تحليلات - عالم عربى

تأثيرات الانشقاقات داخل "شباب المجاهدين" في الصومال

طباعة
يبدو أن استراتيجية الرئيس الصومالي، محمد عبدالله فرماجو، الهادفة إلى تقويض نشاط التنظيمات الإرهابية، خاصة حركة شباب المجاهدين، عبر تعميق الانشقاقات داخلها، تؤتى ثمارها، خاصة مع انشقاق مختار ربو (أبو منصور)، القيادي السباق في الحركة، وتسليم نفسه للحكومة الصومالية، مع مجموعة من مقاتليه، في أغسطس الماضي.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل شارك الرجل بمجموعته مع القوات الحكومية في المواجهات التي اندلعت مع حركة شباب المجاهدين في مدينة "حدر" في إقليم "بكول"، وذلك ما دفع الحكومة الصومالية إلى تقديم مساعدات عسكرية له. ويطرح ذلك تساؤلاً مهماً حول أهم الأبعاد والتأثيرات المحتملة للانشقاقات داخل صفوف الحركة، خاصة أنها تأتي في وقت تسعى فيه الحركة إلى التمدد والانتشار على نطاق واسع، والقضاء على التنظيمات والمجموعات المنافسة. 
 
انشقاقات متصاعدة:
لم يكن انشقاق مختار ربو (أبو منصور) الأول من نوعه، حيث سبقه عدة انشقاقات أخرى، كان أبرزها انشقاق القيادي عبد القادر مؤمن، في أكتوبر 2015، ومعه ما يقرب 200 مقاتل، ثم مبايعته لتنظيم "داعش"، مما جعله منافساً لحركة شباب المجاهدين في البلاد، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى شن عدد من الهجمات على مواقعه، مما اضطره إلى الهروب للجبال.
يضاف إلى ذلك، انشقاقات أخرى لعدد من القيادات المحورية، مثل القيادي البارز في شباب المجاهدين، السيد إسماعيل حرسي، الذي كان يشغل منصب مسئول المخابرات والأمن، والسيد محمد سعيد، الذي كان يعد من القيادات البارزة للحركة في شرق الصومال، والشيخ حسن طاهر أويس، زعيم الحزب الإسلامي سابقا، هذا فضلا عن مئات من العناصر الذين تركوا الحركة، وتنازلوا عن أفكارها المتطرفة طواعية، وإن كان منهم من تم تصفيته على يد الحركة، ومنهم من اختفى من الساحة لأسباب غير معلومة.
 
تأثيرات محتملة:
من المؤكد أن الانشقاقات المتنوعة التي ضربت شباب المجاهدين، خلال السنوات الأخيرة، سيكون لها بعض التأثيرات على الأوضاع الداخلية في الصومال، ومن أبرزها:
(*) إضعاف الحركة: يبدو أن تصاعد الانشقاقات داخل الحركة قد يؤدى إلى إضعاف الحركة، نظراً لأنها ستؤدى إلى حالة من الاهتزاز التنظيمي، حيث إن الانشقاقات تشجع العديد من الأفراد والمجموعات على الإقدام على هذه الخطوة، التي ستؤثر فى قدرتها على التماسك والصمود، لاسيما وأن بعض القيادات لا تنشق بمفردها، وإنما يكون معها أعداد غير قليلة من المنتمين للحركة، كما حدث مع عبدالقادر مؤمن، الأمر الذي دفع شباب المجاهدين، آنذاك، إلى الإعلان أنها ستقتل كل من ينشق عنها، وذلك لردع أعضائها عن التفكير في الانشقاق.
(*) نجاح استراتيجية فرماجو: يعد نجاح الحكومة الصومالية في إقناع شخصية بحجم أبو منصور، بتسليم نفسه وسلاحه، والتعاون معها في مواجهة شباب المجاهدين، انتصارا واضحا لمشروع الرئيس الصومالي في تفتيت الحركة من الداخل، ومن ثم القضاء عليها، نظرا لأن تلك الانشقاقات تحد من قدرتها على الانتشار وممارسة العمل الإرهابي تدريجياً، مما سيسهم في استقرار الصومال، ومن ثم، القضاء على الإرهاب المتفشي فيها، والذي بات يهدد منطقة شرق إفريقيا بشكل حقيقي.
(*) تصاعد استهداف الحركة عسكريا: حيث إن تصاعد الانشقاقات يمكن أن يدفع بعض القيادات، مثل أبى منصور للتعاون مع الحكومة الصومالية، في مواجهة شباب المجاهدين، وبالتالي احتمالية التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما قد يشجعها على تكثيف ضرباتها ضد حركة شباب المجاهدين، لاسيما في ظل سياستها الهادفة إلى القضاء على فروع تنظيم القاعدة النشطة، خاصة في الصومال، معتمدة في ذلك على المعلومات التي يمكن أن يقدمها أبو منصور ورجاله عن الحركة، مما سيجعل الأخيرة، خلال الفترة القادمة، في مرمى نيران القوات الأمريكية بشكل مستمر، الأمر الذي سيحد من قدرات الحركة العسكرية بشكل كبير.
(*) تقويض المشروع القاعدي في شرق إفريقيا: فمن المعروف أن حركة شباب المجاهدين الصومالية تعد ذراع تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، وتعمل جاهدة على نشر أفكار التنظيم وترسيخ وجوره في تلك المنطقة، في إطار رغبته بأن تكون هذه المنطقة بمنزلة مجال حيوي له. وفى المقابل، فإن انشقاق بعض القيادات غالبا ما يفسر على أنه قد حدث بسبب  أخطاء في الفكر والمنهج ، مما يحد من قدرة الحركة على نشر أفكارها، وبالتالي قدرتها على تجنيد عناصر جديدة، وهو ما سيؤدى إلى تقويض انتشار القاعدة في المنطقة.
في ضوء كل ما سبق، يمكن القول إن الانشقاقات غالبا ما ستستمر داخل حركة شباب المجاهدين خلال الفترة القادمة، الأمر الذي يجب أن تستغله الحكومة الصومالية في تشجيع هذه الانشقاقات والعمل على تعميقها حتى تتمكن من تفتيت الحركة تنظيمياً من الداخل، والقضاء عليها بشكل تدريجي، مما يفرض على دول المنطقة العمل على اغتنام هذه الفرصة، وتقديم الدعم للحكومة الصومالية لجذب القيادات المنشقة  عن التنظيمات الإرهابية، وإقناعهم بالعودة إلى الدولة ، لأن تلك الخطوة يمكن أن تحقق في وقت وجيز ما يمكن أن تعجز عنه المواجهة المسلحة في سنوات طوال.
 
طباعة

تعريف الكاتب

علي بكر

علي بكر

نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة