أولوية الاقتصاد‮: انعكاسات تحولات نمط التنمية علي آفاق الصعود الصيني
15-1-2017

حسين إسماعيل
* نائب رئيس تحرير الطبعة العربية لمجلة‮ "‬الصين اليوم‮"
في كلمته، التي ألقاها خلال جولته التفقدية لجنوبي الصين عام‮ ‬1992،‮ ‬قال الزعيم الصيني الراحل دنج شياو بينغ‮: "‬ربما نحتاج إلي ثلاثين سنة أخري لتشكيل مجموعة كاملة من النظم الأكثر نضوجا والأكثر رسوخا في المجالات المختلفة‮".‬
 
الموعد الذي أشار إليه السيد دنج، مهندس سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية، يصادف احتفال الصين عام‮ ‬2021‮ ‬بذكري مرور مئة سنة علي تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وهو التاريخ ذاته الذي تستهدف فيه القيادة الصينية تحقيق‮ "‬مجتمع الحياة الرغيدة علي نحو شامل‮" (‬شياو كانغ‮ ‬بالصينية‮)(‬1‮). ‬وفي النصف الثاني من عام‮ ‬2017،‮ ‬يعقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الوطني التاسع عشر، الذي يضع سياسات الصين لمدة خمس سنوات تمتد حتي عام‮ ‬2022،‮ ‬في ظل تغيرات داخلية،‮ ‬وإقليمية،‮ ‬ودولية عميقة، ووسط تكهنات متباينة بمستقبل التنمية الصينية بعد تراجع معدل النمو السنوي للاقتصاد الصيني في السنوات الأخيرة‮. ‬وتسعي هذه الورقة إلي بحث مدي كفاية نمط التنمية الذي تنتهجه الصين لمواصلة تقدمها وصعودها الدولي‮.‬
 
من الأهمية بمكان، قبل تحليل‮ "‬التنمية الصينية‮" ‬وتجلياتها في سياساتها الداخلية،‮ ‬والإقليمية،‮ ‬والدولية، التوقف عند الخلفية الفلسفية والثقافية للصين،‮ ‬والتي لا تزال محددا مهما لرؤيتها لنفسها وللعالم‮. ‬يقول البروفيسور فرانسوا جوليان، الأستاذ بجامعة باريس السابعة، في مقال بالنشرة العربية لصحيفة لوموند دبلوماتيك لشهر أكتوبر‮ ‬2006،‮ ‬بعنوان‮ "‬الصين في مرآة الغرب‮": "‬يبدو لي أن المفكر الصيني في العصور القديمة طور فكرة ما أسميه بـ‮ "‬الجهوزية‮"‬،‮ ‬أي ترك كل الإمكانات مفتوحة‮. ‬ذلك أن ما يخشاه الإنسان‮ "‬الحكيم‮" ‬هو التحيز الذي يقوده، إذا ما اصطدم ببعض ظواهر الأشياء، إلي فقدان الآخر‮". ‬وقد قال مونشيوس عن كونفوشيوس‮: "‬عندما كان من المناسب أن يتولي مهمة، كان يتولاها‮.‬ وإذا لم يكن مناسبا، تخلي عنها‮". ‬وهناك علي الأقل طريقتان لتصور‮  ‬موقف الصيني‮ "‬البين بين‮"‬،‮ ‬إذ يمكن فهمه علي أنه نقطة توازن بين حدين‮.‬ فـ‮ "‬البين بين‮" ‬لدي الحكيم الصيني هو القدرة علي القيام بكلا الأمرين،‮ ‬مع بقاء‮ "‬الانفتاح بالتساوي‮" ‬علي الحدين‮. ‬وفي هذه‮ "‬المساواة‮"‬،‮ ‬يقوم‮ "‬الوسط‮".‬ ولا يعني ذلك عدم ملازمة الحذر في منتصف الطريق ما بين هذا وذاك‮.
 

رابط دائم: