنموية في العقد الماضي‮. ‬فيشير المؤلف إلى أنه بعد انتخاب لولا دا سيلفا رئيسا للبلاد عام‮ ‬2002،‮ ‬أصيب رجال الأعمال بالرعب في البداية، فهو الزعيم العمالي الصلب، الذي عاني في طفولته الفقر المدقع، والذي كان من المتوقع أن ينتهج سياسات اقتصادية يسارية‮. ‬ولكن‮ "‬محرض العامة تحول إلى مصلح عظيم‮".‬
 
ففي سبيل معالجة الفجوة الضخمة في دخول البرازيليين، قدم دا سيلفا نموذجا جديدا لبرامج الإعانة الاجتماعية، وهو‮ "‬بولسا فاميليا‮"‬، والذي لم يكن برنامجا لإعطاء إعانات مالية لمساعدة الفقراء فقط، وإنما كان برنامجا مشروطا،‮ ‬حيث إن المواطن لا يحصل على هذه الإعانة في حالة عدم التزامه بإرسال أولاده إلى المدارس، أو عدم التزامه بإعطائهم الأمصال الوقائية‮.‬ وكان الهدف من البرنامج هو مساعدة الأسر،‮ ‬حتي تستطيع أن تترك الأطفال يتعلمون،‮ ‬ولا يجبروهم على ترك الدراسة من أجل العمل بهدف تحويل مسار أبناء الفقراء،‮ ‬حتي لا يكون الفقر والمرض وراثيا وطبقيا‮.‬
 
وقد تسببت هذه السياسة في الحد من ظاهرة الفقر بشكل كبير، حيث وصفتها الخبيرة السابقة في البنك الدولي نانسي بيردسال،‮ ‬بأنها‮ "‬الحل السحري للتنمية‮". ‬وأرسل أكثر من‮ ‬60‮ ‬دولة خبراءها إلى البرازيل لدراسة هذا البرنامج‮.‬
 
مستقبل اقتصادات الربيع العربي‮:‬
 
يحمل الكتاب رؤية إيجابية حول مستقبل نمو اقتصادات دول الربيع العربي، وذلك استنادا إلى الطاقات البشرية الهائلة التي تمتلكها تلك البلدان، والتي قد تمكنها من تحقيق أهداف التنمية الشاملة، والتغلب على التحديات التي تراكمت قبل الثورات،‮ ‬أو كنتيجة لها‮. ‬ولكنه يري أن التحدي الأكبر الذي يواجه مستقبل عمليات التنمية في هذه الدول يتمثل في درجة وعي الأنظمة السياسية بأهمية بناء نظام ديمقراطي حقيقي، يكفل العدالة الاجتماعية، ويسعي لمحاربة الفساد وتقويضه على المستويات كافة‮.‬
 
ووفقا لتيبرمان، على المديين القصير والمتوسط،‮ ‬لابد على دول الربيع العربي أن تتبني سياسات عامة تواجه التضخم،‮ ‬والبطالة، في ظل العجز الحكومي،‮ ‬وسياسة السوق الحرة‮. ‬أما على المدى الطويل، فلابد على هذه الدول أن تعمل على تحرير اقتصاداتها، وإطلاق روح المبادرات الفردية لدي الشباب، مع توفير التمويل اللازم لتحقيق أهداف التنمية‮.‬
 
كما يجب على الحكومات أن تعمل وفق سياسات منحازة لمصالح الشعوب، ومستقبل الأجيال القادمة، وذلك من خلال توفير فرص العمل، وتنشيط القطاعات المنتجة محليا، ودعم القدرة على المنافسة، وهو ما يتطلب مزيدا من المشروعات، خاصة الصغيرة،‮ ‬والمتوسطة،‮ ‬ومتناهية الصغر، التي تستوعب البطالة في هذه البلدان‮.‬

رابط دائم: