هيلاري وأوباما.. أي فرق؟
30-8-2016

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
شهور قليلة بقيت قبل أن يدخل رئيس أميركي جديد البيت الأبيض، ورغم أن الوقت مازال مبكراً لتوقع نتائج الانتخابات التي تزداد حملتها سخونة، تبدو حظوظ المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون أقوى من «الجمهوري» دونالد ترامب، كما يتضح من استطلاعات الرأي العام في الأسابيع الأخيرة، ويعود ذلك لسببين تربطهما عروة وثقى.
 
السبب الأول أن معدلات الاقتراع التي تُعد منخفضة في الولايات المتحدة، مقارنة بالمتوسط العام في أوروبا، تُرجِّح كفة المرشح المنتمي إلى «المؤسسة» ‬أو ‬التيار ‬الذي ‬يفضل ‬استمرار ‬قواعد ‬العملية ‬السياسية ‬الراهنة ‬رغم ما ‬أصابها ‬من ‬جمود، ‬لأن ‬تغييرها ‬بدون ‬بديل ‬واضح ‬ينطوي ‬على ‬مغامرة.
 
أما السبب الثاني فهو أن قاعدة ترامب الانتخابية، التي تضم بالأساس الناقمين على تلك المؤسسة وما أدت إليه من جمود، تظل أقل من أن تستطيع حمله إلى البيت الأبيض.
لذلك يبدو فوز هيلاري بانتخابات الأول من نوفمبر القادم مرجَّحاً ما لم تحدث مفاجأة من الوزن الثقيل تُبدِّل الموازين الراهنة. والمفاجأة المتصورة في هذا السياق أن تتوالى عدة عمليات إرهابية في الشهرين السابقين على الانتخابات، وأن يكون أثرها في الرأي العام كافياً لدفع قطاع يُعتد به من الناخبين العازفين عن المشاركة لتغيير موقفهم والتوجه إلى صناديق الاقتراع. والأرجح في هذه الحالة أن معظم هؤلاء سيقترعون متأثرين بخطاب ترامب المتطرف، الذي يقدم حلاً ساذجاً لمشكلة الإرهاب يتلخص في غلق حدود الولايات المتحدة أمام المسلمين.
 
الإرهاب يصب في مصلحة ترامب، إلى أن يكتشف المخدوعون في أمثاله أن خطابه المتطرف هو أحد عوامل ازدياد هذا الإرهاب. لذلك يمكن أن تؤثر عدة عمليات إرهابية قبيل الانتخابات في ميزان القوى بين المتنافسين. لكن هذا الاحتمال قد يكون ضعيفاً في ظل حالة استنفار أمني واستخباراتي تزداد كلما اقترب موعد الانتخابات. لذا فالأرجح أن تكون هيلاري هي من سيجلس على المكتب البيضاوي في 20 يناير القادم.
 
ولا يتطلب الأمر إجراء مقارنة منهجية للقول بأن هيلاري أفضل من ترامب، أو بالأحرى أقل سوءاً منه، سواء لشدة تطرفه، أو تقلب مواقفه، أو معرفته المحدودة بالعالم. لذا فالسؤال المحوري حالياً هو: هل يوجد ما يمكن الاستناد إليه لتوقع أن هيلاري يمكن أن تكون أفضل في سياستها الشرق أوسطية من أوباما، أم ستكون هذه السياسة مجرد استمرار رتيب لتوجهاته التي يتضح يوماً بعد الآخر أنها ضارة بمصالح أميركا وليس فقط بحلفائها التاريخيين في الشرق الأوسط.
 
ورغم الحذر الذي تلتزمه هيلاري في هذا المجال، وخاصة بشأن رؤيتها للتعاطي مع تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، فثمة مؤشران صغيران قد يكونان إيجابيين في خطابها.
 
المؤشر الأول هو أنها لا تستبعد فرض منطقة حظر جوي فوق شمال سوريا، وإنشاء منطقة آمنة للاجئين تُمكنهم من البقاء تحت حماية كافية، والاعتماد على دعم عربي في هذا المجال، غير أن الأمر الواقع الذي تفرضه روسيا وإيران قد يجعل فكرة المنطقة الآمنة، التي صارت صعبة الآن، مستحيلة بعد شهور.
 
أما المؤشر الثاني فيُستنتج من إشارات تتخلل كلمات هيلاري القليلة عن إيران إلى أخطار ممارسات وكلائها في الدول الأخرى، فضلاً عن التلويح بمزيد من العقوبات حال عدم التزام طهران بالاتفاق النووي.
 
وتدل هذه الإشارات على أن هيلاري ربما تهتم ببعض ما يتجاهله أوباما في سياسة إيران الإقليمية. وفي هذه الحالة قد ينطوي حديثها عن زيادة التعاون العسكري مع دول مجلس التعاون الخليجي على معنى أكثر إيجابية مما يقصده أوباما حين يستخدم العبارة نفسها.
 
لكن هذه الإشارات لا تنطوي على اختلاف ذي شأن عن توجهات أوباما ولا تؤدي، حتى إذا تبنت هيلاري موقفاً أقوى تجاه السياسة الإيرانية، سوى إلى تغيير طفيف في السياسة الأميركية الراهنة تجاه الشرق الأوسط. ومع ذلك يبقى ثمة أمل في أن تستطيع الدول العربية التي تُقلقها سياسة أوباما أن تجد في هذه الحالة مساحة جديدة للتحرك باتجاه تفاهمات أكثر جدية مما هو متاح مع الإدارة الحالية.
 
------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 24-8-2016.

رابط دائم: