مقالات رأى

ثورة الثلاثين من يونيو.. انتصار الإرادة المصرية

طباعة

لم تكن ثورة 30 يونيو 2013 مجرد خروج عفوى لجماهير غاضبة، بل كانت لحظة فارقة فى تاريخ الأمة المصرية، لحظة قررت فيها الإرادة الشعبية أن تنتصر على الخوف، على الاستغلال، وعلى محاولات اختطاف الدولة. لقد جاءت هذه الثورة كفعل واعٍ، وناضج، وراسخ الجذور فى وعى المصريين الجمعى، بعد أن عانوا من استبداد أيديولوجى حاول فرض رؤية أحادية باسم الدين، على مجتمع متنوع، عريق، وصاحب حضارة متجذرة فى التاريخ.

شهدت مصر بعد ثورة يناير 2011 تحولات سياسية متسارعة، إلا أن المرحلة التى أعقبتها سرعان ما انزلقت إلى محاولات ممنهجة لاحتكار السلطة وتفريغ الدولة من مضمونها الوطنى. استُخدمت أدوات الدين فى خدمة مشروع سياسى ضيق الأفق، وبدأت مؤسسات الدولة تُفرَّغ من مضمونها، وتحاصرها محاولات التمكين، والسيطرة، والإقصاء. لقد أصبح المواطن المصرى مهددًا فى أبسط حقوقه، ليس فقط فى التعبير أو المعيشة، بل فى الشعور بالانتماء والأمان داخل وطنه.

فى ظل هذا الواقع المقلق، تشكّلت حالة من القلق الجمعى، وعدم الطمأنينة النفسية لدى الشعب. بدأ المواطن يشعر أنه يُقصى من وطنه، وأن صوته الذى أطلقه فى يناير قد اختُطف، وتحوّل الأمل إلى خوف، والانفتاح إلى تقييد، والنقاش العام إلى خطاب تخوينى. كان من الواضح أن هناك شعورًا داخليًا بالتهميش والانفصال عن القرار، وأن حالة الاغتراب النفسى بدأت تتسلل إلى الذات المصرية.

لكن الشعب المصرى، بما يملكه من وعى تاريخى متراكم، لم يستسلم لهذا الواقع. بل كانت النفس الجمعية فى حالة غليان داخلى صامت، ينتظر لحظة الفعل. جاءت تلك اللحظة فى 30 يونيو، حين قرر المصريون أن يصنعوا “ثورتهم الثانية” بأيديهم، وأن يصحّحوا المسار، دون انتظار للغيب، أو خوف من القمع، أو خضوع للاستغلال.

خرج أكثر من 33 مليون مصرى إلى الشوارع والميادين فى مشهد إنسانى وسياسى غير مسبوق، حيث تجلّت الروح الوطنية، وتجاوزت الجماهير مشاعر الخوف واليأس. لقد كانت لحظة نادرة استعاد فيها الشعب ثقته بنفسه، وشعر أنه قادر على تغيير مصيره، وأن الكلمة لا تزال له، لا لمن يتحدث باسمه زيفًا. من الناحية النفسية، كانت الثورة تجسيدًا لتحوّل جمعى من دور الضحية إلى دور الفاعل، ومن الشعور بالاستضعاف إلى استرداد الكرامة.

تدخّلت القوات المسلحة المصرية استجابة لهذا النداء الشعبى، معلنة دعمها للإرادة الوطنية، وصياغة خارطة طريق لبناء دولة مدنية حديثة، تُحترم فيها الحقوق، وتُصان فيها الهوية، ويعلو فيها صوت المواطن لا الجماعة. وقد كان القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، الفريق أول عبدالفتاح السيسى، هو من تولّى هذه المسئولية التاريخية الثقيلة، واضعًا نصب عينيه مصلحة الوطن فوق أى اعتبار آخر.

أعادت ثورة 30 يونيو تعريف المفاهيم السياسية فى مصر والمنطقة. لقد أثبتت أن الشرعية ليست مجرد نتاج صناديق اقتراع، بل هى تجديد مستمر من الشعب، مبنى على القدرة الفعلية على إدارة الدولة، وتحقيق العدالة، وصون الاستقرار. كما أعادت الاعتبار لمفهوم الدولة الوطنية، بعد أن حاول البعض أن يطمسه لصالح مشاريع أيديولوجية عابرة للحدود.

وقد انعكست الثورة ليس فقط على ملامح النظام السياسى، بل على الروح الوطنية ذاتها. تحسنت صورة الذات المصرية، وبدأ الناس يشعرون بالأمان مرة أخرى. بدأ الأمل فى المستقبل يظهر، وبدأت المؤسسات تستعيد قوتها وهيبتها. أصبح الإعلام أكثر تعبيرًا عن نبض الشارع، والتعليم أكثر اهتمامًا بالهوية، والفن أكثر التصاقًا بالواقع المصرى.

لم تكن الثورة مجرد حدث سياسى، بل كانت حالة شفاء نفسى جماعى. لقد رمّمت فى الناس جزءًا مكسورًا من كرامتهم، وأعادت لهم ثقتهم فى قدرتهم على الفعل. فالشعب الذى قام بثورتين فى أقل من ثلاث سنوات، لم يكن هشًا كما صُوّر، بل كان قويًا بما يكفى ليُعيد إنتاج نفسه من جديد.

ثم جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى ليحمل أمانة هذا التحوّل العظيم. لم يكن ظهوره السياسى مجرد انتقال وظيفى من قيادة عسكرية إلى رئاسة جمهورية، بل كان استجابة لتطلعات الناس، وتحقيقًا لما شعروا به تجاه شخصٍ تحرك من أجلهم دون طلب، واحتواهم فى لحظة فارقة. تولى السيسى مسئولية وطنية فى توقيت بالغ الحساسية، كانت فيه الدولة مهددة، والاقتصاد منهارا، والثقة العامة مهتزة. لكنه، فى صمت القادة الكبار، بدأ مشروعًا طويل الأمد لإعادة بناء الدولة المصرية.

عمل الرئيس السيسى على عدة مسارات متوازية: تثبيت أركان الدولة أمنيًا وسياسيًا، وإطلاق مشروعات قومية هائلة، وبناء بنية تحتية تستوعب النمو السكانى والاقتصادى، وتطوير التعليم، والرعاية الصحية، واستعادة دور مصر الإقليمى. وفى قلب هذا كله، كانت هناك فلسفة وطنية واضحة: مصر أولًا.. بلا مساومة، وبلا صفقات، وبلا تردد.

على الصعيد الإنسانى، كان لخطاب الرئيس بعد الثورة دور كبير فى تهدئة النفوس، وطمأنة الجماهير، وخلق حالة من الأمان الداخلى. لقد بدا واضحًا أن القائد يفهم مشاعر شعبه، ويقدر آلامهم، ويحترم عقولهم. وكانت كل خطوة تُبنى على قاعدة: لا تراجع عن مشروع الدولة، ولا مساومة على هوية الوطن.

ومن هنا، أصبحت ثورة 30 يونيو درسًا نفسيًا وسياسيًا للأجيال. علمتنا أن الأوطان لا تُهدى، بل تُحمى. وأن الإرادة الجمعية حين تتجلى، لا يوقفها خطاب زائف، ولا يخيفها وعيد، ولا يضللها إعلام مأجور. وعلمتنا أن القائد الحقيقى هو من يُعبّر عن الناس، لا من يتاجر بمشاعرهم، هو من يحمى حلمهم، لا من يراهن على ضعفهم.

ستظل هذه الثورة محفوظة فى وجدان المصريين، لا كنقطة تاريخية فقط، بل كإرث نفسى، وأخلاقى، وثقافى. وعلى المؤسسات التعليمية، والإعلامية، والثقافية أن توثق هذه اللحظة جيدًا، لا لتقديسها، بل لفهمها، واستلهام دروسها، وتعليمها للأجيال القادمة.

تحية إلى القائد الذى حفظ الوطن وصان الكرامة:

فى ختام هذا التأمل فى ثورة 30 يونيو، لا يسعنا إلا أن نُعبر عن امتناننا العميق، وتقديرنا الصادق، للرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى اختار أن يكون فى الصفوف الأمامية فى لحظة كان كثيرون يختبئون فيها. اختار أن يكون ضميرًا واعيًا لوطن فى لحظة خطر، لا مجرد مسئول فى لحظة صعود.

لقد أثبت الرئيس أنه قائد من طراز نادر، لا تحركه المصلحة، ولا يلهث خلف الصورة، بل يصنع التاريخ بالفعل والعمل. ومثلما أنقذ الوطن حين احتاجه، فإنه يقوده اليوم فى مسيرة بناء هى الأعمق فى تاريخ مصر الحديث.

تحية من القلب إلى القائد الذى لم يخذل شعبه، ولم يتراجع عن مسئولياته، والذى نذر نفسه لوطنٍ يستحق الأفضل.. مصر.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى بركة

    د. منى بركة

    أخصائي صحة نفسية