معاملات المقاومة: هل يغير "الرئيس الجديد" المعادلة المؤسسية للسياسة الخارجية الأمريكية؟
14-11-2016

عمرو عبد العاطي
* باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية
يقوم النظام السياسي الأمريكي في جوهره على مبدأ "الرقابة والتوازن" (Check and Balance)، حيث يقيد الدستور الأمريكي المؤسسات السياسية، عبر إعطاء غيرها صلاحيات واسعة للرقابة عليها، وكبحها إذا ما تمادت في استخدام تلك الصلاحيات، أو سعت للسيطرة على صلاحيات غيرها.
 
 وقد توزعت تلك الصلاحيات بين السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) على نحو لا يسمح لأي منها بالانفراد بصنع القرار الأمريكي. فالعلاقة بين تلك المؤسسات لا تقوم على الفصل بين السلطات فقط، وإنما هي علاقة "مؤسسات منفصلة تتقاسم السلطات" (Separated Institutions Sharing Power)(1).
 
ولهذا، فإن عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تتسم بالتعقيد والتشابك لتداخل صلاحيات وتأثير أكثر من مؤسسة رسمية وغير رسمية (جماعات الضغط ومراكز الأبحاث على سبيل المثال)، لاسيما وأن الدستور لم يحدد أدوارا محددة لكل مؤسسة من المؤسسات المشاركة والمؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية. إذ إن الممارسة العملية لصنع السياسة الخارجية كشفت عن تزايد دور مؤسسة وتراجع أخري، وظهور مؤسسات جديدة بحسب كل مرحلة زمنية. وتختلف العلاقة بين تلك المؤسسات باختلاف توجهات السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية، وهو ما يثير عددا من التساؤلات من قبيل: ما هي المؤسسات الرسمية التي تلعب دورا مؤثرا في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية؟ وكيف تأثر دور تلك المؤسسات بالتحولات الداخلية والخارجية؟ وما هو مستقبل العلاقة بين تلك المؤسسات في ظل إدارة أمريكية جديدة؟
 
أولا- دور الرئيس والكونجرس في السياسة الخارجية:
 
دستوريا، يشارك في عملية صنع السياسة الخارجية السلطتان التشريعية والتنفيذية. فقد حدد الدستور صلاحيات معينة لكل من المؤسستين في عملية صنع السياسة الخارجية، بعضها يتم بشكل مستقل، والآخر بشكل متداخل. فنص الدستور على أن للكونجرس حق إعلان الحروب (المادة الأولي/الفقرة الثامنة). ولكنه في الوقت ذاته، يقرر أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة (المادة الثانية/الفقرة الثانية). لكن الممارسة الواقعية تكشف عن أن رؤساء الولايات المتحدة استطاعوا الالتفاف على سلطة الكونجرس(2) في إعلان الحروب عبر مبرر الإجراءات الدفاعية لحماية مصالح الولايات المتحدة.
 
واتخذ أكثر من رئيس أمريكي قرار شن الحرب بصورة منفردة دون الرجوع إلي الكونجرس، إما بالعمل على تشكيل تحالفات دولية، أو استنادا إلي قرارات من مجلس الأمن الدولي. وكان آخر تلك الحروب مشاركة القوات الأمريكية في تحالف دولي قاد علميات عسكرية ضد الرئيس الليبي معمر القذافي في عام 2011 دون موافقة الكونجرس. وقد برر الرئيس الأمريكي باراك أوباما مشاركة القوات الأمريكية بقرار مجلس الأمن رقم .1973 وفي حالات الحروب الأمريكية، خلال العقود الماضية، أذعن الكونجرس لتعدي الرئيس على صلاحياته(3).
 
وبينما يمتلك الرئيس سلطة توقيع المعاهدات، وتعيين السفراء، فلابد للكونجرس، خاصة مجلس الشيوخ، الموافقة بثلثي عدد أعضائه على المعاهدات، والموافقة على الوزراء والسفراء. كما يعد من سلطة الكونجرس إصدار تشريعات تتعلق بالعلاقات الاقتصادية والخارجية، والقوانين الخاصة بالمساعدات للدول الأجنبية، والمنظمات الدولية. وتكون تلك التشريعات، بعد أن تصبح قانونا، ملزمة للسلطة التنفيذية.
 
ويمتلك الكونجرس سلطة الرقابة على تنفيذ السلطة التنفيذية للسياسة الخارجية باستدعاء المسئولين التنفيذيين للشهادة أمام لجان مجلسي الشيوخ والنواب المختصة بقضايا العلاقات الدولية، والدفاع، والاستخبارات، ولتلك اللجان تأثير كبير في تشكيل الرأي العام الذي يعد محددا مهما في عملية صنع السياسة الخارجية. فعلى سبيل المثال، عقب الهجوم على القنصلية الأمريكية في ليبيا في سبتمبر 2011، دشن الكونجرس لجنة للتحقيق في تلك الأحداث، بجانب استدعاء المسئولين، ومن ضمنهم وزيرة الخارجية في ذلك الوقت هيلاري كلينتون، للشهادة أمام الكونجرس حول تلك الأحداث للتعرف على مواطن الإخفاق.
 
وتزيد "قوة المحفظة" (Power of the Purse) من دور الكونجرس في عملية صنع السياسة الخارجية، حيث يمنحه الدستور صلاحيات اعتماد المخصصات المالية التي تحتاج إليها السلطة التنفيذية لتنفيذ سياستها الخارجية. فعلى سبيل المثال، أعاق الكونجرس محاولات الرئيس أوباما المتعددة لإغلاق معتقل جوانتانامو، من خلال النص في قانون الدفاع لعام 2016، الذي وافق عليه الرئيس، على منع وزارة الدفاع (البنتاجون) من استخدام المخصصات المالية الفيدرالية في نقل المعتقلين من جوانتانامو إلي الولايات المتحدة، أو لبلد ثالث(4).
 
أوجد تشارك المؤسستين التنفيذية والتشريعية في عملية صنع السياسة الخارجية حالة من التصادم والنزاع الدستوري على الصلاحيات. تاريخيا، اتسمت العلاقة بين السلطتين بالتوافق، وتفويض من الكونجرس للرئيس في قضايا السياسة الخارجية، خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، واحتدام التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وقد استمر هذا التوافق حتي عام 1973، حيث أخذ دور الرئيس في عملية صنع السياسة الخارجية في التراجع لمصلحة الكونجرس مع تراجع مكانة الرئيس في النظام السياسي الأمريكي، إثر إخفاقات حرب فيتنام، وفضيحة ووترجيت، وإصدار الكونجرس لقانون سلطات الحرب في عام .1973 ومع نهاية الحرب الباردة، عاد دور الكونجرس بقوة في الفترات التي تغيب فيها التهديدات لأمن الولايات المتحدة ومصالحها القومية. ولكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، عاد إذعان الكونجرس للرئاسة(5). ولكن مع نهاية عام 2006، بدأ الكونجرس يستعيد دوره مع فوز الديمقراطيين بالأغلبية داخل مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. وخلال ولاية أوباما، استمرت معارضة الكونجرس، لاسيما مع فوز الجمهوريين بالأغلبية بمجلسي الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي عام 2012(6).
 
ثانيا- تصاعد وتراجع أدوار أجهزة تنفيذية في عملية صنع السياسة الخارجية:
 
يأتي الرئيس على قمة السلطة التنفيذية التي تضم مستشاري الرئيس، ومعاونيه، ووزارات، ووكالات فيدرالية تؤثر في توجهات الرئيس وقراراته، عبر ما تقدمه من توصيات وتحليلات لقضايا السياسة الخارجية. ويكون القرار النهائي الذي يتخذه الرئيس هو نتاج التفاعلات والتأثيرات المتبادلة بين تلك الأجهزة التنفيذية. عمليا، يتباين نمط أداء كل جهاز من الأجهزة المعاونة للرئيس لأدوارها في عملية صنع السياسة الخارجية بحسب أداء الأجهزة الأخري، والمساحة التي يمنحها الرئيس ذاته لكل منها. ويختلف هذا الدور -أيضا- وفقا للسياقين الدولي والمحلي، حيث تؤدي طبيعة التحديات التي تشهدها البيئة الدولية، ونمط انخراط الولايات المتحدة في النظام العالمي إلي تنامي نفوذ مؤسسات في عملية صنع السياسة الخارجية، وتراجع مؤسسات أخري(7).
 
عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وضعف التنسيق بين الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، أنشئت وزارة الأمن الداخلي ليدمج داخلها مختلف الوكالات الفيدرالية المعنية بشئون الأمن والاستخبارات. ومنذ تلك الأحداث الإرهابية، ودور تلك الوزارة في عملية صنع السياسة الخارجية في تزايد، لأنها تقدم تقارير للرئيس حول مصادر التهديدات الخارجية، وأيها أكثر إلحاحا، وأشد خطورة من الأخري، وينتشر موظفوها في معظم سفارات الولايات المتحدة في العالم(8).
 
ولم تأت أحداث سبتمبر الإرهابية لتغير من أولويات إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش فقط، ولكنها أدت إلي تغيير في الأوزان النسبية للمؤسسات الأمريكية المشاركة في عملية صنع السياسة الخارجية. فمع وضع الإدارة الحرب على الإرهاب أولوية أولي، وخوضها حربين في أفغانستان (أكتوبر 2001)، والعراق (مارس 2003)، زاد دور وزارة الدفاع في صنع السياسة الخارجية، مع تراجع دور وزارة الخارجية. وقد كان هذا استجابة لتغير في أولويات الإدارة، وأيضا لسيطرة تيار فكري جديد على مؤسسات صنع القرار يعطي أهمية للقوة العسكرية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية(9).
 
تنظر الأجهزة التنفيذية لقضايا السياسة الخارجية من رؤي مختلفة، ولذا فإنها تتنافس في التأثير في النقاش، وإجراءات عملية صنع السياسة الخارجية لتكون أكثر استاقا مع رؤيتها ومصالحها(10). وتتمثل الأجهزة التنفيذية الرئيسية التي تشارك الرئيس والكونجرس في عملية صنع السياسة الخارجية في الآتي:
 
1- وزارة الخارجية:
 
يعد وزير الخارجية الأمريكي المستشار الأول للرئيس فيما يتعلق بأمور السياسة الخارجية، والمسئول عن إجراء المفاوضات الدولية، وممثل السلطة التنفيذية لدي الكونجرس فيما يتعلق ببرامج المعونات للدول الخارجية والمنظمات الدولية، ويراقب مصالح الولايات المتحدة في الخارج، ويقدم المساعدة للرئيس وصناع القرار في عملية صنع السياسة الخارجية.
 
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي يكون من اختيار الرئيس، فإن هذا لا يعني الاتفاق الدائم بينهما، أو ضمان حصول الوزير على صلاحيات واسعة في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، لأن هذا يتوقف على أقتناعات الرئيس في المقام الأول، والمهارات الشخصية لوزير الخارجية. فعلى سبيل المثال، تمتع جيمس بيكر، في عهد إدارة الرئيس جورج بوش الأب، ومادلين أولبرايت في ولاية بيل كلينتون الثانية، وكوندوليزا رايس في ولاية جورج دبليو بوش الثانية، بصلاحيات واسعة في صنع السياسة الخارجية من قبل رؤسائهم. وعلى خلاف ذلك، فإن وارن كريستوفر في ولاية بيل كلينتون الأولي، وكولن باول في ولاية بوش الابن الأولي، جري في الأعم الاستعاضة عن أغلب أدوارهم بالاعتماد على مجموعات صغيرة من المستشارين والمقربين من الرئيس(11).
 
وفي الممارسة العملية، كثيرا ما يتخطي الرئيس الإطار التقليدي لعملية صنع السياسة الخارجية بأن يمنح ملفا أو مهمة من اختصاص وزارة الخارجية إلي أحد الأجهزة التنفيذية المعاونة له. فعلى سبيل المثال، عندما أراد الرئيس أوباما المضي قدما في سياساته للانفتاح على إيران وكوبا في وقت مبكر من إدارته، فإنه أوكل مهمة الانفتاح مع الأخيرة لنائب مستشار الأمن القومي بنيامين رودس، والدبلوماسي الأمريكي اللاتيني ريكاردو زونيجا، اللذين قادا محادثات سرية أدت للانفتاح الأمريكي على كوبا. ولم تعرف وزارة الخارجية بالمحادثات إلا بعدما شارفت على الانتهاء(12).
 
2- وزارة الدفاع (البنتاجون):
 
تلعب وزارة الدفاع دورا مركزيا في عملية صنع السياسة الخارجية في أوقات الأزمات والتهديدات للأمن والمصلحة القومية الأمريكية، حيث يكون للقوة العسكرية أولوية أولي على ما عداها من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، مثل الدبلوماسية والمفاوضات. ودور الوزارة في عملية صنع السياسة الخارجية في تزايد بعد تحوله من دور تنفيذي إلي سياسي، مع سعيها لتأكيد الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، وعسكرة السياسة الخارجية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتزايد انتشار القوات الأمريكية في الخارج، بعد انتهاء الحرب الباردة.
 
ولا ينكر المسئولون العسكريون الدور المتنامي لوزارة الدفاع في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، حيث صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأسبق مايكل مولن، في 3 مارس 2010، بأن "عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية لا يزال يهيمن عليها العسكريون الذين يقودون القوات الأمريكية في الخارج". وهو ما أكده وزير الدفاع الأسبق روبرت جيتس، حيث قال إنه "من السهل على الكونجرس التصويت بالمخصصات المالية لوزارة الدفاع بدلا من وزارة الخارجية"(13).
 
3- وكالة الاستخبارات المركزية (CIA):
 
تؤثر الوكالة في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، من خلال تقديم المعلومات السياسية والاستراتيجية للمسئولين عن اتخاذ قرارات تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، وتقوم بأعمال سرية في الخارج لتنفيذ أهداف سياسية واستراتيجية محددة بأمر من الرئيس، أو بتفويض منه(14).
 
ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تعرضت الوكالة وباقي أجهزة الاستخبارات لانتقادات شديدة لفشلها في توقع تلك الأحداث الإرهابية، على الرغم من ميزانيتها الضخمة، وهو الأمر الذي دفع الرئيس والكونجرس إلي إجراء مراجعة لها، وهو ما نال من قدرتها على التأثير في عملية صنع السياسة الخارجية. وتراجع هذا الدور أيضا مع الكشف عن تحيز الاستخبارات في تقاريرها التي سبقت الحرب الأمريكية على العراق، حيث كانت التقارير تأتي لخدمة تيار "المحافظين الجدد" الذي سيطر على إدارة جورج دبليو بوش، والذي كان لديه خطط، قبل وصوله إلي الإدارة في عام 2000، لضرب العراق(15). ولكن مع تزايد التهديدات الإرهابية للولايات المتحدة، وانخراطها في قيادة تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، فإن دورها سيكون في تزايد.
 
4- مجلس الأمن القومي:
 
تم انشاء مجلس الأمن القومي في عام 1974 لتقديم المشورة للرئيس بشأن المسائل الأمنية، والتنسيق بين السياسات الخارجية والدفاعية، عبر فروع ووكالات السلطة التنفيذية المختلفة(16). ومنذ تأسيسه، وهو يتولي مكانة متميزة في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية. وقد أصبح أداة رئيسية في أيدي الرئيس للسيطرة على السياسة الخارجية بما يتفق ورغباته. وغالبا ما كانت رؤية وقوة المجلس في عملية صنع السياسة الخارجية سببا للصراع مع الأجهزة التنفيذية الأخري.
 
وتنبع أهمية مشاركة المجلس في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية من صياغته لاستراتيجية الأمن القومي، التي تحدد ملامح واتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية خلال أربع سنوات، واقتراحه الخيارات للسياسة الخارجية، وتكلفة ومزايا كل خيار. وما يعطي أهمية لهذا المجلس تزايد تعقد القضايا الدولية، وعدم تمكن وزارة الخارجية بهيكلها البيروقراطي من مواكبتها(17).
 
ولتزايد دوره في عملية صنع السياسة الخارجية، أخذ حجم المجلس في التوسع. فمع إنشائه في سبعينيات القرن العشرين، كان عدد موظفيه لا يتجاوز 20 فردا، وقد وصل هذا العدد في منتصف التسعينيات إلي 60 موظفا، وتزايد عدد موظفي المجلس حتي بلغ نحو 100 موظف، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد استأنف المجلس نموه خلال السنوات الأخيرة لإدارة جورج دبليو بوش، ولكن هذا النمو تسارع خلال إدارة أوباما ليصل العدد حاليا لأكثر من 400 موظف، وهو أكثر من ضعف العدد مع نهاية إدارة جورج دبليو بوش. ويعكس هذا النمو اعتماد الرئيس المباشر على المجلس لوضع وتنفيذ سياساته أكثر من الاعتماد على وزارة الخارجية(18). ومع تزايد دور المجلس في عملية صنع السياسة الخارجية، عدّه البعض أحد أفرع السلطة التنفيذية الإضافية(19). ويظهر الشكل رقم (1) تكوين المجلس خلال إدارتي جيمي كارتر في عام 1977، وباراك أوباما في عام 2015، والذي يظهر حجم توسع صلاحيات المجلس.
 
5- نائب الرئيس:
 
تاريخيا، لم يلعب نائب الرئيس الأمريكي دورا مؤثرا في عملية صنع السياسة الخارجية، حيث إنه في العادة يكون أكثر وضوحا في القضايا الداخلية. ولكن مع تولي ديك تشيني منصب نائب الرئيس في إدارة جورج دبليو بوش، ظهر دور نائب الرئيس في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، ولعل ذلك يرجع بصورة رئيسية إلي خبرة تشيني في العمل الحكومي، حيث كان رئيس موظفي البيت الأبيض لإدارة جيرالد فورد، وعضوا بالكونجرس لمدة عشر سنوات، ووزيرا للدفاع في إدارة بوش الأب.
 
ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تزايد دور تشيني في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، لاسيما في قرار الحرب على العراق في عام 2003. ولعل ذلك يرجع بصورة رئيسية إلي التوافق الفكري بينه وبين مَن على قيادة المؤسسات التنفيذية التي تلعب دورا رئيسيا في صناعة القرار الخارجي الأمريكي، لاسيما وزير الدفاع في ذلك الوقت دونالد رامسفيلد(20).
 
ثالثا- مستقبل التنافس المؤسسي في ظل إدارة جديدة:
 
تتمحور السياسة الخارجية الأمريكية تاريخيا في تيارين رئيسيين. التيار الأول: "التدخلي" (Interventionism) الذي يقوم على الانخراط الأمريكي الفعال في الشئون الدولية، بغية تحقيق المصالح الأمريكية بجميع الوسائل، التي يأتي في مقدمتها القوة العسكرية. ويكون هذا الدور التدخلي إما انفراديا تقوده الولايات المتحدة بعيدا عن حلفائها، أو تشاركيا يقوم على التحالفات والشراكات مع الحلفاء التقليديين. أما التيار الثاني: "الانعزالي" (Isolationism)، فهو الذي يركز على رفض المشاركة الفعالة في الشئون الدولية، ويركز على قضايا الداخل، حيث ينطلق هذا التيار من أولوية الداخل على الانخراط في الشئون الدولية.
 
يؤثر النهج الذي تتبناه الإدارة الأمريكية من هذين التيارين في طبيعة العلاقة بين المؤسسات المؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما يقودنا لمعرفة توجهات السياسة الخارجية لكل من المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، والمرشح الجمهوري دونالد ترامب لتوقع شكل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبين الأجهزة التنفيذية المشاركة في عملية صنع السياسة الخارجية.
 
1- العلاقة بين المؤسسات في ظل إدارة "كلينتون":
 
بالنظر لخبرتها السياسية الطويلة على المستويين التشريعي والتنفيذي، يرجح أن يكون لهيلاري كلينتون دور مركزي في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، حال فوزها بمنصب الرئاسة. ويمكن أن تتيح تلك الخبرة لكلينتون تجنب الاصطدام مع الكونجرس من جهة، وقيادة معاونيها التنفيذيين بكفاءة، وخفض حدة التعارض بين المؤسسات المتنافسة في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية من جهة أخري. ويمكن لكلينتون تطوير رؤي تحقق حدا من التوافق بين الرؤي المتباينة لتلك المؤسسات، وتقلل من فرص التصادم بين الرئيس وتلك الأجهزة التنفيذية. وإذا لم يمكن تحقيق التوافق بين رؤي تلك الأجهزة التنفيذية، فإن خبرة كلينتون ستوفر لها درجة أكبر من الثقة من قبل الرأي العام والمؤسسات على السواء، حال اضطرارها لاتخاذ قرار نهائي صعب، وغير توافقي، فضلا عن أن كلينتون كثيرا ما تبدي استعدادا لتغيير رؤيتها إذا قُدمت لها حجج مقنعة(21).
 
ومن متابعة مواقف كلينتون من قضايا السياسية الخارجية، يتضح أنها تتبني رؤي التيار التدخلي، حيث تؤمن بالاستثنائية الأمريكية، وتتبني أحيانا مواقف "صقورية" في السياسة الخارجية الأمريكية. وعلى الرغم من إيمان كلينتون بأهمية القوة العسكرية في حل قضايا الإرهاب، وتأكيد النفوذ العسكري الأمريكي، فإن هذا التأييد ليس مطلقا، فهي تعد الدبلوماسية والمفاوضات كخط الدفاع الأول لها. وكثيرا ما اشتكت، في أثناء قيادتها لوزارة الخارجية، من عسكرة السياسة الخارجية. وتفضل كلينتون استخدام القوة الذكية (Smart power) -تجمع بين القوتين الناعمة والصلدة- في مواجهة التهديدات الأمنية الأكثر خطورة.
 
ويبدو أن السؤال بالنسبة لهيلاري كلينتون ليس حول أولوية أي شكل من أشكال القوة الأمريكية في السياسة الخارجية، بقدر ما أنه كيفية تحقيق التوازن الكفء في استخدام تلك الأشكال جميعا في ضوء معطيات السياقات المختلفة. ويبدو أن كلينتون أضحت مع الوقت أكثر ميلا لتحجيم وزن القوة العسكرية في إدارة السياسة الخارجية، وقصرها على حالات الضرورة والخطر المحدق. يتضح ذلك من تتبع مواقف كلينتون من استخدام القوة العسكرية، إبان قيادتها لوزارة الخارجية الأمريكية، خلال إدارة أوباما الأولي، حيث توافقت رؤية كلينتون مع رؤية وزارة الدفاع بشأن ضرورة استعراض الولايات المتحدة قوتها العسكرية في البحر الأصفر، حين أغرقت سفينة تابعة للبحرية الكورية الشمالية سفينة كورية جنوبية في يوليو 2010. وعندما كان أوباما يرفض زيادة القوات الأمريكية في الخارج، وفقا لما أعلنه خلال حملته الانتخابية، انحازت وزيرة الخارجية السابقة لوزير الدفاع والمسئولين العسكريين في دعوتهم لزيادة القوات الأمريكية في أفغانستان. كما أنها دعت لزيادة استخدام هجمات الطائرات بدون طيار ضد الإرهابيين المشتبه بهم، واستخدام القوة العسكرية في ليبيا، وقتل زعيم تنظيم القاعدة الأسبق، أسامة بن لادن. ودعمت قرارات أوباما لنشر مزيد من القوات الخاصة، وتكثيف الضربات الجوية ضد تنظيم "داعش"(22).
 
إلا أنها في المقابل، كانت هي من قادت إطلاق المفاوضات مع إيران، ودعمت انفتاح أوباما على كوبا، والدبلوماسية الإقليمية مع تزايد التحركات الصينية في بحر الصين الجنوبي(23). وفي أثناء توليها منصب وزير الخارجية، تحدثت كلينتون عن قيادة أمريكية من خلال "القوة المدنية" (Civilian Power)، حيث كانت تري ضرورة إعادة النظر في الدبلوماسية الأمريكية، من خلال ربطها بدعم التنمية حول العالم، والتنسيق مع المؤسسات المحلية في الدول التي تستهدفها هذه الدبلوماسية، والسعي وراء حلول جماعية للأزمات الدولية، وتعزيز التعاون الدولي(24).
 
وبالتالي، يمكن القول إن إيمان كلينتون بأهمية القوة الأمريكية لتحقيق المصلحة الأمريكية، وإبداء رغبتها، في بعض الحالات، على عكس الرئيس أوباما في استخدام القوة العسكرية لدحر الخصوم، مثلما هو الحال إزاء التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد، لن يعني هيمنة وزارة الدفاع على عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، حيث ستتحسب كلينتون لأي استخدام للقوة العسكرية إلا في حال تعرض مصالح الولايات المتحدة، وأمنها لتهديد حقيقي ومباشر، وحين يكون من شأن التدخل العسكري تحسين الوضع بشكل مؤكد، وفي حال وجود اتفاق عليه من قبل الرأي العام الأمريكي، حيث بات التدخل العسكري خارجيا يحمل تكلفة سياسية باهظة في الداخل(25). ويدعم من ذلك رؤية كلينتون المتمثلة في أن القوة الأمريكية تتجاوز بعدها العسكري، وأن الحرب لا يمكن أن تكون الحل الجذري للأزمات الدولية، بما في ذلك الحادة منها، مثل مواجهة تنظيم "داعش"، الذي تري كلينتون أن مواجهته تتطلب تعزيز الاستخبارات، والتعاون الدولي، وتقييد وصول الأسلحة للتنظيم، ووقف جهوده لتجنيد الإرهابيين(26).
 
وبالتالي، فإنه من المرجح أن تشهد المرحلة المبكرة من رئاسة كلينتون دورا مركزيا لوزارة الخارجية في عملية صنع السياسة الخارجية، وأن تعول عليها كلينتون بداية في حل عديد من المشكلات الدولية، فيما يرجح أن يتمحور دور وزارة الدفاع حول هدف المحافظة على التفوق العسكري الأمريكي، وتأكيد الهيمنة "العسكرية" الأمريكية دوليا في مواجهة محاولات القوي الدولية المنافسة (الصين روسيا) تحديث ترسانتها العسكرية بما قد يهدد مكانة الولايات المتحدة ونفوذها عالميا. كما ستعني الوزارة بتعزيز المساعدات العسكرية الخارجية، وبرامج التدريب للدول الحليفة(27) لتأهل قواتها لمجابهة التحديات الدولية، مع تنامي ظاهرتي الإرهاب الدولي، وفشل الدولة القومية(28).
 
ورغم الدور المركزي المتوقع لكلينتون في عملية صنع السياسة الخارجية، فإنه يرجح أن تسعي لتحقيق نقطة توازن أخري بين أولويات السياسة الخارجية والداخلية. ويرجح أن تعمل كلينتون على إثبات أنها لن تحصر دورها كرئيسة للبلاد في تكرار نموذج وزيرة للخارجية، أو المشرع بالكونجرس، وستحاول إثبات امتلاكها رؤية أكثر شمولا تتيح لها تحقيق التوازن بين الأولويات المختلفة. ولتأكيد هذه الصورة، يرجح أن تركز، خلال الأيام الأولي من رئاستها، على قضايا الداخل بدرجة أكبر، وهو ما عكسه موقع حملتها الانتخابي، حيث ذكر أن ستة من بين أهم سبعة إنجازات حققتها كلينتون، خلال مسارها السياسي، تتعلق بقضايا الداخل، مثل: الرعاية الصحية، وقضايا الأسرة، وحقوق الإنسان أما الإنجاز الأخير، فكان التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في عام 2012(29).
 
ويرجح أن تشهد العلاقة بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية تعاونا في رئاسة كلينتون، نظرا لخبرتها كعضو سابق في مجلس الشيوخ، وخبرة نائبها تيم كين في العمل التشريعي، لاسيما في اللجان التي يمارس من خلالها الكونجرس دورا مؤثرا في السياسة الخارجية الأمريكية. وخدم كين في لجنتي العلاقات الخارجية، والخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ، واشتهر بمعارضته استخدام البيت الأبيض للقوة العسكرية ضد تنظيم "داعش" دون ترخيص صريح من الكونجرس(30). كما تعرب كلينتون عن اقتناعها بأهمية إشراك الكونجرس في عملية صنع السياسة الخارجية، ورفضها انفراد مؤسسة الرئاسة بالقرار الأمريكي الخارجي، خلال إدارة جورج دبليو بوش. لكن تلك العلاقات قد ينتابها بعض التوتر في حال فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية بمجلسي الكونجرس، أو أحدهما، في الانتخابات المقبلة المقررة بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.
 
2- العلاقة بين المؤسسات في ظل إدارة "ترامب":
 
لم يقدم المرشح الجمهوري دونالد ترامب، رغم الكثير من تصريحاته حول قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، سياسات محددة للتحديات المختلفة التي ستواجه الرئيس القادم. ولكن تصريحاته حول قضايا السياسة الخارجية، والأمن القومي الأمريكي تمثل قطيعة مع الأسس التقليدية للسياسة الخارجية للحزب الجمهوري. وتكشف تصريحاته عن تبينه للنهج الانعزالي للسياسة الخارجية الأمريكية، رافعا شعار "أمريكا أولا"(31). فهو يسعي إلي تقليل الوجود العسكري الأمريكي خارجيا، انطلاقا من أن حلفاء الولايات المتحدة يستغلونها عسكريا. ولذا، أعلن أنه -في حال انتخابه رئيسا للولايات المتحدة- فإنه سيقوم بإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية غير الضرورية، وسيطالب حلفاء الولايات المتحدة التي تضم قواعد أمريكية بأن تدفع أموالا مقابل حمايتها. كما وعد بتقليل الالتزام الأمريكي في حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، وطالب حلفاءها الأوروبيين بمضاعفة إسهاماتهم في الحلف. فللمرة الأولي منذ سبعة عقود، يشكك مرشح رئاسي في فائدة التحالفات الخارجية، والوجود العسكري الأمريكي، اللذين يعدان أحد مرتكزات الاستراتيجية الأمريكية(32).
 
نظرا لعدم خبرة ترامب في العمل السياسي والشئون الدولية، فإنه لن يكون له الدور الرئيسي في صنع السياسة الخارجية، لأن التركيز سيكون أكثر على قضايا الداخل الأمريكي. وفي المقابل، سيزيد دور الكونجرس في عملية صنع السياسة الخارجية، من خلال سلطاته التشريعية، وقوة المحفظة. وفي ظل عدم خبرة الرئيس في قضايا السياسة الخارجية، فإنه سيكون أكثر اعتمادا على مستشاريه والمقربين منه، والذين سيشكلون رؤيته لقضايا السياسة الخارجية. وسيكون هناك تنافس بين المؤسسات المشاركة في صنع السياسة الخارجية، لاسيما مع رغبة الرئيس في التركيز على الداخل، في وقت ستسعي فيه الأجهزة التنفيذية إلي الدفاع عن دور أمريكي أكثر انخراطا في الشئون الدولية لتعدد التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة خارجيا.
 
يتأثر دور المؤسسات المشاركة في صنع السياسة الخارجية الأمريكية، ما إذا كان تعاونيا أو صراعيا، بمدي توافر رؤي مشتركة بين المسئولين عن صنع السياسة الخارجية للتهديدات الأمنية ضد الولايات المتحدة(33). ومع اختلاف الرؤي بين الرئيس وعدد من الوزارات والوكالات الفيدرالية، التي تلعب دورا مؤثرا في عملية صنع السياسة الخارجية، فإن العلاقة ستكون صراعية، وكذلك بين تلك الأجهزة ذاتها.
 
وسيكون الصراع على أشده بين ترامب ووزارة الدفاع الأمريكية لمخاوف العسكريين من عدم أهليته ليكون القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث يرون أن أهم الصفات التي تقوم عليها العسكرية الأمريكية "حسن النظام والانضباط" لا تتوافر في ترامب(34). ويشير عديد من المسئولين العسكريين إلي أن المرشح الجمهوري "يجهل مبادئ الدستور والقوانين الأمريكية"، وأن تصريحاته تقوض الأمن القومي الأمريكي، لاسيما خطابه المعادي للإسلام، والذي من شأنه -حسب المسئولين العسكريين- تعزيز قدرات تنظيم "داعش"، كما أنها تقوض من فرص الولايات المتحدة في التصدي للأيديولوجيات المتطرفة(35).
 
وتثير تصريحات ترامب ومواقفه من قضايا السياسة الخارجية غضب النخبة الجمهورية، حيث وقع خمسون جمهوريا من خبراء الأمن القومي خطابا، جاء به أن ترامب سيكون "أكثر رؤساء الولايات المتحدة تهورا"، وأنه "يفتقر إلي الشخصية والقيم والخبرة ليكون رئيسا للبلاد"، كما أنه سيعرض الأمن القومي الأمريكي وازدهارها للخطر. ومن بين الموقعين علي الخطاب مسئولون عملوا في البيت الأبيض، ووزارتي الخارجية والدفاع في إدارات جمهورية على مدي عقود من ريتشارد نيكسون إلي جورج دبليو بوش(36).
 
وعلى الرغم من حاجة الرئيس للاستخبارات الأمريكية في وقت تتزايد فيه التهديدات الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية، والتي تفرض على الرئيس التواصل الدائم مع الاستخبارات، والاستناد إلي تقاريرها في عملية صنع السياسة الخارجية، فإن تصريحات مسئولي الاستخبارات عن ترامب، وكذا تصريحات الأخير عن التقارير الاستخباراتية، تكشف عن أن التوتر سيكون هو محور العلاقة بين الرئيس والاستخبارات الأمريكية. فكثير من المسئولين الاستخباراتيين يرون أن ترامب يمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، وأنه يرفض تغيير وجهة نظره بناء على معلومات جديدة، وليس لديه رغبة في الاستماع إلي الآخرين، ويفتقر لاحترام سيادة القانون(37). كما يري رجال الاستخبارات الأمريكية أن ترامب غير مهتم بمعرفة الحقائق. لذا، سيكون مسئولو الاستخبارات حذرين من تبادل المعلومات الاستخباراتية معه لعادته في الإدلاء بتصريحات متهورة حول السياسة الخارجية، والتي يمكن أن تهدد الأمن القومي الأمريكي(38). ومن جانبه، أعرب المرشح الجمهوري أنه لا يثق في معلومات أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فيتحدث عن أن المعلومات الاستخباراتية، خلال السنوات العشر الماضية، أدت إلي وضع كارثي خارج الولايات المتحدة وداخلها(39).
 
ومن المتوقع أن تشهد العلاقة بين الكونجرس والرئيس ترامب صراعا حول عملية صنع السياسة الخارجية، سواء كانت الأغلبية في الكونجرس من الحزب الديمقراطي، الذي يعارض أفكار ترامب في قضايا السياسة الخارجية، أو حتي لو كانت جمهورية، نظرا لتعارض رؤية ترامب حول قضايا السياسة الخارجية مع أفكار الحزب الجمهوري وبرنامجه الذي سيخوض به انتخابات الكونجرس. ولهذا، فقد أعلن أكثر من عضو جمهوري بالكونجرس عدم التصويت لترامب(40). وخلافا لإشادة ترامب بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كقائد قوي، يدعو برنامج الحزب الجمهوري إلي مواجهة مباشرة مع روسيا، ويحذر من أهداف روسيا في أوروبا الشرقية، ويتحدث عن ضرورة وقوف الولايات المتحدة بصرامة في وجه الرغبات التوسعية الروسية. ويؤكد برنامج الحزب أيضا ضرورة أن يكون للولايات المتحدة وجود قوي داخل حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، وتوفير التدريب والمساعدة للدول الأعضاء في أوروبا الشرقية لتعزيز قدرة الردع لدي الحلفاء، وهو التوجه الذي أعلن ترامب صراحة عدم تحمسه له(41). وسيزداد التوتر بين الرئيس والكونجرس مع احتمال سعي ترامب لاغتصاب سلطة الكونجرس باستخدام "الأوامر التنفيذية" لتنفيذ سياساته الخارجية، أو حتي الداخلية، أو فرض حظر على هجرة المسلمين، وأكد ترامب أنه لا يرفض استخدام الرئيس سلطاته لإصدار الأوامر التنفيذية(42).
 
الهوامش:
 
1- منار الشوربجي، كيف ينتخب الرئيس الأمريكي؟ قيود وتعقيدات وأشياء أخري، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2008)، ص ص18-.19
 
2- لم يعلن الكونجرس الحرب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية إلا خمس مرات فقط، هي: الحرب ضد بريطانيا العظمي (1812)، والحرب ضد المكسيك (1846)، والحرب ضد إسبانيا (1898)، والحربان العالميتان الأولي والثانية.
 
3- Unites States Senate, “Official Declarations of War by Congress”, accessed August 26, 2016,
 
http://www.senate.gov/pagelayout/history/h_multi_sections_and_teasers/WarDeclarationsbyCongress.htm
 
3- Louis Fisher, “Presidents Who Initiate Wars” in James M. McCormick (editor), “The Domestic Sources of American Foreign Policy: Insights and Evidence”, Sixth Edition, (New York, 'Rowman & Littlefield Publishers, Inc., 2016), pp. 189-208.
 
4- Jennifer K. Elsea and Michael John Garcia, “Wartime Detention Provisions in Recent Defence Authorization Legislation”, Congressional Research Service, March 14, 2016, p.45.
 
5- Salah Oueslati, “U.S. Foreign Policy and the Complex Factors: in the Decision-Making Process”, Society, Volume 51, Issue 5, October 2014, pp. 474-475.
 
6- James M. Lindsay, “The Shifting Pendulum of Power: Executive-Legislative Relations on American Foreign Policy” in James M. McCormick (editor), op.cit, pp. 229-230.
 
7- Michael Nelson, “Person and Office: Presidents, the Presidency, and Foreign Policy” in James M. McCormick (editor), op.cit, pp. 179-188.
 
8- عامر هشام عواد، دور مؤسسة الرئاسة في صنع الاستراتيجية الأمريكية الشاملة بعد الحرب الباردة، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2010)، ص ص133-.134
 
9- Shibley Telhami, “How a Tragedy Changed Foreign Policy Making in America”, University of Maryland, 2002.
 
10- Lutfullah Mangi, “The Role of President and Bureaucracy in US Foreign Policy-Making”, Pakistan Horizon, Volume. 47, Number. 4 , October 1994, p.33.
 
11- عامر هشام عواد، دور مؤسسة الرئاسة في صنع الاستراتيجية الأمريكية الشاملة بعد الحرب الباردة، مرجع سابق، ص131.
 
12- Karen DeYoung, “How the Obama White House runs foreign policy”, Washington Post, August 4, 2015.
 
13- James McCartney and Molly Sinclair McCartney, “If you think the State Department runs American foreign policy, think again: Meet America's war machine”, Business Insider, April 21, 2016.
 
14- عامر هشام عواد، دور مؤسسة الرئاسة في صنع الاستراتيجية الأمريكية الشاملة بعد الحرب الباردة، مرجع سابق، ص126-.127
 
15- Amanda J. Gookins, “The Role of Intelligence in Policy Making”, SAIS Review, Volume 28, Number 1, Winter-Spring 2008, pp. 70-71.
 
16- Michael Goldfien, “How the NSC Hijacked U.S. Foreign Policy”, The National Interest, March 30, 2016,  http://nationalinterest.org/feature/how-the-nsc-hijacked-us-foreign-policy-15625page=show
 
17- عامر هشام عواد، دور مؤسسة الرئاسة في صنع الاستراتيجية الأمريكية الشاملة بعد الحرب الباردة، مرجع سابق، ص125-.126
 
18- Brett D. Schaefer, "How to Make the State Department More Effective at Implementing U.S. Foreign Policy", The Heritage Foundation, April 20, 2016.
 
19- Michael Goldfien, “How the NSC Hijacked U.S. Foreign Policy”, The National Interest, March 30, 2016.
 
20- لمزيد عن دور نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في قرار الحرب الأمريكية على العراق 2003، يمكن الرجوع إلي:
 
- Ishtiaq Hassain, “American Foreign Policy: Dynamic of Domestic Sources” in Ishtiaq Hassain and Mohsen M. Saleh (Editors), “American Foreign Policy& the Muslim Word”, (Beirut: Al-Zaytouna Centre for Studies & Consultation, 2009), pp. 62-64.
 
21- Michael J. Morell, “I Ran the C.I.A. Now I'm Endorsing Hillary Clinton”, New York Times, August 5, 2016.
 
22- -Mark Landler, “How Hillary Clinton Became a Hawk”, New York Times Magazine, April 21, 2016,
 
Wayne F. Lesperance Jr., 'American Foreign Policy and the 2016 Presidential Election', Society, 22 August 2016, accessed August 24, 2016, http://link.springer.com/article/10.1007/s12115-016-0056-y And Jeffrey Goldberg, 'and The Obama Doctrine', The Atlantic, April 2016.
 
23- Aaron David Miller, “Would HillaryClinton Be a Hawk as President”, TheWall Street Journal, May 3, 2016.
 
24- Hillary Rodham Clinton, “Leading Through Civilian Power: Redefining American Diplomacy and Development”, Foreign Affairs, Volume. 89, Issue 6, November/December 2010, p. 13-24.
 
25- Jeremy Shapiro and Richard Sokolsky, “Why Hillary Clinton wouldn't be a foreign policy hawk as president”, The Brookings Institution, August 12, 2016, accessed August 24, 2016, https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/12/08/2016/why-hillary-clinton-wouldnt-be-a-foreign-policy-hawk-as-president/
 
26- Jeremy Shapiro and Richard Sokolsky, op.cit.
 
27- George Withers, Adam Isacson, Lisa Haugaard, Joy Olson, and Joel Fyke, “Ready, Aim, Foreign Policy”, March 2008, Centre for International Policy,  http://www.ciponline.org/images/uploads/actions/080306read.pdf
 
28- Derek S. Reveron, “When Foreign Policy Goals Exceed Military Capacity Call The Pentagon”, Foreign Policy Research Institute, February 2013, accessed August 24, 2016, http://www.fpri.org/docs/Reveron_-_Call_the_Pentagon.pdf
 
29- 10- Elizabeth Chan, “7 of Hillary Clinton's biggest accomplishments”, Hillary for America, October 14, 2015, accessed August 30, 2016:
 
https://www.hillaryclinton.com/post/seven-hillary-clintons-biggest-accomplishments/
 
30- Molly O'Toole, “Clinton Doubles Down on National Security With Tim Kaine Pick”, Foreign Policy, July 22, 2016, http://foreignpolicy.com/22/07/2016/clinton-doubles-down-on-national-security-with-tim-kaine-pick/
 
31- للمزيد عن موقف المرشح الجمهوري دونالد ترامب من قضايا السياسة الخارجية، انظر:
 
Wayne F. Lesperance Jr., op.cit. And Donald J. Trump, “Foreign Policy Speech”, Trump for President Official Website, April 27, 2016, accessed August 24, 2016, https://www.donaldjtrump.com/press-releases/donald-j.-trump-foreign-policy-speech
 
32- Kathleen H. Hicks, Michael J. Green, Heather A. Conley, “Donald Trump Doesn't Understand the Value of U.S. Bases Overseas”, Foreign Policy, April 7, 2016, accessed August 30, 2016, http://foreignpolicy.com/07/04/2016/donald-trump-doesnt-understand-the-value-of-u-s-bases-overseas/
 
33 - Morton H. Halperin and Priscilla A. and Clapp Arnold Kanter, “Bureaucratic Politics and Foreign Policy”, second edition, (Washington, D.C., Brookings Institution Press, 2006), pp. 9-11.
 
34- Mark Thompson, “What Does the Military Think of Donald Trump”, Time, June 15, 2016, accessed August 30, 2016, http://time.com/4370608/donald-trump-military/
 
35- 5- Kevin Baron, “Pentagon Calls Trump's Muslim Ban Counter to National Security”, Defence One, December 8, 2015, accessed August 30, 2016:
 
http://www.defenseone.com/politics/12/2015/pentagon-calls-trumps-muslim-ban-counter-national-security/124298/
 
36- “A Letter From G.O.P. National Security Officials Opposing Donald Trump”, New York Times, August 1, 2016,  http://www.nytimes.com/interactive/08/08/2016/us/politics/national-security-letter-trump.html
 
37- Michael J. Morell, op.cit.
 
38- Mark Hosenball, “Some Officials Worry About Briefing Trump, Fearing Spilled Secrets”, Reuters, Jun 2, 2016, accessed August 30, 2016:
 
http://www.reuters.com/article/us-usa-election-trump-intelligence-idUSKCN0YO24T
 
39- 8- Nick Gass, “Trump: I don't trust U.S. intelligence information”, Politico, August 17, 2016, 
 
http://www.politico.com/story/08/2016/trump-us-intelligence-briefing-227109
 
40- Christopher A. Preble, “Donald Trump's Shrinking Pool of Foreign Policy Advisors”, Cato Institute, August 9, 2016, http://www.cato.org/blog/donald-trumps-shrinking-pool-foreign-policy-advisors
 
41- “Republican Party Platform”, Republican Party, 2016, Pp. 41-54, https://prod-static-ngop-pbl.s.3amazonaws.com/static/home/data/platform.pdf, and Damian Paletta, “House GOP Plan Differs From Donald Trump on Foreign Policy”, The Wall Street Journal, June 9, 2016.
 
42- 13- Michael C. Bender, “Trump Embraces Executive Orders to Avoid Congressional Gridlock”, Bloomberg, June 27, 2016, http://www.bloomberg.com/politics/articles/2016-06-27/trump-eyes-executive-orders-to-sidestep-congressional-gridlock

رابط دائم: