كتب - كتب أجنبية

تهديد عالمي:|أبعاد المنافسة الجيوسياسية بين الدول على المياه

طباعة

عرض :رضوي عمار- باحثة دكتوراه في العلوم السياسية،‮ ‬جامعة القاهرة

Brahma Chellaney, Water, Peace and War:Confronting the Global Water Crisis, (USA: Rowman & Littlefield Publishers, 2013)

أضحت المياه تشكل أكبر تحد يواجه عالم اليوم، بل إن تصاعد وتيرة المواقف السياسية المتعلقة بقضايا المياه بات‮ ‬يؤكد أنها المصدر القادم لتهديد الأمن،‮ ‬خاصة في ظل المنافسة الشرسة على الموارد الطبيعية‮. ‬في هذا السياق،‮ ‬تأتي أهمية هذا الكتاب (المياه، السلام، والحرب‮: ‬مواجهة أزمة المياه العالمية) الذي يعد دراسة للروابط العالمية بين المياه والسلام والحرب، لكاتبه براهما تشيلاني، وهو أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسات في نيودلهي، وله العديد من الكتابات في قضايا المياه‮.‬

المياه في عصر الندرة‮:‬

يؤكد الكاتب أن المياه أهم مورد في العالم كله،‮ ‬والحياة ليست ممكنة بدونه، فالدول يمكنها استيراد وقود أحفوري، وخامات معدنية،‮ ‬وموارد حيوية مثل السمك والخشب،‮ ‬لكن لا يمكنها استيراد المياه،‮ ‬أو على الأقل ليس بطريقة مستدامة،‮ ‬نتيجة ارتفاع تكلفة سعر المياه عند النقل‮. ‬وأشار إلى أن المياه أكثر كثافة من النفط،‮ ‬الأمر الذي يجعل شحنه أو نقله عبر مسافات طويلة، ولو حتى عن طريق خطوط أنابيب،‮ ‬أمرا باهظ التكلفة،‮ ‬ويحتاج إلى مضخات ضخمة وكثيفة الاستهلاك للطاقة،‮ ‬وهو ما دلل عليه بارتفاع تكلفة الماء المعبأ في زجاجات عن سعر النفط الخام في السوق‮.‬

في هذا السياق، لفت الكاتب إلى أن ندرة المياه والمياه‮ ‬غير النظيفة هما‮ "‬أكبر قاتل في العالم‮"‬، ومع ذلك لا يزال خمس البشر يفتقد المياه الصالحة للشرب والمتاحة بسهولة،‮ ‬وأكثر من نصف سكان العالم في الوقت الراهن يعيش تحت خط الفقر المائي‮. ‬وفي هذا الشأن،‮ ‬يشير إلى أنه من اللافت للنظر أن عدد الناس الذين يمتلكون هواتف محمولة أكبر من الذين يمكنهم الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي‮.‬

ويحذر الكاتب من ظهور‮ "‬لاجئي المياه‮" ‬بعد عقد واحد،‮ ‬وتوقع ظهور مائة مليون لاجئ قبل حلول منتصف القرن‮. ‬وفي هذا الإطار،‮ ‬أشار الكاتب إلى أن الانتفاضات الشعبية،‮ ‬التي اجتاحت العديد من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط عام‮ ‬2011،‮ ‬كانت تدور في إحدي صورها حول المياه‮. ‬ويفسر الكاتب ذلك بأن تلك الانتفاضات جاءت نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء الناجمة عن‮ "‬أزمة المياه العذبة المتفاقمة في الإقليم‮".‬

المياه أداة الصراع القادم‮:‬

ذكر الكاتب أن المنافسة الجيوسياسية الدولية المحتدمة على الموارد الطبيعية كانت سببا في تحويل بعض الموارد الاستراتيجية إلى محركات للصراع على السلطة،‮ ‬مشيرا إلى أن هناك بدائل للعديد من الموارد،‮ ‬بما في ذلك النفط،‮ ‬ولكن لا توجد بدائل للمياه‮.‬

ويشير الكاتب إلى أنه على الرغم من عدم قيام حرب في العصر الحديث من أجل المياه، فإن المياه شكلت عاملا رئيسيا في العديد من الصراعات المسلحة مثل حرب الأيام الستة في عام‮ ‬1967،‮ ‬التي انتهت بسيطرة إسرائيل على منابع نهر الأردن، والحرب بين الهند وباكستان عام‮ ‬1965‮ ‬في ولاية جامو وكشمير‮. ‬وتسجل الأمم المتحدة‮ ‬37‮ ‬حالة من حالات اندلاع العنف ذات الصلة بالمياه بين الدول منذ نهاية الحرب العالمية الثانية‮.‬

وفي هذا الإطار، ذكر الكاتب أن الصراعات على المياه ترتبط على نحو كبير بتدفق المياه من دولة إلى أخري،‮ ‬ومن ثم‮  ‬التنافس الوطني على الأنهار والبحيرات والشواطئ والأنهار الجليدية الذي تجسد في سلسلة من‮ "‬حروب المياه‮"‬،‮ ‬مشيرا إلى أن المياه العابرة للحدود الوطنية تحولت إلى مصدر رئيسي للمنافسة والصراع‮.‬

ويشير في ذلك إلى ما يدور بالفعل من حروب سياسية واقتصادية في العديد من المناطق،‮ ‬والتي تتضح في بناء السدود على الأنهار الدولية، والدبلوماسية القسرية، أو‮ ‬غير ذلك من السبل لمواجهة ومنع هذه الأعمال،‮ ‬التي لم تقتصر على الدول النامية،‮ ‬بل امتدت إلى دول عرفت بالتقدم والرفاهية‮.‬

ويدلل على ذلك بما سماه حرب المياه الصامتة بين إثيوبيا ومصر، والناجمة عن بناء إثيوبيا لسد على النيل الأزرق، الأمر الذي أثار تهديدات مصرية بشن عمليات عسكرية انتقامية سرية أو علنية‮. ‬كما اتضح أيضا في النزاعات التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا، واستراليا‮.‬
من ناحية أخري، أشار الكاتب إلى تقرير مشترك للاستخبارات الأمريكية،‮ ‬تم إعداده بناء على طلب وزارة الخارجية عام‮ ‬2012،‮ ‬حذر من أن استخدام المياه كسلاح أو أداة للإرهاب قد يصبح أكثر احتمالا في العقد المقبل في بعض المناطق،‮ ‬وأن وزارة الخارجية الأمريكية قد رفعت مسألة المياه إلى مستوى‮ "‬المصالح المركزية للسياسة الخارجية الأمريكية‮".‬

المياه والسلام‮:‬

على الرغم من اتفاقيات المياه الدولية التي تم توقيعها،‮ ‬والتي وصلت إلى أكثر من مائتي اتفاقية منذ الحرب العالمية الثانية، فإن هذه الاتفاقيات تفتقر إلى آليات لتسوية النزاعات،‮ ‬وحتى آليات رصد لتطبيق القواعد،‮ ‬فضلا عن خلو معظمها من ضوابط رسمية لتقسيم المياه بين المستخدمين، كما أن الكثير منها لم يضم الدول الواقعة على أحواض مائية رئيسية‮.‬

من ناحية أخرى، أكد الكاتب إلى أن النزاعات الداخلية ترجع بشكل رئيسي إلى مشكلات تتعلق بتخزين المياه،‮ ‬وغياب قواعد واضحة لتنظيم تقاسم الأحواض، مشيرا في ذلك إلى أن‮  ‬الصراع الدموي في دارفور بالسودان نشأ عن صدامات حول الحقوق في المياه،‮ ‬وحقوق الرعي‮.‬

وفي هذا السياق،‮ ‬شدد الكاتب على أن التعاون الدولي حول المياه لا يزال يواجه تحديات رئيسية تشمل إدارة النزاعات حول مشاركة الموارد المائية، وغياب التعاون القائم على المؤسسات،‮ ‬والامتثال للقيم الدولية، ومحدودية دعم التمويل لمبادرات الحوض، فضلا عن تزايد عدم الثقة،‮ ‬والانقسامات على المستويات الإقليمية والدولية‮.‬

وقد أكد في ذلك أن الحيلولة دون نشوب حروب المياه تتطلب التعاون القائم على قواعد محددة لتقاسم المياه،‮ ‬وآلية مستمرة لتبادل المعلومات، بالإضافة إلى توفير آليات لتسوية النزاعات،‮ ‬وأن قدرة المجتمع الدولي على تجنب حروب المياه في العقود القادمة سوف تعتمد على القدرة على توقع بؤر التوترات وأسباب النزاع، وإيجاد حلول فنية ومؤسسية لإدارة الصراعات الناشئة،‮ ‬وهو ما يؤكد من وجهة نظره أهمية تحقيق الشفافية، والتعاون،‮ ‬والمشاركة عبر الحدود‮.‬

وفي الأخير،‮ ‬نشير إلى ما أكده الكاتب من إدراك المجتمع الدولي لأهمية المياه كحق من حقوق الإنسان الأساسية، وفي هذا يشير إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة أغسطس‮ ‬2010‮ ‬بعنوان‮ "‬حق الإنسان في الحصول على المياه والصرف الصحي‮"‬،‮ ‬والذي يؤكد حقيقة أهمية المياه المتصلة بجوانب كثيرة من صحة الإنسان،‮ ‬والتنمية،‮ ‬والرفاه ذات الصلة بالأهداف الإنمائية للألفية،‮ ‬والتي تتضمن القضاء على الفقر المدقع والجوع،‮ ‬في إشارة إلى الاحتفال باليوم العالمي للمياه في‮ ‬22‮ ‬مارس من كل عام‮.‬

طباعة

تعريف الكاتب

براهما تشيلاني

براهما تشيلاني

أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسات في نيودلهي