تحليلات - شئون دولية

ترقب عالمى: سيناريوهات الاحتفال الروسى بعيد النصر

طباعة

غدا هو يوم الـتاسع من مايو، الذي يعتبر مناسبة عيد النصر الروسي، وهو ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي على النازية، حيث يقوم العديد من المسئولين السياسيين في كل دول العالم والحكومات ووسائل الإعلام المختلفة والمحللين والخبراء بإطلاق توقعات بخصوص كيفية مرور هذه المناسبة.

وعلى الأرض في روسيا تقوم التحضيرات على قدم وساق استعدادا للموكب العسكري المهيب الذي سيقوم بتنفيذ حفل عيد النصر في أكثر من 26 مدينة روسية.

وهناك عدد من التوقعات والاحتمالات،أطلقها بعض الجهات والسياسيين، وأبرزها الآتي:

السيناريو الأول - قيام الرئيس فلاديمير بوتين بإعلان الحرب بشكل رسمي على أوكرانيا:

تعتبر هذه الفرضية الأبرز على الساحة العالمية، حيث تنبأت عدة دول،على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، أن الرئيس الروسي بوتين سوف يقوم بإعلان الحرب على أوكرانيا بشكل رسمي عوضا عن استخدام مصطلح "العملية العسكرية الخاصة لحماية الدونباس". وتبرر هذه الدول هذا التوقع بأنه ليس لبوتين مسار سوى إعلان ما هو حقيقي ويتم على الأرض، وهي الحرب على أوكرانيا من أجل استخدام عدد من الصلاحيات القانونية، مثل التجنيد الإجباري، وضخ مزيد من القوات الى الأراضي الأوكرانية لتعويض خسائره خلال الحرب المستمرة لأكثر من شهرين، بالإضافة الى استحضار حالة النصر السوفيتي لتمرير قراره بالحرب عند الرأي العام الداخلي في روسيا.

السيناريو الثانى - إعلان السيطرة الكاملة على مدينة ماريوبول:

مع سيطرة الجيش الروسي على شئ أنحاء مدينة ماريوبول الساحلية المطلة على بحر أزوف باستثناء مصنع أزوفستال الذي –حتى تاريخه- يحتوي على جيوب من المقاومة العسكرية الأوكرانية، قوامها كتيبة أزوف اليمينية المتشددة، ومع قرب إخلاء جميع المدنيين المحاصرين في المصنع، ففي الأغلب ستتمكن القوات الروسية من السيطرة على ماريوبول الاستراتيجية ويتم إعلان هذا الانتصار على سبيل الدعاية –وذلك طبقا لوجهة النظر الغربية– التي تعتبر أن بوتين سيقوم بالاستفادة من هذا التزامن لنشر دعاية إيجابية عن العملية العسكرية والاحتفال بالنصر لرفع الروح المعنوية عسكريا وتقديم التبريرات للرأي العام في روسيا بخصوص نجاح العملية العسكرية، كما أنه فعليا تعتبر مدينة ماريوبول مكسبا استراتيجيا لروسيا، نظرا لأنها ستكون أكبر مدينة تسيطر عليها القوات الروسية منذ بداية الحرب، كما أنها ستكون نقطة ربط وجسر بري بين مناطق الدونباس في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.

السيناريو الثالث - إعلان بوتين انتهاء الحرب فى أوكرانيا:

مع شواهد سير المعارك في مختلف الجبهات، نجد عدة مبررات واضحة على استحالة قيام بوتين بإعلان نهاية الحرب يوم غدا 9 مايو، حيث لا تزال الجبهات الشرقية في منطقة الدونباس مشتعلة، وأبرزها محور مدينة بوباسنا – سيفير ودونتسك في جمهورية لوهانسك، وأيضا محور كراماتورسك في جمهورية دونتسك، وهاتان الجبهتين يعتبرا حاليا قلب العمليات العسكرية في الدونباس، حيث تهدف القوات الروسية من استكمال كامل السيطرة على لوهانسك، ثم التفرغ لاستكمال التقدم في دونتسك في مدن (ليما – كراماتورسك – سلوفيانسك).

 كما أعلنت القوات الأوكرانية قيامها ببداية هجوم في منطقة خراكييف شمال شرق أوكرانيا لفك الحصار عن المدينة التي تعد ثاني أكبر مدن أوكرانيا، وما لا شك فيه أن هذا الهجوم سيستمر لأسابيع.

وما يؤكد احتمالية استمرار المعارك لآفاق أكبر وجبهات أكثر هو شكل الضربات الصاروخية والهجمات الجوية على مناطق مختلفة، أبرزها الهجمات على مدينة أوديسا ثالث أكبر مدن أوكرانيا التي تقع في جنوب غرب البلاد والى الغرب من القرم وخيرسون، حيث توجه القوات الروسية ضربات جوية وصاروخية من البحر الأسود على المدينة التي من المحتمل أن تكون مرحلة جديدة لهجوم روسي، فبطبيعة الحال يفصلها عن القوات الروسية المسيطرة على مقاطعة خيرسون مدينة مايكولاييف.

مؤشرات اتساع رقعة الحرب خارج أوكرانيا نحو مولدوفا:

إلى الغرب من أوكرانيا، توجد دولة مولدوفا التي كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا، وتعتبر من حلفاء الغرب ويوجد بها منطقة تدعى جمهورية ترانسنيستريا غير المعترف بها، وهي حليفة لروسيا وقد وقع بها بعد الانفجارات قامت الأطراف المختلفة بتوجيه الاتهام لبعضهم بعضا بخصوص محاولة إشعال المنطقة ومد الحرب لها، حيث تتهم روسيا المخابرات الأوكرانية بأنها وراء الانفجارات في ترانسنيستريا، كما تتهم أوكراني والغرب روسيا بنفس الاتهام مبررة ذلك رغبة روسيا بمد الصراع الى المنطقة، بحيث تستطيع فرض كامل سيطرتها على الساحل الجنوبي لأوكرانيا بالكامل وعزلها عن البحر الأسود.

دلالات شكل العقوبات الاقتصادية على روسيا:

إذا أردنا توقع احتمالية إنهاء الحرب يوم 9 مايو، فينبغي أيضا أن ننظر إلى شكل ودلالات العقوبات الاقتصادية التي يوقعها الغرب على روسيا والتطورات النوعية لحزم العقوبات، حيث كان آخر وأبرز هذه الحزم قيام أورسولا فون دير لاين رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي بإعلان خطة الاتحاد الأوروبي لوقف استيراد النفط من روسيا بحلول نهاية عام 2022، مع الأخذ في الاعتبار موقف الدول الثلاث (المجر- سلوفاكيا- جمهورية التشيك) التى تعتمد بشكل كبير على النفط الروسي ورفضت الخطة بشكل مبدئي ويحاول الاتحاد الأوروبي تقديم فترة سماح لها حتى نهاية 2024، لوقف استيراد النفط الروسي، وتعد هذه الخطة هي بذرة انقسام خطيرة داخل الاتحاد الأوروبي، حيث قام رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، بإعلانه رفض هذه الخطة لما ستسبب به من أضرار جسيمة على بلاده. وبعيدا عن هذه المسألة المعقدة، فإن دلالاة هذه الخطة تؤكد ضرورة استبعاد احتمال نهاية الحرب في الوقت القريب على أبسط التقديرات، إضافة إلى استمرار قيام الدول الغربية بإرسال الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا التي كان آخرها دفعة من مدافع الهاوتزر الألمانية.

لذا، وبغض النظر عن احتمالات سيناريو يوم النصر المتعددة، فإنه يبدو من الغريب وجود بعض الأصوات التي تفترض أنه سيتم إعلان وقف إطلاق النار ووقف الحرب في أوكرانية في ذلك اليوم، ويعتبر ذلك ابتعاد عن الواقع وحالة من الإنكار لأسباب كثيرة، لكن الأكثر بساطة منها ما يلى:

أولا- لم تنته روسيا من السيطرة على كامل منطقة الدونباس (جمهورية لوهانسك وجمهورية دونتسك)، حيث لا تزال العديد من المدن الرئيسية فيها خارج السيطرة الروسية، منها مدينة كراماتورسك وسيفيرودونتسك وغيرها، ومن غير المنطقي أن تسيطر عليهم روسيا عسكريا خلال يوم فقط، ومن المستحيل أن يقرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التخلي عن باقي المناطق في الدونباس (وإلا فلم بدأ الحرب منذ البداية؟).

ثانيا- موقف كل الدول الغربية وعملهم على تسليح أوكرانيا، وتجهيز حزم أخرى من العقوبات ضد روسيا، التي أبرزها وقف الاتحاد الأوروبي  لاستيراد النفط الروسي مع نهاية العام الحالي، تدل ببساطة على أن المعلومات الاستخباراتية تؤكد عدم وجود دلالات على إنهاء الحرب بهذه السرعة.

لذلك، فإن هذا الطرح يبتعد عن واقع الأزمة وفهم أبعادها كليةً.

طباعة

    تعريف الكاتب

    إسلام القاضي

    إسلام القاضي

    باحث فى العلوم السياسية