كيف يفكر العالم

مستقبل حزب نداء تونس في الانتخابات القادمة

طباعة
عرض: سارة محمود خليل، باحثة في العلوم السياسية 
 
مع اشتداد الخلافات الداخلية العميقة التي يشهدها حزب نداء تونس، المنافس القوى لحزب النهضة، بسبب الصراع الأيديولوجي بين أعضائه، تُثار تساؤلات حول المستقبل السياسي للحزب، لا سيما مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التونسية المُقرر إجراؤها أواخر شهري أكتوبر ونوفمبر المقبلين. 
 
وفي محاولة للتعرف على أسباب تأسيس الحزب، وحقيقة التوترات الداخلية التي يشهدها حزب نداء تونس، ومدى تأثيرها فى المكاسب التي يمكن أن يحصدها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، ومستقبله السياسي، نشر موقع معهد الشرق الأوسط (MEI) تحليلا في يوليو 2014 بعنوان "مستقبل حزب نداء تونس"، للباحثة آن وولف، المتخصصة في الشئون التونسية. 
 
دوافع تأسيس الحزب 
 
ذكرت الباحثة أن حزب نداء تونس، الذي يترأسه رئيس الوزراء الأسبق، الباجي قائد السبسي، طرح نفسه كبديل لحزب النهضة الإسلامي، منذ أن تم تأسيسه رسمياً في يوليو 2012. وقد استمال الحزب مجموعة واسعة من ذوي التوجهات الأيديولوجية المختلفة، بما فيها حركة الدستوريين الأحرار، والاتحادات التجارية، واليساريون والمستقلون، بالإضافة إلى الأعضاء السابقين في حزب زين العابدين بن على "التجمع الدستوري الديمقراطي". 
 
وعلى الرغم من الاختلافات الأيديولوجية بين الأعضاء، فإنهم اتفقوا على التوحد ليكونوا بمنزلة جبهة مضادة للإسلاميين، لمواجهة التحديات التي تواجهها البلاد، والتي تتمثل في الركود الاقتصادي، والتأخر في صياغة الدستور، وأعمال العنف النابعة من دوافع دينية. 
 
خلافات متصاعدة 
 
أوضحت الباحثة أن التوترات الداخلية داخل حزب نداء تونس أدت إلى تكهن وسائل الإعلام في منتصف يوليو 2014 بقرب استقالة أمين عام الحزب، الطيب البكوش، وذلك بسبب الخلاف حول تحديد موعد المؤتمر التأسيسي الأول للحزب قبل أو بعد الانتخابات، والذي من المفترض أن يقرره الهياكل القيادية بالحزب واللجنة التنفيذية. 
 
وبسبب الخلافات القائمة، أشارت الباحثة إلى اتفاق السبسى مع رضا بلحاج، والطيب البكوش – كرموز للعديد من المستقلين واليساريين والاتحادات التجارية - على تأجيل عقد المؤتمر إلى يونيو 2015 من أجل الاستعداد لتنظيم هذا الحدث المهم في الوقت المناسب. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأجواء لا تزال متوترة داخل الحزب، في ظل معارضة بعض الأعضاء انضمام أعضاء حزب بن على السابق كأعضاء في الحزب. 
 
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل زادت الخلافات الأيديولوجية بين الأعضاء، وفي ذلك أشارت الباحثة إلى تصريح الطيب البكوش، نائب حزب نداء تونس، الذي قال "إنني لا أتوقع استمرار الحزب في تشكيله الحالي حتى الانتخابات، وعلى الجميع أن يدرك أن برامج الجناحين الرئيسيين في الحزب متعارضة، وليس من مصلحتنا العمل معاً". 
 
وألمحت الباحثة إلى أن الأزمة داخل الحزب أثرت سلباً فى مشاركة الاتحاد من أجل تونس، الذي تأسس في فبراير 2013 ، ويجمع بين العديد من الأحزاب العلمانية تحت مظلة واحدة، في ظل الهيمنة المتزايدة للدستوريين، بمن فيهم أعضاء حزب التجمع الدستوري السابق داخل الحزب. 
 
ففي يونيو 2014، وصف سمير الطيب، المتحدث باسم حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، الاتحاد من أجل تونس بـ"المنهار" بسبب الأزمة داخل حزب نداء تونس، وقال إنه موجود كاسم فقط. وتزايدت الخلافات في الشهر الماضي، عندما قرر حزب نداء تونس أن يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة منفصلاً، بدلاً من أن يكون جزءاً من قائمة الائتلاف، لأنه يحظى بالكثير من دعم الناخبين أكثر من شركائه في الائتلاف. 
 
وانتقدت الباحثة والعديد من أعضاء حزب نداء تونس، خاصة اليساريين والمستقلين، قرار الحزب عدم خوض الانتخابات كجزء من قائمة ائتلاف الاتحاد من أجل تونس، موضحين أنه حتى الأحزاب التى لديها دعم ناخبين أقل – مثل حزب المسار- لديها العديد من الشخصيات التى تحظى بالاحترام، وستكون إضافة على القوائم المشتركة. 
 
هل يستطيع الحزب التوحد؟ 
 
طرحت الباحثة تساؤلاً حول قدرة أعضاء حزب "نداء تونس" على التوحد والاتفاق على مبادئ أساسية لتكون عاملا لكسب ثقة الناخبين مع قرب الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في أكتوبر ونوفمبر من العام الجاري.  
 
وفي سياق متصل، أشارت الباحثة إلى القاعدة الشعبية التي يحظى بها الحزب، حيث حصل في نتائج استطلاع الرأي- الذي أجري في أبريل 2014 حول نيات تصويت الناخبين التونسيين في الانتخابات البرلمانية القادمة- على نسبة 20%، وجاء في المركز الثاني حزب النهضة بنسبة 14%. 
 
وبناء على تلك النتائج، تساءلت الباحثة: هل ستؤثر الخلافات القائمة بين قيادات الحزب فى مكاسبه الانتخابية، رغم قاعدته الشعبية؟. مشيرة إلى أنه ربما تكون أصوات الناخبين المقيدين، رغم قلة عددهم، لمصلحة الإسلاميين، بسبب ما أظهره نداء تونس أخيرا من بوادر تكرار العديد من أخطاء الأحزاب العلمانية في البرلمان، مما يهدد شعبيته.   
 
لفتت الباحثة إلى أن الطموحات السياسية للسبسى، بما فيها الحملة الرئاسية، عززت التوترات الداخلية في الحزب، في ظل انشغاله خلال الأسابيع الأخيرة بالحملة الانتخابية أكثر من الاهتمام بشئون الحزب.  
 
وأشارت إلى أنه في حال إذا ما انتخب السبسى كرئيس، فإن الحزب سيتأثر بشكل كبير للغاية، ودللت على ذلك بالإشارة إلى نموذج حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والذي كان يضم تيارات أيديولوجية متنوعة، وله زعيم واحد قوى، ولكنه انهار تقريباً، عندما أصبح المنصف المرزوقي رئيساً، واضطر لوقف جميع مسئولياته الحزبية، كما كان حزب المؤتمر من أجل الجمهورية هو أكبر حزب شهد عددا من الاستقالات في البرلمان. 
 
ويتوقع معظم المحللين في الوقت الحالي أن المرشح الرئاسي للنهضة ستكون له فرصة أكبر من فرص انتخاب السبسى، نظراً للدعم الشعبي للرئيس الإسلامي. وأشارت الباحثة إلى أنه لا يمكن للسبسى ضمان حصوله على أصوات التونسيين العلمانيين، الذين يشعرون بأن مطالب الثورة لم تتحقق، بعدما أدان السبسى أخيرا لجنة تقصى الحقائق التونسية، المًكلًفة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن رفض الكثيرين لاقتراح السبسى تأجيل الانتخابات، لأن من شأنه انتهاك الدستور. 
 
مستقبل تحالف النهضة مع نداء تونس؟ 
 
تطرقت الباحثة إلى المخاوف التى أبداها بعض أعضاء حزب نداء تونس أخيرا من الاتفاق السري بين كبار قادة النهضة ونداء تونس، الذين يعتقدون أن الحكومة الائتلافية ممكنة عملياً. ويرون أن التحالف - في مرحلة ما بعد الانتخابات- سيكون في مصلحة الإسلاميين أكثر منه في مصلحة حزب نداء تونس.  
 
وعارض الكثير من أعضاء حزب النهضة الصعود الأخير لحزب نداء تونس، لأنهم يرونه عودة لأنصار حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، الذي كان معروفا باضطهاد الإسلاميين، مشيرين إلى أن الحزب ربما يتبني سياسات وقرارات ضد مبادئه الخاصة تحت الضغط. فعلى سبيل المثال، صوت الحزب ضد قانون منع الأعضاء السابقين لحزب بن على من الترشح للانتخابات، الأمر الذي عرض الحزب لانتقادات شديدة من أعضائه.     
 
وتوقعت الباحثة استقالة الكثير من الأعضاء الذين انضموا إلى الحزب لرفضهم الإسلاميين بالأساس، في حالة عقد تحالف مع حزب النهضة، حيث يعتمد نداء تونس دائماً على تعريف نفسه بأنه معارض للإسلاميين. 
 
وطرحت الباحثة هذا التساؤل بسبب التحديات الكبيرة التي سيواجهها الحزب في الشهور المقبلة، لذلك فإن قدرته على الحكم، وتقديم حلول للمشاكل الرئيسية للفترة الانتقالية في تونس، في ظل الركود الاقتصادي، وارتفاع أعمال العنف ذات الدوافع الدينية، لا تزال محل شك.  
 
وذكرت الباحثة أن الأولويات العامة للحزب، التى تم الاتفاق عليها، تتمثل في الاستجابة لمطالب الثورة، ودمج المناطق الداخلية المُهمشة في الاقتصاد، موضحة أن تحقيق ذلك ليس بالأمر اليسير على أعضاء الحزب، بسبب الاختلافات الأيديولوجية بينهم، لذلك فإنه من الصعب الاتفاق على سياسات حقيقية لتحقيق ذلك. 
 
وألمحت الباحثة إلى أن المعضلة الرئيسية للحزب هي أن المسئوليات الداخلية للحزب لم يتم الاتفاق عليها بشكل ديمقراطي، لذلك فإن القرارات ليست خاضعة للمساءلة، في ظل قيام حافظ السبسى -نجل الباجى قائد السبسى- بمهام الهياكل الداخلية للحزب، على الرغم من عدم خبرته في هذا الشأن. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من كبار القادة لديهم علاقات وثيقة مع قادة قطاع الأعمال، وربما يكونون أقل ميلاً لإجراء إصلاحات ضد مصالحهم. 
 
وإجمالاً للقول، شككت الباحثة في ثقة بعض قادة حزب نداء تونس في القاعدة الشعبية للحزب بأنها في غير محلها، حيث لم يقرر العديد من الناخبين من ينتخبون بعد. كما أن المعارك الداخلية، والفشل التدريجي للاتحاد من أجل تونس، أسهما في انخفاض شعبية الحزب، مشيرة إلى ضعف أداء الأحزاب العلمانية في الانتخابات الأخيرة، بسبب فشلها في تشكيل تحالفات وائتلافات قوية لاعتقادها الخاطئ بأن لديها قاعدة شعبية قوية.  
 
وأوضحت أنه إذا كان لدى قادة الحزب رغبة حقيقية فى معالجة التحديات الاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية في تونس، فإنه ينبغي البحث عن حلول فعلية للتناقضات الداخلية، وإدارة شئون الحزب بشكل ديمقراطي. 
طباعة

تعريف الكاتب

آن وولف

آن وولف

باحث في الشئون التونسية