أنشطة السياسة الدولية - مؤتمرات وندوات

"ندوة" الثورة والثورة المضادة:| ديفيد أوتاواي: الحراك الشعبي الحالي ليس كفيلا بتحقيق تطور سياسي وديمقراطي حقيقي

طباعة

أدت الاضطرابات المتكررة التي أعقبت ثورات الربيع العربي إلى اتهام بعض الدول التي لا ترغب في التغيير إلى تصدير ما يعرف بالثورات المضادة، وذلك للحفاظ على مصالحها. في هذا السياق، تناول الصحفي المرموق ديفيد أوتاواي David Ottaway - الذى عمل كمراسل للنيويورك تايمز والواشنطن بوست منذ منتصف الستينيات من القرن الماضى وحتى منتصف العقد المنصرم- موضوع "الثورات والثورات المضادة" في إطار الربيع العربي، في ندوة عقدت بالجامعة الأمريكية يوم الخميس 13 من أكتوبر الماضي .

استندت محاضرة أوتاواى إلى فكرة رئيسية ، هى أن مصطلحي"الثورة والثورة المضادة" يتسمان بالتبسيط الشديد، مما لا يساعد على فهم واقع أحداث الربيع العربي بكل تعقيداته وتفاصيله الدقيقة، وهي تفاصيل لا تزال في مراحلها الأولية، مما يمنع تشبيهها بسوابق تاريخية. وقد عبر المحاضر عن رأي أثار استغراب واعتراض العديد من الحاضرين، وهو أن وصف أحداث 25 يناير بالثورة الحقيقية لا يزال موضع شك، فهذه الأحداث- من وجهة نظره- أقرب إلى انتفاضة شعبية أو صحوة ديمقراطية من كونها ثورة. كما أن استخدام مصطلح الثورة يرفع سقف التوقعات بقوة، ويزيد من الإحباط، إذا لم تتحقق تلك التوقعات . وقد بدأ العديد من المصريين يشكّون في أن ثورتهم/انتفاضتهم قد تم إجهاضها بالفعل، نظرا للانفلات الأمني السائد ، والفشل في القضاء على النظام القديم، وما تمثله أحداث ماسبيرو من نذير لما يمكن أن تئول إليه الأمور في مصر.

وفي الوقت الذي تشهد فيه  مصر إرهاصات انتفاضة عمّالية ، يمكن أن تعزز الزخم الثوري مرة أخرى إذا ما اشتدت، يصر أوتاواى على أن الحراك السياسي والشعبي الحالى، رغم أهميته، ليس كفيلا بتحقيق تطور سياسي ديمقراطي حقيقي . كما أن انتفاضة 25 يناير لم تحقق أية تغييرات اقتصادية أو اجتماعية، مع أن هناك من يتحدث عن نمو دور الإسلام في المجتمع . ولا يزال تأثير 25 يناير فى الساحة السياسية غيرواضح، فهل ستخلق صفوة جديدة وتفتح باب الديمقراطية على مصراعيه، أم ستظل القوات المسلحة في الحكم؟

استعرض أوتاواي بعض التجارب التاريخية التي يعدها ثورات حقيقية، مثل ثورة 1952 في مصر التي أطاحت بالملكية، وجاءت بصفوة سياسية جديدة، ونظام اقتصادي وسياسي جديد قائم على الاشتراكية والقومية العربية، والثورات البعثية في سوريا والعراق، والتي أتت بعدة تغييرات مشابهة لتجربة الضباط الأحرار، وخلقت طبقة حاكمة جديدة تمزج بين القوات المسلحة وحزب البعث.

كما أشار إلى الثورة الجزائرية، التي أنهت الاستعمار الفرنسي، وأدت إلى تغييرات سياسية وديموغرافية هائلة مع رحيل الفرنسيين القاطنين بالجزائر، والى إسقاط نظام سيلاسي في إثيوبيا، الذي أدى إلى القضاء على الملكية تماما، وإلى إرساء نظام حكم شيوعي. أشار أيضا إلى ثورات الألوان في شرق أوروبا في بداية القرن الحالي، والتي فسرها كامتداد لثورات 1989 وتداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث سبقها تسلسل طويل من الأحداث دام أكثر من عقد.

وركز على أهمية دراسة التجربة السودانية، محذرا من تكرار سيناريو مشابه لها في مصر. فقد أطاحت ثورة أكتوبر عام 1964 بالنظام العسكري، واستبدلت به حكما مدنيا، ثم وقع انقلاب عسكري في عام 1969 أتي بجعفر نميري إلى الحكم، قبل أن ينقلب عليه سوار الذهب في عام 1985 .أشار أوتاواي إلى التشابه بين ظروف إسقاط نميري وإسقاط مبارك، فنميري قد استخف في بداية التمرد عليه بالمظاهرات وأعمال الشغب ، بينما أدركت الصفوة المدنية والطبقة الوسطى مدى تهميشه، وراهنت على التكاتف للخروج عليه، والضغط على الجيش للإطاحة به، مع الثقة في أن الجيش لن يلجأ للعنف ضدهم للدفاع عن نظامه، وهو ما حدث بالفعل. وعد الحاكم العسكري سوار الذهب بتسليم السلطة بعد عام واحد، وأوفى بوعده، لكن الحكام المدنيين فشلوا في معالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، مما فتح الباب لانقلاب عسكري جديد تحت قيادة عمر البشير. ويخشي أوتاواي أن يتكرر هذا المشهد في مصر، إذا فشل المدنيون في السيطرة على زمام الأمور، والحيلولة دون انهيار اقتصادي.

وتطرق أوتاواي إلى ملف السعودية وموقفها من الربيع العربي، حيث يعدها العديدون معقل الثورة المضادة. تقوم السعودية بكل ما تقدر عليه لوأد الثورة محليا، فهي أعلنت أنها لن تبيح التظاهر، وأغدقت الأموال على الغاضبين من الطبقة الوسطى لمعالجة بعض مظالمهم. ولم يكن من الممكن أن تسمح السعودية بنجاح الانتفاضة الشعبية في البحرين، نظرا لأبعادها الطائفية ومخاوفها من انتفاضة شيعية داخل حدودها، فهي ترى البحرين بمثابة جزء من سياستها المحلية. وعلى النقيض، أيدت السعودية قرار الجامعة العربية دعم التدخل العسكري الغربي في ليبيا، وتزعم دعمها لتنحي صالح في اليمن، ربما تمهيدا لتغييره بحاكم سلطوي جديد يراعي مصالحها، كما تؤيد الثورة في سوريا وإسقاط بشار الأسد، حيث يشن الإعلام السعودي حاليا حملة معادية للنظام البعثي وللعلويين. كما تعهدت المملكة بتقديم مساعدات للاقتصاد المصري تناهز أربعة مليارات دولار، ومن الجائز أنها تدعم التيار السلفي في مصر لبسط نفوذها إقليميا.

وبالنظر إلى كافة تصرفات النظام السعودي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، فيمكن الجزم، حسب رأي أوتاواي، بأن السعودية لا تعمل بأجندة "الثورة المضادة" ، لكنها تعمل وفق مبدأ  Realpolitik  أو "الواقعية السياسية" بما يتناسب مع مصالحها.

وحينما سئل عن موقف الولايات المتحدة من الربيع العربي، صرح أوتاواي بأن العم سام، على غرار العادة، يتبع مصالحه، وأنه مع دخول موسم الانتخابات، فإن الرئيس أوباما سوف يوجه معظم طاقاته إلى السياسة المحلية، وسيتبع سياسة خارجية محافظة وتقليدية. وأشار أوتاواي إلى مبادرة بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بطرح قانون يمنع المعونة الأمريكية عن القوات المسلحة، حتى يتم إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتسليم السلطة للمدنيين، لكن هذه المبادرة لم تحظ بتأييد ملحوظ. واعترف أوتاواي بأنه وارد جدا أن تؤيد الولايات المتحدة سيناريو الحكم العسكري في مصر، خاصة إذا ازدادت مخاوفها من هيمنة الإسلاميين.

ونفى أوتاواي الرأي السائد لدى البعض بأن انتفاضة 25 يناير كانت صداما بين الأجيال، فالمشاركون بها جاءوا من كافة الفئات العمرية. وأفاد -تعليقا على الإخوان المسلمين- أنه يرجح أن يحافظ الإخوان على مصالحهم السياسية عبر مواصلة تشكيل تحالفات سياسية مع أحزاب تختلف معهم فكريا، وأن يتفادوا الخطاب الديني المتشدد الإقصائي.

طباعة

    تعريف الكاتب

    شريف محمد رشدي

    شريف محمد رشدي

    باحث في العلوم السياسية