الشرق الأوسط في ظل النظام العالمي الجديد وتداعيات الصراع العالمي علي المنطقة
11-10-2016

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

 المؤتمر الإقليمي السادس لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني(12-15يوليو2016)

يحقق المؤتمر السنوي،الذي ينظمه مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني،تراكما علميا ومنهجيا من عام إلي آخر على نحو يجعله في مقدمة المؤتمرات العربية التي يعقد العشرات منها كل عام، ويعيد كثير منها إنتاج ما سبق بحثه ومناقشته،نتيجةغياب مثل هذا التراكم، والاستهانة بأهميته في تكوين المعرفة وتطويرها.

ويمكن متابعة هذا التراكم منذ المؤتمر الأول الذي عقد عام2011 تحت عنوان"القضايا الإقليمية الناشئة: التحديات والرؤى المستقبلية"، وصولا إلى المؤتمر السادس،الذي عقد في يوليو الماضي(2016)تحت عنوان"الشرق الأوسط في ظل النظام العالمي الجديد وتداعيات الصراع العالمي على المنطقة"، مرورا بأربعة مؤتمرات يمكن للمتابع أن يلاحظ نقلة في كل منها.

كما يتميز هذا المؤتمر بحرص قيادة مركز البحوث والدراسات في الجيش اللبناني على التفاعل مع اتجاهات التفكير الاستراتيجي في العالم، من خلال دعوة عدد من الخبراء والباحثين من بلاد أوروبية وآسيوية، إلى جانب المشاركين العرب الذين يمثلون الأغلبية في المؤتمرات السنوية للمركز بطبيعة الحال.كما يتيح تنظيم المؤتمر فرصة لإجراء حوار في العمق، حيث يقوم على تقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات متوازية،يتناول كل منها إحدى القضايا المتعلقة بموضوع المؤتمر، بحيث يسمح عدد المشاركين في كل مجموعة بالتفاعل الخلاق. ويختلف ذلك عن جمع  50أو60 مشاركا، وأحيانا أكثر من ذلك في بعض المؤتمرات، في قاعة واحدة طوال فترة انعقاد المؤتمر.

ويسبق انعقاد مجموعات العمل الثلاث في مؤتمرات مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية بالجيش اللبناني افتتاح رسمي،يحضره ممثل لرئيس الوزراء اللبناني،وقائد الجيش،العماد جان قهوجي،الذي يدعم نشاط المركز بقوة،ومسئولون لبنانيون،وسفراء عرب وأجانب،وشخصيات عامة، وجلسة عامة يحضرها كل المشاركين،قبل أن تبدأ الجلسة الأولي لتلك المجموعات التي تعقد في المتوسط ثلاث جلسات عمل، وينتهي كل منها إلى تقرير عن أعمالها،يتضمن توصيات يراعي فيها أن تكون واقعية وقابلة للتنفيذ. وينتهي المؤتمر بجلسة ختامية عامة تحضرها وسائل الإعلام، يقدَم فيها ملخص عن أعمال كل من مجموعات العمل، وعرض لتوصياتها، ويفتح فيها الباب لأسئلة ومداخلات قصيرة بشأن ما تتضمنه هذه التوصيات، ثم تجري مراسم تكريم الجهات الراعية للمؤتمر.

أهمية المؤتمر السادس:

جاء المؤتمر السادس للمركز في وقته الملائم، حيث تموج المنطقة بصراعات،بعضها يعد ضمن النزاعات الأكثر حدة في العالم،خلال نصف القرن الأخير. ويثير الكثير من القضايا المتعلقة بهذه الصراعات أسئلة حول تداعياتها،وما ستئول إليه الأوضاع في المنطقة نتيجة لها.

وقد عبر ممثل رئيس الوزراء السيد تمام سلام في حفل الاستقبال(وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر) عن معني التراكم الذي يحققه المركز السنوي لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني بقوله إن المؤتمر السادس يأتي استكمالا للمؤتمرات السابقة،والهادفة إلى تسليط الضوء على المشاكل البنيوية العميقة التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط، والتي أفرزت منذ عام  2011واقعا جديدا شديد الصعوبة والتعقيد، الأمر الذي يفرض تبادل الأفكار والرؤي.

وفي كلمات قليلة،ولكنها بالغة العمق، لخص العميد الركن فادي أبي فراج،مدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني،فلسفة المؤتمر بقوله إن المركز اعتاد على أن يأخذ زمام المبادرة في كل عام بتنظيم مؤتمر إقليمي يضم نخبا فكرية وثقافية،على مستوى رفيع، لإطلاق نقاشات وحوارات حرة ومنتجة،اقتناعا بأن هذا هو السبيل لتكوين المعرفة التي تشتد حاجتنا إليها في عصر،أصبحت هذه المعرفة هي السلاح الأول فيه.

وأثار العميد أبي فراج في كلمته مسألة بالغة الأهمية تتعلق بالأمن الاجتماعي،والاقتصادي،والسياسي، موضحا أن استقرار المجتمعات لم يعد يقتصر على أمن الحدود،أو الأمن الداخلي التقليدي.

وجدد قائد الجيش اللبناني،العماد جان قهوجي،في كلمته،الدعم للدور الذي يقوم به المركز،على أساس أنه (تعبير عن إرادة مؤسستنا العسكرية في التفاعل مع الطاقات العلمية والفكرية، وتبادل الخبرات،والأفكار،والطروحات، إدراكا منا بأنه ليس بالبندقية وحدها تحمي الأوطان، بل أيضا بالمعرفة التي تحدد وجهة تلك البندقية،وتنير الطريق إلى الحقيقة، كما أنه ليس بالقوة وحدها يصان الأمن،وتحل المشكلات والمعضلات، بل أيضا بالرؤية الصائبة،والتخطيط الجيد القائم على أسس علمية وواقعية).

انعكاس صراعات النفوذ على الغاز والنفط والممرات المائية:

كان محور البحث والنقاش في مجموعة العمل الأولي هو انعكاسات الصراع الإقليمي السياسي،والعسكري،والاقتصادي على النفوذ في المنطقة فيما يتعلق بموضوع الغاز،والنفط،والممرات المائية. وانتهت هذه المجموعة إلى توصية خاصة إلى مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني،تتلخص في: تعزيز مهمات المركز لتدعيم دوره في ترشيد الفكر الاستراتيجي في لبنان، وكنواة تعاون بين مراكز البحث المماثلة، وتشكيل لجان اختصاص لمتابعة مقررات المؤتمر،وإبقاء التواصل بشكل منتظم،فصلي أو نصف سنوي، وتخصيص منح دراسية للباحثين الشباب حول الإشكاليات اللبنانية والإقليمية، ورصد استطلاعات وتقارير مراكز البحث والتفكير الخارجية، والتحقق من مضمونها،ودقة مقاربتها.

أما التوصيات العامة،فأهمها:

عدّ الاستقرار السياسي،والاقتصادي،والعسكري،ووقف النزيف في النزاعات العربية أولوية ملحة.

التشديد على احترام القانون الدولي،وقانون البحار، وضمان سلامة الممرات المائية.

إحياء مفهوم الدولة الوطنية والسيادة، وتدعيمه بأنظمة ديمقراطية مدنية تعددية، وتجديد العقد الاجتماعي لضمان الاستقرار الداخلي،مع تفعيل قيم المواطنة ودور المجتمع.

الاسترشاد بأدبيات حل النزاع، ومبادرات المنظماتغير الحكومية والمجتمع المدني.

عدّ مكافحة الإرهاب أولوية وطنية وعالمية.

دعوة المركز لإطلاق مبادرة لإنجاز عمل تحليلي حول تفعيل جامعة الدول العربية بالتواصل مع المراكز الأخرى وصناع القرار. وفي هذا الإطار،يستحسن التوافق على تعريف محكم للأمن القومي العربي، وسبل تعزيز المبادلات الاقتصادية،والتعاون في الأبحاث،والمواصلات،والتعليم لأهميتها في بناء اتحاد عربي فعال يواجه تحديات الاندماج الإقليمي والعولمة.

أهمية التنسيق الإقليمي،واتباع سياسة حسن الجوار والحوار مع إيران وتركيا.

التركيز على دور منظمة الأمم المتحدة في سياق النزاعات، والتعاون في قطاع الطاقة،وفق منطق الشرعية الدولية، حيث يتصل أمن الطاقة بالأمن الاستراتيجي فيما يخص دول المنشأ،والممر،والمصب.

الشفافية والتغطية الإعلامية الموضوعية تمثل أهمية كبيرة في إدارة استخراج الغاز الطبيعي والنفط،وتسويقهما، وكذلك الأمر بالنسبة للثروة المائية وحمايتها.

إجراء دراسة حول الغاز،والنفط،وآليات التعاون، وسبل حماية هذه الثروة،مع طرح إقامة شركة مستقلة لإنتاج وتسويق الغاز والنفط.

هل ضاعت فلسطين في ظل صراعات المنطقة؟:

كانت فلسطين هي محور البحث والنقاش في مجموعة العمل الثانية، التي طرح عليها السؤال المتجدد: هل ضاعت فلسطين في خضم الصراعات في المنطقة؟، وما هو مصير حق العودة للاجئين الفلسطينيين على ضوء الاهتمام الإقليمي والدولي بموضوع انتشار النازحين السوريين؟

وقد أوصت هذه المجموعة بما يأتي:

إعادة تفعيل قرارات جامعة الدول العربية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

المطالبة بالوفاء بالوعود التي تعهدت بها الدول العربية في مساعدة الشعب الفلسطيني.

الدعوة إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية،خاصة القرارين المتعلقين بحق العودة رقمي: "181"194"، وتوظيف الوسائل الثقافية،والتربوية،والإعلامية من أجل وضع القضية الفلسطينية في مركز الصدارة فيما يتعلق بالرأي العام، مع الاستفادة من التقنيات الحديثة لدعم القضية الفلسطينية،وفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

الاهتمام بالآليات القانونية الدولية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني من أجل التصدي للخرق الإسرائيلي المستمر للقوانين الدولية،وقرارات الأمم المتحدة.

ضرورة التنبيه والحذر من التغيير الديموجرافي الممنهج في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط.

يأتي تأكيد ضرورة العمل على وحدة الشعب الفلسطيني،وجعل قضيته فوق كل النزاعات العربية- العربية.

إعداد الملف الدبلوماسي اللبناني لدعم حق العودة.

العمل على إنشاء"لوبيات" عربية تسعي إلى التواصل مع الرأي العام الأوروبي والأمريكي لشرح القضية الفلسطينية،والانتهاكات الإسرائيلية.

مواجهة العنصرية الصهيونية، والدعوة إلى الإبقاء على مقاطعة الكيان الصهيوني،ورفض أي شكل من أشكال التطبيع مع هذا الكيان.

رفض إقامة أي كيان أو دولة ذات طابع ديني،أو طائفي،أو مذهبي في منطقة الشرق الأوسط.

تداعيات النزوح السوري للبلدان المجاورة:

انشغلت مجموعة العمل الثالثة بالقضية التي يفترض أنها تشغل العالم كله الآن، وهي قضية السوريين الذين غادروا بلدهم هائمين على وجوههم هربا من الحرب الداخلية الضاريةوكان السؤال الرئيسي المطروح عليها: (ما هي المفاعيل الأمنية، والاجتماعية،والاقتصادية للنزوح السوري على البلدان المجاورة؟، وما هي سبل معالجة هذا الموضوع في ظل تشديد إجراءات الهجرة باتجاه أوروبا من جهة، وعدم وجود بوادر حل للأزمة السورية من جهة أخرى؟).

وقد توصلت هذه المجموعة إلى توصيات تم تصنيفها ضمن أبواب أربعة:

1- توصيات تتعلق بالصراع:

التشديد على أولوية الحل السياسي في سوريا،والتركيز على عودة مواطنيها إليها.

مطالبة جامعة الدول العربية،والمنظمات العربية ذات الصلة بالتحرك على المستوى الدولي،خاصة على المستوى الأوروبي،لوقف الصراع الدائر على سوريا، وزيادة حجم الإسهامات المالية لدعم النازحين.

تسليط أكبر ضوء إعلامي ممكن على واقع النازحين ومعاناتهم الإنسانية.

مناشدة الدول والأطراف التي أسهمت في الصراع الدائر في سوريا العمل على وقف هذا الصراع،وتحمل مسئولياتها الأخلاقية والقانونية تجاه النازحين السوريين.

إطلاق حملة توعية من قبل الحكومات والجيوش،تهدف إلى توصيف أزمة النزوح السوري على أنها أزمة إنسانية إقليمية وعالمية تهدد طبيعة العلاقات بين المجتمعات والدول.

إنشاء صندوق مالي دولي بصفة عاجلة للاهتمام بأحوال النازحين السوريين.

2- توصيات تتعلق بعودة النازحين:

عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة للنظر في أزمة النازحين السوريين،وسبل عودتهم إلى سوريا.

إطلاق برنامج إقليمي موحد يحدد استراتيجيات إعادة الإعمار في سوريا،وتحديد سياسات دعم النازحين في الدول المضيفة ريثما يتمكنون من العودة.

إقامة ورش عمل إقليمية للبحث في طبيعة الحوافز التي تشجع النازحين على العودة،وتزيد من فرص تحقيقها.

إطلاق ورش عمل بين الحكومة،والمنظمات الدولية،وهيئات المجتمع المدني،تهدف إلى تحويل واقع النزوح في المناطق الحدودية المهمشة في الدول المضيفة إلى فرصة لتنمية هذه المناطق،وما يجعلها مهيأة لأن تكون جسر عبور لتنمية المناطق الحدودية المقابلة،وعودة النازحين.

3- توصيات تتعلق بالآليات والإجراءات التي تحسن الظروف المعيشية للنازحين:

مطالبة جامعة الدول العربية بتحمل مسئولياتها تجاه أزمة النازحين السوريين،خاصة إعادة توزيعهم على عدد أكبر من الدول،تخفيفا لكثافة وجودهم في الدول المضيفة الحالية.

تأكيد الحقوق الإنسانية البديهية للنازحين السوريين، وضرورة احترامها، مع أولوية احترام سيادة الدول المضيفة،والقوانين المرعية الإجراء فيها،والمبادئ الدستورية ذات الصلة.

إنشاء لجنة تنسيق عليا بين دول الجوار السوري المضيفة للنازحين، تهدف إلى تبادل المعلومات،وإصدار تقارير مشتركة، وزيادة فعالية الوصول إلى الموارد.

حرص السلطات في الدول المضيفة على تأمين التعليم الإلزامي والمجاني للأطفال السوريين النازحين.

التشدد في تجنب فرض عقوبات جماعية عند وقوع جريمة فردية من قبل نازح سوري معين.

تفعيل التواصل بين المضيفين والنازحين،وإبراز العوامل الإيجابية التي تعزز هذا التواصل،حيثما وجد.

4- توصيات تتعلق بمسئوليات الدولة المضيفة:

دعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسئولية أكبر تجاه النازحين السوريين،ومطالبة الدول المانحة بالوفاء بالتزاماتها المالية تجاه النازحين والدول المضيفة.

دعوة الحكومة،والمؤسسات العسكرية والأمنية في كل من لبنان، والأردن، وتركيا لتنسيق أوسع،عبر لجان وغرف عمليات مشتركة تهدف إلى إقرار وتنفيذ الخطط الآيلة،إلى الحد من المفاعيل الأمنية،والاقتصادية،والاجتماعية للنزوح السوري.

دعم الجيش الوطني والقوي الأمنية لتمكينها من فرض الأمن،وضبط الحدود.

تفعيل دور السلطات المحلية،ودعوتها إلى التواصل المباشر والفعال مع تجمعات النازحين السوريين.

وضع خريطة طريق سيادية تضبط وتضمن مرور السوريين والمساعدات عبر الحدود.

تشكيل مجلس أعلى رسمي لإدارة ملف النازحين في لبنان.

تفعيل العلاقات المدنية- العسكرية في إدارة برامج العناية بالنازحين السوريين.

إنشاء جهاز لرصد ومكافحة مافيات الإتجار بالبشر،وكل الجرائم المنظمة.

مطالبة الجهات المانحة بمتابعة حثيثة للجمعيات المعتمدة من قبلها،وحثها على توزيع شفاف وعادل للهبات والمساعدات.

إقامة ورش عمل،وتنفيذ دراسات إحصائية ميدانية تسمح بإنشاء بنك معلومات يتعلق بالنازحين السوريين.

مراقبة عمل الجمعيات،ذات الطابع الأهلي والإنساني،التي تتفاعل مع تحركات النازحين،منعا لأي استغلال.


رابط دائم: