روسيا وأميركا.. والمعايير المزدوجة
26-9-2016

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
حسن جداً أن تتفق روسيا والولايات المتحدة على محاربة الإرهاب في سوريا. فما أشد الحاجة إلى تكثيف الجهود للقضاء على التهديد الأكثر خطراً الذي يواجه العالم اليوم. غير أن نجاح أي من هذه الجهود يرتبط بمدى توفر المقومات الموضوعية لخوض معركة ظافرة للقضاء على الإرهاب بوصفه ظاهرة، وليس لقتل ومطاردة مجموعات من الإرهابيين فقط.
 
ومن أهم هذه المقومات الاستقامة في التعامل مع الظاهرة الإرهابية بمعيار واحد لا ازدواج فيه ولا تعدد. وهذه إحدى نقاط الضعف المهمة المسكوت عنها في الاتفاق الروسي الأميركي لوقف «الأعمال العدائية» في سوريا، لأنه يُمثّل «نموذجاً» لازدواج المعايير. وليس جديداً استخدام معايير مزدوجة في العلاقات الدولية. كثير من السياسات التي تتبناها دول كبرى تقوم على انتقاء وتمييز واستخدام أكثر من معيار في الحالات المتماثلة وفق ما تمليه المصالح. وما دامت المصالح هي المُحرك الأول للعلاقات الدولية، فسيظل ازدواج المعايير وتعددها ماثلاً فيها، وستبقى السياسات القائمة على معايير مزدوجة مربكة لهذه العلاقات.
 
غير أن الخطر الكامن في ازدواج معايير الاتفاق الروسي الأميركي بشأن سوريا ربما يكون أكبر من كل التداعيات السلبية المترتبة على مثل هذا الازدواج طوال عقود عديدة. ويعود ذلك إلى أن الازدواج المتضمن في هذا الاتفاق يُضعف مقومات المواجهة الحاسمة ضد الإرهاب الذي ما كان له أن يتصاعد وينتشر بدون أخطاء ارتكبتها قوى كبرى، وكان الغزو الأميركي للعراق عام 2003 أكبرها وأهمها.
غير أن الخطأ الذي ينطوي عليه هذا الاتفاق قد يفوق كل ما سبقه لأنه يختزل الأزمة السورية المعقدة في الإرهاب، ثم يختزل هذا الإرهاب في تنظيمين اثنين يتدثران بمرجعية إسلامية سُنية (تنظيم «داعش» وجبهة فتح الشام «جفش» أو «النصرة» سابقاً)، ويتجاهل إرهاباً آخر ذا مرجعية دينية أيضاً ولكنها شيعية، رغم كل المعطيات التي تثبت أن كلاً منهما يُغذي الآخر.
 
لم ير وزيرا الخارجية الروسي والأميركي، ورئيساهما، وجوداً لأي من الميليشيات العراقية التابعة لطهران في سوريا، مثل «عصائب أهل الحق»، و«أبو فضل العباس»، و«النجباء»، و«حزب الله العراقي»، و«لواء بدر»، وغيرها. كما لم يلحظ الروس والأميركيون آلاف المقاتلين الذين جلبتهم طهران من دول عدة ونظَّمتهم في صورة ميليشيات، فضلاً عن آلاف آخرين من قوات «الحرس الثوري» الإيراني.
 
تعاملت الدولتان الكبيرتان مع هذا الوجود «الميليشيّ» الواسع كما لو أنه خيال لا وجود له، رغم أن إيران تستطيع استخدامه في أية لحظة لإحباط أي تقدم في اتجاه حل الأزمة. لكن خطر هذا الإرهاب التابع لإيران أكبر من ذلك، لأنه كان وما زال أحد العوامل الرئيسة التي تتيح للإرهاب الآخر، والذي لا ترى واشنطن وموسكو غيره، بيئة حاضنة في بعض المناطق. فالخوف من انتقام الإرهاب «الشيعي» يدفع قطاعات من المجتمع في بعض مناطق سوريا لتحمل ويلات الإرهاب الذي يتشح برداء سُني، خاصة حين يكون أقل بطشاً وشراسة نسبياً.
 
ورغم أن تجاهل الإرهاب «الشيعي» التابع لإيران ليس جديداً، فإن استبعاده من اتفاق روسي أميركي كان مرشحاً لأن يُصدَّق عليه في مجلس الأمن - في حالة نجاحه- يعني إضفاء شرعية دولية عليه. ويمكن أن يشجع ذلك إيران على زيادة دعمها لهذا الإرهاب، والتوسع في استخدامه في أزمات أخرى في المنطقة، اعتقاداً بأنها حصلت على ضوء أخضر من المجتمع الدولي. فالميليشيات التي تعمل في سوريا بعضها عراقي ينضوي تحت لواء «الحشد الشعبي»، الأمر الذي قد يدفع إيران إلى ممارسة ضغوط أقوى لضمان دور رئيس لـ«الحشد» في معركة تحرير الموصل من «داعش». ويعني ذلك إضفاء طابع طائفي صريح على هذه المعركة، وإثارة غضب حكومة إقليم كردستان، وليس فقط العشائر السُنية في المنطقة، مما يزيد الأزمة العراقية تعقيداً.
 
وليس مستبعداً، والحال هكذا، أن تُكثّف إيران دعمها للحوثيين في اليمن، ليس بالسلاح والتدريب والتمويل فحسب، ولكن أيضاً بالقوات التي منحها الاتفاق الروسي الأميركي صك براءة عندما اختزل الإرهاب في تنظيمين لا ثالث لهما. لذلك فرغم كل سلبيات تعثر الاتفاق الروسي الأميركي، حال إخفاق طرفيه في إنقاذه، ربما يكون في فشله فرصة للدولتين لمراجعة ازدواج معاييرهما بشأن الإرهاب.
 
-------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 21-9-2016.

رابط دائم: