ثلاثة تيارات للمؤلفات الأجنبية عن دونالد ترامب
30-1-2017

عمرو عبد العاطي
* باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية
على الرغم من توقعات كثير من الخبراء والمحللين الأمريكيين،‮ ‬ومراكز الفكر والرأي فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون‮ -‬التي دعمتها كبري الصحف الأمريكية في خروج عن النهج التقليدي بعدم تأييد أي من مرشحي الرئاسة الأمريكية علانية‮- ‬في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الثامن من نوفمبر‮ ‬2016،‮ ‬فإن هناك عددا من المؤلفات الأجنبية التي صدرت تروج للمرشح الجمهوري،‮ ‬دونالد ترامب، لا سيما بعد تمكنه من هزيمة كبار أعضاء النخبة الجمهورية، ومن لهم خبرة طويلة في العمل السياسي الأمريكي، ليقتنص بطاقة الحزب،‮ ‬على عكس كثير من التوقعات الأمريكية، بل ويفوز في انتخابات الثامن من نوفمبر‮ ‬‭.‬2016
 
وقد تنوعت المؤلفات التي تناولت ظاهرة صعود ترامب السياسي،‮ ‬رغم كمية الفضائح التي طالته، وتصريحاته التي تزدري المرأة،‮ ‬والأقليات من السود،‮ ‬وذوي الأصول اللاتينية،‮ ‬والمسلمين، وتبني سياسات إقصائية تهدد تماسك المجتمع الأمريكي،‮ ‬الذي يقوم على صهر الأقليات بين ثلاثة تيارات رئيسية، هي‮:‬
 
التيار الأول‮: ‬مؤلفات دعائية كتبها دونالد ترامب،‮ ‬وصدرت خلال حملته الانتخابية‮. ‬وقد ضمنت رؤيته،‮ ‬كمرشح عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية،‮ ‬للتطورات الأمريكية، وكيف سيحكم الولايات المتحدة،‮ ‬حال فوزه في الانتخابات‮.  ‬ففي كتابه‮ "‬حان وقت الحزم‮ .. ‬جعل أمريكا عظيمة مجددا‮!"‬،‮ ‬انتقد ترامب السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وطريقة تعاملها مع التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة خارجيا‮.‬
 
ويذهب ترامب في مؤلفه إلى أن الولايات المتحدة،‮ ‬في ظل إدارة الرئيس أوباما،‮ ‬أضحت في وضع متأزم، حيث بدأ العد التنازلي لقيادتها للنظام الدولي،‮ ‬ومكانتها كقوة عظمي مهيمنة على نظام ما بعد الحرب الباردة في التراجع‮. ‬ولاستمرار المكانة والقوة الأمريكيتين عالميا،‮ ‬دعا ترامب إلى ضرورة التعامل مع قضايا قد تكون في طبيعتها داخلية،‮ ‬إلا أن معالجتها ستحافظ على النفوذ الأمريكي عالميا،‮ ‬وهو ما ترجمه في شعاره الانتخابي‮ "‬أمريكا أولا‮". ‬ويأتي في مقدمة قضايا الداخل التي يتوجب التعامل معها قضايا الدين العام،‮ ‬والعجز المالي،‮ ‬واستمرار الاعتماد الأمريكي على النفط المستورد من الخارج،‮ ‬رغم ثورة النفط والغاز الصخري الأمريكي، وكذا قضية البطالة،‮ ‬وتوفير فرص العمل، قائلا‮ "‬يجب أن ننظر ونعمل بجدية من أجل مستقبل أمتنا‮".‬
 
وعن القوة العسكرية التي تتمتع بها الولايات المتحدة،‮ ‬ودورها في حماية المصالح والأمن القومي الأمريكي،‮ ‬لاسيما مع التحديات الخارجية التي تواجهها،‮ ‬يري ترامب أن استخدام هذه القوة،‮ ‬وخوض الحروب لابد أن يكون مسوغا،‮ ‬عندما تكون هي الخيار الوحيد‮.‬ ولكنه يؤكد أهمية أن يكون قرار الحرب مصحوبا باستراتيجية تضمن تحقيق نصر حاسم على أعداء الولايات المتحدة‮.‬
 
وفي مؤلفه الذي حمل عنوان‮ "‬أمريكا المريضة‮: ‬كيف نجعل أمريكا دولة عظمي مرة أخري؟‮"‬،‮ ‬تناول ترامب العديد من القضايا الانتخابية،‮ ‬كالنظام الضريبي بين ما هو قائم وما يريد فعله، ورؤيته للسياسة الخارجية الأمريكية،‮ ‬ودورها كشرطي للعالم، وقضايا أخري كالتعليم، والصحة، والبنية التحتية، والتغيرات المناخية، والهجرة‮ ‬غير الشرعية، والترخيص بحمل سلاح ناري، فضلا عن توضيح علاقته بوسائل الإعلام،‮ ‬وكيفية استخدامه لها للترويج لأفكاره‮.‬
 
في ظل الهجوم الإعلامي عليه بسبب تصريحاته،‮ ‬خلال حملته الانتخابية،‮ ‬أكد ترامب أن ثروته زادت بعد إعلانه عن حملته للترشح للانتخابات الرئاسية، إذ أفصح عن استخدامه لوسائل الإعلام لتوفير الملايين من أمواله في الدعاية المرئية‮. ‬وأوضح أنه استخدم الإعلام بالطريقة نفسها التي يستخدمونها لجذب الانتباه‮.‬
 
كما أكد أن الولايات المتحدة تشهد نقطة تحول في تاريخها، وأن باستطاعته،‮ ‬بمساعدة الشعب الأمريكي،‮ ‬أن يجعل الولايات المتحدة دولة عظمي مرة أخرى‮. ‬ويري أن الوسيلة الأفضل ليست باستخدام القوة العسكرية لإثبات القوة،‮ ‬وأن إرسال القوات العسكرية لحماية الدول الأخرى لابد أن يكون بمقابل،‮ ‬خاصة عندما تكون هذه الحروب دفاعا عن الدول النفطية الغنية،‮ ‬مثل المملكة العربية السعودية، التي تحصل على ما يقرب من مليار دولار أمريكي يوميا،‮ ‬ولا يقدمون شيئا مقابل الخدمات الأمريكية‮.‬
 

ويري ترامب أن الإفصاح عن استراتيجية الولايات المتحدة أمام أعدائها مبكرا يعد تهورا‮. ‬ويشير إلى الاتفاق مع إيران على أنه الأسوأ على الإطلاق، حيث لا تحصل الولايات المتحدة على ضمانات كافية، وتتخلي عن كل شيء،‮ ‬بما في ذلك الإفراج عن مليارات الدولارات،‮ ‬ضمن العقوبات المفروضة على إيران‮. ‬ومن وجهة النظر التفاوضية، تم إجبار الولايات المتحدة على تقديم تنازلات ضخمة،‮ ‬والسماح بالثغرات التي تمنح الحق لإيران بفرض أي شيء،‮ ‬ذي معني،‮ ‬كأمر واقع‮. ‬وإن كانت الولايات المتحدة لن تتراجع عن الاتفاق الإيراني الكارثي‮ -‬على حد تعبيره‮- ‬فإنه يدعو لأن تقف الولايات المتحدة أمام امتلاك إيران أسلحة نووية‮.‬
 
وفي رد على الانتقادات التي تتهمه بأنه لم يقدم سياسات محددة،‮ ‬أكد أنه لا يوجد مرشح في الانتخابات التمهيدية لحزبه حقق ما أنجزه خلال مسيرته العملية، ولذا دعا الشعب الأمريكي إلى أن ينظر لما أنجزه،‮ ‬والنجاحات التي حققها‮. ‬ويصف نفسه بأنه ليس دبلوماسيا يريد أن يسعد الآخرين، بل هو رجل أعمال عملي تعلم أنه إن آمن بشيء فلا يتوقف، ولا يهدأ، وإذا سقط يصعد مرة أخرى،‮ ‬ويداوم على القتال حتى الفوز،‮ ‬فهذه هي استراتيجيته طيلة حياته،‮ ‬مما أدي إلى نجاحه‮. ‬لذا،‮ ‬أوضح أنه مستمر في حربه لمصلحة بلاده إلى أن تصبح دولة عظمي مجددا‮.‬
 
التيار الثاني‮: ‬مؤلفات تروج لفوز ترامب في انتخابات الثامن من نوفمبر، وتقدم له النصائح للفوز‮. ‬ومن تلك المؤلفات كتاب المحلل الاستراتيجي ديك موريس، وزوجته الكاتبة إيلين ماكجين،‮ ‬بعنوان‮ "‬معركة فاصلة‮: ‬كيف يمكن لترامب الفوز على كلينتون؟‮"‬، والذي يقدم خطة سياسية لكيفية فوز ترامب في الانتخابات التي رأيا أنها معركة بين الخير‮ (‬الذي يمثله ترامب‮)‬،‮ ‬والشر‮ (‬الذي تمثله هيلاري‮).‬ فهذه الانتخابات ستكون بمنزلة‮ "‬الفرصة الأخيرة‮" ‬للقضاء على الفساد الحكومي، ووقف ما سماه‮ "‬التقدم الاشتراكي‮"‬،‮ ‬والسيطرة الكاملة على السلطة التنفيذية، والحد من برامج الرعاية الاجتماعية التي تدمر النسيج الاقتصادي والاجتماعي للأمة الأمريكية‮. ‬كما أنها الفرصة الأخيرة لتأمين الحدود الأمريكية،‮ ‬خاصة مع المكسيك،‮ ‬بهدف الحفاظ على السيادة الوطنية، والوقوف ضد الإرهاب،‮ ‬وعلى رأسه تنظيم الدولة الإسلامية‮ "‬داعش‮".‬
 
ولهذا،‮ ‬فقد دعا المؤلفان للمشاركة في الانتخابات،‮ ‬والتصويت للمرشح الجمهوري ترامب، وإلا فإن الأمريكيين سيخاطرون بخسارة المعركة الفاصلة لإنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية‮. ‬حيث إن ترامب سينحي المصالح الذاتية جانبا من أجل تحقيق المصالح الأمريكية، فهو يرغب في إحداث تحول جديد في السياسات الأمريكية بوضع الولايات المتحدة على رأس الأولويات، وتنحية الأيديولوجيا جانبا،‮ ‬على حد قول المؤلفين‮.‬
 
التيار الثالث‮: ‬مؤلفات تنتقد ترامب،‮ ‬وتري أنه لا يصلح لمنصب الرئاسة،‮ ‬استنادا إلى أدائه في مجال الأعمال‮. ‬من مؤلفات هذا التيار كتاب‮ "‬صناعة دونالد ترامب‮" ‬للمحرر بجريدة نيويورك تايمز، والحاصل على جائزة بوليتزر ديفيد كاي جوهنستون، الذي يتناول علاقات ترامب التجارية المشبوهة،‮ ‬وشغفه القوي لتحقيق الثروة الشخصية على حساب المصلحة العامة، وضغطه على الإعلام لوقف أي محاولات لانتقاده، فضلا عن تنامي ثروته،‮ ‬وافتضاح أمر تهربه الضريبي، وعدم رغبته في الكشف عن صافي ثروته‮. ‬ولهذا،‮ ‬يستنكر الكاتب ترشح ترامب لمنصب الرئاسة الأمريكية، فقد رسم صورة للبيت الأبيض،‮ ‬إذا،‮ ‬فاز تتسم بالخلل الوظيفي،‮ ‬تحت قيادة رئيس ذي تاريخ كبير من الفساد،‮ ‬بجانب‮ ‬غياب الرؤية الواضحة عما سيحدث عندما يصبح رئيسا‮.‬
 
ويقدم مارك فيشر،‮ ‬ومايكل كرانيش في كتابهما‮ "‬انكشاف ترامب‮: ‬رحلة أمريكية في الطموح، الغرور، المال والسلطة‮" ‬تحليلا لشخصية دونالد ترامب،‮ ‬من خلال‮ ‬20‮ ‬ساعة من المقابلات الشخصية بمكتبه،‮ ‬وعبر الهاتف، حيث تناولا النجاحات،‮ ‬والإخفاقات لدونالد ترامب في أعماله التجارية‮. ‬لكنهما يريان أن الإنجازات التي حققها ليست لها قيمة،‮ ‬بجانب مجموعة من القرارات التجارية الكارثية،‮ ‬والإفلاس‮.‬
 
ويشير المؤلفان إلى أن ترامب أعرب عن تشككه الشديد في الصحفيين،‮ ‬والتقارير التي ينشرونها، وأنه دائما ما ينتهج سبلا ملتوية،‮ ‬ومضللة للحقيقة، لكن لا يمكن إنكار أن له أيضا إنجازات مشروعة‮. ‬وقد أشارا إلى معاناة ترامب في الرد على الأسئلة التي تتعلق بأعماله،‮ ‬وصفقاته،‮ ‬وتكتيكاته السياسية‮.‬
 
وفي الختام، مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، تقدمت مبيعات المؤلفات التي كتبها،‮ ‬والتي توضح رؤيته للحكم‮.‬

رابط دائم: