مقالات رأى

دول الخليج والأزمة السورية

طباعة

لقد اتخذت دول الخليج العربية الأعضاء في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية مواقف أكثر قوةً وحزماً ضد النظام السياسي السوري مقارنةً بالكثير من غيرها من الدول العربية؛ وقدمت الدول الخليجية الدعم السياسي والمعنوي للشعب السوري المطالب بحريته. وقد تزعمت هذا التوجه كل من السعودية وقطر اللتين أصبحتا في طليعة الدول الخليجية بل والعربية المطالبة بالتشدد في التعامل مع النظام السوري من خلال دورها الواضح في رفع الملف السوري إلى مجلس الأمن للبت فيه، وتجميد التمثيل الدبلوماسي مع دمشق.

والدعوة لتسليح المعارضة السورية المتمثلة في الجيش السوري الحر، والاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل رسمي ووحيد للشعب السوري. هذا الموقف الخليجي لم يأتي من فراغ بل كان وليد مجموعة من الاعتبارات التي كان لها بالغ الأثر في تبني دول الخليج العربية لهذا الموقف.

أول الاعتبارات الخليجية لهذا الموقف المتشدد هو الرفض الخليجي لحالة العنف المنظم الذي يتبعه النظام السياسي في سوريا ضد الشعب السوري. وهو العنف الذي لا يمكن للدول الخليجية وفي مقدمتهم السعودية ــ التي تمثل مركز الثقل الإسلامي ــ القبول به أو السكوت عنه. فالمحدد الإنساني كان حاضراً في الموقف الخليجي تجاه ما يحدث في سوريا والمرفوض على المستويين الشعبي والحكومي الخليجي.

ثاني الاعتبارات هو أن دول الخليج العربية ليست ضد تطلعات الشعوب العربية في الإصلاح، بل كانت مواقفها من أحداث ما يعرف بالربيع العربي أبرز مؤشر على دعمها للشعوب وليس للأنظمة، على الرغم من أن تلك المواقف ينظر إليها البعض على أنها تضر ببعض المصالح السياسية والاقتصادية المرتبطة بها. فدول الخليج لا تعارض طموح الشعوب في التغيير.

ولقد كان هذا الموقف واضحاً من خلال دعم الدول الخليجية لتطلعات الشعوب العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، ودعمها اليوم لتطلعات الشعب العربي السوري في العيش بكرامة وحرية وعدالة بعيداً عن حكم الاستبداد. هذا الإدراك .

جاء منطلقاً من قناعة خليجية بأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للشعوب العربية لابد أن يتحسن كي يساعد ذلك على دعم العمل الاقتصادي الخليجي والتبادل التجاري وينجح الاستثمارات الخليجية ويقلل من الضغوط الاقتصادية على الدول الخليجية التي أصبحت تتحمل فواتير دفع تحسين حياة المواطن العربي في مثل تلك الدول عن طريق المساعدات المباشرة أو التحويلات المالية للعمالة العربية في الأسواق الخليجية. فدول الخليج منفتحة للتعامل مع أي شكل من أشكال الأنظمة السياسية التي ترتضي بها الشعوب العربية.

ثالث الاعتبارات في الموقف الخليجي المتشدد مما يحدث في سوريا هو التخوف الخليجي من حالة عدم الاستقرار الذي يمكن أن يولده استمرار العنف في سوريا، واستثمار العديد من الأطراف الإقليمية والدولية لتلك الحالة للتوغل في شؤون المنطقة، الأمر الذي سيجعل سوريا «لبنان» جديداً أو «عراق» آخر.

حالة عدم الاستقرار في سوريا ستؤدي إلى اندلاع حرب أهلية في ذلك البلد مما ينذر بتوسع تلك الحرب لدول أخرى في المنطقة كلبنان والأردن. دول الخليج بدورها متخوفة من الفلتان الأمني الذي سيؤدي بالإضرار بمصالح تلك الدول عن طريق استغلال بعض الدول للوضع في سوريا للدفع بأجنداتها الطائفية والمذهبية والعرقية والتي من شأنها أن تلقي بظلالها على أمن واستقرار الدول الخليجية.

ورابع الاعتبارات هي محاولة ملء الفراغ الذي خلفه تراجع القيادة الأميركية في المنطقة مع التردد الأميركي في التدخل لحسم الأزمة في سوريا لصالح المعارضة. فالتراجع الأميركي خلق بؤر أزمات وأعطى رسائل لبعض الدول لتتشدد في مواقفها في سبيل دعم مصالحها في المنطقة. فالتراجع الأميركي عن القيادة حمس روسيا والصين لأخذ زمام المبادرة.

وشجع إيران على التشدد، وجعل العراق يميل بشكل كامل نحو إيران، وشجع النظام في سوريا على الاستمرار في استخدام الآلة العسكرية ضد الشعب السوري مستنجداً بالسلاح والخبرة الإيرانية والدعم الروسي. وبالتالي فإن دول الخليج العربية رأت أنه من الضروري أخذ زمام المبادرة في تحديد مستقبل المنطقة العربية وعدم ترك الأمور لدول أخرى تحاول أن تستثمر الوضع لخلق نظام إقليمي يحقق مصالحها ويهمش مصالح الدول العربية أو يحاول ــ كما كان في السابق ــ شق الصف العربي والتدخل في شؤونه بشكل مباشر.

وخامس الاعتبارات مرتبط أساساً بالنظام السوري الذي يختلف كل الاختلاف عن بعض الأنظمة العربية الأخرى التي شهدت ثورات شعبية ضدها كنظام بن علي في تونس ومبارك في مصر وصالح في اليمن. فالنظام السوري أضر بالمصالح العربية بشكل كبير بسبب تحالفه مع إيران وعدم تغليبه للمصلحة العربية في تلك العلاقة. فانحيازه الكامل إلى إيران أضر بالمصالح العربية رغم الجهود والمحاولات الخليجية لثنيه عن الانحياز الكامل والعمل على لعب بسياسة التوازن التي كان والده حافظ الأسد يتبعها.

تلك هي بعض الاعتبارات التي يمكن أن تفسر الموقف الخليجي تجاه الأزمة في سوريا. وفي أقل تقدير دول الخليج لم ترد أن تبقى بعيدة عن ما يحدث فجاءت مواقفها تعبيراً عن تلك الرغبة.
--------------------

* نقلا عن آراء وأفكار، الأحد 8/4/2012.

طباعة

تعريف الكاتب

محمد بن هويدن