تحليلات - استراتيجية عسكرية

هل تُشكِّل مواقع التواصل الاجتماعي تهديدًا للأمن القومي؟

  • أحمد الشورى

  • 7-9-2015

طباعة
أحمد الشورى .. المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

7 سبتمبر 2015

ثار جدلٌ في الآونة الأخيرة حول درجة التهديد الذي تمثله شبكات التواصل الاجتماعي للأمن القومي، حيث يؤكد البعض أن شبكات التواصل الاجتماعي تشكل مصدر تهديد صريح للأمن القومي، ويرى آخرون أن هذا تهويل للخطورة التي يمكن أن تمثلها شبكات التواصل الاجتماعي. ولعل هذا الجدل يبدو مبررًا في إطار الدور البارز الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في عدد من الثورات والانتفاضات التي شهدتها المنطقة العربية، والتي أدت إلى إسقاط عددٍ من الأنظمة في تلك البلدان، ومن بينها مصر، الأمر الذي يدفع إلى إعادة التفكير في مدى ما تُمثله من خطورة على الأمن القومي المصري في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، لا سيما مع استعانة الجماعات الإرهابية -وبشكل مكثف- بشبكات التواصل الاجتماعي كأداة للانتشار وحشد المؤيدين والتأثير على الرأي العام.
 
أولا- وسائل التواصل الاجتماعي وإعادة تعريف الإرهاب:
أدت التطورات التكنولوجية التي شهدتها وسائل الاتصال إلى دخول الإرهاب في حقبة جديدة، حيث ساهم هذا التطور في إعادة النظر في مفهوم الإرهاب وأشكاله ومقوماته؛ إذ تبين أن نمط الإرهاب الحالي لم يعد يأخذ شكل الإرهاب التقليدي الذي يتكون من تنظيم وهيكل متمركز في مناطق محددة، والذي كان من اليسير القضاء عليه، أو استهدافه، فبسبب تطور وسائل الاتصال وما لحقها من ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت التنظيمات الإرهابية عابرة للأوطان وللحدود، بشكل يصعب السيطرة عليها بغلق الحدود أو تأمينها، بعد أن أصبح تركيز هذه الجماعات منصبًّا على انتشار الفكرة، وتجنيد العناصر عن بعد وبشكل ذاتي من خلال شبكة الإنترنت، بل انتقلت معسكرات التدريب إلى العالم الافتراضي، فلم يعد يشترط تدريب الأفراد في معسكر تدريب على أرض الواقع في أحد الكهوف وفي قمم الجبال، بل يكفي العنصر الجديد المفترض أن يحصل على التدريب وما يريد من معلومات من خلال شبكة الإنترنت والمواقع الإلكترونية الخاصة بالجماعات الجهادية، وهو ما بات يُعرف اصطلاحًا بـ”الجهاد الشخصي”.
أبسط دليل على ذلك إذا قمنا بالمقارنة بين حقبة الثمانينيات والتسعينيات، والتي دخلت فيها الدولة المصرية في مواجهة شرسة مع الجماعات الإرهابية تمكنت من القضاء عليها، من خلال توجيه عدد من الضربات الأمنية لقواعدها، وتفكيك البنية التنظيمية، والسيطرة على قيادتها، حتى تم إجبارها في أواخر التسعينيات على إعلان مراجعة الأفكار التكفيرية والمصالحة مع النظام، أما الآن، فإن الأخيرة تجد نفسها في مواجهة موجات إرهابية تنشط على الأرض انطلاقًا من قاعدة افتراضية، فلقد اختلف الوضع بعد أن أصبحت التنظيمات الجهادية شبكية وليست هرمية كما في السابق، فيما تُتخذ القرارات في الفضاء الإلكتروني، لتنفذ الأوامر على أرض الواقع بعد تلقيها عن بعد من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. والأخطر من ذلك يتمثل في أن الفرد الواحد قد تحول إلى “منظمة إرهابية”، ما يعني أن انتشار الفكرة عبر الفضاء الإلكتروني لا يشترط لتطبيقها وجود مجموعة تتبنى هذه الفكرة، بل يكفي فرد واحد لتنفيذها، وهو ما يضعنا أمام افتراض ذي وجاهة مفاده أن عددًا من التفجيرات التي تمت في مناطق مختلفة في مصر لا يشترط أن تأتي بناءً على أوامر مركزية من جماعة جهادية ما، في ظل ما بات يُسمى بـ”الجهاد الشخصي” في ضوء وجود العديد من المواقع الإلكترونية التي تُديرها عناصر وقيادات الجماعات الجهادية، والتي توضح محتوياتها الإعلامية كيفية إعداد قنبلة وتلغيم السيارات والمنشآت، كما توضح بعض هذه المواقع الإلكترونية كيفية سرقة الحسابات البنكية، وبطاقات الائتمان، بهدف توفير وتأمين التمويل اللازم للقيام بالعمليات التفجيرية.
 
ثانيًا- استهداف الشخصيات العامة والمسئولين الحكوميين:
إن توفير نوعية المعلومات المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي والتي تقترب إلى حد كبير من نشر تفاصيل عن مجريات الحياة اليومية لمستخدمي هذه الشبكات، قد أسهم في إمكانية استخدام هذه المعلومات لأغراض إرهابية، من خلال استهداف الشخصيات العامة والمسئولين في جهات سيادية، من خلال رصد تحركاتهم، ومتابعة ذويهم وعائلاتهم، وهو ما يُعرّض المسئول ومن حوله لخطر الاستهداف، ودون مبالغة الأمن القومي للبلاد.
وعلى الرغم من عدم الإعلان حتى الآن عن ثبوت استهداف إحدى المنشآت المدنية أو العسكرية من خلال متابعة شبكات التواصل الاجتماعي وصفحاتها الخاصة من قبل الإرهابيين، فإن ثمة سوابق دولية في هذا الإطار؛ فهجمات مومباي عام 2008 أُعلن أنها قد تمت من خلال المتابعة والاعتماد على معلومات كانت تنشرها نائب مساعد وزير شئون الدبلوماسية عن أماكن تواجدها على صفحتها الخاصة على “فيس بوك”، وقد استفاد منها الإرهابيون في القيام بعملياتهم. وهو أمر يدعو إلى توخي الحذر من قبل العاملين في الجهات الحيوية في الدولة، ويستوجب الحرص في نشر الصور والإعلان عن أماكن التحرك والتواجد بشكل يسهل من مهمة الإرهابيين الذين اعتمدوا خلال الفترة الأخيرة على عمليات استهداف الشخصيات العامة، والإعلان عن قائمة اغتيالات تضم مسئولين وشخصيات عامة.
 
ثالثًا- وسائل التواصل الاجتماعي والحرب النفسية:
يُلاحظ أن الجماعات الإرهابية خلال الفترة الأخيرة بدأت في الاستفادة بشكل كبير من قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على نشر محتويات مخطط الحرب النفسية ضد أجهزة الدولة، وليس أدل على ذلك من الفيديو الذي نشره تنظيم “أنصار بيت المقدس” الإرهابي لمجزرة كرم القواديس في أكتوبر 2014، والذي استشهد على إثرها 31 من جنود القوات المسلحة من خلال تفجير الكمين بواسطة سيارة ملغومة، ثم قيام مسلحين بمهاجمة الجنود الذين نجوا من التفجير، وقتلهم، والاستيلاء على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر النوعية التي كانت موجودة في الموقع.
والحقيقة أنه لا يُمكن النظر لقيام التنظيم بتصوير تلك العملية وغيرها، وبثها على المواقع والصفحات الخاصة به؛ على أنه تصوير لمجرد توثيق للحظة، والتأكيد على أنه من قام بها، ولكن هدف التنظيم من خلال إقدامه على هذه الخطوة إثارة الذعر والخوف، خاصةً أن هذا التنظيم أعلن مبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يستخدم نفس الأسلوب.
 
رابعًا- وسائل التواصل الاجتماعي أداة لنشر الشائعات:
على الرغم من أن شبكات التواصل الاجتماعي ساهمت في ظهور ما يُعرف بـ”المواطن الإعلامي” أو “المواطن الصحفي”، حيث مكنته التكنولوجيا من تصوير الأحداث وتوثيقها ومن ثم نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما ساهم في ظهور ما بات يُعرف بـ”الإعلام البديل” – فإن عدم توثيق الأخبار، وصعوبة التحقق من صحتها، وسلامة مصادرها؛ قد أسهم في جعل شبكات التواصل الاجتماعي أداةً فاعلة في يد كل من يريد بث ونشر شائعة ما، في ظل صعوبة فرز الأخبار، وسيولة المعلومات، وسهولة تداولها، ومن ثمّ تصديقها والاعتقاد بصحتها، وبناء الأفكار والرؤى على أساسها. غير أن الأمر لا يقتصر على انتشار الشائعات وترويجها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل امتد الأمر إلى وسائل الإعلام التقليدية التي تجد في هذه الشائعات مادة خصبة لملء ساعات الهواء، لا سيما وأن معظمها قد اعتمد -استسهالا- على ما تنشره شبكات التواصل الاجتماعي من أخبار.
 
خامسًا- وسائل التواصل الاجتماعي وحروب الجيل الرابع:
تُمثل الشائعات إحدى أدوات الحرب الحديثة، وتندرج ضمن ما يسمى “الجيل الرابع” من الحروب، والذي تعد فيه الإشاعة أحد الأساليب المهمة في بلوغ أهداف هذه الحروب، وبالتالي فإن ترويجها في قضية معينة لا يتم بشكل عشوائي، بل إن أجهزة كبرى وسيادية تابعة لبعض الدول تقوم بإدارة هذا النوع من الحروب من خلال الترويج لبعض الشائعات، لما تتمتع به الأخيرة من تأثير شديد الخطورة على النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ قد تؤثر شائعة ما سلبًا على اقتصاد الدولة، وتُسهم في إعلان إفلاسها، فضلا عن الشائعات السياسية التي من الممكن أن تؤدي إلى اضطرابات وقلاقل داخل الدولة الواحدة، أو بين الدول وبعضها بعضًا.
 
وقد أشار إلى هذا الأمر عدد من الكتاب والأكاديميين، من أبرزهم د. معتز عبد الفتاح، لافتًا إلى ما ذكره “أندرو مارك” في مقالة شهيرة له في عام 1975 حول أسباب انتصار الدول الضعيفة على الدول القوية؛ حيث حاول تفسير سبب هزيمة الولايات المتحدة في حربها في فيتنام، وضرب أمثلة متعددة من تاريخ صراعات كبرى تنتهي بانتصار الأضعف ماديًّا وتسليحيًّا. وترك سؤالا للاستراتيجيين وهو: كيف تنجح الولايات المتحدة في علاج هذه المعضلة لأنها دائمًا ما ستكون الأقوى عسكريًّا واقتصاديًّا وقد تنتهي إلى الهزيمة؟ وكانت الإجابة هي الاستثمار في الإعلام ونشر الشائعات لتمزيق الدول، بدلا من اللجوء للرصاص والقنابل الأكثر تكلفة.
 
وبالعودة إلى الواقع المصري، فإن أبرز الشائعات التي هدفت إلى زعزعة استقرار الدولة المصرية، واهتزاز الثقة في مؤسسات الدولة، والتي انتشرت كالنار في الهشيم عبر صفحات التواصل الاجتماعي؛ انتشار شائعات تُفيد بانشقاق قائد الجيش الثاني الميداني اللواء أحمد وصفي، في يوليو 2013 الماضي، وقد أُشيعت هذه الشائعة من قبل جماعة الإخوان المسلمين كمحاولة لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، الأول: مخاطبة قواعدها ومحاولة إعطائهم الثقة بعد أن تمت الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من السلطة في 3 يوليو، خاصة أن الجماعة كانت لديها ثقة في أن المؤسسة العسكرية لن تُقدم على ذلك، الثاني: العمل على إحداث حالة من البلبلة والفوضى داخل الرأي العام المصري، والثالث: مخاطبة الرأي العام العالمي وتصوير المشهد بأنه لم يُحسم بعد، وأن هناك صراعًا داخل المؤسسة العسكرية.
بالطبع كان من الذكاء قيام المؤسسة العسكرية بنفي هذا الخبر إعلاميًّا وعبر صفحات التواصل، بل قام اللواء أحمد وصفي بإجراء مؤتمر صحفي ينفي هذا الأمر.
أيضًا تأتي شائعات اغتيال الفريق أول عبد الفتاح السيسي، في ذلك الوقت، أو محاولات انشقاقات داخل الجيش وغيرها. وتلك الشائعات أيضًا انطلقت من إحدى القنوات الفضائية غير المصرية، وتلقتها وسائل التواصل الاجتماعي.
 
ومع بدء “عاصفة الحزم” ومشاركة مصر فيها، انتشرت أيضًا شائعات عدة حول تورط مصر في حرب برية في اليمن، ومقتل جنود مصريين في اشتباكات برية هناك، إلا أن العميد محمد سمير -المتحدث الرسمي للقوات المسلحة- نفى هذه الشائعة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، وأشار إلى أن مشاركة القوات المسلحة اقتصرت على عناصر من القوات البحرية والجوية فقط. كما أكد المتحدث الرسمي أن هذه الشائعات التي تنشرها مواقع التواصل الاجتماعي، ما هي إلا إحدى أدوات حروب الجيل الرابع تشنها بعض الجهات المعادية بغرض التأثير على الأمن القومي المصري.
 
سادسًا- آليات مواجهة الشائعات والحرب النفسية:
هناك آليات يُمكن من خلالها مواجهة أساليب الحرب النفسية والشائعات، من بينها:
– الشفافية والإفصاح: وذلك بإصدار بيانات في وقت مناسب من الجهة المختصة عقب إطلاق الشائعة، لتوضيح حقيقة الأمر، فإذا كان لها أساس ينبغي ضرورة توضيح ما تُمثله من خطورة على المجتمع واستقراره، وإن كانت كاذبة ينبغي المسارعة بنفيها، مع التأكيد على عامل الوقت في هذا الإطار.
– متابعة مصادر الشائعات: سواء كان الترويج لها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتأكد من سوء النية والمقصد من مروجها، واتخاذ الإجراءات اللازمة حيال مروجيها، لا سيما وإن كانت تمس معلومات سرية، أو جهات سيادية، إذ إن ترك مروجي الشائعات من دون ملاحقتهم قد يُغري الآخرين بإطلاق شائعات جديدة تهدد أمن المجتمع واستقراره.
– الارتقاء بالمستوى الإعلامي: لا سيما وأن بعض القنوات الفضائية قد تحولت في الآونة الأخيرة وبمرور الوقت إلى ناقل لمحتوى شبكات التواصل الاجتماعي بما فيها من شائعات، وأخبار مغلوطة، وروايات غير حقيقية. ومن ثم فإن على وسائل الإعلام التحقق من صحة المعلومات التي تنشرها وذلك من الجهات الرسمية.
 
وأخيرًا، يُمكن القول إن مواقع التواصل الاجتماعي على الرغم من كونها أداة للتواصل بين الأفراد، وأنها وسيلة للتعبير عن الآراء المختلفة وتبادلها، فإنها في الوقت نفسه من الممكن أن تكون أداة خطيرة تهدد سلامة الأمن القومي، علاوة على ازدياد خطورتها في نشر الشائعات والحرب النفسية، بعد أن أصبحت أداة قوية من أدوات حروب الجيل الرابع، وبالتالي تبقى الإشكالية في كيف يُمكن تحقيق التوازن بين متطلبات التعبير عن الرأي والحفاظ على الأمن القومي؟.
 
طباعة