تحليلات - شئون دولية

التحديات المطروحة أمام الرئيس البرازيلى الجديد لولا دا سيلفا

  • 2-11-2022

طباعة

اختتمت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية البرازيلية بفوز لولا دا سيلفا بنسبة ٥٠.٩٪ مقابل ٤٩.١٪  لجايير بولسونارو المنتهية ولايته، وهى النتائج التى توقعها العديد من استطلاعات الرأى فى البرازيل خلال الفترة الماضية، وتمثل عودة لولا دا سليفا مرة أخرى ليشغل فترة رئاسية ثالثة بعد انقضاء فترة رئاسته الثانية في٢٠١٠، وتوجيه اتهامات له بالفساد، حلقة من حلقات صعود اليسار فى أمريكا اللاتينية أو بمعنى آخر تمثل عودة دا سيلفا تعزيزا "للمد الوردي" فى المنطقة اللاتينية[1].

ولا شك أن مجىء دا سيلفا إلى سدة الحكم لم يكن أمر سهلا خاصة أن الفارق الانتخابى بينه وبين منافسه لم يتجاوز الواحد فى المائة، وهذا يعنى أنه سوف يواجه مجموعة من التحديات والصعوبات لكسب تأييد أغلبية من صوتوا لصالح بولسونارو، بالإضافة إلى التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن التحديات الناتجة عن التغير فى بنية النظام التى تتسابق فيه القوى الدولية لاستقطاب أكبر عدد ممكن من دول أمريكا اللاتينية:

أولا- تنافس انتخابى .. وجولة حاسمة:

شهدت البرازيل على مر الأشهر الماضية حالة من الانقسام فى الآراء بشكل غير مسبوق فى النظر لأطروحات كلا المرشحين والتعامل معها، والجدير بالذكر هنا أن مدن البرازيل شهدت معركة انتخابية تجاوزت المنافسة السياسة المعتادة، فقد اعتمد أنصار لولا دا سيلفا فى تحركاتهم على ارتداء الملابس الحمراء ونظارات الشمس على شكل النجمة نسبة إلى شعار حملته، فى حين اعتمد بولسونارو فى حملته الانتخابية على اللونين الأصفر والأخضر، وهما لونا العلم البرازيلى، واعتاد أنصاره استبدال الدائرة الزرقاء فى وسط العلم بصورة بولسونارو، ومكتوب على العلم شعار الحملة "البرازيل فوق كل شىء، الله فوق الجميع"، كما استخدام أنصار بولسونارو شعاره القديم وهو عبارة عن حركة باليد بالسبابة والإبهام ممدودتين على شكل مسدس، فى إشارة منه إلى تعهده بتخفيف القيود على امتلاك الأسلحة حتى يتمكن "المواطنون الطيبون" من الدفاع عن أنفسهم ضد الجريمة، بينما قام أنصار دا سيلفا بقلب الشعار ليصبح على شكل حرف "L" فى إشارة لاسم لولا.[2]

وفى إطار متصل احتدم التنافس فى المناظرات التى عقدت بين المرشحين الرئيسيين للرئاسة أمام عشرات ملايين المشاهدين، من خلال هجمات متواصلة حول نظام صناديق الاقتراع الإلكترونية؛ حيث ندد بولسونارو المنتهية ولايته فى الفترة الأخيرة بوجود خلل مفترض فى بث الإعلانات الإذاعية خلال حملته الانتخابية، ورغم ذلك نشر بولسونارو عبر وسائل التواصل الاجتماعى الخاصة به سلسلة من الوعود (22 وعدا) وهو رقمه الانتخابي، تشمل حزمة من الإصلاحات الضريبية والاقتصادية والمنح المالية وتحسين الواقع الأمنى، تلتها رسالة دعم مصورة من الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب الذى دعا البرازيليين لاختيار "بولسونارو" بوصفه أحد "أفضل قادتهم والحاصل على احترام ودعم الجميع" وفق تعبيره.

فى المقابل تعهد لولا خلال برنامجه بالعودة إلى النمو الاقتصادى الذى تقوده الدولة والسياسات الاجتماعية التى ساعدت على انتشال الملايين من الفقر، وأعطى وعودا بالتصدى لتدمير غابات الأمازون المطيرة، وجعل البرازيل رائدة فى محادثات المناخ العالمية خاصة أن بولسونارو بحسب البعض هو المتسبب فى أزمة حرائق الأمازون، كما تعهد لولا "بحماية الديمقراطية"، وإجمال القول فإن سياسات لولا المعلنة يمكن إجمالها فى الآتي: "إنشاء نظام ضرائب أكثر تصاعدية، وإلغاء الحد الأقصى الحالى للإنفاق العام، والحفاظ على المنحة الاجتماعية للفقراء التى دشنها بنفسه وهو رئيس وأقرها أيضا بولسونارو، وتقديم الدعم للسكان الأصليين والمثليين، وكذلك الحفاظ على غابات الأمازون".[3]

ثانيا – دا سيلفا .. تحديات عدة:

لقد رحل بولسونارو، تاركا خلفه إرثا ثقيلا من التحديات الاقتصادية والسياسية التى تواجه من بعده، فضلا عن تلك التحديات التى أفرزتها الأزمة الروسية الأوكرانية على العالم أجمع، والبرازيل لم تكن استثناء من ذلك التحدى، وفى هذا الإطار يمكن رصد أهم التحديات التى تواجه دا سيلفا خلال الفترة المقبلة وهي:

1)الأوضاع الاقتصادية:

تعد المشكلات الاقتصادية فى البرازيل أحد أبرز التحديات أمام لولا فى ظل ارتفاع معدلات التضخم التى تجاوزت ١٢.٥٪ خلال شهر إبريل ٢٠٢٢، وإن كانت قد تراجعت خلال شهر سبتمبر إلى ٧.١٧٪، ويعود ذلك إلى تدابير الإنفاق العام التى روج لها بولسونارو من  خلال خطة "مساعدة البرازيل"، إلا أن المواطنين لا يزالون يعانون من ارتفاع الأسعار، وهو الأمر الذى سيجعل ميزانيات ٢٠٢٣  "قضية حاسمة"  للهيئة التشريعية المقبلة، خاصة أن المتخصصين فى الشأن اللاتينى يتفقون على أن التحدى الاقتصادى سيكون حاسما فى هذا المجلس التشريعي، فى ظل وجود كونجرس مجزأ للغاية لن يجعل من السهل الموافقة على تدابير وإصلاحات حكومة لا تتمتع بأغلبية.

وعلى الرغم من نمو الناتج المحلى الإجمالى البرازيلى بنسبة ١.٢٪ فى الربع الثانى من عام ٢٠٢٢، فإن الفقر والجوع لا يزالان يصيبان جزءا كبيرا من السكان.

 ووفقا للشبكة البرازيلية للأبحاث حول السيادة والأمن الغذائي، ارتفع تعداد الأفراد التى تعرضت للجوع من ١٩ مليونا فى عام ٢٠٢٠ إلى أكثر من  ٣٣ مليونا فى عام ٢٠٢٢.

ومن أبرز التحديات التى تواجه دا سيلفا أيضا، ارتفاع معدلات البطالة الذى وصل إلى أكثر من  ١١ مليون عاطل عن العمل بالبرازيل، كما أن الوظائف التى أوجدت خلال هذا العام أقل بنسبة ١٤.٤٪ مقارنة بالفترة نفسها من عام ٢٠٢١.[4]

2)الانقسام السياسى ... تحدى يمزق المجتمع:

لعل التحدى الأكبر الذى يوجه لولا التمزق السياسى فى الدولة، فالفارق الذى فاز به قليل للغاية، وبعد ساعات من إعلان النتائج، أظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعى أن أنصار بولسونارو أغلقوا الطرق السريعة فى ولايتين احتجاجا على فوز لولا، ويتخوف البعض من حدوث اضطرابات أمنية فى البلاد أو العودة إلى مشهد الكابيتول بالولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أنهكان قد أكد فى وقت سابق أن ترشحه لولاية جديدة له واحدة من ثلاث نتائج فقط: "السجن أو الموت أو النصر"، حتى إنه لمح إلى أن عدم فوزه بنسبة 60% من الأصوات، سيكون أمرا "غير عادى"، ويبدو أن هذا الاحتمال تستعد له مختلف المؤسسات البرازيلية منذ فترة، فقد عملت المحاكم البرازيلية والكونجرس ومجموعات الأعمال والمجتمع المدني، على توحيد الصفوف لتعزيز الثقة بنزاهة التصويت.

بيد أن لولا حاول أن يحتوى هذا الانقسام فأعلن عقب فوزه: "إنه من ١ يناير ٢٠٢٣ ، سأحكم 215 مليون برازيلى، وليس فقط أولئك الذين صوتوا لى، لا يوجد برازيليان. نحن دولة واحدة، شعب واحد، أمة عظيمة. هذا البلد يحتاج إلى السلام والوحدة. هؤلاء الناس لا يريدون القتال بعد الآن. حان الوقت لإلقاء الأسلحة التى لم يكن يجب استخدامها البنادق تقتل ونحن نختار الحياة".

3)تحديات تشريعية:

يمتلك حزب PLحزب بولسونارو النصيب الأكبر من المقاعد فى مجلس النواب، ما يعنى أن دا سيلفا  سيواجه معارضة قوية فى المجلسين؛ حيث زاد عدد نواب حزب بولسونارو من ٧٦ إلى ٩٩، بينما تضاعف فى مجلس الشيوخ من ٧ أعضاء إلى ١٤، بينما زاد حزب العمال بزعامة لولا دا سيلفا عدد نوابه من ٥٦ إلى ٦٨ وأعضاء مجلس الشيوخ من ٧ إلى ٨، وبشكل عام ستحتفظ أحزاب اليمين المعارضة بنصف المقاعد فى مجلس النواب البرازيلي، وفى العديد من السباقات على حكام الولايات، ما يمكن أن يحد من قدرة لولا على دفع عجلة اقتصادية واجتماعية طموحة كما جاء فى برنامجه الانتخابى.

هذا الانقسام سوف يدفع لولا لتشكيل "تحالفات براجماتية" مع أجزاء من الوسط واليمين الذين رفضوا سياسات سلفه، من خلال إبرام صفقات مع أحزاب الوسط والمستقلة وكذلك مع المشرعين المعتدلين الذين يتحالفون مع الأحزاب الموالية لبولسونارو بعيدا عن الأسباب الأيديولوجية.[5]

4)الصحة:

واجهات منظومة الصحة فى البرازيل أصعب اختبار فى تاريخها فى العامين الماضيين فى أثناء وباء كوفيد ١٩، وقد أدى هذا إلى انخفاض كبير فى قدرة المنظومة الصحية على التعامل مع قضايا الصحة العامة الأخرى؛ حيث توقف آلاف الأشخاص عن تحديد المواعيد والعمليات الجراحية، وأظهرت دراسة نُشرت مؤخرا فى مجلةLancet أنه بين عامى 2019 و2020 ، كان هناك انخفاض بنسبة ٢٥٪ فى عدد الإجراءات الطبية، وهو ما يتطلب العمل خلال السنوات القادمة على تعزيز وزارة الصحة، التى تأثرت سياساتها العامة بعد دخول وخروج أربعة وزراء فى نحو أربع سنوات.

5)الأوضاع الأمنية:

على الرغم من تراجع معدلات القتل والجريمة فى البرازيل خلال السنوات الماضية، فإن لولا سيواجه تحديا فى الاستمرار بخفض معدلات القتل والعنف فى المجتمع؛ وفقا لأطلس العنف الذى صدر فى عام ٢٠٢١ عن منتدى الأمن العام البرازيلى  (FBSP) وIpea ، كان هناك ٤٥٥٠٣ جرائم قتل فى عام ٢٠١٩، بانخفاض قدره ٢٢.١٪، عن العام الذى يسبقه، ويعد العنف المشكلة الثالثة التى تهم البرازيليين وفى السنوات الأخيرة[6].

ختاما، يمكن القول: إن الطريق الأمثل أمام الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا هو بناء سياسة خارجية أكثر توازنا مع المجتمع الدولى، خاصة فى ظل التحديات التى نتجت عن الأزمة الأوكرانية، فضلا عن ضرورة استئناف العلاقات الودية مع الدول التى توترت معها العلاقات نتيجة سياسات بولسونارو، بما فى ذلك الصين الشريك التجارى الأكبر للبرازيل اليوم، بالإضافة إلى فرنسا وألمانيا والنرويج والولايات المتحدة، إضافة إلى التحسن فى العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية، التى شهدت توترات بينها فى ظل إدارة بولسونارو؛ حيث استضاف بولسونارو فى ٢٨ فبراير ٢٠١٩، خوان جوايدو، زعيم المعارضة الفنزويلية، كما صوتت البرازيل فى نوفمبر ٢٠١٩ ضد قرار رفع الحظر المفروض على كوبا، ناهيك عن الخلاف مع نيكاراجوا، وتضاف إلى ذلك الانتقادات التى وجهها بولسونارو، إلى السوق المشتركة للجنوب (ميركوسور).

لذلك يتوقع أن تشهد البرازيل فى ظل قيادة لولا دا سيلفا سياسة أكثر انفتاحا على المجتمع والعالم، بهدف تحسين صورة البرازيل واستعادة مكانتها الدولية التى تراجعت على مر السنوات الماضية، كما ستنضم البرازيل اليوم للمد الوردى فى أمريكا اللاتينية، ما سيعزز سياسة أكثر تقاربا مع دول الجنوب، وكذلك أكثر تعاونا مع دول أمريكا اللاتينية.

الهوامش:

[1]Salomé Ramírez Vargas, Brasil se apresta a retomar relaciones con América Latina tras el triunfo de Lula, Voz de América, octubre 31, 2022, at laink: https://bit.ly/3ST6sY9

[2]أمل مختار، الانتخابات البرازيلية: عودة لولا دا سيلفا واستعادة المسار الديمقراطي، مقالات، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بتاريخ ٣١ أكتوبر ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3TTURJs

[3]نورهان أبو الفتوح، لولا دا سيلفا..فوز متوقع فى ظل منافسة محتدمة، مقالة رأى، موقع السفير الإخبارى، بتاريخ ٣١ أكتوبر ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3DoAsW3

[4]MARTA REY, Inflación, pobreza y crispación: los retos de Lula da Silva como presidente de Brasil, rtve, 31.10.2022, at link: https://bit.ly/3UhvD7X

[5]Camilo Rocha, Los principales desafíos de Lula como presidente de Brasil: unir a un país dividido y proteger el Amazonas, cnn, 31 Octubre, 2022, At link: https://cnnespanol.cnn.com/2022/10/31/lula-brasil-amazonas-desafios-trax/

[6]Andrey Mattos, Veja 10 desafios que Lula terá em sua volta à presidência do Brasil, BANDEIRANTES, 31/10/2022, at link: https://bit.ly/3FxPlYX

 

طباعة

    تعريف الكاتب