نجاحات وإخفاقات:|"مؤتمر": رؤية مستقبلية للخيار الديمقراطي في العراق
20-2-2012

رانيا مكرم
* باحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

الأحد : 19- 2-2012

يشهد العراق مرحلة من التحول المحوري نحو الاستقلال الكامل والخروج من الوصاية الأمريكية،‮ ‬وذلك بتنفيذ الولايات المتحدة لقرار انسحاب القوات الأمريكية من العراق، الأمر الذي يثير عديدا من التساؤلات حول مصير العراق الجديد وملامح مستقبله، في ظل وجود جملة من المعوقات التي لا تزال تمثل حائلا دون إنجاح الجهود السياسية لخلق واقع ديمقراطي‮. وفي إطار الاهتمام ببحث الخيارات المتاحة أمام العراق لمواصلة مسيرة الاستقلال وبناء الدولة الديمقراطية،‮ ‬عقدت المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية مؤتمرها الدولي الأول‮ في بغداد.

ويكتسب المؤتمر أهميته من أهمية المرحلة التي يمر بها العراق عقب الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية‮. ‬وكان هدف المؤتمر الأساسي هو الوقوف على نجاحات وإخفاقات التجربة الديمقراطية في العراق، واستطلاع آراء الخبراء والمثقفين المختلفة حول المستقبل العراقي وخياراته‮. ‬ولذلك،‮ ‬ركزت النقاشات على التحديات التي تواجه المسيرة الديمقراطية في العراق‮.‬

مشكلات الديمقراطية العراقية ‮:‬

أشار المؤتمر إلى أن الدستور العراقي يعد أهم تحد في مسيرة الديمقراطية العراقية‮. ‬ولعل أهم نقاط الضعف التي تعتري الدستور هي الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها العاصمة المركزية بغداد على حساب صلاحيات الأقاليم المختلفة، وليس إقليم كردستان فقط، في ظل الحديث عن وجود نزعات استقلالية لدي عدد من المناطق،‮ ‬مثل صلاح الدين، والأنبار، والبصرة‮.

‬فيما تكمن نقطة الضعف الثانية في عدم شعبية هذا الدستور، لاسيما مع تصويت ما يقارب من‮ ‬90٪‮ ‬من الأنبار ضد الدستور، مما يعني وجود خلل بنيوي له أثره السلبي على مكونات الشعب العراقي‮. ‬أما نقطة الضعف الثالثة،‮ ‬فتتمثل في المادة‮ ‬140‮ ‬منه،‮ ‬المتعلقة بمصير كركوك‮.‬ ومع الانسحاب الأمريكي من العراق،‮ ‬تتجدد المخاوف من تجدد الصراع ما بين أربيل وبغداد حول كركوك الغنية بالنفط‮.‬

كما يعد‮ ‬غياب التوافق السياسي من أهم تحديات المرحلة،‮ ‬وذلك في ظل جنوح الأحزاب والتيارات السياسية نحو الاصطفاف الطائفي والمذهبي على حساب الشعارات السياسية والمبادئ الوطنية‮. ‬إضافة لعدم الفصل بين السلطات فصلا حقيقيا،‮ ‬إلى جانب الهيئات المستقلة،‮ ‬وحرية الإعلام المهددة بقيود تتضمنها تشريعات مطروحة أمام البرلمان‮.

‬وعن قضية تمكين المرأة، أوضحت النقاشات أن المرأة العراقية لم تأخذ مكانتها، فلم يكن لها وجود يذكر في الحكومة الجديدة‮.‬ كما اتسمت الأدوار السياسية التي أسندت للنساء خلال الحكومات السابقة منذ عام‮ ‬2003‮ ‬بالهامشية،‮ ‬ولا تعدو كونها إسنادا بروتوكوليا وصوريا لا يبحث عن دور حقيقي‮.

‬وعلى الرغم من وجود نظام الكوتا النسائية بنسبة‮ ‬25٪‮ ‬في البرلمان العراقي،‮ ‬فإن هذا النظام في حد ذاته‮  ‬قد أسهم في عدم إتاحة الفرصة للنساء ذوات الكفاءة للوصول إلى المنصب المناسب لإمكانياتهن، فكانت له نفس الآثار السلبية المصاحبة للعمل بنظام المحاصصة‮.‬

غياب دور عربي واضح‮:‬

رأى المؤتمر أن الدور العربي اقتصر على صيغة المبادرات الفردية لبعض الدول العربية، طبقا لمصالحها ولأوضاع العراق الأمنية والسياسية،‮ ‬وكانت النتيجة أن الدور العربي همش عن عمد من جانب الولايات المتحدة وبعض التيارات العراقية،‮ ‬أو عن رضا من جانب الدول العربية ذاتها التي راقبت عن بعد‮. ‬وكان لهذا الغياب العربي العديد من التأثيرات والتداعيات السلبية، منها‮:

أولا‮ - ‬وجود فراغ‮ ‬استراتيجي هائل سمح بنمو أدوار قوي إقليمية أخري، أبرزها الدور الإيراني الذي تغلغل،‮ ‬وأضحي مؤثرا أساسيا في المعادلة العراقية الأمنية والسياسية‮.‬

ثانيا‮ - ‬انسلاخ العراق من محيطه العربي،‮ ‬ومن وجود دور عربي فاعل لمساعدته في الخروج من مأزقه السياسي والأمني‮. ‬وكان يمكن للدول العربية، لو انخرطت في التفاعلات العراقية، أن تساعد العراق بشكل كبير في الخروج من محنته في السنوات التسع الماضية، وتسهم في تقليل الخسائر المادية والبشرية‮.‬

توصيات المؤتمر‮:‬

خلصت المناقشات لحقيقة مفادها أن العملية الديمقراطية ليست قرارا سياسيا يؤخذ بجرة قلم،‮ ‬إنما هي عملية تنشئة اجتماعية اقتصادية متكاملة تستغرق وقتا‮.‬ ولذا،‮ ‬كان للمشاركين عديد من الآراء والتوصيات للوصول للآليات المثلي لتحقيق الديمقراطية في العراق، أهمها‮:‬

أولا‮ - ‬على الصعيد الداخلي‮: ‬أوضح المشاركون أهمية بناء العراق الجديد على أساس دولة المؤسسات،‮ ‬وهو ما يحتاج إلى تضافر كل الجهود لوضع خطط استراتيجية من شأنها أن تضع أساسا متماسكا للبلاد بمختلف قطاعاته،‮ ‬بعيدا عن سياسة الأهواء والارتجال التي كان يدار بها البلد في فترة النظام البائد‮. ‬

وفي إطار الوضع الأمني،‮ ‬ولاسيما بعد تهديدات أطلقتها فصائل منضوية تحت لواء تنظيم القاعدة بأنها ستصعد من هجماتها في البلاد، بات على العراقيين تسوية الخلافات السياسية بين تياراتهم المختلفة لضمان توحد الكلمة والهدف كسبيل أساسي ووحيد للوصول إلى وضع أمني يضمن لكافة طوائف المجتمع سلامتهم‮.

كما يتعين على السياسيين ومتخذي القرار التفكير في إعادة صياغة دستور وطني،‮ ‬يمكن معه تلافي أخطاء وقصور الدستور الحالي بشكل يضمن وحدة البلاد وسلامة أراضيها،‮ ‬ولا يؤسس للطائفية والفرقة، كما هو الحال في الدستور الحالي‮.‬

ثانيا‮ -  ‬على الصعيد الإقليمي‮: ‬هناك ضرورة قصوي وملحة للبدء في عملية منظمة ومتدرجة لملء الفراغ‮ ‬الذي سيخلفه خروج القوات الأمريكية، وموازنة أدوار الأطراف‮ ‬غير العربية، سواء بالتنسيق معها أو بمنافستها، بحيث تتكامل وتشكل منظومة مصلحية مشتركة بين دولة عربية‮ -‬أو أكثر‮- ‬والعراق معا، في مختلف المجالات‮.

‬وعلى جامعة الدول العربية العمل لتضييق الفجوة الحاصلة بين العراقيين، ليس فقط طائفيا، لكن أيضا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا‮.‬ كما ينبغي أن تتجاوز أهداف الدور العربي مجرد تقديم المساعدات الإنسانية،‮ ‬والمساعدة الهامشية في تحقيق المصالحة الوطنية،‮ ‬وتقديم النصح والإرشاد، إلى دور شامل،‮ ‬وإلى فتح قنوات حوار مع جميع الطوائف والفصائل العراقية،‮ ‬بحيث لا يقتصر الحوار فقط على الحكومة العراقية‮.‬


رابط دائم: