ثورات‮ ‬غير منتهية‮: ‬اليمن، وليبيا، وتونس بعد الربيع العربي
2-11-2016

إبراهيم فريحات
*
عرض: أحمد عبدالعليم، باحث في العلوم السياسية
 
Ibrahim Fraihat, Unfinished Revolution: Yemen, Libya, and Tunisia after the Arab Spring, (United State of America: Yale University, 2016)
 
تطرح ثورات الربيع العربي إشكاليات عدة، من أبرزها مدي قدرة الدول التي شهدت انتفاضات شعبية على التحول من مرحلة الأنظمة الشمولية إلي مرحلة أكثر استقرارا سياسيا،‮ ‬واجتماعيا،‮ ‬واقتصاديا،‮ ‬وأمنيا، خاصة مع ضعف الجيوش الوطنية، وتشعب الصراعات الداخلية من أجل الاستحواذ على السلطة،‮ ‬لاسيما مع بروز الميليشيات المسلحة كجزء رئيسي من التفاعلات بالإقليم، وما يرتبط بذلك من تحديات عدة تتعلق بإمكانية تحقيق تطلعات الشعوب،‮ ‬بعد ثورات الربيع العربي‮.‬
 
وفي هذا الإطار،‮ ‬يأتي كتاب إبراهيم فريحات الذي يقوم بالأساس على بحوث ميدانية أجراها الكاتب على مدي ثلاث سنوات في كل من اليمن، وليبيا، وتونس،‮ ‬عقب ثورات الربيع العربي، فهو نتيجة لأكثر من مئتي مقابلة مع شخصيات رئيسية من المسئولين الحكوميين، ورؤساء الأحزاب السياسية، وشباب ونشطاء الثورة، وممثلين عن المنظمات النسائية،‮ ‬ومنظمات المجتمع المدني، والقادة العسكريين،‮ ‬والميليشيات، وزعماء القبائل‮.‬
 
تحديات ما بعد ثورات الربيع العربي
 
يشير الكاتب إلي أن الدول في الفترة،‮ ‬التي أعقبت ثورات الربيع العربي،‮ ‬شهدت مرحلة تتسم بالديناميكية الشديدة،‮ ‬والتحولات المتسارعة،‮ ‬مما ترتب عليه ظهور تحديات عدة، كان من أبرزها أمران‮ ‬غاية في الخطورة،‮ ‬هما‮: ‬الاستقطاب السياسي،‮ ‬وإمكانية الدخول في حرب أهلية،‮ ‬وذلك في ظل ضعف أو سقوط الجيوش الوطنية،‮ ‬وتدهور الأوضاع الأمنية بشكل كبير، حيث يقارن الكاتب بين ثلاث دول تشهد صراعات في ظل التحولات السياسية،‮ ‬عقب ثورات الربيع العربي، وهي‮: ‬اليمن، وليبيا، وتونس‮.‬
 
ونظرا لحالة الحراك السريعة في تلك الدول،‮ ‬فإن الكاتب فضل عدم تناول الأحداث المتسارعة،‮ ‬مثل الانتخابات أو الأزمات الخاصة، ولكنه ركز بدلا من ذلك على الأفكار الاستراتيجية التي يمكن أن تؤثر في مستقبل التحول لعقود قادمة، وما يرتبط بذلك من تحديات شتي،‮ ‬مثل‮: ‬نزع سلاح المقاتلين، والحوار الوطني، والتهجير، والإصلاح المؤسسي بحسبان تلك الأمور هي الركيزة الأساسية لأي خطوات مستقبلية‮.‬
 
وفي هذا الإطار، يري الكاتب أن أبرز التحديات في اليمن بعد الثورة هي ملف الأمن وإصلاح الجيش، بالإضافة إلي تفاقم أزمة التمرد الحوثي في الشمال، وكذلك قضية جنوب اليمن وتشابكاتها التاريخية، علاوة على بروز تنظيمي القاعدة و"داعش‮" ‬في البلاد‮. ‬أما في ليبيا،‮ ‬فإن أبرز التحديات‮ ‬يتمثل في التدهور الأمني،‮ ‬وانتشار الميليشيات المسلحة بشكل كبير، والتناحر على السلطة في ظل حكومتين وبرلمانيين، ووجود عدد كبير من اللاجئين والنازحين‮.‬ في حين تأتي التحديات أقل في تونس في ظل بروز التهميش والاستقطاب، ولكن يوجد استقرار سياسي أفضل نسبيا‮.‬
 
الاستقطاب يتصدر المشهد‮:‬
 
يري الكاتب أن الاستقطاب هو الآفة الكبري التي تصدرت مشهد ما بعد ثورات الربيع العربي، والذي عُدّ‮ ‬أحد تداعيات الأنظمة السلطوية الشمولية التي قامت عليها الثورة‮.‬ حيث إن كل نظام ترك خلفه مظالم شعبية واسعة،‮ ‬مما جعل شرائح مجتمعية في مواجهة الأخري، وولد حالة من الصراع المسلح، خاصة في ظل وجود فئات مجتمعية كانت مستفيدة بالأساس من استمرار وبقاء الأنظمة القمعية في مواجهة طموحات شعبية لفئات مجتمعية أخري ترفض ذل،ك في ظل معاناة طويلة لسنوات عدة قبل الثورات‮.‬
 

ويشير المؤلف إلي أن تعميق الانقسام المجتمعي مرتبط بعدم وجود مشاركة سياسية فعالة قبل الثورة، حيث كانت القرارات تؤخذ من أعلى إلي أسفل،‮ ‬في ظل‮ ‬غياب المشاركة العامة‮.‬ ولذا،‮ ‬فإن هؤلاء المواطنين لم يكونوا أبدا جزءا من العقد الاجتماعي، حتي إن الرؤساء الذين تمت الإطاحة بهم لم يأتوا بالأساس من خلال عملية سياسية ديمقراطية‮. ‬فقد جاء القذافي،‮ ‬وبن على من خلال انقلابات عسكرية، وجاء مبارك،‮ ‬وبشار الأسد من خلال خلافة الرؤساء السابقين عليهما، وإنه إذا ما عُدّت تلك الحسابات التاريخية جزءا من الاستقطاب الحادث،‮ ‬فإن الربيع العربي بلا شك قد شكل سببا مهما لبروز هذا الاستقطاب،‮ ‬حيث إنه خلف مجتمعات منقسمة،‮ ‬وهو ما قلل من فرصتها نحو التحول الناجح‮.‬
 
البحث عن مستقبل أفضل‮:‬
 
يبرز الكاتب ضرورة أن يكون هناك قانون لمحاسبة المخطئين من أجل العبور نحو مستقبل أفضل في دول الربيع العربي‮.‬ حيث إنه في اليمن،‮ ‬يبرز فريحات عدم وجود قانون للعدالة الانتقالية، وأنه لا توجد مساءلة أو محاسبة، كذلك لا توجد قوانين لإدارة عملية التحول، حتي إن المبادرة الخليجية في أبريل عام‮ ‬2011‮ ‬رتبت نقل السلطة، ولكنها أغفلت فكرة المحاسبة والمساءلة للنظام السابق‮. ‬أما في ليبيا،‮ ‬فإن الكاتب يشير إلي أن هناك مبالغة فيما يتعلق بالمحاسبة أو المساءلة للحد الذي يمكن عدّه انتقاما، وهو ما حدث مع الرئيس الأسبق معمر القذافي،‮ ‬ومحاكمة سيف الإسلام القذافي، وكان هناك قانون للعزل السياسي،‮ ‬واستبعاد بموجب القانون‮. ‬في حين نجد أن تونس صاغت قانونا للعدالة الانتقالية لم يغفل فكرة المساءلة، وكذلك كان هناك قانون لحماية الثورة، وكان أي عزل سياسي يتم عن طريق قانون العدالة الانتقالية‮.‬
 
ويوضح كذلك أنه من المهم للغاية في أي مصالحة مستقبلية تحقيق الأمن،‮ ‬خاصة في ليبيا واليمن، حيث إن تشابكات الثوار،‮ ‬بعد إسقاط القذافي،‮ ‬أدي إلي وجود دولتين موازيتين،‮ ‬إحداهما الرسمية،‮ ‬والأخري الثورية‮.‬ كذلك فإن العدالة الانتقالية أمر ضروري،‮ ‬وذلك من خلال إنشاء‮ "‬لجان الحقيقة‮"‬،‮ ‬يكون هدفها الأساسي الكشف عن حقيقة ما حدث خلال سنوات ما قبل الثورة من فساد وانتهاكات،‮ ‬وكذلك بعد الثورة، مع أهمية إجراء محاكمات عادلة ضمن إطار القانون‮.‬ حيث إن‮ ‬غياب ذلك يؤدي إلي زعزعة الثقة في الدولة والقانون،‮ ‬مثلما هو الحال في ليبيا،‮ ‬في ظل انتشار العشوائية،‮ ‬والارتجالية،‮ ‬والانتقام‮. ‬والأمر الآخر المهم هو التعويض،‮ ‬بشقيه المادي والمعنوي،‮ ‬من خلال توفير فرص لتعويض الضحايا وعائلاتهم‮.‬
 
وختاما، يشير الكاتب إلي أن تحقيق السلام الدائم والاستقرار يرتبط بضرورة خلق مصالحة وطنية شاملة،‮ ‬من خلال إجراء حوار وطني، وهو ما يصفه الكاتب بأنه بمنزلة جهد مبذول من أجل البحث عن الحقيقة،‮ ‬ومحاولة تعويض أي خسائر متعلقة بالماضي القريب مع أي من الفصائل السياسية أو العسكرية المتناحرة، وهو ما يرتبط بحل إشكالية التعامل مع الأنظمة الشمولية التي قامت عليها الثورات،‮ ‬بالإضافة إلي طرح آليات مستحدثة تتعلق بالإصلاح المؤسسي،‮ ‬وارتباط ذلك بقدر كبير من الفاعلية، علاوة علي بحث وضع المرأة،‮ ‬والمجتمع المدني،‮ ‬وكذلك القبائل والقوي الاجتماعية المختلفة، وهو ما يمكن من خلاله‮ -‬مع الوقت‮- ‬تقليل فرص نشوب حرب أهلية،‮ ‬وإحداث الانتقال الآمن في تلك البلاد‮.‬

رابط دائم: